أهمية
الصوت المسلم الأمريكي
في
انتخابات عام 2004
بقلم:
علاء بيومي*
يعتمد المسلمون الأمريكيون على
أربعة عوامل رئيسية لترك بصمتهم
واضحة على انتخابات الرئاسة
الأمريكية المقرر عقدها في
الثاني من نوفمبر المقبل، ولو
تبلورت هذه العوامل لخرج مسلمو
أمريكا فائزين من الانتخابات
بغض النظر عما ستسفر عليه من
نتائج.
العامل الأول هو ارتفاع معدلات
مشاركتهم في الانتخابات، إذ
أشار أحدث استطلاع لتوجهات
مسلمي أمريكا السياسية - والذي
أصدره مركز أبحاث مسلم أمريكي
تابع لجامعة جورج تاون
الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر
2004 – إلى أن نسبة الرغبة في
المشاركة السياسية في أوساط
المسلمين الأمريكيين تتراوح
بين 86-92 %، وأن نسبة الرغبة في
التصويت في أوساط الناخبين
المسلمين الأمريكيين وصلت إلى 95
%، وهي بدون شك نسب مرتفعة تفوق
نسب التصويت والمشاركة
السياسية في المجتمع الأمريكي
ذاته.
ويعود إقبال المسلمين الأمريكيين
على المشاركة في الانتخابات
الحالية إلى عدة عوامل على
رأسها ارتفاع مستواهم
التعليمي، ونشاط منظماتهم
المتزايد خاصة منذ أحداث سبتمبر
على صعيد نشر الوعي السياسي في
أوساطهم، وكذلك تبعات أحداث
سبتمبر 2001 وسياسات إدارة بوش
السلبية العديدة على قضايا
المسلمين الأمريكيين الداخلية
وعلى قمتها قضايا الحقوق
المدنية والخارجية وعلى رأسها
قضيتي العراق وفلسطين.
إذ أعرب 81 % من المشاركين في
الاستطلاع السابق عن معارضتهم
للحرب على العراق، كما ذكر 40 %
منهم أنهم تعرضوا شخصيا للتمييز
بعد أحداث سبتمبر 2001، وذكر 57 %
منهم أن أحد أصدقائهم أو
أقاربهم تعرض للتمييز.
ولدى المسلمين الأمريكيين قائمة
طويلة من قضايا الحقوق المدنية
الداخلية التي يأملون أن
يساعدوا على تغييرها من خلال
مشاركتهم في الانتخابات
القادمة وخاصة فيما يتعلق
بتعديل قانون باتريوت آكت (قانون
مكافحة الإرهاب لعام 2001)، والذي
ترى العديد من جماعات الحقوق
المدنية أنه يتضمن انتهاكات
واضحة للحريات الأمريكية خاصة
فيما يتعلق بإضعاف رقابة القضاء
على السلطة التنفيذية والسماح
بمراقبة المشتبه فيهم والتجسس
عليهم دون توافر أدلة كافية
تثبت إدانتهم بجرم ارتكبوه.
وكذلك فيما يتعلق بتشديد قوانين
مكافحة التمييز العنصري وتشديد
قوانين مكافحة جرائم الكراهية،
وإنهاء استخدام الأدلة السرية
ضد المهاجرين والمواطنين على حد
سواء، وإبطال بعض قيود الهجرة
التي أقرتها إدارة بوش وفرضت
أعباء مبالغ فيها على المهاجرين.
العامل الثاني هو قدرة المسلمين
الأمريكيين على التصويت ككتلة
انتخابية واحدة، إذ دعا تحالف
يضم عشرة من أكبر منظمات
المسلمين الأمريكية السياسية
والدينية وأخرى معنية بشئون
الطلاب وبشئون الأفارقة
الأمريكيين في الحادي والعشرين
من أكتوبر 2004 مساندتها للمرشح
الديمقراطي للرئاسة جون كيري،
ودعا التحالف المسلمين
الأمريكيين إلى "التصويت معا
بعدد كبير ولهدف مشترك"، وذلك
لصالح مرشحه المفضل، وذلك بهدف
أن يحقق التحالف الإنجاز الذي
حققه مسلمو أمريكا في عام 2000
عندما نجح تحالف من أربعة
منظمات سياسية مسلمة أمريكية في
بناء أول كتلة انتخابية مسلمة
أمريكية.
