التغيير
والإصلاح والحرية والشورى
وحقوق
الإنسان
عصام
العطار
نظرة شاملة عميقة إلى واقع العرب
والمسلمين الراهن في عالمهم
وعصرهم ، على
الصعيد السياسي
والاقتصادي والاجتماعي
والثقافي وعلى كلّ صعيد .. تكفي
لترينا سوء هذا
الواقع ، ومدى عمق الحضيض الذي
انحدرنا إليه.
ونظرة شاملة عميقة إلى واقع
أكثر حكام العرب والمسلمين ،
وأنظمتهم الفاسدة القائمة ،
تكفي لِتُفسّر لنا كثيراً من أسباب هذا الانحدار
والسقوط.
نعم ، إن أكثر هؤلاء الحكام باستبدادهم
وفسادهم وجهلهم وتخلفهم ،
وتحكيم المصالح والأهواء
الفردية والعائلية والطائفية والحزبية الصغيرة
الحقيرة في تصرفاتهم ، وشؤون
أمتهم وبلادهم ، هم
المسؤولون – عامدين
أو غير عامدين – عما آلت إليه
حال العرب والمسلمين من الضعف والفرقة
، والهوان والذلة ، والتخلف
المذهل في مختلف المجالات ، وما
نزل بهم من النوازل والأهوال ، وما
يُتَرَقَّب أن ينـزل بهم مما هو
أبشع وأفظع ، إن استمرتْ
بهم هذه الحال ، في وقت
كان العرب والمسلمون فيه مؤهلين
بمواقعهم الجغرافية ، وثرواتهم
الطبيعية ، وأعدادهم الكبيرة ،
وتراثهم العريق ، وحوافزهم
الدينية والحضارية ، المادية والمعنوية ،
ليكونوا في مقدمة الركب البشري.
وإنه لمما
يُحَيّر
العقول ، ويَفْجَعُ النفوس ،
ويدعو لأشد الاستنكار
والاشمئزاز ، أن نرى هؤلاء الحكام متشبّثين إلى حد
بعيد بنهجهم الخاطئ الآثم ،
الذي دمّر البلاد والعباد
، وأوردهم موارد الهوان
والضياع والهلاك.
إن أكثر حكامنا الذين فقدوا استقلالهم
وكرامتهم ، وتنازلوا عن سيادة
بلادهم ، للولايات المتحدة
الأمريكية على الخصوص ، ولِدول غربية أخرى ..
إن أكثر حكامنا هؤلاء ينقادون
للولايات المتحدة
وبعض حلفائها ، في الحق والباطل
، والنفع والضرر ، وما يرضي الله
وما يغضبه عزَّ وجلَّ ، ولا يستحي بعضهم من
أن يكون أداتها في تمزيق العرب
والمسلمين ، وضرب
بعضهم ببعض ، وذبح
بعضهم بأيدي بعض !! محافظةً على
عروش وكراسيّ هانت بهوانهم ، ومناصب
ومكاسب زائفة زائلة هي في
حقيقتها خزي الدنيا والآخرة .
أمرٌ واحد
تظهر
فيه صلابتُهم ومقاومتُهم كلَّ
الظهور ، ويرفضونه أصدق الرفض ..
ذلك عندما يكون الحديث عن الديمقراطية والإصلاح
السياسي ، عندها فقط ترتفع
أصوات الحكام وحواشيهم
بالحديث عن
الخصوصيّات التي يجب أن تحترم :
الخصوصية الدينية ، والخصوصية
السياسية
، والخصوصية
الاجتماعية والثقافية .. ويبدون
إصرارهم على ألا يُفْرض عليهم
في هذا الأمر شيء من الخارج ؛ وكأنّ
الإسلام يرفض الحرية والشورى
وحقوق الإنسان ، وكأنّ
مجتمعاتنا العربية
والإسلامية لا تتقبل الحرية
والشورى وحقوق الإنسان ، ولا
تستأهل الحرية
والشورى وحقوق الإنسان !!
(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ
إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ
كَذِبًا) [الكهف : 5]
وتستغل
الولايات المتحدة
الأمريكية ، والقوى الخارجية
الأخرى ، ضعف الحكام وفسادهم ، وعزلتهم
عن شعوبهم ، وعضَّهم بالنواجذِ
على مناصبهم ومكاسبهم مهما كان
الثمن ، لتخويفهم بالحرية والديمقراطية ،
ليزدادوا تنازلاً لها ،
وانقياداً لأمرها ونهيها ،
في أمور كثيرة خطيرة
أخرى ؛ وهي لا تبالي بعد ذلك إذا
استنفدتهم ، وقضتْ أَرَبَها منهم
، ولم يعودوا هم الأصلحَ لها ،
والأقدرَ على خدمتها ، أن
تلفظهم لفظ النواه.
ولو عقل هؤلاء الحكام لَعَلِموا
أنّ قوّتهم وحصنهم إنما هي
شعوبهم إذا
تخلوا عن استبدادهم
واستئثارهم ، وظلمهم وفسادهم ،
ورجعوا إلى هذه الشعوب صادقين ، والتجأوا
إليها مخلصين ، وفتحوا معها
صفحة جديدة تستدرك ما فات ،
وتعمل بقوة لما هو آت.
هل يكون هذا يا ترى ؟ أكاد أقول :
هيهات هيهات !! ولكن علينا ألاَّ نفقد الأمل.
أنا أتمنّى أن تتمّ مصالحة حقيقية
في البلاد العربية والإسلامية بين الأنظمة والشعوب ،
وأن يكون التغيير لما هو أعدل
وأفضل بالوسائل
السلمية ، وأن يتلاقى
الجميع – لمصلحة الجميع – على مصالح البلاد والعباد
العليا ، ومصالح
العرب والمسلمين ، وأن يحاوروا
العالم من حولهم مجتمعين لا
متفرقين ، ليؤبه لهم ، ويستمع إليهم ، وتقوم
علاقاتهم مع غيرهم ؛ بل علاقات
البشر جميعاً فيما بينهم
، على أساس الحق والعدل
، والتعاون على البرّ والتقوى
لا على الإثم والعدوان.
هل هذا خيال ؟ هل هذه أحلام ؟! كلا ،
كلا ، إذا نشأ لهذه الأفكار والتطلّعات تيار جارف مُلْزِم
في العالم العربي والإسلامي ،
فيما يخص العالم العربي
والإسلامي ، وفي
العالم كله – إن أمكن – وما
أروع أن يتلاقى ويتعاون أخيار
العالم كله
لخدمة العالم كله.
وأعود إلى العالم العربيّ
والإسلاميّ لأقول :
لا بدّ من التغيير والإصلاح.
ولا بدّ للتغيير والإصلاح ،
وامتلاك القدرة
على مواجهة التحديات ، وصنع
المستقبل ، من أن تنتصر الحرية
والشورى وحقوق الإنسان ، وأن ينتهي الاستبداد
والفساد والظلم ؛ فالحرية
والشورى والكرامة
الإنسانية ، وحقوق
الشعوب في أن تتولّى أمرها ،
وتختار قادتها ونهجها ، هي
المدخل إلى
كلّ تحرّر وتقدّم ، ومستقبلٍ
كريم.
مجلة
الرائد ـ العدد 251 ـ 03/01/2005
|