حوار
مع ( الدكتور رائق النقري
)
مشاريع
الإصلاح الغربية كلها موضع ريبة
تاريخيا
غسان
يوسف
في
عام 2003 صدرت في سوريا نشرة
الكترونية بعنوان "كلنا
شركاء" بشكل يثير الاستغراب
والتساؤل لكونها تنشر من قلب
سوريا وتوزع الى عشرات آلاف
السوريين موضوعات تخص السياسة
السورية بعضها انتقادي جدا وغير
مألوف حتى ان بعض القراء كانوا
يخشون من فتح رسالة هذه النشرة
التي تأتي الى بريدهم دون ان
يكونوا قد اعطوا عنوانهم
الالكتروني لاحد ومنذ فترة بدأت
هذه النشرة تعنى بطرح ملفات
للاصلاح اصلاح البعث اصلاح
الاحزاب السياسية اصلاح الدولة
وقد نشرت مواد ومطبوعات ممنوعة
من الدخول ونخـــــص بالذكر
ملفات "مدرسة دمشق للمنطق
الحيوي" وموضوعات لمؤسس هذه
المدرسة الدكتور رائف النقري‚
في
تاريخ 30-3-2004 نشر الموقع رسالة
مفتوحة من الدكتور رائـق النقري
الى الرئيس السوري بشار الاسد‚
والى قادة القمة العربية والى
قمة الدول الصناعية الثماني
وكان لافتا ان هذه الرسالة
تتحدث عن مفهوم الاصلاح بمعنى
الدعوة لاقامة فيدرالية عربية
اسلامية سبق ان نشرها المؤلف في
كتابه "فقه المصالح"
الصادر عن دار الامين في
القاهرة‚
الدكتور
رائق النقري فاعل سياسي معروف
على الساحة الفكرية والسياسية
السورية والعربية والعالمية
وله اكثر من عشرة مؤلفات في "المنطق
الحيوي" بالاضافة الى اعمال
ادبية وفنية كما انه كان قد دعا
عام 1989 في محاضرات مكثفة في "مكتبة
الاسد الوطنية" وفي اتحاد
الكتاب العرب الى تغيير النظام
في سوريا سلميا وتدريجيا‚
وفيما
يلي حوار معه:
رجاء
قبل أن تكمل أرجو منك ان تشرح
ماذا تقصد بكلمتي تحوّي وحيوي؟
-
التحوّي
مستمدة من الجذر حوا الذي يدل
على اصغر قاموس مدرسي "مختار
الصحاح" على النحو التالي "الحوايا"
الامعاء جمع حوية والحواء جماعة
بيوت من الناس والجمع احوية
وحواه يحويه والتحوي هو
المنظومة التي تلتف بها الحوية
حول نفسها وحول ما فيها وما في
محيطها وصيغة الامعاء بوصفها
حوايا تحتوي على ما فيها من غذاء
تحول الغذاء الى ما يجعله قابلا
للتحول الى حواء كقوله تعالى
"فجعله غثاء احوى"
الآن
لنعد إلى منظومات التحوي التي
تقول انها كانت ضمن منطق الجوهر
العنصري فكريا وسياسيا وقد
استنفدت اغراضها ما هي هذه
التحويات؟
-
هذه
التحويات هي التحويات العزلة
والانغلاق تحويات التعاون
والتكامل تحويات الصراع
والتنافس وتحويات العولمة
وتحويات التوحيد عبر التنوع‚
حضرت
محاضرة لك كنت تتحدث فيها بنقد
جريء جدا والناس تساءلت وقتها
من اين هذه القوة التي تصرح بها
بتصريحات كان يؤخذ الى السجن من
يقول اقل منها بكثير؟
-
هذا
خطأ فالرئيس الراحل حافظ الاسد
كان يقدر المبادرات الحيوية
ويعمل على تنميتها ولكن كان
محكوما ضمن منظومة منطقية
سياسية تقوم على نظرية الحزب
القائد وهي منظومة استنفدت
اغراضها منذ فترة طويلة..
