المجتمع
المرتبك في سورية و الإصلاح
المنتظر
(محاولة
للتوصيف وإيجاد مخرج)
د
. عماد فوزي شعيبي*
لا نريد أن يبدو ما يكتب تيئيساً،
خصوصاً وأن من واجبنا مهمة حقن
الناس بالآمال، ولكن ليس عبر
الأوهام، إنما عبر التركيز على
الجانب المضيء واستخدامه(أي
الأخير) على الجانب المعتم.
رائزنا في هذا أن النور هو الذي
يتغلب على العتمة وليس لعن
العتمة ومن كان وراءها.فكثيراً
ما كنا نرفض أسلوب (الردّاحة و
النوّاحة) في التعامل مع
القضايا الداخلية، وهو أسلوب
الموتورين والمعانين
والمظلومين، ومن اتخذوا
المعارضة مهنة حيث لا مهنة لهم
أو وسيلة للاستعراض أو عتلة
لإبراز الذات أو البحث عن منصب،
وهي كلها دوافع وبواعث للاختلاف
أو المعارضة يمكننا أن ننظر
إليها ونتعامل معها بموضوعية
وليس بعدائية، كما يفعل البعض.
لكن هذا لا يعني عدم سبر الأخطاء
في عملية الإصلاح من موقع
إيجابي يتجاوز تلك الأساليب
التي لا طائل وراءها. فنحن
مولعون بنظرية الجدوى، ونرى أن
أهم ما في العمل السياسي الفاعل
أنه معني بنظرية الجدوى، إذ ما
الفائدة من نقد ليس في وقته ولا
في مكانه؟. أليس في هذا عبث؟. ثم
هل السياسة فشّات خلق؟. هي
بالتأكيد كذلك لدى الذين لا
يعرفون أين ومتى يمكن توجيه
النقد، والأهم: كيف؟.
نحن أمام كتلة من الإشكاليات في
سورية. ولا نحتاج للتكرار بأننا
على قناعة بأن هنالك إرادة
حقيقية لدى الرئيس الأسد
للتغيير وللعصرنة، ولكن حسابات
الرغبات لا تطابق دائماً حسابات
الواقع، وهذا هو السرّ وراء قول
الأسد إنه لن يبدأ بالمشروع
زمنياً (أي البرنامج الزمني) قبل
الانتهاء من تحديد الإمكانات.
وهنا تكمن القضية.
بعيداً عن طروحات مبسطة وساذجة
أحياناً تتمسك بمصطلحات كالحرس
القديم والحرس الجديد، هنالك
مشكلة أخطر بكثير تتمثل في
قراءة المعطيات الواقعية ؛ أي
التفاصيل التي تعترض عملية
الإصلاح ويعرفها كل من حمل هذا
المشروع وتعايش مع تلك التفاصيل
المُعاشة في العمل الإداري
اليومي ومنها مشكلة الإمكانات.
نعم هنالك إرادات ورغبات ونوايا
طيبة، ولكن هنالك إمكانات محددة
وإرادة مانعة وقوانين تنبعث من
ردهات البيروقراطية التي هي أصل
الدولة الحديثة لكن عدم تطورها
يحولها إلى عقبة في وجه الدولة
المعاصرة.
مفارقة أليس كذلك؟!. نعم هي كذلك،
إلا أن الموضوع برمته يتداخل مع
معطيات أخرى تتشرنق وتشكل معضلة
حقيقية.
نحن أمام( دورٍ
PERIOD ) خطير
يعبث بنا، بقدر ما عبثنا عندما
أنتجناه، وهو يكاد يدخلنا في
متاهة صورتها على النحو التالي:
نحتاج إلى الحدّ من الفساد. وأول
عمل يجب القيام به وهو رفع
السوية المعاشية للموظف
وتأمينه صحياً ومعاشياً كي نوفر
المناخ الذي يحدّ من الفساد،
وهذا بدوره يحتاج إلى اقتصاد
متين؛ لأن رفع القدرة المعاشية
بدون إنتاجٍ كارثة، وفقاً
للقانون الاقتصادي الذي يقول:
الكتلة النقدية * سرعة التدوال =
المؤشر الوسطي للأسعار * عدد
وحدات السلع الموجودة في السوق.
