سورية
:
قضية
وطن أم محنة نظام
حبيب
صالح
ما يثير الخوف والتردد في تعاطي
واقتراف الكتابة السورية ، هو
المجازفة في عبور حقل مترام من
الألغام مخافة أن تقع الكتابة
في محظورات واستطرادات قانون
المطبوعات وقانون العقوبات
العام نصا أو روحا أو تكييفا أو
تأويل أو اجتهادا أو استطرادا!على
خلفية قانون الطوارئ، حصان
طراودة وعراب الحياة السياسية
في سورية!
ويمكن اختزال معادلة الحياة
السياسية في سورية، بأنها حاصل
الفارق زمنيا ووطنيا وسياسيا
بين زمن الطوارئ المفتوح دوم،
وزمن صندوق الإنتخاب الموصد
أبدا!!! فالقانون العتيد هو أشهر
معالم سورية المعاصرة، وهو حصان
طراودة الدمشقي، استخدم لزمن
طويل متراسا لتكييفات الصراع
العربي الإسرائيلي
واستطراداته، وآلية "للصمود
والتصدي" بين الحكم
والمواطنين !!وآن له أن يترجل
بعد التخلي عن مشروع المجتمع
العربي الإشتراكي الموحد،
ومشروع الانتقال من صيغة الثورة
إلى صيغة الدولة عبر رياح العصر
ونوافذه المشرعة! ولا يصح أن
يستمر بعد شعار"وديعة رابين"واستعادة
الأرض المحتلة بالمفاوضات، دون
التحرير! ولا بعد النتائج
الكارثية التي انتهى إليها
النظام العربي وطنيا وقوميا؟
ولا يصح أن يستمر بعد مؤتمر
مدريد وإطلاق خيار السلام
الإستراتيجي مع إسرائيل ناسخا
صراع الوجود والحدود!
هذا من باب المرجعية ومساءلة
الذات، لمن شرعواحالة الطوارئ
ولمن اختاروا خيار السلام، ولمن
أجهزوا على صناعة الرأي وثقافة
الحرية، بعد ذلك، تحت مظلة ذلك
القانون! وحاكموا فقراء الوطن
بتهمة العداء للإشتراكية،
وإحباط مشاعر الأمة، وهم اليوم
يفعلون أي شيئ لدخول اقتصاد
السوق، ليستثمروا ماجناه العمر
من عرق الجبين ومكرمات
الإشتراكية، وليدفعوا عن
أنفسهم غيلة الغرب وهو يطرح
صفقة الحساب لأخيرة، ليدفع
العرب والسوريون ثمن
الديمقراطية، مقابل"نظرة
حانية"من العرب لاستئناف
المفاوضات مع إسرائيل أو
البراءة من دماء الجنود
الأمريكين في العراق!وعلى نمط معادلة"النفط
مقابل الغذاء والدواء"! فجاء
الزمن الذي نرفض فيه
الديمقراطية حتى يرغمنا
الآخرون على تسديد أثمانه، من
حسابنا وحسابات وجودنا!
أما كان كل ماجرى غريبا أن يجري!!ثم
أليس من الأدهى أنه جرى تحت
يافطات "الثوابت وصيانة شرف
الأمة"!! الأمر الذي جعل
مفاعيل هذا القانون تختزل
تطبيقاتها في الشأن الإجتماعي
وشؤون الحريات في سورية، دون أن
تنسحب على قضية الأمن الوطني
وتحرير الأرض وإنجاز التزامات
المادة الثامنة من الدستور التي
افترضت أن من يركب المركب الخشن
في قيادة المجتمع والدولة "بالشرعية
التاريخية"، كان عليه أن يحرر
الأرض، وينجز المشروع التاريخي
في سلام المنتصرين!!وإلا فلا
تكون المادة الثامنة حجة له، بل
حجة عليه!؟ لأنه لو قدر لجدلية
هذا القانون وهذه المادة أن
تنتج تحرير شبر مقابل كل سجين
رسى عليه قانون الطوارئ بدعوى
الأمن القومي والدفاع عن
الإشتراكية، لكان الجولان قد
أصبح في وسط سورية، ولكانت
الوحدة والحرية والإشتراكية قد
تحققت، قبل أن يأتي زمن استجداء
السلام والأمن وتظام السوق مع
إسرائيل وقوى النظام العالمي
الجديد، والجولان والوحدة
والحرية والإشتراكية، قيد
الإغتراب!!حيث تكرس العجز
المركب، والحال كذلك، عن إنجاز
الإستحقاقات التي أورثتها "الضرورات
الثورية"و"العروبة
المستعربه"و"الإسلام
السياسي"واحتلال العرب للعرب!وحي
ث داهمتنا استحقاقات العصر
والعصور
السالفة التي استنسخت
دينا في ذمتنا الوطنية!فلم
يتحقق لجيلنا أن يشهد أيا من
التزامات تلك المادة وهي ترى
النور!!وشهدت الساحة السورية
إرهاصات المعارضة، حيث بدأت
أطيافها ترسم مناخات حراك لا
نقاش في صحتها وصحوته، والرهان
عليها منذ زمن البدايات!ولكن
السؤال الذي واكب هذا الحراك وأسفر عنه ظل هو:هل
واقع المعارضة في سورية يبشرفي
أنها هي البديل المنتظر والحلم
الواعد وخشبة الخلاص؟!وللجواب
فلا بد أن يأتي من المعارضة
ذاتها عبر مايلي
:
1-
ـ عندما تعقد المعارضة مؤتمرا"عاما"تعلن
فيه أنها هي التي تحولت إلى
مؤسسة وطنية، مادامت تطالب
بدولة المؤسسات!!فلا يتصنم فيها
"رمز" ولا يستنسخ فيها
فرعون، ولا يعبد فيها أمين عام!!!