(مقاطعا)
هل التقيته؟
-
نعم
التقيته في 1989 وكان اطول لقاء
حيث استمر لمدة اربع ساعات ونصف.
ماذا
دار في هذا اللقاء؟
-
لا
يهمني الآن ان ادخل في تفاصيل
اللقاء ولكن يمكن القول ان
الراحل عرض علي ان ادخل في "الجبهة"
ويسمح للحيويين بوزراء يشاركون
في الحكم فشكرته موضحا ان
المطلوب بشكل حيوي وملح هو
تعريض الهامش الديمقراطي
والسماح بوجود المعارضة
الايجابية لان مشكلاتنا
المرتبطة بالموروث الانحطاطي
والعجز عن الالتحاق بالعصر
يتطلب منا مناخا للتفاعل الحر
لكي نصل الى المعالجة الشاملة
والمصالحة الحقيقية مع مختلف
اشكال موروثنا الفئوي
والمساهمة الفعالة في تحويات
العصر وقد ابدى الرئيس الاسد
تقديره للفكرة ولكنه اضاف سائلا:
هل تعتقد اني اذا
تركت الشارع فسوف تستطيع ان
تستقطبه كله؟
-
اجبته
لا فانا ابحث عن تحريك الشارع
ليتفاعل مع المنطق الحيوي سلبا
وايجابا لبلورة وتعميق وتأصيل
الحيوية في واقعنا المعاش
وبالتالي نخدم امتنا خدمة لا
يمكن لها ان تباشر من المستوى
الرسمي ولا تنفع فيها الاوامر
الادارية بل يجب ان يتم ذلك من
مواقع شعبية غير ملزمة وقابلة
للتطوير فيما بعد الى ما يسمح
بالتعددية على ارضية حيوية
مقبولة‚
ولربما
ان الانهيارات السريعة جدا
والمفاجئة في العالم الاشتراكي
بالاضافة الى تدمير العراق بعد
غزو الكويت جعل الرئيس الاسد
يتمهل في اتخاذ قرارات بهذا
المستوى من التحول السياسي مع
انه في اكثر من تصريح علني عبر
عن وعيه بضرورة تطوير صيغة
الجبهة الوطنية قائلا اننا لا
نرى ان مشكلة سوريا هي في اضافة
حزب جديد‚
ولكن
المشكلة الآن وبعد 15 سنة من ذلك
اللقاء وتلك التصريحات التي
وصفت بأنها كانت جرئية جدا
مازال الشارع السوري يتساءل اذا
كان الإصلاح ممكنا واذا كان
بالامكان تجاوز المنظومات
الاحادية المغلقة؟
-
هذا
صحيح ونحن في سوريا والعالم
العربي والاسلامي ورثنا اوضاعا
من عصور الانحطاط ومن صراع
الدولة علينا وحولنا ما يجعلنا
معرضين لهزات كالتي حدثت في
الجزائر والسودان‚
على
الرغم من ان مسائل الاصلاح طرحت
في قمة "الثماني" ونوقشت في
مؤتمر القمة العربي الا ان هناك
من يستنكر اي اصلاح يأتي من
الخارج؟
-
نستنكر
اي اصلاح من الخارج وبين هذه
وتلك تدور تساؤلات متكاثرة
ومبررة حول صحة وجود نوايا
رسمية للاصلاح السياسي سواء
اكان في الخارج ام الداخل وحول
كون مسيرة الاصلاح ان صح وجودها
بطيئة ام سريعة ترقيعية ام
جذرية وعلى اهمية هذه الاسئلة
فان الاهم منها هو هل تخدم
الانظمة الحالية مصالح عامة
العرب والمسلمين؟ وهل التغيرات
التي يخططون لها ستكون لتلبية
مصالح مشتركة عالميا واقليميا
ومحليا ام لمصالح قوى الهيمنة
الحالية الداخلية والخارجية؟
لكن
هل ترى أن القادة العرب وضعوا
أمام المحك عندما طرح الرئيس
الاميركي جورج بوش مشروع الشرق
الاوسط الكبير؟
