ميرون
بنفنستي:
تعويذة
الحرية الأمريكية
"الحملة
الصليبية الكبرى لفرض الحرية
تهدف إلى إخفاء تواصل الاحتلال
والفقر"
في
مقاله هذا، يحذر الكاتب
الإسرائيلي البارز ميرون
بنفنستي من مغبة الانسياق خلف
المتفائلين بأبعاد "موجة
الحرية والدمقرطة" في العالم
العربي، لأنها سترتد عكسياً على
الولايات المتحدة والدولة
العبرية.
إذ
يرى بنفنستي، في مقاله المنشور
في صحيفة "هآرتس" العبرية،
في عددها الصادر في العاشر من
آذار (مارس) 2005؛ أنّ "الحماس
"لبراعم الحرية" قوي بصورة
خاصة في أوساط اليمين في
إسرائيل والولايات المتحدة،
الذين يرون في انتشار
الديمقراطية تبريراً لمطلبهم
القديم باشتراط كل تطبيع وعملية
سلام "بالدمقرطة عند العرب".
إنّ الحرية السياسية والمؤسسات
الديمقراطية البرلمانية أهم في
نظر أثرياء العالم الغربي،
المتخمين من الانعتاق من الفاقة
وتكافؤ الفرص الاقتصادي
والتربوي والصحي"، على حد
تعبيره.
ويلاحظ
الكاتب في الصدد أنّ "الدولة
الأعظم تتجرأ بغرور وصلف على
فرض فلسفتها هذه بقوة الذراع،
دون أن تأخذ بالحسبان المصيبة
التي تلحقها بالبلاد التي تأتي
"لإنقاذها من أجل
الديمقراطية" كما تزعم،
بينما يقوم حلفاؤها
الأيديولوجيون بالتصفيق
والهتاف لها".
ويخلص
بنفنستي إلى أنّ ما يسميها "الحملة
الصليبية الكبرى لفرض الحرية"
تهدف إلى "إخفاء تواصل
الاحتلال والفقر والفاقة"،
حسب تقديره.
تعويذة
الحرية الأمريكية
بقلم:
ميرون بنفنستي
ما هو الشيء الذي يشير إلى "روح
الديمقراطية" التي تهب بقوة
وعنفوان في أرجاء الشرق الأوسط؟
أهي مظاهرة المعارضة التي تسببت
في إسقاط الحكومة اللبنانية؟ أم
أنها "مظاهرة المليون"
التي طالبت باستمرار الوجود
السوري في لبنان؟
وفقاً للتعليقات الواردة؛ فقد
اعتُبرت المظاهرة الأولى، التي
حظيت باسم "ثورة الأرز"،
مظاهرة مشابهة لمظاهرة "الثورة
البرتقالية" في أوكرانيا، و"ثورة
الورود" في جورجيا، وبرهاناً
على انتصار نظرية الدمقرطة التي
طرحها بوش وأستاذه الروحي ناتان
شيرانسكي (السياسي الإسرائيلي
المتطرف الذي ينحدر من الاتحاد
السوفياتي السابق).
إنهم من الجانب الآخر يصفون
المظاهرة الثانية بأنها حشد
قسري، جرى على يد التنظيم
الإرهابي حزب الله وعناصر
الاستخبارات السورية. وهناك من
يرى في المظاهرة المؤيدة
للتبعية لسورية على أنها دليل
للديمقراطية. ليست هذه هي المرة
الأولى التي تقوم فيها الجماهير
بتنصيب طاغية متجبر عليها من
خلال عملية ديمقراطية راقية. لن
يقف أي شيء أمام الصرعة
الأمريكية التي تربط الأحداث
ذات الخلفية المختلفة والظروف
الخاصة مع صرعة "انتفاضة
الحرية"، التي طرحها بوش،
والآخذة في الانتشار في العالم
العربي والتي ستواجه الإرهاب
وتنتصر عليه.
