سياسة
الجرعات لن تنقذ اقتصاداً قوّضه
الفساد
إلغاء
الديون الروسية لن يساهم في
إنعاش الاقتصاد السوري
عبد
الكريم حمودي
يرى العديد من الخبراء والمتابعين
للشأن السوري أن الخطوة الكبيرة
التي قامت بها روسيا والمتمثلة
بإعفاء سورية من القسم الأكبر
من الديون، لن تنعكس بشكل
إيجابي في المستقبل المنظور على
الاقتصاد السوري، الذي يعاني من
مشكلات وأزمات معقدة، إذا لم
ترافقها عمليات إصلاح سياسي
واقتصادي شامل.
ويرى هؤلاء الخبراء أن حالة عدم
التفاؤل باحتمال تحسن الاقتصاد
السوري تعود إلى أن هذه الديون
كانت في حكم الديون الميتة، فهي
لم تكن تُسدَّد أصلاً، كما أن 90
في المائة منها كان ديناً
عسكرياً، وثمناً لأسلحة ومعدات
عسكرية قدمها الاتحاد
السوفياتي لسورية أثناء الحرب
الباردة.
كما أن هذا الإعفاء مشروط بتسديد
مبالغ مالية غير متوفرة لدى
الاقتصاد السوري الذي يعاني من
تراكم الفساد وأزمات خانقة من
جهة، ومن جهة أخرى فإنه يشهد
تراجعاً كبيراً منذ احتلال
العراق، وخسارة سورية للسوق
العراقي الضخم، بالإضافة إلى
خسارتها للعائدات المالية
المتحصلة من تصدير النفط
العراقي عن طريق الموانئ
السورية.
ويشير بعض الخبراء إلى أن سحب
القوات السورية من لبنان
وانكفاء النفوذ العسكري
والسياسي السوري عنها ستكون له
آثار سلبية أيضاً على الاقتصاد
السوري وعلى فرص تشغيل العمالة
السورية هناك، خاصة في ظل فشل
معظم محاولات الإصلاح
الاقتصادي وتفاقم ظاهرة الفساد
في مختلف القطاعات التي تقف
بالمرصاد لأي محاولة إصلاح
اقتصادي جاد وتستنزف أي موارد
مالية يمكن أن تحصل عليها
الدولة، في وقت تستشري فيه
البطالة وتتسع أحزمة الفقر حول
المدن وفي القرى والأرياف بشكل
غير مسبوق، فيما لا يحصل
العاملون في قطاع الدولة على ما
يكفي لتأمين لقمة عيشهم.
أما على صعيد إلغاء الديون، فقد
نصت الاتفاقية التي تم التوصل
إليها بين سورية وروسيا لتسوية
الالتزامات المتبادلة البالغة
14.5 بليون دولار على تنازل سورية
عن مطالبها البالغة 1.1 مليار
دولار، في مقابل حذف موسكو لـ 73
في المائة من حصتها المالية
البالغة 13.4 مليار دولار وسداد
الباقي (أي 3.616 مليار دولار) بحيث
يتم دفع نحو 41 في المائة من
المبلغ السابق بالقطع الأجنبي،
والباقي يحول إلى العملة
السورية ويوضع في حساب باسم
الحكومة الروسية في "المصرف
المركزي السوري" لتمويل عقود
روسية عامة أو خاصة ومصاريف
السفارة الروسية في دمشق.
الخطوة الروسية لم تكن لتتم لولا
رغبة موسكو في العودة إلى لعب
دور أكبر في منطقة الشرق الأوسط
وتحقيق فوائد سياسية واقتصادية
كبيرة، فقد كان لافتاً للنظر أن
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
قبل بالاقتراح السوري القائم
على دفع 1.5 مليار دولار (أي الـ41
في المائة من المبلغ المتفق على
دفعه) في غضون عشر سنوات.
والمطلب الروسي يقوم على أساس
دفع 1.6 مليار دولار خلال ست
سنوات، ما يعني عملياً حذف 100
مليون دولار إضافية وتسهيلات
كبيرة في الدفع، إضافة إلى
اعتماد السعر الرسمي لصرف
الليرة السورية في مقابل
الدولار بالنسبة إلى المبلغ
الذي سيوضع بالعملة الوطنية في
«المصرف المركزي» ليكون 11.25
ليرة للدولار بدلاً من السعر
العادي البالغ 52 ليرة للدولار.