ومنذ ذلك الحين أصبحت قدرة
المسلمين على توحيد جهودهم
والتصويت ككتلة واحدة تمثل أحد
أهم مظاهر قوتهم السياسية كما
ظهر في تغطية العديد من وسائل
الإعلام الأمريكية لنشاط مسلمي
أمريكا السياسي خلال السنوات
الأربعة الماضية، وكما ظهر أيضا
من حرص المسلمين الأمريكيين
أنفسهم على التصويت ككتلة
انتخابية واحدة والتوحد خلف
منظماتهم.
إذ أعرب 53 % من المشاركين في
الاستطلاع السابق عن اعتقادهم
بأنه ينبغي على مسلمي أمريكا
التصويت ككتلة واحدة في
انتخابات الرئاسة الأمريكية
القادمة، وقال 69 % منهم أن تأييد
تحالف المنظمات المسلمة
الأمريكية لأي من مرشحي الرئاسة
سوف يمثل عاملا هاما في التأثير
على قراراهم بخصوص المرشح الذي
سوف يصوتون له، كما أعرب 81 % منهم
عن تأييدهم لأجندة تحالف
المنظمات المسلمة المعني
بالانتخابات وبالحقوق المدنية.
وأظهر الاستطلاع نفسه حقيقة
إضافية هامة بهذه الخصوص وهو
زيادة الدور الذي تلعبه الهوية
المسلمة في التأثير على قرارات
مسلمي أمريكا السياسية، إذ ذكر
69 % من الناخبين المسلمين
الأمريكيين أن قراراتهم بخصوص
مرشحهم المفضل سوف تتأثر بحقيقة
كونهم مسلمين.
العامل الثالث هو تواجد المسلمين
ونشاطهم الملحوظ في بعض
السباقات الانتخابية الهامة
والتي لم تحسم بعد لصالح أي من
مرشحي الرئاسة الرئيسيين في
الانتخابات الراهنة، وخاصة في
ولايتي أوهايو وفلوريدا، ففي
ولاية أوهايو على سبيل المثال
فاز بوش على آل جور في انتخابات
عام 2000 بفارق 165 ألف صوت، ويعيش
في ولاية أوهايو حوالي 150 ألف
مسلما، وفي ولاية فلوريدا فاز
بوش على آل جور بفارق بسيط لا
يتعدى مئات الأصوات، وقد أشارت
وسائل الإعلام في ذلك الحين على
أن مسلمي فلوريدا منحوا بوش
أكثر من 50 ألف صوت.
وقد أعلن مجلس العلاقات الإسلامية
الأمريكية (كير) – وهو أكبر
منظمات الحقوق المدنية المسلمة
الأمريكية – عن تنظيمه لجهود
مكثفة - في ولاية أوهايو حيث
تتواجد ثلاث مكاتب لكير، وفي
ولاية فلوريدا حيث يتواجد لكير
مكتبان – لحشد أصوات الناخبين
المسلمين ومساعدتهم على الخروج
للتصويت بأكبر عدد ممكن في
الثاني من نوفمبر القادم، وهي
جهود حرصت على القيام بها مختلف
منظمات المسلمين والعرب
الأمريكيين خلال الفترة
الأخيرة والتي شهدت حشدا لا بأس
به للصوت المسلم والعربي
الأمريكي.
العامل الرابع هو ولاء المسلمين
الأمريكيين لقضاياهم وقدرتهم
على تغيير توجههم السياسي لخدمة
هذه القضايا، فقد صوت غالبية
المسلمين الأمريكيين لمرشح
الحزب الجمهوري جورج دبليو بوش
في انتخابات عام 2000، ولكن
استطلاعات الرأي وتوجهات قادة
ومنظمات مسلمي أمريكا تشير إلى
حدوث تغيير كبير في وجهة
أصواتهم خلال السنوات الأربعة
الأخيرة ردا على سياسات إدارة
الرئيس بوش السلبية في حقهم.