إنّ الحاجة الأمريكية اليائسة
لتبرير حرب العراق؛ تدفع واشنطن
وأنصارها إلى تضخيم الأحداث،
وإضفاء معنى عليها يتجاوز
السياق المحلي المحدود النابع
في العادة ليس فقط من مبادئ
راقية علياً، وإنما من مصالح
الدكتاتوريات المحلية، التي
تسعى لتعزيز مكانتها. إنّ
الحماس "لبراعم الحرية"
قوي بصورة خاصة في أوساط اليمين
في إسرائيل والولايات المتحدة،
الذين يرون في انتشار
الديمقراطية تبريراً لمطلبهم
القديم باشتراط كل تطبيع وعملية
سلام "بالدمقرطة عند العرب".
إنّ الحرية السياسية والمؤسسات
الديمقراطية البرلمانية أهم في
نظر أثرياء العالم الغربي،
المتخمين من الانعتاق من الفاقة
وتكافؤ الفرص الاقتصادي
والتربوي والصحي.
تتجرّأ الدولة الأعظم بغرور وصلف
على فرض فلسفتها هذه بقوة
الذراع، دون أن تأخذ بالحسبان
المصيبة التي تلحقها بالبلاد
التي تأتي "لإنقاذها من أجل
الديمقراطية" كما تزعم،
بينما يقوم حلفاؤها
الأيديولوجيون بالتصفيق
والهتاف لها. ولكنّ الحملة
الصليبية الكبرى لفرض الحرية
تجري بحذر، ومن خلال الأمل بأن
لا يولوها أهمية مفرطة. إنّ هذه
الحملة جيدة كشعار حلفاء
الولايات المتحدة السياسيين.
وهم في نهاية المطاف طواغيت، لا
ينوون التنازل عن حكمهم. ولا
تُعتبر الدول التي أقامت مؤسسات
ديمقراطية وينشأ فيها مجتمع
مدني، تحديداً من حلفاء
الولايات المتحدة.
يدرك الإسرائيليون المتأثرون من
"رياح الحرية"، جيداً، أنّ
مطلب ربط السلام بالدمقرطة هو
عملية نفاق مبتدعة، فقط من أجل
تخريب كل خطوة حقيقية نحو
السلام وعرقلتها. وطالما تواصل
الاحتلال وقمع الشعب الفلسطيني
فستدفع الدمقرطة في الدول
العربية إلى الابتعاد عن
السلام، كما يمكن أن نرى من
المزاج السائد في أوساط
الشارعين المصري والأردني.
ولكنّ أنصار نظرية بوش من
الإسرائيليين، الذين يعطرون
أنفسهم ببراعم الحرية العربية؛
لا يرون في مواصلة حرمان
الفلسطينيين من حريتهم نقيضاً
لالتزامهم بالديمقراطية. هم
ينظرون لسياسة الولايات
المتحدة في سياقها الجبروتي
القائم على القوة؛ فالصرعة
الأمريكية تتيح لهم الحفاظ على
الوضع الراهن، حسب معايير
تفاهمات بوش – شارون، التي وضعت
حدود ومناطق حكم دولة
الكانتونات الفلسطينية.
بالإمكان تسمية حملة تظاهرات
مندلعة وإجراء الانتخابات في ظل
الاحتلال الإسرائيلي أو
الأمريكي أو التغيير الدستوري
الهامشي "موجة من الدمقرطة".
ويتيح استخدام الصرعات
الإعلامية الرائجة، لهم تضخيم
هذه الديمقراطية إلى أحجام
العملية التاريخية. وعندئذ؛
سيكون بالوسع إخفاء تواصل
الاحتلال والفقر والفاقة،
وسيشعر الجميع أنهم إيجابيون
جداً. إنهما موجودان في جانب "الأخيار"
الصالحين؛ بوش وشيرانسكي.
(المقال
بقلم ميرون بنفنستي، ونشر في
يومية "هآرتس" العبرية في
العاشر من آذار/ مارس 2005)
القدس
المحتلة - خدمة قدس برس (12/03/05)
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|