شاهد
عيان..
رفيق
سبيعي في حوار بشأن السياسة
والإصلاح
حكايتي
مع
نقابة الفنانين وحزب البعث
نضال
قوشحة
قد يبدو أمراً
استثنائياً، ان ينتقد حوار مع
فنان، سياسات عليا في سورية،
ولكن لكل وقت أذان، والوضع
الآن، يسمح بهذا.
الوطن في خطر، هذا
ما لايشك فيه اثنان، هناك مشاكل
في الداخل لابد من حلها، ومشاكل
آتية من الخارج، لابد من
مواجهتها.
سياسة الغطرسة
الأميركية، تزداد شراسة على
وطننا. وحلفاؤها اليوم كثر، وهم
يضيقون علينا يوماً اثر يوم، من
أوروبة والعالم وحتى من محيطنا
العربي، لذلك لايمكن لأحد أن
يكون متفرجاً في هذه المرحلة.
عندما سجلت هذا
الحوار مع الاستاذ رفيق
السبيعي، لم يخطر بباله
ولاببالي أننا نصنع شيئاً
اعجازياً، أو شينا خارقاً،
الأمر ببساطة أن لديه كلاماً
حاراً كان يود قوله، وكان
باستطاعتي المساعدة، وأتشرف
بأني فعلت، لأننا التقينا على
محبة وطننا، وتسليط الضوء على
بعض مفاصل الخلل فيه.
الأمر لايحتاج
لكثير من الجرأة أو الفدائية أو
الجنون. أو ربما الانتهازية
بحسب ظن البعض، ولماذا هذا كله،
ونحن نمارس حقاً في التعبير
بحرية عن شأن وطني.
المادة 26 من
الدستور السوري تقول بالحرف «لكل
مواطن حق الاسهام في الحياة
السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية وينظم
القانون ذلك».
أما المادة 38 فتقول
« لكل مواطن الحق في أن يعرب عن
رأيه بحرية وعلنية، بالقول
والكتابة، وكافة وسائل التعبير
الأخرى وأن يسهم في الرقابة
والنقد البناء بما يضمن سلامة
البناء الوطني والقومي، ويدعم
النظام الاشتراكي وتكفل الدولة
حرية الصحافة والطباعة والنظر
وفقاً للقانون».
وبعد هل يبدو الأمر
صعباً بعد هذا الايضاح، من هنا
تولدت الرغبة لدي ولدى الاستاذ
سبيعي، على ضرورة أن يكون النشر
داخل سورية، فأنا والجميع يعلم
أن جهات خارجية كثيرة تتلقف
هكذا مادة في هذه الأيام، لذلك
كان إصرارنا على النشر في سورية.
وهذا لايعني أبداً الغمز من شأن
الذين نشروا مواداً تخص الوطن
في الصحافة العربية وخاصة
اللبنانية، فهم أشخاص، نكن لهم
كل الاحترام والمودة، ونعيش
معهم هم الوطن وهم إصلاحه
ولاننظر إليهم إلا كونهم شركاء
في عملية تطوير الوطن على الشكل
الأمثل. ولكن لكل شخص الحرية في
اختيار منبره.
س: نقابة الفنانين،
حلم تحقق بعد عمل دؤوب وشاق،
استمر لسنوات طوال، والمعروف
أنك كنت صاحب الفكرة الأولى
لهذا المشروع منذ مايقارب
الأربعين عاماً، حدثنا عن ظروف
نشأة وتطور النقابة؟
. كنت في مرحلة
أوائل الستينيات، قد بدأت
بتقديم المونولوجات الغنائية
الانتقادية، وكنت أقوم بزيارات
لقطع الجيش لتقديمها للجنود،
على الجبهات، وتقرر مرة، أن
يحضر أحد هذه الحفلات، رئيس
مجلس الرئاسة آنذاك، الذي سألني
بعد الحفل عن حال الفنانين،
فقلت له أن الحال بائسة، فلا
حماية ولا تأمين. وصادف أن كان
الفنان والرسام، أكرم خلقي،
راقداً في المشفى، لا يستطيع أن
يدفع نفقات علاجه، فشرحت الأمر
للرئيس، فسألني عن سبب عدم وجود
نقابة للفنانيين، فطلبت دعمه في
الموضوع، وطلب فوراً من أحد
الضباط المرافقين تسجيل الفكرة
في مفكرته، وفي اليوم التالي،
اتصل بي ضابط من القصر الجمهوري.
