الانتخابات
والمؤسسة
العسكرية الأميركية
بقلم
:جورج غالاوي
هناك الآن حوالي 140 ألف جندي
أميركي في العراق و17 ألفاً في
أفغانستان، اضافة للجنود
الموجودين في البوسنة وكوسوفو
وغوانتانامو وقواعدنا وسفننا
الحربية في أنحاء العالم. يشير
البعض إلى أن أصوات الجنود تؤدي
تقليدياً دوراً حاسماً في
الانتخابات الرئاسية. البعض
يقول ذلك بنبرة مشوبة بالخوف.
لكنني أقول انه لو حدث ذلك
بالفعل، فإن مستقبل أميركا
سيكون في أيد أمينة جديرة
بثقتنا هي أيدي الشبان والشابات
في القواعد المسلحة والذين
يخاطرون بحياتهم في سبيل هذا
المستقبل.
وإذا كنت تشك في ذلك، فما عليك سوى
أن تقرأ السطور التالية وهي
عبارة عن مقال الكتروني كتبته
مجندة أميركية شابة تخدم الآن
في العراق اتصلنا بها عبر
البريد الالكتروني بعد أن وصلنا
المقال من طرف أحد الاصدقاء،
ووافقت المجندة على نشر المقال
بشرط عدم ذكر اسمها.
ولاشك أن لكلماتها وقعاً خاصاً في
ظل ما هو قائم من تطورات هذه
الأيام:«وصلتني ورقتي
الاقتراعية مؤخراً، وشعرت
بالراحة لأنها لم تكن ملطخة
بالدم، إذ يتوقع المرء هنا أن
يرى بعض العلامات التي تشير إلى
الجهود الجبارة والأرواح التي
أزهقت لايصال هذه الأوراق
للجنود في ساحات الوغى.
وفي الضربات المتتالية التي نتعرض
لها منذ فترة، كان وصول أوراق
الاقتراع الخبر السار الوحيد.
لم تكن هناك أي علامة تشير إلى
ما حدث للجنود الذين ماتوا وهم
في طريقهم لإيصال البريد إلى
هنا، تبدو الأمور طبيعية وكأن
شيئاً لم يحدث.
غادرت مكتب البريد، ونظرت الى
القصر القابع في أعلى التلة،
قصر صدام حسين، الذي صار اليوم
مقراً لجنود من جنسيات متعددة
يحاولون جلب الديمقراطية لهذا
المكان، وبعض هؤلاء الجنود لم
يحصل على الديمقراطية في
بلدانهم سوى مؤخراً. ومن أكثر
المشاهد المؤثرة التي حفرت في
ذاكرتي مشهد رئيس الوزراء
البلغاري وهو يذرف الدمع على
شاشات التلفزيون خلال حفل
انضمام بلاده رسمياً الى حلف
الناتو».
«الديمقراطية تتبادر إلى أذهان
الناس عندما يرون ذلك القصر على
التل. وأنا أفكر بذلك الرجل الذي
يحاول ان يحبس دموعه أمام
العالم. لم يخطر ببالي من قبل أن
أفكر في معاني الديمقراطية،
لأنني في بلدي ترعرعت على
الديمقراطية ولا أعرف سواها».
مفهوم الديمقراطية لا ينبغي أن
يكون معقداً. ففي ذلك القصر
القابع على التل يوجد رخام رائع
الجمال، لكنه منحوت بصورة فجّة
جداً. ويتصور المرء صدام حسين
واقفاً على الشرفة يبحث عن
أعداء. لكن العراقيين يبتسمون
في وجوهنا ويقدمون لنا الشاي
وهم قادرون حتى وسط هذه الحرب
على إيجاد أرضية مشتركة بيننا
وبينهم. إنهم أناس يأملون
بالحرية وتحقيق المصير
والسلامة.
بعض الناس يقولون: «هذا البلد
بلدي، إما أن تحبه أو تغادره»
ويصرّون على أن هذه وطنية. هؤلاء
الجنود يحبون فقط ما يسهل محبته
ويقبلون فقط بما يسهل قبوله،
لكنهم يمقتون أي شيء يصعب فهمه.
إنهم يحبون الأشياء الكبيرة
المندفعة وتفوتهم التفاصيل
الصغيرة. إنهم يرون فقط سطح
الماء ولا يغوصون إلى الأعماق،
وفي السطح يرون انعكاس صورهم.
يقولون إنهم يحبون بلدهم لكنهم في
الواقع يحبّون فقط الأجزاء
الجيدة فيه. إن حبهم للوطن
يذكرني بمقولة كان يرددها والدي
دائماً: «بارد حقاً الحب الذي
تعصف به الريح» إنهم يحبون
المرأة طالما بقيت كاملة في
نظرهم.
