تنازلات
سورية في
لبنان
وتخلّ عن "وديعة رابين"
لماذا
تصر سوريا على وساطة القاهرة
لتحريك مسار التفاوض مع
إسرائيل؟
محمد
ج. عرفه
فيما يبدو محاولة سورية جديدة
لتحريك ملف التفاوض مع
الإسرائيليين حول مرتفعات
الجولان المحتلة منذ عام 1967،
والتي ضمتها تل أبيب رسميا عام
1982، عبر الوساطة المصرية، بدأت
القاهرة تحركا ثلاثيا متزامنا
مع كل من واشنطن وتل أبيب ودمشق،
بهدف تفعيل هذا الملف، والضغط
على إسرائيل، لبدء مفاوضات
جديدة، من خلال سلسلة اتصالات
مع واشنطن، وزيارة الرئيس بشار
الأسد لمصر اليوم الثلاثاء،
وسعي وفد مصري عال يزور تل أبيب
ويضم وزير الخارجية ومدير
المخابرات "لجس نبض"
النوايا الإسرائيلية.
ورغم النفي السوري، الذي يدخل في
إطار "التفاوض"، بأن تكون
دمشق طلبت وساطة القاهرة، تشير
المراجع السياسية المصرية
والسورية إلى أن هناك تحركا
سوريا نشطا في هذا الصدد،
وتنسيق مع مصر، لطرح الملف
بقوة، لحد تقديم تنازلات بعضها
علني، مثل عرض التفاوض بدون
شروط، وعدم التمسك بما توقفت
المفاوضات عنده عام 2000، وبعضها
ربما سري، مثل الانسحاب الكامل
من لبنان، وذلك تحسبا لنتائج
وخيمة تنتظر الملف السوري
مستقبلا، ودفعت للإصرار على
الوساطة المصرية في هذا
التوقيت، وتتلخص في ما يلي:
- السعي الأمريكي لقلب نظام حكم
البعث في سورية بعد العراق،
والذي تعزز بعد فوز الرئيس
الأمريكي جورج بوش بفترة رئاسة
ثانية، وبعد صرف النظر مؤقتا عن
البدء بحملة أمريكية ضد إيران،
عقب الاتفاق الأوروبي -
الإيراني لوقف تخصيب
اليورانيوم، وذلك على الرغم من
قول الرئيس بشار الأسد إن وزير
الخارجية الأمريكية المستقيل
كولن باول نفى له نية أمريكا
مهاجمة سوريا.
- قناعة سوريا أن شارون لا يرغب في
إعادة الجولان أبدا، حسبما صرح
هو بذلك عدة مرات. وعلى العكس
المبادرة بتوسيع حملة
الاستيطان هناك، بهدف فرض أمر
واقع، على غرار حالة الضفة
الغربية، يسمح بالإبقاء على أي
وجود إسرائيلي في المرتفعات
السورية.
- تشير التقارير السورية إلى أن
عدد المستوطنات في الجولان وصل
إلى (33) مستوطنة منتشرة على
أنقاض القرى العربية هناك، وأن
عدد المستوطنين الإسرائيليين
بلغ (14) ألف مستوطن، وأن هناك خطط
لتوسيع 8 مستوطنات هي "أفيك"،
و"أودم"، و"الحمة"، و"أليعاد"،
و"ألروم"، و"ألوني هبشان"،
و"شاعل"، و"نوف"، خلال
العام القادم 2005، وتوطين حوالي
2000 أسرة جديدة هناك، بهدف تهويد
الجولان تدريجيا، كما حدث في
الضفة.
- اتجاه واشنطن مستقبلا لتصعيد
قضية الوجود السوري في لبنان،
بعدما استصدرت قرارا من مجلس
الأمن رقم 1559، يدعو إلى انسحاب
القوات الأجنبية من لبنان،
ورغبة سوريا في الوقت نفسه في
الانسحاب من لبنان لأسباب
سياسية واقتصادية، بعدما صعد
اللوبي اللبناني الماروني
المعادي لسوريا انتقاداته
ومظاهراته ضد الوجود السوري.
- في ظل الضوء الأخضر الأمريكي
لإسرائيل في المنطقة العربية،
بدأ شارون يضع مزيدا من الشروط
التعجيزية لاستئناف المفاوضات
مع سوريا، ومنها تصفية أوكار
المقاومة الفلسطينية
واللبنانية، ما جعل الشروط
السورية لطلب بدء المفاوضات من
حيث انتهت أما بات يعرف بـ(وديعة
رابين) غير ذي معنى، وورقة
للمساومة بأن تجري المفاوضات
بلا شروط من أي من الطرفين.
- هناك أزمة سورية متزايدة في
المياه، ورغبة في إنجاز تسوية
بشأن بحيرة طبرية، التي يسيطر
عليها الجيش الإسرائيلي، وأن
الخطط السورية الطموحة للتنمية
التي يتبناه الرئيس الأسد تصطدم
بمشكلة المياه، فمفاوضات كانون
ثاني (يناير) 2000 تحطمت على صخرة
الخلاف بشأن من ستكون له
السيطرة على شريط ضيق من
الأراضي المحتلة على طول الشاطئ
الشرقي لبحيرة طبرية.
- هناك قناعة سورية بأن شارون يسعى
للتحرش بها، ويستعد لتنفيذ
ضربات في العمق السوري، على
غرار عملية "عين الصاحب"،
على بعد 25 كم من دمشق في تشرين
أول (أكتوبر) 2003، وأنه يعتبر
المبادرات السورية لطلب
التفاوض هي نتاج ضعف إستراتيجي،
يسعى للاستفادة منه في كسر
الأنف السوري، ومن ثم هناك رغبة
في إدخال مصر وواشنطن على الخط،
وتسريع التفاوض.