وقال لي أن السيد الرئيس يريد أن
يزور الفنان خلقي في المشفى
مساء الغد، وفوراً نسقت مع
الإذاعة والتلفزيون والمشفى،
وفعلاً أتى الرئيس في اليوم
التالي وزار الفنان. وعند باب
المصعد ناولنا مبلغ خمسة آلاف
ليرة وطلب أن يدفع هذا المبلغ
للفنان شخصياً، أما نفقات
العلاج فهي على الدولة، ومن هنا
كانت الشرارة الأولى لولادة
نقابة الفنانين بعد هذه
البداية، كان لابد من احداث
مرسوم إنشاء النقابة، وهذا ما
كلفنا جهداً كبيراً، حتى وصلنا
لعام 67 وتغير الوضع داخل الحزب
آنذاك، وجاء على الحكم تيار
آخر، فقابلنا رئيس الوزراء في
ذلك الحين لأمر النقابة، وتجاوب
معنا، فطلب مسودة القرار، ثم
سألنا عن مطالبنا، وكان أساسها
تخصيص مبلغ مئة ألف ليرة ، لشراء
مقر للنقابة، وأذكر انه أعطانا
درساً في الوطنية، وضرورة شد
الأحزمة على البطون، واتباع
سياسات التقشف، ثم خصص لنا مبلغ
خمسين ألف ليرة، كانت البداية
الحقيقية لمسيرة حياة النقابة.
وللتاريخ أذكر أنني
لم أكن الوحيد، الذي كان يحارب
في سبيل إنجاز هذه الفكرة، بل
كان لي حليفان أساسيان في هذه
المرحلة، حاربا بضراوة لإنجاز
المشروع، وهما الفنانان، عمر
حجو ودريد لحام. وفعلاً تم عقد
المؤتمر التأسيسي لها، وكنت
سأسمى نقيباً للفنانين،
باعتبار أن الجميع كان يرى ذلك
كوني أول من بادر لإيجاد
النقابة، ولكن مجموعة من
الفنانين، طلبوا مني آنذاك،
التخلي عن منصب نقيب الفنانين،
لمصالح الفنان دريد لحام، ويشهد
التاريخ أنني لم أتردد لحظة،
قلت لهم إن كنتم تريدون هذا فهو
لكم، لا يهمني أن أكون النقيب،
لكن المهم أن تولد النقابة.
وبهذا كان دريد لحام أول نقيب
للفنانين في سورية وبدأت بشكل
نهائي العمل منذ تلك اللحظة.
س: بعد مرحلة
الانطلاق، وبعد أربعين عاماً من
الولادة، حدثنا عن مسيرة حياة
النقابة؟
.في البداية كان
الوضع جيداً، وديمقراطياً
حقيقياً، فكان يتم انتخاب مجلس
الادارة من كل الأعضاء، وهو
بدوره ينتخب الأعضاء، كان هدف
النقابة الأساسي عندما أنشئت
حماية الفن والفنان السوري، بجو
ديمقراطي، وايجاد فرص العمل
لهم، فبعض الفنانين لايعملون،
وأصحاب المناصب يعملون دائماً،
هناك حال من التحالف بين أصحاب
المال وبعض أصحاب المناصب في
النقابة، بحيث يمررون مصالح
بعضهم على حساب النقابة وبقية
الزملاء.