أي بالخلاصة نحتاج إلى(اقتصاد)
إنتاجي ونمو في الإنتاج وزيادة
في الاستثمارات، وهذا بدوره
يصطدم بالحاجة إلى إدارة ناجحة،
وتلك تحتاج إلى تربية كوادر ومن
ثم بحاجة إلى قوانين مرنة،أي أن
ذلك يحيلنا إلى إصلاح القضاء
والقوانين، وهو ما يحيلنا بدوره
إلى رفع القدرة المعاشية
وبالتالي إلى الاقتصاد... هو
أشبه بالدور المنغلق على نفسه: (اقتصاد
? إدارة ? قوانين ? اقتصاد)، أو هو
أشبه بالكابوس عندما نجد أننا
في هذا(الدور- المتاهة) أمام
مفاصل ممانعة للتغيير هي جزء من
مشكلة الإمكانات.
لا نستطيع أن نوصف الإمكانات
الاقتصادية، فهذا ليس من
اختصاصنا ولا نستطيع إليه
سبيلاً، لكننا نستطيع أن نوصف
الإمكانات البشرية.
لدينا مشكلة حقيقية في موضوع
الإمكانات البشرية. فالمجتمع
السوري عموماً(ولا داعي لتكرار
أننا لا نتحدث إلا عن الجزء
الأبرز فيه) إما محشو بإمكانات
سطحية معلبة بشهادات ورقية، أو
أنه مجتمع بلا نجاحات وبلا
كفاءات.
أما غالبية الكفاءات، فهي إما في
الظل يصعب الوصول إليها، أو
هاجرت إلى الخارج أو إلى الداخل
حيث شُحنت بالوتر والغبن والأسى
وأصبح إعادة استخدامها محفوفاً
بمخاطر كبيرة (وإن كان هذا لا
يعفي من المحاولة)أهمها أنها لا
تعرف شيئاً عن المعطيات السائدة
لأنها حرمت منها، ومنعت من
الوصول إلى المناصب المناسبة
وبالتالي حرمت من الخبرة،
والأخطر أن أكثرية الذين
تسلّقوا الهرم الوظيفي لسنوات
طويلة هم من طراز (الأتباع)؛ أي
المحسوبين على فلان وفلان،
وهؤلاء رُسموا على شاكلة فلان
وفلان، وبدوا أتباعاً بلا
شخصيات.
والكارثة أننا إذا بحثنا عن كفاءة
علمية لربما وجدناها ولكننا قد
لا نجد مكوناتها اللاحقة
واللازمة الأخرى (كالشخصية
القيادية والخبرة الإدارية
والنزاهة الشخصية). هذه
المكونات قد لا تجتمع إلا بصورة
سحرية ونادرة في سورية.
بالتأكيد نحن لا نطلب الكمال،
لكننا أمام إشكالية يجب توصيفها
بعقل بارد، على أن لا يكون من حق
المتلقي أن يبحث في دوافع ما
ورائية، لأننا لا نبحث عن مكانة
لا تحققها المناصب ، بل نتبنى
الرؤية العلمية التي تنظر بعقل
بارد وشبه حيادي.
هنا لا يجب على أحد ممن يعتبر نفسه
كفاءة نادرة أن يسخط من توصيفنا
السابق، لأنه يتناول المساحة
الأشمل من قطاعات المجتمع، ثم
إن الكفاءة النادرة التي تتوافر
أحياناً في السلطة محكومة
عملياً بواقع يحد منها، صنع عبر
الزمن وأصبح أمراً واقعاً،
ويتألف من كفاءات محدودة وعادية
وباهتة، تارة فوقها وتارة تحتها
في التراتب الوظيفي أوفي كليهما
معاً. وبالتالي فالكفاءة
النادرة تلك، محكومة بالفشل
غالباً!:
لأنها إن كان عليها أن تدير السائد
دون تغييره فهي ستدير الأزمة،
ولن تقدم شيئاً له قيمة وستعيد
إنتاج السائد مما هو بائد. وهي
إن سعت نحو التغيير سيضع أولئك(الفوق
والتحت ومعاً) العصيّ في
الدواليب لها وستفشل. وإن أرادت
المواجهة أو النسف، فإن عليها
أن تواجه الجميع وعندئذ ستتحول
إلى شخصية دونكيشوتية، وإن دفعت
باتجاه الصمت ستكون شيطاناً
أخرس وسيكون معيار الحكم عليها
أبغى من الفشل.
