نزيف
الهجرة اليهودية المعاكسة..
أزمة
تهدد مستقبل الدولة العبرية
تعتبر دولة الكيان الصهيوني، دولـة هجرة,
اعتمادها الاساسي كي تظل ذات
اكثرية يهودية, هو على استقدام
اكبـر عـدد ممكـن مـن اليهـود
اليها
تعتبر
دولة الكيان الصهيوني، دولة
هجرة, اعتمادها الاساسي كي تظل
ذات اكثرية يهودية, هو على
استقدام اكبر عدد ممكن من
اليهود اليها. وبعدما جلبت
غالبية اليهود الروس, أصبح
هاجسها الاساسي جلب يهود
الولايات المتحدة, الذين يزيد
عددهم على عدد اليهود في
اسرائيل نفسها. ولهذا الغرض
تنشر حوالى 3 آلاف مبعوث الى
الخارج, في كل سنة, مهمتهم
الاساسية اقناع اليهود بالهجرة
الى اسرائيل, كمهمة وطنية
ودينية واخلاقية وايديولوجية.
لكن هناك ظاهرة جديدة هي ان
هؤلاء المبعوثين, المفترض ان
يكونوا نموذجاً اعلى في جلب
اليهود الى اسرائيل, يهجرون
الدولة العبرية بأنفسهم ويفرون
الى دول أخرى.
الجنرال
ساندي مزور واحد من كبار رجال
الشرطة الاسرائيلية, الذين
كانوا يزرعون الخوف في صفوف
العديد من الوزراء واعضاء
الكنيست. لكن الزمن انقلب عليه
فأصبح يرتعد اذا اتصل به أصغر
الصحافيين الشباب لأخذ تصريح
منه, مع انه يعتبر اليوم احد
الديبلوماسيين في اسرائيل. فقد
كان في الشرطة أحد أهم الشخصيات,
ففضل وظيفته الخطيرة: رئيس
دائرة التحقيقات القطرية. وعرف
عنه انه لم يكن يخشى أحداً من
رجال الحكم. بل كان يستدعيهم الى
مكتبه او يذهب اليهم ويقول: "سيدي
الوزير, نحن نشتبه بأنك تلقيت
رشوة. أرجو ان تكون مثلاً أعلى
للمواطنين, وتتعاون معي ومع
افراد طاقم التحقيق الذي
يرافقني". وكان يحرص على ان
تصل المعلومات الى الجمهور, حول
هذا التعاون او عدمه, وذلك
بواسطة ايجاد "الوسيلة
المناسبة" لإيصال الأخبار
الى الصحف.
وعندما
عين مزور سفيراً لاسرائيل في
رومانيا تنفس كثيرون الصعداء
وشعروا ان صـخرة أزيـحت عن
صـدورهـم, امـا هو, فاعتبرها
بمثابة "حسن تخلص" وقبل بها
لأسباب عدة, أهمها المكانة
المرموقة وكونه مولوداً في
رومانيا.
لـكن
حـديث مـزور عن الـوطنية
والحفاظ عـلى طهـارة الحـكم
والـديموقراطية, بات مضحكاً
بالنـسبـة الى الكثــيريـن,
عـنـدما تقـدم بطلب الـى
الحكومة الرومانية بأن تمنحه
الجنسية الرومانية, وهو ما زال
سفيراً في بوخارست.
في
حينه, كان كثيرون يتربصون بهذا
الرجل للانتقام منه. فحرصت اكثر
من جهة على كشف القضية ومهاجمته
علناً, في الصحف وفي الكنيست
وعلى مختلف المنابر الاخرى.
واعتبروه النموذج السيئ في
الوطنية. وفتحوا له ملفات
الفساد, التي بدا فيها بطلاً
يكشف دور المفسدين في النظام,
وراحوا يحاسبونه عليها: "انت
لم تكن وطنياً في تحقيقاتك ولم
تكن تهمك طهارة الحكم. كل ما
تريده هو الشهرة".
وكاد
مزور يخسر وظيفته, لولا ان أمره
بلغ المحكمة. وقبل ان تبدأ جلسات
البحث أعلن عن سحب طلبه للحصول
على الجنسية الرومانية. وأعلن
انه سيلتزم بالقانون الذي يفرض
على الديبلوماسيين ان يأخذوا
اجازة لمدة سنتين من العمل
الديبلوماسي, ليعودوا الى
الدولة التي خدموا فيها لمزاولة
أي نشاط تجاري او سكني. وترك
مزور منصبه لهذه الغاية. وبعد
اشهر سيصبح حراً. وهو لا يخفي
حقيقة مخططاته في العودة الى
رومانيا, مسقط رأسه, ليعمل فيها
كرجل اعمال.