إذ تشير الاستطلاعات إلى تأييد
غالبية المسلمين الأمريكيين (أكثر
من 70 %) لجون كيري، بل وإلى تحول
المسلمين بعيدا عن الحزب
الجمهوري نفسه والذي سانده
المسلمون الأمريكيون تقليديا
بسبب قيمه المحافظة على المستوى
الأخلاقي، إذ أشار استطلاع
جامعة جورج تاون إلى أن 50 % من
المسلمين الأمريكيين أصبحوا
ينظرون إلى الحزب الديمقراطي
على أنه حزبهم المفضل في مقابل 12
% من المسلمين الأمريكيين
مازالوا يشعرون بالانتماء إلى
الحزب الجمهوري، هذا إضافة إلى
انخفاض نسبة مؤيدي بوش في أوساط
المسلمين الأمريكيين إلى 7 % أو
أقل، بل أن نصف المسلمين
الجمهوريين – كما يشير
الاستطلاع – يؤيدون جون كيري.
ويبدو أن نسبة لا يستهان بها من
مسلمي أمريكا غيروا وجهتهم نحو
اليسار بعيدا عن اليمين اعتراضا
على سياسات بوش نفسه، إذ ذكر 32 %
من المسلمين المؤيدين لكيري
أنهم يؤيدونه اعتراضا على
سياسات جورج دبليو بوش، وأكد
تحالف المنظمات المسلمة
الأمريكية على الأمر نفسه في
البيان الذي أصدره لإعلان
تأييده لجون كيري، إذ قال
البيان "للأسف تميزت إدارة
الرئيس بوش بعدم الحساسية تجاه
حقوق وحريات المسلمين
الأمريكيين ... يشعر المسلمون
الأمريكيون بالاستياء تجاه عدد
من السياسات الداخلية
والخارجية التي أرستها إدارة
الرئيس بوش منذ أحداث 11/9".
وهذا لا يعني أن معارضة بوش كانت
السبب الوحيد لتأييد تحالف
المنظمات المسلمة الأمريكية
لجون كيري، إذ أشار التحالف في
بيانه وفي مناسبات مختلفة إلى
ما وجهه جون كيري من انتقادات
لسياسات بوش خاصة على صعيد
الحقوق المدنية، كما تعهدت حملة
جون كيري للمنظمات المسلمة ببذل
مزيد من الجهود على صعيد حماية
الحقوق المدنية، وبذلت حملة جون
كيري جهودا كبيرة لاجتذاب أصوات
مسلمي أمريكا وقادتهم، وقد شارك
في هذه الجهود سياسيون مخضرمون
على رأسهم السيناتور إدوارد
كيندي المعروف بمواقف المساندة
لمسلمي أمريكا.
يبقى هنا أن نؤكد على حقيقة هامة –
كتبنا هذا المقال من أجل
إبرازها - وهي أن قوة المسلمين
الأمريكيين السياسية لا تعتمد
على الفائز في انتخابات نوفمبر
2004 بقدر ما تعتمد على قدرتهم على
زيادة معدلات مشاركتهم
السياسية وتوحيد طاقاتهم
وأصواتهم والتواجد المكثف في
السباقات الانتخابية الهامة
وولائهم القوي والصريح
لقضاياهم، وهي العوامل التي سعى
المسلمون الأمريكيون باجتهاد
لبنائها خلال الأعوام الأربعة
الماضية رغم مما واجهوه خلالها
من تحديات. فقوة أي جماعة
أمريكية مهما كان حجمها – بما
في ذلك الأحزاب واللوبيات
المختلفة – لا تعتمد بالضرورة
على فوز مرشحيها بقدر ما تعتمد
على قدرة هذه الجماعات على بناء
عناصر نفوذها المختلفة.
*
مدير الشؤون العربية بكير
-----
مجلس
العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)
|