المجتمع الإداري كما القاع
الاجتماعي والسياسي والاقتصادي
في سورية محكوم بأزمة الأنا
المتضخمة ؛ فهي تسفح الحياة
تارة (ب"أنا" ذوي
الإمكانيات المحدودة) التي تظهر
كالكابوس على كل كفاءة، وتدير
اختصاصاتها بالغباء! وترسم
التبعيات لها من الأغبى
فالأغبى، أو هي تظهر كبنى
متسلقة تنحدر إلى الأكثر
انتهازية(بالمعنى السلبي
للكلمة)، وهنا نجد أن بدائلها هي
كاريكاتيرات عنها، مما يجعل ما
بعدها يستحق ترحماً على ما كانت
هي فيه.
وهنالك الأنا المتفوقة التي لا
تجد مكاناً بين العاديين فتتضخم
إلى درجة البارانويا(العظامية)،
وهنالك الأنا المتكيفة
والواقعية الممنوعة من أن تأخذ
أي دور لا من ذوي الإمكانات
المحدودة ولا من ذوي البارانوية
المانعة... باختصار هذا مجتمع
متحجز، يتعذر عليه الخروج من
الدوران في الدائرة إلى الحلزون
الذي يرفعه درجة. ويزيد في
احتجازه ما يترافق مع ذلك من
ثقافة الحقد والوتر والقنوط،
وإشاعة أساليب الالتفاف
والتسلط و(سقف) الآخرين ومنع
النجاح، بل ومحاربته بالغيبة
والنميمة والتقول.
نعم، هذا مجتمع يتجاوز الاحتجاز
الداخلي إلى منع النجاح،
وبالتالي منع التعلم من ومع.
هذا المجتمع لم يعد يعاني اليوم من
السلطة كدولة (رغم أنا لا ننكر
التسلط كبقايا عابثة في الزمن
الضائع وبقوة العطالة)، لكن
المفارقة أن السلطة اليوم هي
أبعد بمسافات عن التسلط (الذي
عرفناه سابقاً) لكن المجتمع
يعاني أكثر من سلطة المجتمع
نفسه.
ليس في هذا فذلكة أو تيئساً أو
تكراراً ببغائياً لتوصيف
الكثيرين لوضع المجتمع السوري
وممانعته للتغيير والإصلاح. ولا
يكفي أن نقف عنده لندير (بكائية)
من الماضي ولنحمل الدولة
وممثليها المسؤولية عن إنتاج كل
ذلك، فهذا قد حدث.لكننا اليوم
أبناء اليوم، ولدينا مشروع
للإصلاح، وإرادة رئاسية عالية
لهذا الإصلاح ونحتاج أن نخرج من
هذا (الدور)
period الخطير،
فهل نستطيع إلى ذلك بالإرادة
الفردية؟ ربما، ولكنها لا تكفي،
ولهذا فنحن لسنا من المؤمنين
بأن تغيير الأفراد سيفضي إلى
الحلول السحرية، إنه يلبي غريزة
التغيير في أحسن الأحوال.
نعم نحتاج إلى بطولات فردية وإلى
إطلاق الكفاءات النادرة
الإبداعية، ولكن من المُصلح ومن
الذي سيُصلح إذا كان المُصلح
الذي يوكله الرئيس بالإصلاح
يحتاج إلى إصلاح؛ أي إذا كانت
أغلبية الكوادر التي يتم
الاعتماد عليها اليوم غير مؤهلة
إما شخصياً أو علمياً أو
إدارياً أو
نزاهة أو بكل ذلك. فيما تعيد
إنتاج كاريكاتيراتها، نقول
غالبية وليس الكلّ ، ومن به مسلة
ستنغزه!.