لكن
يتضح ان مزور ليس ظاهرة فريدة في
المجتمع الاسرائيلي, وانه واحد
من مئات وربما ألوف المبعوثين
الى الخارج لـ"خدمة الوطن",
وأهم خدمة هي إغراء اليهود
للهجرة الى اسرائيل. لكن
المفارقة هي ان هؤلاء المبعوثين
يقررون الهجرة من اسرائيل
والاستقرار في البلدان التي
يخدمون فيها. وتم الكشف عن هذه
الظاهرة في الوقت الذي تدرس فيه
الحركة الصهيونية, بمختلف
مؤسساتها الحكومية وغير
الحكومية, سبل وقف الظاهرة
ومعالجة ظاهرة أخرى مقلقة هي
"خطر انقراض اليهود".
ويعتبرونها أزمة كبرى
للصهيونية. اذ ان عدد اليهود لم
يزد خلال ربع القرن الاخير سوى
بنسبة 2 في المئة. ومعظم اليهود
يعيشون في مختلف بلدان العالم
وليس في اسرائيل (انظر الاطار).
وما زال أكبر تجمع لليهود في
الولايات المتحدة (5.3 مليون نسمة)
وليس في اسرائيل. وبعد الهجرة
اليهودية الكبرى من جمهوريات
الاتحاد السوفياتي السابق (مليون
يهودي هاجروا منها الى اسرائيل
بين 1989 و2000), لا توجد هناك حملات
هجرة ناجحة. بل ان الحملة
الكـبرى التـي تمـت لتهجير يهود
الارجنتين فشلت, على رغم تدهور
اوضاعهم هناك. والحملة التي
خططوا لها لتهجير يهود فرنسا
دفنت في المهد.
وتشكلت
في مطلع العام الجاري لجنة خاصة
في الوكالة اليهودية لبحث هذه
الازمات ودرس اوضاع اليهود
ومستقبلهم في العالم, ضمت عدداً
من الخبراء المحليين
والعالميين, برئاسة دينيس روس,
الديبلوماسي الاميركي المعروف,
فخرجت باستنتاجات خطيرة تقول ان
اليهود في حال انقراض اذا لم
تتغير سياسة الحكومة
الاسرائيلية وقيادات التيارات
الدينية. ووضـعت خـطة لوقف
التدهور, تضمنت التوصية بضرورة
انهاء الصراع الاسرائيلي -
العربي في أسرع وقت, باعتباره
أحد الاسباب الاساسية لانفضاض
اليهود عن اسرائيل وعن
اليهوديـة, والتـوصية بضرورة
اعطاء يهود العالم دوراً مؤثراً
في ادارة شؤون اسرائيل
وسـياسـتها فـي كل المجالات,
بما في ذلك المجالات الاقتصادية
والسياسية والعسكرية. اضافـة
الى توصيات اخرى تتعلق بتشجيع
النـمو الســكاني في
العــائلات اليهودية, وتسهيل
اعتناق اليهودية حيث ان التيار
الاورثوذكسي المسيطر على
اليهودية يفرض قيوداً شديدة على
ذلك, وتشجيع الهجرة الى اسرائيل.
ويتضح
من التقرير ومن الشهادات التي
نشرت قبل إعداده, ان مهمة الهجرة
الى اسرائيل لم تعد كما كانت في
السابق. وان هناك أزمة حقيقية
تعانيها. وعملياً, توقفت الهجرة
اليهودية الى اسرائيل. وفي
سنوات الانتفاضة الاخيرة بات
ميزان الهجرة سلبياً, أي ان عدد
المهاجرين من اسرائيل الى
الخارج يزيد على عدد المهاجرين
اليها.
جيش
الوكالة
لكن
الطامة الكبرى بالنسبة الى
اسرائيل تكمن في اولئك النشطاء
الذين ترسلهم الوكالة اليهودية
وحكومة اسرائيل الى الخارج كي
يقنعوا اليهود بالقدوم الى
الدولة العبرية. فهم ليس فقط لا
ينجحون في جلب اليهود, بل ان
كثيرين منهم يقتنعون بأن
رسالتهم غير صحيحة وغير واقعية.
وهم بأنفسهم يهجرون اسرائيل
ويستقرون في البلدان التي
أُرسلوا اليها.
المعروف
ان هناك 3 آلاف يهودي اسرائيلي
ينتشرون في أرجاء العالم
المختلفة للعمل على حث اليهود
على الهجرة الى اسرائيل, 2500 منهم
يخدمون لمدة 3 اشهر فقط ويتم
استبدالهم, و500 يخدمون لمدة
سنتين قابلة للتمديد الى 3 سنوات,
وفي حالات نادرة الى 4 سنوات.
ويعمل هؤلاء الى جانب طواقم
السلك الديبلوماسي الاسرائيلي
الرسمي في كل البلدان.
وقبل
ان ينطلقوا في مهماتهم يخضعون
لدورات تدريب وتعليم, ويجتازون
امتحانات صـعبة ويـتعرض كل منهم
الى تحقيق خاص عن وضعه وأفكاره
وأوضاع أهله الاقتصادية ويتم
استبعاد جميع أولئك الذين يشتبه
في انهم سيهاجرون الى الابد او
"سيبيعون اسرائيل", حـسب
وصـف أحد المحاضرين في تلك
الدورات.