- خطة إسرائيلية للعب على وتر
الطائفية في الجولان، واصطفاء
الطائفة الدرزية هناك على بقية
السوريين القابعين تحت
الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم
لعب لعبة الدروز في فلسطين،
بحيث يتحول ولاءهم تدريجيا
للدولة العبرية بدلا من سوريا،
وهي خطة تخشاها سوريا، رغم
تأكيد المصادر السورية أنه
فاشلة حتى الآن.
وفي هذا السياق كانت مسألة
الوساطة المصرية في التفاوض هي
محور لقاء الرئيسين السوري بشار
الأسد والمصري حسني مبارك في
مدينة شرم الشيخ اليوم
الثلاثاء، كما ستكون أحد محاور
لقاءات الوفد المصري مع القادة
الإسرائيليين الأربعاء الأول
من كانون أول (ديسمبر) 2004، حسب ما
أكد المتحدث باسم الرئاسة
المصرية السفير ماجد عبد
الفتاح، الذي قال إن ملف
مباحثات السلام السورية -
الإسرائيلية "سيكون مطروحا"
خلال زيارة الوزير أحمد أبو
الغيط واللواء عمر سليمان إلى
إسرائيل.
بل إن المصادر قالت بوضوح إن الوفد
المصري يسعى لأكثر من طرح
الوساطة، وأنه يسعى للحصول على
رد إسرائيلي محدد بشأن العرض
السوري من استئناف التفاوض،
بدون شروط، خصوصا في ضوء
محاولات التملص الإسرائيلية،
التي ألمح لها السفير عبد
الفتاح عندما قال للصحفيين
الاثنين 29 تشرين ثاني (نوفمبر)
إن "مصر ليس لديها سبب في هذه
المرحلة يدعوها إلى الاعتقاد
بأن إسرائيل سترد بالإيجاب على
سوريا"، التي قال إنها "قدمت
تنازلا كبيرا نحو وجهة النظر
الإسرائيلية بالتخلي عن شروطها
لاستئناف محادثات السلام".
وقال "إلى أن تعلن إسرائيل عن
نيتها فإن مصر لا تلمس هذه النية...
وإسرائيل لم تعرب عن شيء في هذا
الصدد، رغم أن سوريا قدمت
تنازلا كبيرا، بإعلانها
الاستعداد للعودة للتفاوض بدون
شروط مسبقة". كما شدد عبد
الفتاح، الذي يتحدث باسم الرئيس
المصري، على أنه "لابد من أن
تكون هناك استجابة إسرائيلية في
مقابل إعلان سوريا (عن رغبتها)
في عقد مفاوضات بدون شروط مسبقة".
وقد أبلغ أبو الغيط أمس الاثنين
الصحفيين أنه يتوقع الحصول على
الرد الإسرائيلي أثناء زيارته
لإسرائيل.
حزمة تنازلات متبادلة
ويقول مراقبون إن القاهرة شجعت
سوريا عدة مرات على الدخول في
مفاوضات مع تل أبيب، وتقديم
أفكار وتنازلات من أجل إعادة
المفاوضات بين دمشق وتل أبيب،
خصوصا في ظل الرفض الإسرائيلي
لإعادة الجولان نهائيا، وكان
القبول السوري بفكرة التفاوض
لأول مرة عام 1990 في مؤتمر مدريد
راجع لقناعه بأن الظروف الدولية
في صالح سوريا، وأن الجولان
ستعود كاملة بالطريق السلمي كما
فعلت مصر، بيد أن توقف
المفاوضات والمتغيرات
الإقليمية والدولية، التي جاءت
في غير صالح سوريا، عرقلت هذه
المفاوضات.
ومع وصول اليمين الصهيوني المتطرف
المتحالف مع المتدينين الذين
يشكلون أغلب سكان المستوطنات،
ووصول حكومة شارون للحكم، وقع
تجميد أي مفاوضات، ورفض شارون
رئيس الوزراء الإسرائيلي عدة
مرات العودة للتفاوض، آخرها في
أيلول (سبتمبر) الماضي 2004، لأي
جهود دولية لإحياء المحادثات
بحجج شتى مثل شن سوريا حملة على
جماعات فلسطينية ولبنانية.
ويسود اعتقاد بين المحللين في مصر
أن الخطط السورية التي ستعرض
على القاهرة وعلى الرئيس مبارك
هذه المرة، وغالبا لن تعلن،
ستتضمن "حزمة تنازلات
متبادلة" بين الطرفين، يجري
التفاوض حولها، وتشمل رفض شروط
التفاوض المسبقة من الجانبين،
ومنها تنازل سوري عن البدء من
مفاوضات عام 2000، رغم حسمها 80 في
المائة من القضايا المعلقة.
كما ستشمل الحزمة تنازلات سورية
بالانسحاب من لبنان، ووقف
مقاومة حزب الله، ونزع سلاحه.
وكان قد سبق للرئيس الأسد أن قال
في مقابلة مع صحيفة /نيوزويك/
الأمريكية بتاريخ 5/11/2003 أنه
مستعد للتوصل إلى اتفاق مع
إسرائيل، يشمل أيضـا حلاً
لمسألة وجود حزب الله في جنوب
لبنان، مقابل انسحاب كامل من
مرتفعات الجولان، ومن ثم إنهاء
الخلافات الأمريكية - السورية،
وعدم التصعيد ضد سوريا في مجلس
الأمن، بخصوص لبنان.
القاهرة
- خدمة قدس برس (30/11/04)
|