س: هل تعني أن
المصالح الشخصية هي الغالبة على
المصالح العامة لدى النقابة؟
. الأمور كذلك
فعلاً، وهذا أمر يحزنني، وأنا
لا أقول هذا الكلام جزافاً،
فهنالك وثائق تتحدث عن بعض
المخالفات التي ارتكبت في
النقابة، من قبل البعض. والذي
يريد التأكد فليراجع مكاتب
النقابة.
س: صرحت مرة بأن
قانون النقابة جامد ولابد من أن
يتغير، ماذا كنت تقصد بذلك؟
. هذا الكلام قيل
بالنسبة لحقوق تقاعد الفنانين،
وذلك عند بلوغهم الستين من
العمر، فهناك مادة في النظام
الداخلي، تمنع عمل الفنان في
حال بلغ الستين من العمر، وهذا
ما يجب أن يلغى، لأن الفنان ليس
كالموظف العادي، إضافة إلى أن
طبيعة العمل الفني، تستلزم عمل
الفنانين الكبار في السن،
للحاجة إليهم كفئة عمرية، فتصور
أن الفنان ملزم، بالاختيار بين
التخلي عن راتبه التقاعدي، أو
استمرارية العمل.
شخصياً تخليت عن
راتبي التقاعدي، مقابل أن أتابع
العمل. وقد توجهنا بطلب إلى
النقيب الحالي، أكدنا فيه على
ضرورة تعديل هذه المادة في
النظام الداخلي للنقابة، لكن
النقيب رد « بأن الفنان الذي يحب
أن يتابع عمله عليه بالاستغناء
عن حقوقه التقاعدية».
س: بعض الفنانين كان
عضواً في مجلس الشعب، هل ساهم
هؤلاء الفنانين بوجودهم هناك
بحماية الفنان ومد يد العون له؟
.للأسف لا، كانت
المصالح الشخصية هي الغالبة على
الأداء، دخل المجلس في تاريخه
الأساتذة صباح فخري ومحمود جبر
وأيمن زيدان، ولم تكن الأمور
مرضية لا في داخل المجلس ولا حتى
في النقابة.
والذي يبدو لي أن
السبب في ذلك هو فكرة التحزب
داخل الوسط الفني وهذا ما أسميه
بفكرة الولاء قبل الأداء.
س: هل بالإمكان طرح
أمثلة على ذلك؟
. طبعاً، سأطرح
مثالاً من داخل وزارة الاعلام
فقبل أعوام قليلة، وتحديداً في
عام 2000سمعت خطاب القسم للسيد
الرئيس في مجلس الشعب، الذي قال
فيه، إننا سنقضي على الفساد،
ومن خلال هذا الخطاب وبمرجعيته،
جهزت أغنية تتحدث عن الفساد،
عنوانها «فيفتي فيفتي» قدمتها
لمدير عام الإذاعة والتلفزيون
آنذاك فايز الصايغ، الذي وافق
على إنتاجها، طالباً مني
الإكثار من هذه النوعية من
الانتاجات، ولكن كان لمدير
الرقابة في التلفزيون رأي آخر
في الموضوع، فهو رفض انتاج
الأغنية بزعم عدم جوازها
رقابياً، وبدأت المشوار الطويل
والإصرار على العمل، الذي
استغرق مني جهد سنتين ونصف
السنة، من أجل انجاز العمل على
أغنية، وأخيراً وصلت للسيد
عدنان عمران وزير الاعلام
آنذاك، الذي شرحت له الأمر،
وقلت له في النهاية. ألا ترى أن
صرف سنتين ونصف من الزمن على
انتاج أغنية فيه ظلم لي، فرد علي
بالقول« أن تكون مظلوماً، خير
لك من أن تكون ظالماً». خرجت من
عند الوزير حانقاً جداً، وفوراً
طلبت مقابلة السيد رئيس
الجمهورية. وتم لي ذلك.
