استراتيجية
جديدة للكهنة
اللوثريين
والتلموديين!
بقلم:
نصر شمالي/سورية
قبل عشر سنوات وقف الرئيس
الأميركي السابق بيل كلينتون
أمام أعضاء "الكنيست
الإسرائيلي" في فلسطين
العربية المحتلة، وذكّرهم أنه
زار الأراضي المقدسة بصحبة
كاهنه اللوثري، في مطلع
الثمانينات، وعايش عن كثب تاريخ
اليهود كما يرويه "الكتاب
المقدس"، وأن كاهنه الذي رعى
تربيته الروحية أوصاه يومها
قائلاً: إذا تخليت عن
"إسرائيل" فإن الله سيغضب
عليك، لأن إرادة الله تقضي بأن
تكون "إسرائيل" لشعب
"إسرائيل" إلى الأبد! أضاف
كلينتون أنه قطع يومئذ لكاهنه
اللوثري الصهيوني عهداً
وميثاقاً:" إن إرادة الله يجب
أن تكون إرادتنا"!
لقد حدث ذلك في 27/10/1995، ومنه نرى
أحد المعابر الإجبارية التي
يتوجب على أي رئيس أميركي
اجتيازها في طريقه إلى البيت
الأبيض، ليس لمصلحة
"إسرائيل" اليهودية الصغرى
بل لمصلحة "إسرائيل"
اللوثرية الأميركية الكبرى! لقد
كان الرئيس الأميركي يلحّ في
خطابه – كما يقول الأستاذ منير
العكش- على المعنى
"الإسرائيلي" لأميركا،
فالإنكليز الذين استعمروا
أميركا اعتبروا أنفسهم
عبرانيين، وأكثر يهودية من
اليهود، وأرادوا بناء وطنهم
الجديد على أساس العهد القديم
الذي اعتبروه الأساس
الأيديولوجي لسياستهم
وقوانينهم وعاداتهم، فصورة
"الشعب المختار" أخذت
بألبابهم – كما يقول ديمونت-
مثلما سحرهم "يهوه" إله
العهد القديم العنصري المحارب،
فصمموا على تنفيذ وصيته
بالسيطرة على العالم، واعتبروا
ذلك إرادة الله!
الاستراتيجية الانقلابية
الصهيونية الجديدة!
لقد كان بين الذين استمعوا إلى
خطاب كلينتون في الكنيست
بنيامين نتنياهو، الذي سوف يصبح
رئيساً للحكومة
"الإسرائيلية" في العام
التالي 1996، ونتنياهو تلميذ نجيب
من تلامذة مادلين اولبرايت،
وزيرة خارجية كلينتون، تلقى
دروسه على يديها في أروقة الأمم
المتحدة حين كانا يعملان هناك،
وعندما أصبح رئيساً للوزراء وجد
نفسه مدعواً لتجاوز أستاذته
أولبرايت ورئيسها كلينتون،
والإصغاء إلى "حركة
انقلابية" تستعد لاحتلال
البيت الأبيض، فالتقى منظريها
وعلى رأسهم ريتشارد بيرل
(اليهودي الأميركي والكاهن
العلماني من أصول تروتسكية!)
واستمع منهم إلى الاستراتيجية
الانقلابية الصهيونية الجديدة
التي سوف يعتمدها جورج بوش
الابن عند وصوله إلى الرئاسة!
إن اسم "ريتشارد بيرل" هو اسم
حركي، وإنه لمن الصعب التعرف
على اسمه الحقيقي. إن الصهاينة
اليهود يبدّلون أسماءهم حسب
الظروف مثلما يبدّلون أحذيتهم!
فهذا الصهيوني اليهودي، الذي
انتقل من أقصى "اليسار
التروتسكي" إلى أقصى اليمين
الأميركي، يمكن أن يصبح وزيراً
في فلسطين المحتلة، ولو حدث ذلك
فهو سوف يحمل اسماً آخر! لقد شرح
بيرل لرفيقه نتنياهو أن على
"إسرائيل" أن تستعد للتكيف
مع المرحلة الانقلابية القادمة
بقيادة اللوثري المتعصب بوش،
وأن أول ما يجب أن تتناوله عملية
الاستعداد والتكيف هو هيكليتها
الاقتصادية: إن بقاء "مؤسسات
إسرائيل الاشتراكية" سوف
يقوّض "شرعية الأمة
الإسرائيلية" وسوف يؤدي إلى
شللها استراتيجياً، وإن نقطة
الانطلاق، كي تأخذ
"إسرائيل" موقعها في
الاستراتيجية الانقلابية
الأميركية القادمة هي: الإصلاح
الاقتصادي!
السلام للسلام والإذعان للقوة!