وآخرون يحبونها ليست لأنها كاملة
وإنما لأنها تحاول أن تكون كذلك.
يحبونها كما هي بمحاسنها
وقدراتها ومواطن ضعفها. يحبونها
كما هي أو كما يمكن أن تكون. وإذا
نظرت من حولك فإنك ستجد طاقات
كامنة في مظاهر أخرى. في حب
الناس لأوطانهم ولدياناتهم
ولثقافاتهم.
«ان الديمقراطية، شأن اي فضيلة
اخرى يمكن الترويج لها من خلال
الايماءات والافعال الصغيرة.
والقاعدة الاساسية المسلم بها
في الديمقراطية هي ان يجب
الاصغاء لاصوات الجميع، ولم
تخطر ببالي هذه الفكرة الى ان
وقفت امام مكتب البريد هنا
وحذائي ملوث بغبار مئات
التواريخ وكتبت اسم المرشح الذي
سأمنحه صوتي على ورقة الاقتراع.
خطي كان فوضوياً ومشوشاً ببقع
الحبر التي ربما تنتج عن
الحرارة الشديدة.
لكنني ابدو صغيرة وسط محيطي الذي
يقبع فيه ذلك القصر الكبير وذلك
النهر المتدفق وتلك الاطلال
القديمة. وكان فعل قيامي بتسجيل
صوتي على ورقتي الاقتراعية
فعلاً صغيراً في ظروف استثنائية.
يسأل الناس كيف نستطيع القيام
بعملنا هنا وكيف نستطيع أن
تتجشم عناء تحمل هذه المخاطر.
الاجابة بسيطة، فنحن نقوم
بعمليات في سبيل لحظات كهذه. كم
هو أمر استثنائي ان تقول
لاصدقائك انك ادليت بصوتك في
الانتخابات الرئاسية وانت في
العراق. لكن الامر اكبر من ذلك.
فنحن هنا نصون حقوق شعب اخر
ايضاً.
وطالما هناك في العالم احرار،
فإنهم يقدمون الأمل للمحرومين
من حريتهم.
«اقسمت، في يمين الولاء، بأن
ادافع عن الدستور الذي يعني
بالنسبة لي المبادئ. حالما تدرك
انك حراً، عليك ان تدرك ايضاً
بأن هناك اشخاصاً آخرين محرومين
من حريتهم، ان حريتك لن تكتمل
حتى يحصل هؤلاء على حرياتهم.
الحرية تحمل معها هذا العبء. لا
يكفي ان تكون منارة او رمزاً او
املاً.
يجب ان تعمل لنصرة مبادئك.
اعتقد ان الوطنيين الذين تحدث
عنهم توماس بين صدموا عندما
اكتشفوا ان الحرية لا تعني
الانقطاع عن الآخرين، بل العكس
تماماً.
فالاحرار مرتبطون بأولئك
المحرومين من الحرية. لأنك لا
يمكن ان تكون حراً حقاً مالم
تتحقق الحرية للجميع».
«ونحن الذين جئنا من وحدات
الاحتياط ندرك ذلك تماما، فلقد
تركنا منازلنا واعمالنا
واوطاننا وجئنا لنبعث الامل في
حياة الآخرين. ونشعر باننا جزء
من هدف اسمى وقضية أكبر، ونحن
فخورون بذلك.
«يسأل الناس لم نتحمل هذه الاعباء.
والإجابة هي اننا نفعل ذلك من
أجلكم. وراية الوطن تجمعنا كلنا
حتى لو لم تحملوا السلاح. الحرية
لا تعني العزلة. وانها تعني
التواصل. لدينا تطلعات مشتركة.
هناك معارك من نوعيات مختلفة.
بعضها يحدث على أرض الوطن
والبعض الآخر في بلدان أجنبية.
«يسأل الناس كيف يمكنهم دعمنا.
الامر بسيط. أدلوا بأصواتكم في
الانتخابات لا يهمني لمن
تصوتون، المهم ان تصوتوا
فتضحياتنا كلها ثمن لفكرة أعطاء
الناس صوت مسموع، لقد اعطيناكم
هدية دفعنا ثمنها من دمائنا.
يسألنا الناس كيف يمكنهم دعمنا،
نقول لهم أدلوا بأصواتكم.
احملوا الراية نيابة عن كل
الاحياء والاموات الذين اضلوا
في سبيل هذا الحق. قوموا بدوركم
الوطني! تذكروهم! تذكرونا!
صوّتوا.
ـ
خدمة «لوس انجلوس تايمز»
خاص
لـ «البيان» 14/11/2004
|