س: أريد تفاصيل ذلك
اللقاء لو سمحت، وهل ساعدك أحد
في هذا المسعى؟
.أبداً، اتصلت
مباشرة بمكتب السيد رئيس
الجمهورية، وتحدثت مع المسؤول
هناك، الذي كان متجاوباً معي،
إلى أبعد حد، وطلبت منه مقابلة
السيد رئيس الجمهورية، فقال لي
سأحاول وأتصل بك لاحقاً، وفعلاً
وبعد فترة من الزمن، اتصل بي
وكنت في الاذاعة، وطلب مني
الحضور فوراً إلى اللقاء، وأذكر
انني دخلت وقابلت السيد الرئيس،
بعد لقائه بالسيد «غول» وزير
خارجية تركيا فوراً.
تحدثت للسيد الرئيس
ما يقارب الخمس وعشرين دقيقة،
وكان لطيفاً جداً وودوداً معي
إلى أبعد مسافة سألني عن
الإذاعة والتلفزيون ، فقلت
للأسف ليس هنالك صاحب قرار،
وشرحت له قصة هذه الأغنية، وأن
بحوزتي كل الوثائق التي تثبت
كلامي، فطلب مني إرسال نص
الأغنية إليه، وفعلاً أرسلتها،
وبعد أيام اتصل بي عدنان عمران
بنفسه ليقول لي بأن الأغنية قد
تمت الموافقة عليها، وأن
بامكاني تسجيلها فوراً، وتم
فعلاً تسجيل الأغنية صوتاً ولم
تسجل حتى تاريخه بالصورة.
فهل يعقل هذا،
أغنية انتقادية بسيطة، تحتاج
إلى موافقة السيد الرئيس عليها.
الآن الوضع ليس أفضل ليس هنالك
صاحب قرار، هم ينتظرون دائماً
أمراً من جهة أعلى.
س: كيف ترى هامش
الحرية الفنية في بلدنا، وهل
تعتبرها دعامة هامة في المناخ
العام للبلاد في هذه المرحلة
الحساسة جداً في تاريخنا؟
. بشكل عفوي، أرى أن
سؤال ناقد شعبي ، يحدد حجم
الحرية الموجودة في البلاد، لأن
هذا الناقد الشعي، يسلط الضوء
على العيوب، فإلى أي مدى يرتاح
هذا الناقد الشعبي في النقد،
هنالك حرية، فطالما أن أغنية لم
تصور، منذ ثلاث سنوات، فبإمكانك
تصور مدى الحرية الموجودة، وهذا
هو سبب عزوفي عن إنجاز أعمال على
هذا الشاكلة، كون الحرية الفنية
ليست على مايرام.
من هنا أنطلق في
الإجابة على الشق الثاني من
السؤال، فالدولة تلتحم مع
الداخل، عندما تكون الحرية
موجودة، والاهتمام متبادل،
لذلك سيلتف الشعب حول هذه
الدولة ويحميها، أما لو صار
العكس، فستكون الدولة في جانب
والشعب في جانب آخر، وهذا ما
سيعمل عليه الخارج، الذي يضمر
لنا السوء، فيعزل هذه الدولة
ويحاربها. فالفكرة الآن أن
فلاناً الحزبي، سيكون في هذا
المكان، ولو كان غير أهلاً له،
بينما يستبعد آخر، يمتلك كل
المؤهلات اللازمة لأنه ليس
حزبياً، وأكبر مثال على ذلك
مديرية المسارح والموسيقى
حالياً، وأعتقد أنّ هذا التوجه
ليس في مصلحة الحزب والدولة
معاً.
