ناحوم
برنياع:
ولا
كلمـة للأسـد
الأمريكيون
يعارضون حواراً سورياً –
إسرائيلياً .. لكن الإسرائيليين
يفضلون
يعرض المحلل الصحافي الإسرائيلي
ناحوم برنياع في مقاله هذا
جانباً من المضامين اللافتة
للانتباه للقاء رفيع المستوى
بشأن الشرق الأوسط عقد مؤخراً
في العاصمة الأمريكية واشنطن.
فإلى جانب تطرقه إلى التحولات
التي طرأت على شخص الرئيس
الأمريكي الأسبق بيل كلينتون،
والذي شارك في الاجتماع؛ فإنّ
برنياع يخصِّص جلّ المقال
المنشور في صحيفة "يديعوت
أحرونوت" العبرية، في عددها
الصادر في العاشر من كانون
الأول (ديسمبر) 2004؛ للموقفين
الأمريكي والإسرائيلي من دمشق،
والمؤشرات الصادرة من القيادة
السورية بشأن استئناف مسيرة
التسوية السياسية مع الدولة
العبرية.
وما لفا اهتمام ناحوم برنياع بصفة
خاصة هو أنّ الدوائر الرسمية
وغير الرسمية الهامة في
الولايات المتحدة تعارض بصورة
قاطعة فتح حوار بين الجانبين
الإسرائيلي والسوري، في الوقت
الذي يميل فيه الإسرائيليون
للشروع في حوار كهذا، وذلك على
خلفية التطورات في العراق.
ولا
كلمة للأسد
بقلم:
ناحوم برنياع
حاييم صبّان هو إسرائيلي ناجح
جداً من الناحية السياسية
والاقتصادية في الولايات
المتحدة. في نهاية الأسبوع
الماضي عقد في واشنطن تحت مظلة
المركز الذي أنشأه لدراسة الشرق
الأوسط مؤتمراً دعا إليه ثلة من
الإسرائيليين والأمريكيين.
كان من بين الأمريكيين بيل
وهيلاري كلينتون، هيلاري ظهرت
بصورة منفصلة، والسناتور جو
ليبرمان، وهنري كيسنجر، وبول
وولفوفيتز، ورئيس الـ "سي آي
إيه" سابقا جيمس وولسي، وكبار
الإدارة الأمريكية الذين عملوا
في دائرة الشرق الأوسط سابقاً
وحالياً، ومن بينهم ساندي بيرغر
ودنيس روس ومارتين إنديك وروف
مالي وروبرت دنين وسام لويس
وغيرهم.
لقد تركت الأزمة السياسية في
البلاد (الدولة العبرية) بيريز
وباراك وموفاز في الوطن. ومع
ذلك؛ فقد جاء إلى المؤتمر كل من
تسيبي لفني وآمنون ليبكين شاحاك
ودان مريدور وايتمار
رابينوفيتش ورئيس مجلس الأمن
القومي غيورا آيلاند ورئيس
الطاقم السياسي لوزير الدفاع
عاموس جلعاد وغيرهم.
وحسب قواعد اللعبة المحددة؛ لا
يُفترض بي أن أنقل ما قاله كل
واحد من المشاركين. فعن ماذا
سأتحدث وأكتب للقراء في الوطن؟
سأكتب عن ظاهرتين مثيرتين؛
الأولى سياسية وموضوعها سورية،
والثانية محزنة وموضوعها بيل
كلينتون.
لقد مرّ بيل كلينتون قبل أسابيع
قلائل بأزمة قلبية. لقد أدّت هذه
الأزمة، كما هو معروف في حالته؛
إلى فقدانه الكثير من وزنه، مع
أنه يزعم أنه فقد القليل، كما
قال لي. لقد أصبحت عيونه الزرقاء
أوسع من السابق، وانكمش جسده،
لقد قصرت ذراعاه الكبيرتان
الدافئتان اللتان عانقتا أكتاف
كل زعماء الشرق الأوسط. وتبدو
بدلته وكأنها قد استعيرت من أحد
آخر، صوته الذي كان دائماً
عالياً أصبح ضعيفاً واهناً.
