السنة
في لبنان
تاريخ
من الضعف وفقدان الفاعلية!
طارق
ديلواني
على مدار تاريخ
الطائفة السنية في لبنان لم
يعرف لهذه الأغلبية فاعلية تذكر
وسط هذا الحراك السياسي الدموي
الذي شهدته لبنان، فظل السنة
اللبنانيون بتاريخ دون فاعلية.
لبنان بلد تحكمه
سياسة التوازن الطائفي بحيث
يشعر كل طرف أنه ند للآخر، له
نفس الحقوق والواجبات
والمكتسبات.
لكن عملياً تم
تجريد السنة على امتداد أعوام
الحرب الأهلية من دورهم، وحاولت
القوى الموالية لسورية اتهامهم
دوماً بموالاة الفلسطينيين (السنة)
بطبيعة الحال. أما قوى اليسار
اللبنانية فاتهمتهم بموالاة
الموارنة حيناً على قاعدة
اقتسام الطائفتين للسلطات في
البلاد قبل وبعد الحرب الأهلية.
وعملياً، خرجت
الطائفة السنية من الحرب
الأهلية بخسائرها ومكاسبها قبل
غيرها من الطوائف. لكن قواها
ورموزها ضربت واستهدفت بشدة.
فتلقت ميليشيات (المرابطون)،
ضعيفة التدريب والبنيان
والتنظيم، ضربات موجعة وكادت
الساحة السنية تكاد تخلو من أي
رمز لها باستثناء عائلة سلام
التي كانت تشهد أفول نجمها
السياسي آنذاك.
وعلى ذكر الزعامات
السنية اللبنانية يمكن القول إن
مجيء رفيق الحريري أعاد جزءاً
من هيبة السنة الضائعة في هذا
البلد ولعل هذا التهميش نابع من
ضعف قيادات السنة (السياسية
منها والدينية) وانسحابها من
الحياة السياسية وإخلائها
للآخرين.
بمقتل مفتي
الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن
خالد أبرز الزعامات السنية شعر
سنة لبنان باليتم ولم يتبدد هذا
الشعور إلا بصعود نجم الحريري،
الذي كان يطمح لزعامة الشعب
اللبناني وليس السنة فقط، فكان
يقدم المساعدات لكل الطوائف
ويتحدث باسمها جميعاً، وكان من
دعاة التقريب بين المذاهب
والطوائف والأديان.. حتى
رجالاته ومقربوه والمحسوبون
عليه كانوا من طوائف عدة.
لكن طبيعة الوضع
الذي عليه لبنان منذ سنين لا
يمكن أن يرى في الحريري إلا
زعيماً لطائفة واحدة هي الطائفة
السنية رغم كل ما قيل ويقال.
ضعف الطائفة السنية
في لبنان جاء من عدة نواح: أولها
غياب المرجعية والولاء الخارجي
خلافاً لباقي الطوائف كالشيعة
والمرجعية الإيرانية
والمسيحيين عموماً والمرجعية
لفرنسا.
الأمر الآخر هو
غياب القيادات السنية الفاعلة
والقوية والمؤثرة فباستثناء
الشيخ حسن خالد ورفيق الحريري
لم يعرف سنة لبنان زعماء
حقيقيين، خلافاً مرة أخرى لباقي
الطوائف التي يزخر تاريخها
الحديث والقديم بقائمة طويلة من
الزعامات.
الملفت في حكايات
الزعامات في لبنان أنها أخذت
طابعاً (عائليا) فأصبحت زعامات
طوائف لبنان كلها حكراً على
عائلات بعينها تمتلك القوة
والمال والتاريخ والنفوذ
السياسي لتكريس زعامتها لأبناء
طوائفها باستثناء السنة.
فلم يعرف عن أي من
الزعماء السنة في لبنان
باستثناء (آل كرامي) توريث
سلطتهم لأجيال متعاقبة من أبناء
العائلة. في حين توارث أجيال
عديدة من مسيحيي وشيعة ودروز
لبنان (الحكم) والسلطة عائلياً
وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.