-
لا
شأن لي الآن في مصداقية الانظمة
العربية وكل همها التمديد
لحكمها دون اي افق حيوي ولكن حتى
الشعوب التي لا توافق على
حكامها تنظر بريبة الى هذا
المشروع وتعلل شكلها ورفضها بان
كل الحملات الاستعمارية بدأت
سابقا باسم نشر الحضارة المدنية
في البلاد المستعمرة وتبعتها
قرارات دولية بشرعية الاستعمار
فما الذي سيجعل الآن الامر
مختلفا وبما ان كل الحريات
والانقلابات التي بدأت وانتهت
في معظم الانظمة السائدة من طلب
الاستقلال والاصلاح والعدل
والحق والحرية انتهت الى ما
يمكن الاجماع بوصفه الاستبداد
والتبعية والافقار والاحتلال
السجون الكبيرة مرتعا لتوليد
حروب اهلية ارضا للمقابر
الجماعية نقول اذا كان الحال
كذلك في الماضي فما الذي يمنع ان
يكون الحال نفسه في المستقبل؟
ما
هو البديل كيف يمكن الخروج من
هذه الحالة؟
-
ان
الاصلاح ليس ممكنا فقط بل ضروري
ولكن علينا ان نبدأ اصلاحا
ينتهي الى اصلاح حقيقي وليس الى
اخفاقات كارثية وبما ان اي
اصلاح لا يكون مضمونا الا اذا
ضمنه دستور واضح وشامل تقبله
وتلتزم به الغالبية العظمى في
اطار دولة محددة فان اي جهد جدي
يجب ان يبدأ في بلورة
ذلك الدستور وبما ان الدساتير سواء اكانت
مكتوبة ام لا تختلف صيغها من
دولة لاخرى وبما ان دساتير اعتى
الانظمة الاستبدادية والعنصرية
يمكن ان تمتلىء باعظم عبارات
الحرية والانسانية وسيادة
القانون واستقلال القضاء وبما
ان ذلك يمكن استخدامه لتكريس
منطق الجوهر العنصري لذلك فاننا
بحاجة الى صيغة دستورية تضمن
امكانات تحقيق المجتمع الحيوي‚
اذن
انت ترفض التدخل الخارجي في
الاصلاح وكأننا نعيش في جزيرة
منعزلة وان مصالحنا غير مرتبطة
مع مصالح العالم؟
-
على
العكس من ذلك انا ادعو للاهتمام
الخارجي الحيوي بقضايانا وليس
الاهتمام العنصري والثاني
لمصالحنا والذي يعرضها لخاطر
ليس اقلها ظاهرة الارهاب
والتطرف الديني من اسبانيا الى
نيويورك‚
كيف
ذلك وكيف تبرر امكانية التدخل
الخارجي؟
-
بما
ان القوى الخارجية هي التي حددت
حدودنا وساهمت في صنع انظمتنا
وتحزباتنا ولديها مصالح تتأثر
في اي تغيير في عالمنا العربي
والاسلامي وبما انها تملك مصالح
وامكانات للتأثير والتغيير لا
حدود لها بالمقارنة مع
امكاناتنا لذلك فان ترتيب
الاولويات السياسية يلوم القوى
الخارجية قبل الداخلية والقوى
الرسمية المحلية قبل الشعبية
ذلك لرفع المسؤولية عن انظمتنا
الرسمية المحلية لتهميش وتحذير
قوانا الشعبية الداخلية بل
لاعطائها فرصة لتجاوز ما ترسب
فينا من مخلفات منطق الجوهر
العنصري بكل اشكاله ولترتيب
اوضاعنا بشكل يمكننا بشكل حيوي
وسلمي نعلو عن اخطائنا وندمل
جروحنا ونعوض ما فات قطرنا
وامتنا للاتساق مع معطيات
ومستلزمات ومخاطر عصرنا ولنصبح
اقدر على متابعة السير على طريق
ارادة الحياة الحرية.
الوطن
القطرية 27/6/2004
|