س: بعد فترة، سيعقد
في دمشق، المؤتمر القطري، لحزب
البعث العربي الاشتراكي، والذي
يعول عليه بالكثير، ماذا تقول
للقيادات العليا الجديدة التي
سيأتي بها المؤتمر؟
. أقول لهم: هناك من
أخطأوا في المراحل الماضية، بحق
شعار حزب البعث، ولفكره
ومبادئه، لأن كلمة «البعث» تعني
الحياة والتقدم، وهم لم يفهموا
هذا المعنى،وبالتالي أساؤوا
إليه في ممارساتهم. هؤلاء
تجاوزوا حدهم، لذلك لم يلتف
الناس حولهم، وبالعكس فالشعب
دائماً مع تغيير قيادات الحزب
التي لم تكن منسجمة مع أهداف
الحزب وقيمه على أمل أن يأتي
للواقع أناس جدد يخدمون مصالحه .
وهنالك أيضا
ًالمخبرون الذين يكتبون
التقارير، أنا سنة الـ68 كتبت
فيَّ عدة تقارير كيدية وصل
تأثيرها إلى لبنان، وقابلت
وقتها وزير الداخلية للتحصل على
أذن سفر إلى لبنان، فاتهمني
مباشرة بأنني مخرب، أريد إيذاء
الوطن، طبعاً بنتيجة هذه
التقارير. مرَّ الأمر وانتهى،
ولكنه ظل يحز في نفسي، لأنني كنت
أول من غنى، لثورة البعث عند
قيامها. وأتمنى على القيادات
الجديدة ألا تعمل على تلك
الشاكلة التي أرى أن البعض
مازال يعمل بعقليتها حتى الآن.
س: كيف تقيم مناخ
العلاقة بين الحزب وكل من وزارة
الثقافة والإعلام ونقابة
الفنانين، عبر السنوات
الماضية؟
. أعتقد أن من الخطأ
جعل النقابات المهنية حزبية
ومسيّسة، وأنا هنا أطرح من جديد
مثالاً شخصياً. ففي عام 1984 كان
هناك انتخابات للنقابة، وقد
رشحت نفسي لها، لعلمي الأكيد
بمكانتي عند زملائي الفنانين،
وكنت متأكداً إنني سأكون نقيباً
عليهم في تلك الدورة، وقبل
الانتخابات بيوم واحد، تم
استدعائي لمقر القيادة
القطرية، لمقابلة شخص يدعى محمد
زيدان، وكان المسؤول عن مكتب
النقابات في القيادة، الذي
أعطاني درساً وعلى مدار عشرين
دقيقة في الالتزام الحزبي،
والإخلاص له، وأنه تماشياً مع
هذا الطرح، عليّ الانسحاب من
سباق الانتخاب لمصلحة مرشح حزبي
هو السيد سهيل كنعان، الذي لم
أكن أملك معلومات عنه سوى أنه
كان موظفاً في إحدى الجهات
الأمنية، ثم نقل منها إلى وظيفة
في الإعلام، سافر بعدها إلى
القاهرة لعدة أشهر، ثم عاد
ليدخل نقابة الفنانين، ويترشح
بعدها عام الـ84 عن الحزب لشغل
منصب نقيب الفنانين. محمد زيدان
قال لي بالحرف الواحد، إنه لو
نجح أي شخص آخر غير سهيل كنعان
في الانتخابات فإن نقابة
الفنانين لن يتوفر لها أية
مكتسبات في المستقبل، وعندما
قلت له إنه من الأفضل ترك الأمر
للحرية والوجه الديمقراطي، ظن
ذلك مساومة مني على المنصب،
فأكد لي بأن لي مكاناً حتمياً في
مجلس الإدارة على ألاأكون
النقيب.
بعد كل هذا العناء،
رفضت الانسحاب، وذهبنا في اليوم
التالي للاقتراع، وفزت بأغلبية
28 صوتاً. وبدأ الأصدقاء من
الفنانين الاحتفال بفوزي في
النقابة. عندها كان السيد خضر
الشعار وهوعضو فنان، وقد أصبح
فيما بعد مديراً عاماً للإذاعة
والتلفزيون، يتصل بجهات ما،
وبعد وقت قصير، جاءت برقية من
القيادة تقول بأن فرقة سورية
فنية كانت في دولة الجزائر،
تعدادها أربعون شخصاً، قد صوتت،
وكانت أصواتها لصالح سهيل
كنعان، وبالتالي يكون هو
الفائز، وهذا طبعاً مخالف
لقانون النقابة الذي يمنع أن
يقترع أحدهم خارج قاعة
الاقتراع، فما الحال وتصويت
هؤلاء قد جرى خارج البلد كله؟!.