ومما ساهم في ضعف
الطائفة السنية في لبنان ضعف
مرجعيتها الدينية، ففي حين كانت
مرجعيات المسيحيين الموارنة
والشيعة والدروز تتعاظم شيئاً
فشيئاً وتفرض صوتها ورأيها بقوة
في الدولة اللبنانية، ظلت
المرجعية السنية تراوح مكانها
والسبب انقسامها العميق بين
تنظيمات (الإخوان المسلمون) و(حزب
التحرير) والجماعات الصوفية،
وبعض الجماعات السلفية ذات
الاتجاهات المتضاربة.
ولاحقاً ازداد
الانقسام والضعف بظهور جماعات
سنية يصنفها الآخرون على أنها
من الفرق الباطنية، التي تهدم
أكثر مما تبني في صفوف سنة لبنان
من قبيل جماعة (الأحباش) التي
قويت شوكتها وتعاظم دورها في
وقت قياسي فأصبح لها نفوذها
وامتدادها ونوابها في البرلمان
وقاعدتها الجماهيرية وجمعياتها
ومرافقها.
ويمكن تحميل جزء
كبير من مسؤولية غياب وعدم
فاعلية سنة لبنان لجماعة
الإخوان المسلمين في لبنان
باعتبارها أكبر الجماعات
السنية وأكثرها تنظيماً
وأقدمها وأكثرها حضوراً
جماهيرياً. لكن تاريخ الإخوان
في لبنان يرتبط بالكثير من
هشاشة الموقف والضعف والتشتت
بسبب ارتباطهم عملياً بإخوان
سورية الذي مروا ويمرون بحالات
متعاقبة من الضعف والتلاشي وعدم
الحضور على الساحة السياسية في
سورية وخارجها.
وكان ضعف الطائفة
السنية يخدم فكرة طالما أقلقت
دمشق، ضعف سنة لبنان مؤشر لضعف
سنة دمشق، وثمة ارتباط لا فكاك
منه بين سنة دمشق وسنة بيروت
بصفتهم امتداداً لسنة دمشق.
الكثيرون في لبنان
وخارجها يرون أن الوجود
الفلسطيني على أرض لبنان يعتبر
امتداداً مباشراً للقوى السنية
في لبنان وسورية. وصولاً إلى
حقيقة مفادها أن على سنة لبنان
أن يخرجوا دائماً خالي الوفاض
من كل المعادلات السياسية بسبب
عملهم أو انضوائهم تحت عباءة
الآخرين. والأمثلة هنا كثيرة من
من قبيل اعتبار مفتي لبنان (السني)
في مرحلة الحرب الأهلية وما
بعدها أن (فتح هي جيش المسلمين
في لبنان)، فأصبح سنة لبنان في
أكثر من مرحلة دون بوصلة سياسية
وقيادة توجههم.
المشكلة كما أراها
في سنة لبنان هي أن جميع الطوائف
الأخرى تتقدم وترتفع لديها (الأنا)
الطائفية باستثناء السنة، وهنا
لا أدعو السنة بالطبع إلى تبني
النفس الطائفي، لكنني أعيب على
سنة لبنان ضعفهم وتخبطهم
وضياعهم وخوفهم حتى من إعلان
هويتهم، ومشكلة السنة في لبنان
أيضاً أنهم بحكم لعبة السياسة
تحالفوا مع الجميع إلا مع
أنفسهم.
وفي خضم هذا كله،
ثمة أرقام صدرت منذ أسابيع
قليلة عن وزارة الداخلية
اللبنانية تثير الدهشة فعلاً،
الناخبون المسلمون في لبنان
يشكلون 59%، السنة في لبنان 26.5% من
مجمل الناخبين، يليهم الشيعة
26.2% وبعدهم الموارنة 22.1%، ولأول
مرة في لبنان طغى الثقل السني
إلى هذا الحد.. لكن أيضاً دون
فاعلية تذكر.
عن
جريدة (الغد) الأردنية ـ 12/3/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|