ومثل الكثيرين من ذوي الأزمات
القلبية؛ أصبح متمركزاً جداً
حول مرضه. أحد الإسرائيليين
الذين مرّوا بحالة مشابهة؛ قال
لي إنّ كلينتون كان متعطشاً
جداً لكل معلومة أعطاها له حول
المرض.
لقد تحدّث كلينتون عن نفسه بروح
دعابة، ولكنّ دعابته كانت
مشبّعة بالشفقة الذاتية. من
الصعب أن تكون في الثامنة
والخمسين بينما أصبحت قمة
العالم من خلفك، وأصبح الشخص
الأهم والمؤثر في عائلتك هو
زوجتك وليس أنت. هي المرأة
الأولى في مجلس الشيوخ. وهو سيد
بلا شيء.
كان إسحاق رابين، حتى عندما كان
رئيساً للوزراء؛ يحضر قبل
الجميع في المناسبات
الاجتماعية ويبقى حتى النهاية.
لقد صرّح كلينتون بأنّ وقته
محدود، ولكنه واصل بقاءه. هو
بحاجة لهذه الصحبة التي تتحدث
عن أمور هو واسع الاطلاع فيها.
صحبة تقدره وتصغي لكل كلمة تخرج
من فمه.
هناك أشخاص رأوا أنه أشبه
بسوبرمان. يتبين أنه شخص مثل أي
واحد منا. يُصاب بالضعف ويحتاج
للدفء. بعد ساعة أو ساعتين أصبح
صوته أكثر قوة ودعابته أكثر
وضوحاً وحدة، وجسمه قوياً
متأهباً. فكرت بيني وبين نفسي
أنه سيجتاز ذلك، وانه سيجد شيئا
يشغل نفسه به ويُنسيه مصائبه.
لقد أظهر كلينتون سِعة اطلاع
مدهشة خلال حديثه في خبايا
السياسة الإسرائيلية، وليس فقط
تلك التي تزامنت مع فترة
رئاسته، وإنما شملت الفترة
الحالية أيضاً. إنّ هذا الاطلاع
غالي القيمة. لقد أدرك كلينتون
بصورة تفوق العادة الأرقام التي
حصل عليها إيهود براك في
الاستطلاعات، ولذلك تركه يُفوت
الفرصة في المفاوضات مع حافظ
الأسد. لو كان هو رئيس الولايات
المتحدة إبان المفاوضات بين
بيغن والسادات في كامب ديفيد؛
فلربما كان ليتفهم بصورة أفضل
معاناة بيغن فيما لو ترك
اتفاقية السلام مع مصر تفلت من
يديه. وهو بالتأكيد لم يكن
ليتوقع من شارون إخلاء مستعمرات
في غزة وشمالي السامرة. كان هذا
الأمر سيبدو في نظره انتحاراً
سياسياً.
يدرك كل رئيس أمريكي الضرورات
السياسية التي يمرّ بها حلفاؤه
حتى مستوى معين. أما بالنسبة
لكلينتون؛ فالسياسة التفصيلية
الشخصية والضرورات، بما فيها
تلك التي يستوجبها المجتمع
الإسرائيلي؛ استحواذية. وفي بعض
الأحيان؛ يصبح العلم بالشيء
والدراية به ضعفاً وليس قوة.
مستشاره السياسي الأكبر في ولايته
الأولى كان رام عمانويل، الذي
أصبح اليوم عضو كونغرس ناجح. كنا
نجلس في غرفته في مقدمة الجناح
الغربي من وراء الجدار الأهم في
العالم، ونتبادل محادثة جدية
حتى الألم حول العلاقات بين
آريه درعي وبنيزري. عندئذ
اعتقدت أن ذلك عبقري. في نظرة
إلى الوراء ربما ليس الأمر كذلك.