وتم فعلاً احتساب
النتائج على هذا الشكل ، وصار
سهيل كنعان نقيباً للفنانين في
سورية، بينما هرب خضر الشعار
لاحقاً إلى أميركا، لأسباب
تتعلق بالفساد وساعده في ذلك
سهيل كنعان نفسه.
منذ ذلك التاريخ
انقلب حال النقابة من منظمة
للدفاع عن حقوق الفنان إلى جهة
سلطوية تتحكم به، أية كلمة
تقولها، تُستدعى إلى الأمن في
اليوم الثاني، طلبنا ذات مرة
إلغاء بعض الفروع النقابية التي
لاتحقق ريعية عالية ضغطاً
للنفقات، فكانت النتيجة
التحقيق لدى أجهزة الأمن، وكان
هذا بسبب وجود السيد سهيل كنعان
في هذا المكان.
س: هل أنت مع المبدع
الحزبي؟
. أنا أتحزب لفني
ووطني، وأقدم كل جهدي في خدمته.
في أواسط
الثمانينات، وبعد حكاية سهيل
كنعان في النقابة، منعت وغيبت
عن العمل، ومرة صادفني السيد
عطية الجودة، وكان يشغل وظيفة
المدير العام لهيئة الإذاعة
والتلفزيون، واصطحبني لمكتب
السيد توفيق صالحة في القيادة
القطرية، وكان قد أصبح المسؤول
عن مكتب النقابات بعد محمد
زيدان وأذكر أن السيد صابر
فلحوط قد كان موجوداً عنده
وقتها.
ضيفني سيكاراً
كوبياً غالياً، لكنني لم أقبله،
ثم سألني عن عملي، وعندما قال
السيد عطيه، إنني لا أعمل، ردّ
بأن هذا الأمر لايجوز، بل يجب
على الأستاذ رفيق أن يعمل (كما
قال).وأضاف: إننا نفكّر بتنسيبه
للحزب.
طبعاً لم أقبل
بهذا، وقلت له أخشى أن يقال عني
بأنني انتهازي، ثم خرجت من
اللقاء وأنا مستاء جداً من
طريقته المتعالية في الحديث
معي، وأحسست بأن هوة سحيقة
تفصلني عن السياسة، التي يعمل
بطريقتها أمثال هؤلاء.
سابقاً كنا نعتز
بأسماء سياسية لامعة في بلدنا،
مثل شكري القوتلي، وصبري
العسلي، وفخري البارودي، وسعد
الله الجابري، وفارس الخوري،
وسعيد الغزي وآخرون، كانوا
مناضلين حقيقيين بسطاء، وكانوا
يصرفون من أموالهم الخاصة على
وظائفهم، ولم يكونوا باحثين عن
امتيازات ومكاسب، كما يحدث
اليوم مع بعض سياسيينا.
أقول هذا الكلام
وأنا شاهد عيان، عاصر
التجربتين، سعيد الغزي كان
محامياً مشهوراً، أصبح رئيساً
للحكومة كذا مرة، في الفترات
الانتقالية كنا نراه في الصحف
رئيساً للحكومة، وفي اليوم
التالي يقدم استقالته، فيحمل
حقيبته ويذهب للقصر العدلي. منذ
فترة شاهدت ابنه، فسألته عن
المال الذي تركه أبوه فقال 450
ألف ليرة ديون.
