إيال
زيسر:
سورية
ستدفع الثمن
"من
الصعب التصوّر بأنّ السوريين هم
الذين وقفوا خلف تصفية الحريري"
يلخص
البروفسور إيال زيسر، الذي يرأس
دائرة تاريخ الشرق الأوسط
بجامعة تل أبيب الإسرائيلية،
رؤيته للعواقب الإجمالية
لعملية اغتيال رئيس الوزراء
اللبناني الأسبق رفيق الحريري
في بيروت؛ بعنوان مقاله "سورية
ستدفع الثمن".
ففي
المقال المنشور في صحيفة "معاريف"
العبرية، في عددها الصادر في
الخامس عشر من شباط (فبراير) 2005؛
يرى زيسر أنّ سورية هي المتضرر
الأكبر من الاغتيال الغامض.
ويستبعد
كاتب المقال تماماً فرضية ضلوع
سورية خلف الاغتيال، لاعتبارات
عدة أوردها في مقاله، لكنّ ذلك
لا يعني في تقديره ألا تلحق
أضرار بدمشق جراء ذلك.
ويخلص
الكاتب في مقاله هذا إلى القول
"مهما يكن من أمر؛ فإنّ
السوريين هم الذين سيدفعون ثمن
الاغتيال، حتى لو لم يقفوا
عملياً خلفه. إذ أنه مع تصفية
الحريري سُحب البساط من تحت
الحجة المركزية لتبرير استمرار
وجودهم في لبنان، والتي تقول
إنّ هذا الوجود هو ضمانة
لاستمرار الاستقرار والحفاظ
على الأمن في هذه الدولة"،
على حد تعبيره.
سورية
ستدفع الثمن
بقلم:
إيال زيسر
في لقائهما الأخير قبل عدة أشهر؛
هدد الرئيس السوري بشار الأسد
رفيق الحريري، الذي كان في حينه
لا يزال رئيس الوزراء اللبناني،
في أنه إذا ما واصل الحريري
معارضة الخطوات السورية في
لبنان، وكان الحديث يدور عن
تمديد ولاية الرئيس اللبناني
إميل لحود بست سنوات أخرى؛ فإنّ
السوريين سيحرصون على "كسر
رقبته". وروى الحريري لمقربيه
بأنّ هذا التهديد أرفقه بشار
بحركة يد مهددة لم تسمح لأي مجال
للشك في جدية نواياه.
بعد أشهر معدودة فقط من توجيه
التهديد السوري له؛ لاقى
الحريري حتفه في انفجار خفي
لسيارة مفخخة بجانب قافلته
المحصنة. ومع ذلك، ورغم أنّ كل
الخيوط تقود إلى دمشق؛ فمن
الصعب التصوّر بأنّ السوريين هم
الذين وقفوا خلف التصفية.
فالحقيقة هي أنّ لسورية كل
الأسباب التي في العالم لتصفية
الحريري. ومع أنه لم يبرز كمن
يقف على رأس معسكر معارضيها في
لبنان، فهذه المهمة تركها لخصمه
- صديقه، وليد جنبلاط، زعيم
الدروز في الدولة. ومع ذلك؛ فقد
أدى الحريري بهدوء تام في
الأشهر الأخيرة دوراً مركزياً
في بلورة المحور الأمريكي –
الفرنسي، الذي أدى إلى قرار 1559
في مجلس الأمن في أيلول (سبتمبر)
الماضي، الداعي إلى انسحاب
القوات السورية من لبنان. وذلك
بفضل اتصالاته الوثيقة، بل
والحميمة؛ مع الرئيس الفرنسي
جاك شيراك، الذي رأى فيه صديقاً
شخصياً.
لقد درج السوريون في العهود
الماضية بالفعل على المسّ بمن
يتجرأ على رفع يده أو صوته ضدهم
في لبنان. غير أنّ هذه ليست
أياماً عادية بالنسبة لدمشق.
فسورية تخضع اليوم لضغط دولي لا
سابق له، وبالأساس لضغط أمريكي
وفرنسي يحظى بدعم دولي واسع. وهي
تخضع لتهديدات واتهامات من
واشنطن بشأن دور السوريين في
أعمال الإرهاب في العراق وفي
أوساط الفلسطينيين وفي لبنان،
وأخيراً، فهي تعمل بنشاط
للانخراط في المسيرة السياسية
في المنطقة تخوفاً من بقائها في
الخلف.
في ضوء هذا كله؛ اختارت سورية
اتخاذ سياسة متصالحة أساسها
استعدادها للحديث مع ألد
أعدائها في الساحة اللبنانية،
بل وبثّ استعداد لاتخاذ خطوات
تُرضي فرنسا والولايات المتحدة.
مثلاً، عبر بث إشاعات بشأن
نواياها لسحب قواتها من لبنان.
إنّ تصفية بهذا الصخب لرئيس وزراء
لبنان السابق تتعارض بالتالي مع
المصلحة السورية. فهي من شأنها
أن تجتذب النار نحو دمشق، وأن
تركز الاهتمام الدولي المتجدد
في الساحة اللبنانية، وأن
تصعِّد لا أن تلطف الضغوط على
سورية بسحب يديها من لبنان. كما
لا تخدم ضعضعة الاستقرار في
لبنان هي الأخرى السوريين، إذ
إنّ فيها ما يمسّ المصالح
السياسية والاقتصادية لدمشق في
هذه الدولة.
إذا لم يكن السوريون يقفون خلف
تصفية الحريري؛ فمن يقف خلفها؟
من الصعب الإشارة إلى محفل قوة
داخل لبنان له مصلحة مباشرة
وواضحة في تصفية الحريري. يبدو
بالتالي أنّ هذا الاغتيال سينضم
إلى القائمة الطويلة من أعمال
التصفيات غير محلولة اللغز
لزعماء لبنانيين في العقد
الماضي. هكذا مثلاً تصفية
الرئيس اللبناني رينيه معوّض
سنة 1989، والذي بقي بمثابة
اللغز، وكذا تصفية رئيس وزراء
لبنان رشيد كرامي في العام 1987.
ومهما يكن من أمر؛ فإنّ السوريين
هم الذين سيدفعون ثمن الاغتيال،
حتى لو لم يقفوا عملياً خلفه. إذ
أنه مع تصفية الحريري سُحب
البساط من تحت الحجة المركزية
لتبرير استمرار وجودهم في
لبنان، والتي تقول إنّ هذا
الوجود هو ضمانة لاستمرار
الاستقرار والحفاظ على الأمن في
هذه الدولة.
(المقال
بقلم إيال زيسر، ونشر في يومية
"معاريف" العبرية في
الخامس عشر من شباط/ فبراير 2005)
القدس
المحتلة - خدمة قدس برس (16/02/05)
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|