نعم ولا
وبالنسبة لسورية؛ سجلت الظاهرة
التالية: كل الأمريكيين الذين
تحدثوا من رجال إدارة أمريكية
ومعارضة، صقور وحمائم؛ حذروا من
وقوع إسرائيل في شباك الإغراءات
السورية بالتفاوض. كان لكل واحد
منهم تعليل خاص به لهذا الموقف،
ولكنّ النتيجة النهائية واحدة.
وكل الإسرائيليين من أمنيين
وغيرهم تحدثوا مؤيدين
للمباحثات مع سورية، كل وأسبابه.
إجماع في مواجهة إجماع آخر. هذا
هو الانقلاب الذي أحدثه الوضع
المتردي في العراق بالتفكير
الأمريكي.
مواجهة مباشرة
من وجهة النظر الأمريكية؛ تُعدّ
سورية إحدى الدول الأقل أهمية
في الشرق الأوسط. فليس لديها نفط
ولا لوبي يهودي من ورائها، ولا
لوبي مسيحي. لقد حظي حافظ الأسد
بإعجاب مجموعة من الرؤساء
الأمريكيين ووزراء الخارجية،
قليلاً بسبب عناده ومصداقيته
وبعضاً بسبب قدرته على التحمل
وضبط النفس الأسطوري لضغوط
مثانته. لم يبرهن بشار لم يبرهن
على قوته بعد، لا في هذا ولا في
ذاك.
لقد وضع العراق سورية في النخبة
العليا من أعداء الولايات
المتحدة. لم تعد جزءاً من محور
الشر؛ وإنما الشر نفسه. كُتبت
هنا تقارير كثيرة حول السهولة
التي يتحرك فيها الناس والأموال
والسلاح عبر الحدود السورية -
العراقية. هذا أمر خطير؛ ولكنه
ليس الأساس. "نحن أيضاً"،
كما قال لي أحد كبار الإدارة
الأمريكية في محادثة خلفية "لا
ننجح في إغلاق الحدود بين
الولايات المتحدة والمكسيك
كلياً. الأمر الذي لا نتحمله هو
أنّ سورية تسمح لقادة الفصائل
الإرهابية (المقاومة) بالتحرك
بهدوء وثقة على أراضيها وحيازة
حسابات مصرفية في سورية ولبنان
وإطلاق عملاء الإرهاب (المقاومة)
والانتحاريين (الاستشهاديين) من
هناك".
لقد اختار هذا المسؤول ضرب مثال من
بنات أفكاره من قارة أخرى. "لنفترض
أنّ عناصر الغستابو (المخابرات
النازية في ألمانيا الهتلرية)
السابقين كانوا سيبدؤون في قتل
الجنود الأمريكيين في ألمانيا
بعد انتهاء الحرب العالمية
الثانية، ومن ثم تبين لاحقاً
أنّ سويسرا هي التي تسمح
لقادتهم بالتواجد بهدوء على
أراضيها وتمويل الإرهاب من هناك".
لقد قام بشار في الأشهر الأخيرة
بعدة خطوات لتشديد الرقابة على
الحدود، واقترح على الأمريكيين
دوريات مشتركة. هم من ناحيتهم
طالبوه أولاً بأن يقوم بإغلاق
أنشطة أنصار صدام داخل سورية.
إنّ واشنطن مليئة بالإشاعات التي
لم أجد لها تأكيداً قاطعاً حول
مواد ومعلومات استخبارية تم
اكتشافها في معاقل المتمردين في
الفلوجة والتي تُدين سورية
مباشرة. "الاستخبارات ليست
هامة إلى هذا الحد"، كما قال
مصدر في الإدارة الأمريكية، "فنحن
نعرف بأمر حركة الأموال. وهذا
يكفي".
لماذا ينجرف السوريون نحو مواجهة
مباشرة مع الولايات المتحدة؟ لا
يوجد جدل في أنّ سورية تملك
مصلحة في فشل الولايات المتحدة
في العراق. في الواقع توجد لكل
الدول العربية مصلحة في الفشل
الأمريكي، كل لأسبابه، ولكن أي
واحدة منها لا تتجرأ على
التصرّف مثلما تفعل سورية.
