تعريف
الإرهاب
د
معن أبو نوار
خلال الحرب العالمية الثانية،
كانت العمليات التي قامت بها
حركات المقاومة الأوروبية ضد
الاحتلال الألماني والإيطالي
تلقب بمصطلح "الدفاع عن النفس"،
كما لقب من يقومون بها "مقاتلين
من أجل الحرية".
بعد الحرب العالمية الثانية
مباشرة، بدأت العمليات
الإرهابية الصهيونية. والعجيب
الغريب في هذه البداية، أن
الإرهابيين الصهيونيين وجهوا
عدوانهم على الشعب الفلسطيني في
أرضه... أرض آبائه وأجداده
فلسطين العربية، التي هاجر
اليهود الصهاينة إليها من بقية
أنحاء العالم خلال وجود فلسطين
تحت الانتداب البريطاني، وضد
بريطانيا التي أعطتهم وعد بلفور
وفقدت الملايين من خيرة أبنائها
في الحرب التي قامت بها ضد هتلر
والنازية أعداء اليهود في
العالم. أمثلة المذابح
الإرهابية التي تكاد لا تحصى ضد
المدنيين الفلسطينيين، مثل
المذبحة الإرهابية الوحشية ضد
قرية دير ياسين، وتفجير فندق
الملك داوود في القدس الذي كان
مقر القيادة العسكرية
البريطانية التي قدمت الحماية
للصهيونيين في فلسطين خلال
الثورة الفلسطينية 1936-1939.
وانتشر الإرهاب الصهيوني وازداد
عنفا ضد المدنيين في غالبية
أنحاء فلسطين، قبل، وخلال، وبعد
عام حرب 1948، وحتى اليوم الذي نحن
فيه. ولأن العالم لم يعاقب
الحركة الصهيونية خلال تلك
المرحلة، انتشر الإرهاب إلى
حركات وأقاليم وقارات أخرى، ولا
زال يزداد عتيا لأسباب عديدة.
وكان الإرهاب الصهيوني مصدر
ومبعث أول عمليات إرهابية ضد
المدنيين في تاريخ العالم. ولا
زال الإرهاب الوحشي الصهيوني
يزداد بأساليب بربرية ضد الشعب
الفلسطيني الأعزل.
لذلك أصبح إصدار تعريف عالمي
لمصطلح "الإرهاب" في أعلى
درجات الأهمية، وضرورة لا غنى
عنها، من أجل التوصل إلى حلول
سلمية إنسانية للقضايا التي
تعتبر الأم الحاضنة
والمولدة لتلك الحركات
الإنسانية التي تلجأ إلى العنف
في مقاومة الإحتلال أو الظلم أو
الاستبداد. لقد اختلطت الأوراق،
والتفسيرات، والمصطلحات،
والمواقف، حتى أصبحت المقاومة
ضد الاحتلال العسكري والإرهاب
الذي تفرضه إسرائيل على الشعب
الفلسطيني في نظر البعض "إرهابا"،
في نفس الوقت الذي تعتبر فيه
عمليات قصف المدنيين
الفلسطينيين الأبرياء
بالطائرات النفاثة المقاتلة،
والمروحيات، والدبابات من قبل
إسرائيل "دفاعا عن النفس".
في مثل هذه البيئة الرهيبة
يزداد الغضب، ويزداد الحقد،
وينفجر التصرف اليائس الذي يجد
نفسه مضطرا للخيار بين الموت
المستكين، والموت المقاتل من
أجل الحرية.
لتفادي تفاقم الأزمة العالمية
التي نعيشها هذه الأيام لا بد من
إصدار تعريف عالمي برعاية هيئة
الأمم المتحدة لمصطلح "الإرهاب"
ليس لتحقيق النجاح الكامل في
الحملة العالمية لمقاومة جميع
أشكال الإرهاب وحسب، ولكن وأهم
من ذلك للقضاء على أسباب قيام
الإرهاب بحل جميع قضايا
النزاعات الدولية، وجميع قضايا
النزاع بين أي حكومة والعنف
الداخلي في النزاعات الوطنية.
ولعل التعريف التالي يشكل بداية
حوار وتفكير بذلك:
يعني الإرهاب التهديد بالقيام أو
القيام بعمل عنيف غير شرعي
ومخالف للقوانين الوطنية أو
الدولية: خاصة ضد نصوص ميثاق
هيئة الأمم المتحدة، واتفاقات
جنيف الأربعة عام 1949،
وبروتوكولات عام 1977، وإعلانات
حقوق الإنسان الصادرة عن هيئة
الأمم المتحدة.
كما يعني الإرهاب التهديد بالقيام
أو القيام بأي عمل عنيف غير شرعي
يؤدي إلى إشاعة الرعب في
المجتمعات المدنية المحلية،
الوطنية أو الدولية، سواء من
قبل شخص، أو مجموعة أشخاص، أو
حكومة أو مجموعة حكومات لتحقيق
أهداف سياسية، اقتصادية،
اجتماعية، عرقية أو دينية، أو
إشاعة الرعب لإجبار حكومة أو
المجتمع الدولي للرضوخ لصالح
أهدافهم.
لا يشمل هذا التعريف قيام أي شخص،
مجموعة أشخاص، أو مجتمع مدني،
باللجوء إلى العنف المشروع
دفاعا عن النفس ضد القوات
العسكرية المحتلة لأراضي
وممتلكات مجتمع مدني أو شعب أو
دولة أخرى، شريطة أن لا يهدف
العنف إلى قتل أو جرح المدنيين
التابعين لقوة الاحتلال.
إن هذا التعريف الشرعي يحرم
إسرائيل من الادعاء الكاذب بحق
"الدفاع عن النفس" لأنها هي
المعتدية التي لا زالت تحتل
الأرض الفلسطينية، وتستبد
بالشعب الفلسطيني، وتقوم
بعمليات عسكرية عنيفة ضد
المدنيين، وتهدم البيوت،
وتغتال الشخصيات السياسية،
وتقتل الأطفال والنساء، وتهدم
المأثورات الإنسانية، وتدمر
مصادر الحياة الاقتصادية حتى
بقلع الأشجار، وقطع المياه،
وحصار المدن والقرى، وتدمير
مؤسسات الشرطة المدنية، وترتكب
جرائم ضد الإنسانية، وضد كل
الاتفاقات الدولية الأربعة
الصادرة في جنيف، وبروتوكولات
1977، والإعلان العالمي لحقوق
الإنسان الصادر عن هيئة الأمم
المتحدة، وقوانين الحرب
المعتبرة من قانون الأعراف
الدولية.
لقد قامت إسرائيل باستخدام
الصهيونية العالمية للإرهاب ضد
العرب الذين لجأت إلى أرضهم
وحمايتهم، وضد البريطانيين
الذين أعطوهم وعد بلفور، وهاهم
يرتكبون مواقف مضادة لمصالح
أصدق حليف لهم (أميركا) في أشد
أزمة تواجهها أميركا التي تقدم
لهم المال والسلاح والتأييد
السياسي المطلق. فأي إنسان عاقل
يقدر على التفكير، حتى مجرد
التفكير، بالثقة بهم، بالثقة
بما يقولون، بالثقة بما يوقعون
من اتفاقات ومعاهدات، ونحن
نشاهد الحقد العنصري الشديد
الذي لا مثيل له في تاريخ
الإنسانية كالذي يكنونه ضد
العرب والمسلمين، خاصة الشعب
الفلسطيني.
التجديد
العربي
|