2-
ـ أن تؤكد المعارضة أن بعض
أطيافها انتقل من طرح البدائل
المذهبية والشمولية، إلى منطق
المشروع التاريخي الديمقراطي
المدني الاجتماعي!لتختفي بلا
عودة"مدارس"الإفتاء السيا
سي و"بيوتات"التكفير، و"منظومة"الطوائف
من ذوات الدماء الزرقاء!وليجهز
هؤلاء على فائض"ستوكاتهم"من
مخزون نظريات الدمار الشامل
وأسلحة الفكر الكيماوي
التكفيري
!!
3-
ـ أن تجيب المعارضة على السؤال
الكبير وهو سؤال : ثلاثية الدين
والدولة والعلمانية!!!
4-
ـ أن تعلن المعارضة موقفها مما"
راهنوا تضرعا على الدور
الأمريكي في المنطقة، ومن رقصوا
حتى الثمالة ، يوم احتلال
بغداد، ويوم استشهاد أحمد ياسين
وممن لم يستمرءوا دبابات
الاستبداد، فأطلقوا الزغاريد
لدبابات الاحتلال، وهم يعلمون
أن جميع الدروب ممدودة وممتدة
بين الإستبداد و الإحتلال!
5-
ـ أن تصوغ المعارضة رؤاها
للديمقراطية الليبرالية
والإشتراكية، والديمقراطية
العددية وهي تناضل لإقامتها
!
6-
ـ أن تطرح المعارضة مشروعها
الإقتصادي ورؤاها لقضايا
العولمة وقيام النظام العالمي
الجديد!
7-
ـ أن تطرح المعارضة فتواها في
قضية الوحدة العربية ، والأمن
القومي العربي!
8-
ـ أن تعلن المعارضة براءتها
بوضوح من مشروع مذهبة المعارضة
اقتباسا "واختزالا"لما
تسطره الفلوجة وسامراء
والرمادي من صور الكفاح الشعبي
الخالده وبالتالي فالمقاومة
التي لا يجري توظيفها وطنيا
ستسقط كما جرى في مدينة الصدر
والنجف !! ومن هنا فلا بد لحتمية
التغيير في سورية من أن تأتي
بحياة حزبية كاملة حرة ، وفصل
كامل للسلطات ومؤسسات مدنية
تتشكل عبر الإنتخابات الحرة
المباشرة ، وعودة التقنين
والقضاء المدني مرجعا "وطنيا
وحيدا " في سورية!ولابد من
إطلاق جميع السجناء السياسين
وسجناء الرأي فورا وإلغاء
المحاكم الإستثنائية وأمن
الدولة ! وتوقف قضايا المساءلة
في حربة التعبير وتشكيل الأحزاب
والجمعيات ! وأقول للمعار ضة أن
نقد الذات يشكل تحديا لن تقلع
المعارضة إلا من خلال انتهاجه
سلوكا يوميا ! وأن أمراض الفردية
والتشوف والشخصنة وعدوى
الإنتقام والإنقسامات الحزبية
التي طبعت سيرة الموالاة ، قد
استشرت كالطاعون بين صفوف
المعارضة، لتدفع بعض فصائلها
إلى معارك الدونكيشوت، وتصفية
الحسابات الشخصية والمذهبية ،
مما لم تكن حوافزها فيه سوى
الموروث المذهبي والشمولي ،
وانعدام التأهيل الديمقرطي !!
موقع
الرأي
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|