وتتكلف
الخزينة عن كل مبعوث بين 120- 140
الـف دولار فـي الـسنة, اي مـا
مـجـموعــه 360 - 420 مليـون دولار,
يتحملها دافعو الضرائب
الاسرائيليون والمتبرعون
اليهود للوكالة.
من
هم المهاجرون؟
المبعوثون
الاسرائيليون الذين يهجرون
دولة الكيان ويستقرون في الخارج,
ليسوا فقط من الشباب المبتدئين
وحسب, بل هم أشخاص أصحاب خبرة
غنية في العمل الجماهيري.
وبعضهم من كبار الديبلوماسيين
امثال موردخاي دروري, نائب
المدير العام لوزارة الخارجية
سابقا والسفير في روما, الذي
استقر في باريس, او دوف جيبع,
الذي شغل منصب الملحق التجاري
في السفارة الاسرائيلية في
تايلاند, ويعيش هناك اليوم مع
زوجة تايلاندية, او موشيه ليبا,
القنصل الاسرائيلي السابق في
ميامي, الذي استقر اليوم في
نيوزيلندا, وروحاما حرمون, التي
شغلت في الماضي منصب مديرة مكتب
رئيس الحكومة (عملت مع اسحق
رابين وشمعون بيريز) واستقرت في
الولايات المتحدة وغيرهم
الكثير...
احدى
هؤلاء, مارينا برادني, كانت مع
زوجها ليف, من "أسرى صهيون"
في الاتحاد السوفياتي. وقد
حاربا من اجل الهجرة الى
اسرائيل, في الوقت الذي كانت فيه
الاستخبارات السوفياتية تقمع
اليهود الراغبين في الهجرة
وتعتقلهم وترسلهم الى سيبيريا.
تقول مارينا: "منذ كنا نناضل
من أجل الهجرة وحتى اليوم, تغيرت
الاوضاع في اسرائيل وفي العالم
وتغيرت مفاهيمنا كثيراً. ففي
البداية كنا شباناً متحمسين,
المبادئ عندنا فوق كل شيء, لكن
احتياجات المعيشة أحدثت
انقلاباً في رؤوسنا. فنحن
ببساطة نريد ان نعيش بشكل جيد
ومستوى جيد. لكننا لم نجد العمل
المناسب في اسرائيل. ولم نشعر ان
أحداً يكترث بنا. لذلك قررنا
الرحيل".
امايوئيل
ماجيد, فهو اميركي الاصل. ولد في
نيويورك, وهو كان ضمن المجموعات
اليهودية الكبرى التي هاجرت الى
اسرائيل بعد حرب اكتوبر 1973
لأسباب ايديولوجية, تعاطفاً
معها ضد العرب. وخدم في الجيش
حتى أصبح ضابطاً. وكان يتحدت عن
اسرائيل وكأنها جوهرة نادرة.
ومن يسمعه يحسب انه ما زال
ناشطاً في الوكالة اليهودية
ويحاول تسويق الفكرة مرة اخرى,
"لكن هناك واقعاً لا بد من
رؤيته. وانتم في اسرائيل لا
تفهمون جيداً معنى الحرية في
رؤية الواقع".
وتضيف
زوجته: "نحن نريد ان نعيش بلا
قيود وبلا خوف, واسرائيل لم تعد
توفر لشعبها الامن والاطمئنان
ولم تعد تطلق للمواطنين مبادرات
متفائلة".
وأردف
الزوج: "هناك أمور جيدة في
اسرائيل, جيدة جداً, لكنْ هناك
أمور في منتهى السـوء. اشـعر ان
المـساوئ اكثـر من الايجابيات".
وردت
الوكالة اليهودية على هذه
الظاهرة بمحاولة التقليل من
أهميتها, والادعاء بأنها ظاهرة
هامشية. وان الوكالة تعالجها
بشكل قوي وجريء. لكن وزارة
الخارجية, في المقابل, اعترفت
بوجودها وبأنها تسبب حرجاً
قوياً لها في العـالم. إلا انها
لم تعط مجالا للشك في أهمية
الرسالة التي يحملها هؤلاء
مؤكدة ان "الاكثرية (مـن
المبعوثين) متمسكة بالمهمات
الملقاة عليها".
أما
في مكتب رئيس الوزراء, ارييل
شارون, فإنهم لم يستطيعوا اخفاء
قلقهم من الظاهرة, خصوصاً انها
ترافقت مع نشر تقرير لجنة دينيس
روس. ونُقل على لسان شارون قوله
في هذا المجال: "ان جيلاً من
اليهود المنسلخين عن قوميتهم
أخذ ينمو في الدولة العبرية.
شباب لا يعرفون تاريخهم
وتحدياتهم الوطنية. لا يعرفون
شيئاً عن "ارض اسرائيل"
بالتفصيل". ووعد بأن يدرس
توصيات روس وأن يطبق كل ما يمكن
تطبيقه.
2004/07/13
ـ القدس نت
|