وتعني هذه المعادلة أن نسبة
الحسم الفعلي تصل إلى 80 في
المائة وليس 73 في المائة من
إجمالي الديون. وبذلك تكون قيمة
الديون الروسية التي كانت
مترتبة على سورية 13.4 مليار
دولار وهذا الرقم أقل بكثير من
البيانات السابقة التي كانت
تؤكد بأن قيمة الديون الروسية
على سورية تبلغ 21.466 مليار دولار.
وكان وزير المالية الروسي اليكسي
كودرين صرح على هامش زيارة
الرئيس السوري الأخيرة لموسكو
التي تطمح لإحياء نفوذها في
الشرق الأوسط أن بلاده وافقت
على شطب 73 في المائة – أي ما
يوازي 9.8 مليار دولار - من إجمالي
الديون المستحقة لموسكو على
سوريا. وأضاف كودرين أن من بين
المبلغ المتبقي وهو 3.6 مليار
دولار سيعاد جدولة 1.5 مليار
دولار إلى قروض ترد على عشر
سنوات.
ويعتقد الخبراء أن روسيا ستحقق
حزمة من الأهداف من وراء هذه
الخطوة من خلال محوري الاقتصاد
والسلاح.. وبالتالي استعادة بعض
النفوذ السياسي في هذه المنطقة
الاستراتيجية، فيما يشكك آخرون
بمقدرة روسيا على المضي قدماً
في تعزيز علاقاتها الاقتصادية
مع سورية في ظل الضغوط
الأمريكية والإسرائيلية، حيث
يشير هؤلاء إلى أن روسيا وسوريا
توصلتا في بداية التسعينات إلى
اتفاق على صيغة أولى تسدد من
خلالها سوريا دائنيتها لروسيا
على شكل بضائع ومواد اقتصادية
واستهلاكية إلا أن فشل هذه
الصيغة أعاد مسألة الديون إلى
الواجهة لتبرز كأحد أهم
المشكلات بين الطرفين.
وقد حاولت سورية استغلال قضية خفض
الديون للترويج لتحسن موقفها في
مواجهة الضغوط الخارجية بأنها
أصبحت أقل الدول النامية
مديونية قائلة: إن أهمية طي صفحة
الديون الروسية لا تنطوي على
فتح آفاق جديدة في العلاقات بين
دمشق وموسكو وحسب، بل تسهم في
تحمل الضغوط الخارجية وتحسين
ظروف الاستثمار الداخلي،
خصوصاً أن الديون الخارجية
انخفضت من 20 مليار دولار إلى أقل
من ثلاثة مليارات دولار وهو رقم
ضئيل قياساً إلى الناتج المحلي
الإجمالي البالغ نحو 22 مليار
دولار سنوياً، والى الاحتياطي
العام بالقطع الأجنبي البالغ
نحو 17 ملياراً في حين لا تتجاوز
خدمة الديون المتبقية 650 مليون
دولار سنوياً أي ما يمثل 10 في
المائة من قيمة الصادرات.
واعتبر رئيس هيئة تخطيط الدولة
السورية عبد الله الدردري أن
هذه التسوية ستحسن موقع سوريا
في التقويم الائتماني العالمي
وتمكنها من الحصول على شروط
أفضل من قبل مؤسسات التمويل
الدولية عند منحها قروضاً.
بكلمة أخيرة إن إلغاء القسم
الأكبر من الديون الروسية
المترتبة على سورية يمثل خطوة
كبيرة على طريق تخلص سورية من
ديونها الخارجية لكن التحدي
الحقيقي هو كيف ستستغل الحكومة
السورية هذه المسألة في دعم
الاقتصاد المترهل دون إجراء
عملية إصلاح جذرية والتصدي
للفساد المستشري وللأزمات
الخانقة التي يعاني منها
الاقتصاد والمواطن على حد سواء؟.
لندن
- خدمة قدس برس (03/02/05)
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|