هذه هي «الرجعية»
التي يشتمها الكثيرون من الذين
يدعون التقدمية، ولكن إذا كانت
التقدمية على الشاكلة التي
تحدثت عنها آنفاً، فأنا أفضل
هؤلاء «الرجعيين». في تلك
المرحلة كانت الدولة تعطي
للموظف العام الذي يمتلك سيارة
خاصة كلفة الوقود فقط، ولا
تعطيه ولاحتى سيارة واحدة.
بينما الآن هناك من
يتصرفون بعشرات السيارات هم
وأسرهم وأقاربهم على حساب الشعب
والمجتمع.
س: بما انك عاصرت
ولادة الحزب منذ ما يقارب
الخمسين عاماً، وكنت شاهداً على
مسيرته كيف كنت ترى دوره في
البداية، وصولاً إلى وجهة نظرك
في دوره الآن؟
. بداية مشوار
الحزب، كانت مع شبان مفكرين
عروبيين وحدويين، رفعوا راية
الوطن بشكل واضح، وكان معظمهم
من الساسة المجتهدين الذين
أوجدوا المناخ الملائم للحزب
حتى في مجلس النواب آنذاك.
واستطاعوا ضم
مجموعة كبيرة من الشعب،
وبالتعاون مع الحزب العربي
الاشتراكي، شكّلوا معاً، حزب
البعث العربي الاشتراكي، الذي
امتلك في الشارع كتلة وثقلاً
هامين، وكنا نتمنى أن يكون
للحزب موقعه السياسي في المجتمع
السوري بالشكل الأمثل،
وبالقضاء على الرجعية
الحقيقية، وتحقيق حلم الأمة
بالوحدة العربية.
س: سورية تسير الآن
على نهج إصلاحي، لإنجاز الإصلاح
الذي ينادي به السيد الرئيس،
ولكن يبدو أن البعض يعطلون ذلك،
كيف تنظر للموضوع، بصفتك مواطن
سوري أولاً، وفناناً للشعب
ثانياً؟
. ياسيدي، من يعمل
بالإصلاح هو السيد الرئيس فحسب،
وأنا اعتقد أن يداً واحدة
لاتصفق، يجب أن تتعاون معه كل
الجهات الأخرى المخلصة لوطنها،
للتخلص من أولئك الذين ربوا
الثروات على حساب الشعب، وهؤلاء
لن يفيدوا في عملية الإصلاح
والتحديث لأنهم سيسيئون للبلد
كله، ولسمعة السيد الرئيس التي
هي أنقى من الفضة. هذا الرجل
الذي لم يطلب هذا المنصب أصلاً،
لأن السيد الرئيس طبيب والطبيب
إنسان قبل كل شيء. إذا لم نتخلص
من هذه الشريحة الناهبة، لن
نستفيد شيئاً، والأمر بات
جلياً، فالشعب يعرف كل شيء،
وأنا مستعد لكل العواقب، هل
سأحبس فليكن، ولكن هذا حديث
الناس كلهم، جهراً وسراً.
ومن هذا الموقع،
أتوجه بهذا الخطاب كصرخة
استغاثة للسيد الرئيس، وأشدّ
على يديه فيما يطمح إليه من
إصلاح، وأتمنى منه السير قدماً
فيه، فإن لم نصلح أنفسنا فلا أحد
قادر على إصلاحنا، والتخلف
لايتجزأ، وإذا لم يوجد أناس
مخلصين لوطنهم وقائدهم، ولم
ننتهج سياسة تعيين الإنسان
المناسب في المكان المناسب فلن
ننجح.
أنا متضامن مع
السيد الرئيس حتى الموت، فيما
يحيط بسورية الآن من الأخطار،
وهي كلمة حق، من مواطن سوري يحبه
ويحب وطنه، أحببت أن أقولها،
وعلى الله قصد السبيل.
دمشق ـ نضال قوشحة
دمشق ـ صحيفة
تشرين ـ ثقافة وفنون
الاثنين 16 أيار 2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|