لم يستمع بنيامين نتنياهو إلى
مجرّد كلام شفهي بل تسلّم
تقريراً أعدته "مؤسسة
الدراسات الاستراتيجية
والسياسية المتقدمة
الأميركية"، أي مؤسسة بيرل
وعصابته، تحت عنوان "تغيير
جذري: استراتيجيا جديدة لضمان
أمن المملكة" أي "مملكة
إسرائيل"! وقد أوصى التقرير
بالاستعداد للانقلاب على
"عملية السلام التفاوضية"
وعلى مبدأ "الأرض مقابل
السلام"، والتخلي الجذري عن
شعار "سلام شامل" مع العرب،
والكفّ عن اعتماد سياسة
"الدفاع عن النفس" تجاه
الفلسطينيين، والتحول إلى
اختراقهم والسيطرة عليهم من
داخلهم! لقد أوصى التقرير
بإرساء قاعدة جديدة لعلاقة
"إسرائيل" مع الولايات
المتحدة، قوامها الاعتماد على
الذات، والنضج، والتعاون
الاستراتيجي، وتعزيز القيم
(الاحتكارية العنصرية) المتأصلة
في الغرب الرأسمالي، ومن ثم
تنطلق متحرّرة من جميع القيود
في هذا الأفق العالمي الرحب
رافعة شعار: السلام للسلام،
والسلام عبر القوة! أما
المفاوضات فهي مجرّد
"وسائل" على طريق تحقيق
القيم الأميركية والغربية،
هدفها فرض الإذعان التام على
العرب، وإرغامهم على القبول غير
المشروط بالانصياع لهذه القيم!
لقد أراد التقرير من
"الإسرائيليين" أن يبرهنوا
عن قدرتهم في الانسجام مع
"الاستراتيجية
الانقلابية" الأميركية التي
تتطلع إلى اجتياح العالم، خاصة
المنطقة العربية، وأنهم
يستطيعون الانتقال من النزاعات
والاشتباكات الميدانية
المحدودة إلى آفاق استراتيجية
كونية غير محدودة، وإلى اعتماد
سياسة السلام عبر القوة، حيث
السلام هو فرض القيم الأميركية
والغربية، وأنهم لا يحتاجون
للقوات الأميركية ويستطيعون
إدارة مهماتهم الخاصة بأنفسهم،
وبنجاح، وبالفعل رأينا كيف
أطلقت واشنطن يد
"الإسرائيليين" ضدّ
الفلسطينيين إلى حدّ التدمير
الشامل والإبادة الجمعية، وإن
جاءت النتائج بعيدة جداً عما
توقعوه.
حساب الحقل وحساب البيدر!
لقد أوصى التقرير بأن يرسم جدول
الأعمال "الإسرائيلي"
الجديد محيطاً إقليمياً يمنح
"الإسرائيليين" القدرة على
إعادة تركيز طاقاتهم في تجديد
فكرتهم "القومية"
الصهيونية المتآكلة وفي تجاوز
النزاع العربي –
"الإسرائيلي" الذي أنهكهم
إلى حالة من القوة والهيمنة
الاقتصادية تكون أساساً
لـ"شرق أوسط جديد حقيقي يسوده
السلام"! وبما أن ذلك يتحقق
عبر انصياع العرب وبعده، أي بعد
التلاشي التام لفعاليتهم، فقد
أوضح التقرير أن هناك دولاً
عربية وإقليمية سوف تساعد
"إسرائيل" في تحقيق
تطلعاتها، وبالمقابل يمكن
الاستفادة إلى أقصى حدّ من
أخطاء وارتكابات النظم العربية
التي تشكل معوقاً! إن على العرب
القبول غير المشروط
بالاستراتيجية الانقلابية
الأميركية –
"الإسرائيلية"، أي
بـ"السلام مقابل السلام"!
أي بالرضوخ الكامل!
بالطبع تناول التقرير العراق (عام
1996) فاعتبر ضربه هدفاً
"إسرائيلياً" استراتيجياً
مركزياً، ثم ركّز على سورية
باعتبارها عقبة في طريق
الانطلاقة الجديدة الأميركية -
"الإسرائيلية"، فأوصى
بإضعافها وضربها عبر لبنان،
وبتدمير البنى التحتية المادية
والبشرية لكل من سورية ولبنان،
ولم يغفل التقرير استعراض
"النواقص الفادحة" في
العلاقات السورية اللبنانية،
و"الأخطاء والارتكابات
المريعة"، فأوصى بتوظيفها
إلى أقصى حد، وقال أن على
"إسرائيل" احتواء سورية،
والتخلي عن شعار "السلام
الشامل"، ورفض اتفاقات
"الأرض مقابل السلام" في ما
يتعلق بالأراضي السورية
المحتلة!
إن محتويات تقرير عصابة بيرل الذي
أعدّ عام 1996 تطبق اليوم في
العراق وفلسطين ولبنان! إن
ساترفيلد يحاول في لبنان تكرار
الدور الذي لعبه بريمر في
العراق! أما مقدار النجاح أو
الإخفاق في تطبيقها فإن الأخبار
اليومية تطلعنا عليه، وقد يكون
استخلاص النتائج بحاجة إلى عرض
مركّز آخر، لكننا نستطيع الجزم
سلفاً أن الأميركيين
و"الإسرائيليين" ليسوا
متأكدين من أن استراتيجيتهم
الانقلابية الجديدة قابلة
للنجاح كما قدّروا وتوقعوا!
المحرر
10/3/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|