هناك من يفسِّرون ذلك في الصراع
الدائر بين القيادة السورية
الجديدة وتلك القديمة: بشار
الأسد في مواجهة فاروق الشرع،
التوجه نحو الغرب في مواجهة "الصمود"،
التمسك بنهج الانغلاق القديم.
هناك من يفسرون ذلك بأنّ
السيطرة على لبنان هي في نظر
الأسد جوهر الأمر؛ فهو يقوم
بالتخريب في العراق حتى يُجبر
الأمريكيين على التوصل معه إلى
صفقة يحتفظ بها بسيطرة سورية
على لبنان. الحكومة العراقية
الجديدة على قناعة بذلك، رغم
عدم وجود براهين حقيقية. وتأتي
الإشاعة من لبنان أيضاً، فقد
سارع اللبنانيون لمطالبة
الأمريكيين بتوضيحات عن سبب
بيعهم للسوريين.
نحن لا ننوي بيع أي أحد، كما قال
الأمريكيون.
على هذه الخلفية يمكن تفهم
معارضتهم الحازمة لاستئناف
المفاوضات السورية -
الإسرائيلية. "تحدثوا معهم،
نحن نؤيد ذلك"، كما قال مصدر
في الإدارة الأمريكية. "ولكن
بعد أن يستقر الوضع في العراق
فقط".
لشدة المفاجأة؛ تُعتبر إيران الآن
عدواً أقل إثارة للإشكال. فهي
أيضاً نشطة جدا في إفشال
الأمريكيين في العراق، ولكنها
تفعل ذلك بطريقة أكثر إحكاماً.
إنها ضالعة في السياسة وتقوم
بشراء السياسيين وتمارس الضغوط
على رجال الدين. ستزيد نتائج
الانتخابات من قوتها. ولكنّ
الأمريكيين على قناعة بأنه
طالما بقي جنودهم في المنطقة،
وطالما بقيت المنافسة حول المال
والقوة، وأفضليات أغلبية
العراقيين؛ فسيُحكم على إيران
بالخسارة.
في دائرة الاستهداف
جوزيف بايدين، رئيس لجنة الخارجية
في مجلس الشيوخ سابقاً، وزعيم
الأقلية في هذه اللجنة اليوم؛
عاد لتوه من زيارة شرق أوسطية
شملت العراق وشارون ونتنياهو
وأبا مازن ومبارك. "عندما زرت
إسرائيل بينما كان أبو مازن
رئيساً للوزراء؛ ناشدت شارون أن
يساعده، ولكنه رفض، وها هو الآن
يتحدث عنه على أنه شخص جدي"،
كما قال بايدين.
لقد قال شارون لبايدين إنّ الخطر
هو أن يقوم الإيرانيون بقتل أبي
مازن، ليس مباشرة وإنما من خلال
عميل فلسطيني.
لقد قال أبو مازن له إنّ لديه
ثلاثة بنود فقط على جدول أعماله:
الأمن، والأمن، والأمن. الأمن
من حيث القانون والنظام والقضاء
على الفوضى. لديه ثمانية وعشرين
جهازاً أمنياً وهو يريد تقليصها
إلى أربعة.
لقد قال مبارك له إنه لم يُحب
شارون أبداً، ولكنه الشخص
الوحيد الذي يستطيع دفع العملية
السياسية. ويقول بايدين أيضاً
إنّ شارون هو الشخص المناسب،
رغم أنه كان يُكثر من مهاجمته في
السابق. لقد عاد بايدين من الشرق
الأوسط، كما قال، مع شعور بأنّ
هناك وميضاً من الأمل.
(المقال
بقلم ناحوم برنياع، ونشر في
يومية "يديعوت أحرونوت"
العبرية في العاشر من كانون أول/
ديسمبر 2004)
القدس
المحتلة - خدمة قدس برس (15/12/04)
|