لن نكتفي هنا بالنقد. قد يكون
لدينا أفراداً أو جماعات مشاريع
بديلة، وسنكتفي بعرض مشروع
يتألف من عدة خطوات ،وفق
تقديرنا المبدئي؛ لأن الزمن بات
يلاحقنا ونحن محكومون ،إن لم
نكن قادرين على وضع مشروع زمني،
بابتكار البدائل خشية ان نجد
أنفسنا نتلمس نفس المشكلات بعد
عشر أعوام
:
1-
الإسراع بالبحث عن الكفاءات
النادرة والمتفوقة الخام،
وإرسالها إلى دول يُحترم علمها
وليس كتلك التي باعتنا أسلحة
وبعناها عقول شعبنا. صحيح أن بعض
من الأخيرة أتت بعلماء إلاّ أن
المناخ الصارم يفرض نفسه في
المآل الأخير.
2-
حقن الكفاءات المتوافرة
والنادرة حالياً في المناصب
القيادية وإعطائها الصلاحيات
وحمايتها، والشرط الأخير ضروري
كي لا تحترق كما احترق أمثالها.
ولا نعني بالحماية هنا العودة
إلى نماذج الشللية والمحسوبية
والاقطاعيات الوظيفية، ولكن
حمايتها ممن هم فوقها وتحتها!!.
الخطير كل الخطر هو عدم الإيمان
بالمؤسساتية في العمل، ولكن
خطراً أكبر يكمن في الاعتماد
على المؤسساتية فقط في مجتمع
متخلف ليس فيه تراكم لطقسية
المؤسساتية . هنا لا بد من العمل
على خطين الأول: مؤسساتي
والثاني: شخصي- كاريزماتي. وفي
الأخيرة موضع البحث في مسألتي
الحماية والصلاحيات اللتين
تتنافينان مع المؤسساتية. ولكن
الأخير لا تنهض إلا بهما. فلتكن
صلاحيات مع حماية مترافقتين مع
رقابة صارمة بحيث لا تتحولان
بالمسؤول إلى ديكتاتور صغير أو
إلى فاسد آخر . نعم المهمة صعبة
لغاية ولكن لا حلّ لعدم
الارتقاء بالمؤسسات إلا بهما، كما نعتقد ولا حل لحالة(انعدام
الوزن)، أي غياب القدرة على
اتخاذ القرار في أغلب المؤسسات
وبالتالي تعطيل العمل
والاقتصاد والإصلاح إلا بهذا
التشكيلة التوليفية.
هذا ليس تنظيراً، هذه محاولة
لإيجاد مخرج من هذا الدور الذي
عَصْلجَ مسيرة الإصلاح أربع
سنوات،لدافع نبيل هو
المؤسساتية التي يُراد لها أن
تتجذر بالتراكم . إذ لا يمكن
الركون إلى المؤسساتية
المأمولة تاريخياً!، ولا يمكن
بذات الوقت الركون إلى التسلط
الذي حوّل في كثير من الأحيان
الدولة إلى مزارع وإقطاعيات.
3-
تشكيل لجان يتم الاعتماد فيها
على كفاءات علمية وخبرات من
الداخل والخارج لتقييم مستويات
وخبرات وأداء المسؤولين
الحاليين من ثم ما يتم طرحه
كبدائل عبرهم. إذ يجب علينا أن
نعترف اليوم أن لدينا مشكلة مع
المُقيِّم قبل المُقيَم.
والسؤال الذي تطرحه المؤسساتية
هنا هو:
ما هي معايير التقييم و من هو
المُقيّم.
يجب أن نعترف بهذه المشكلة
وبضرورة الاستعانة بالخبرات من
الخارج أيضاً بدون عقد الوطنية
الشكلية! التي لا تنبعث إلا متى
كان هنالك مسٌ بالمصالح ومتى تم
الضغط بالأنامل على نقاط الضعف.
فالحياة(مثاقفة). ومن كانت هويته
متحددة ومتجذرة ،لا يكون لديه
في الاعتماد الجزئي أو حتى
أحياناً الكلي على كوادر خارجية
أو مغتربة إلا مزيداً من تجذير
هذه الهوية، لأنه يخرج جذرها
العفن من التربة ويستبدله بما
يتيح الاستمرارية. فنحن لسنا في
العالم وحدنا، وإذا كنا قد
اعتدنا على العيش في ساحتنا
وحدنا لسنوات فإن علينا أن
نتعلم بأن الساحة ليست لنا
وحدنا، إنما هي للجميع وخاصة
لكل السوريين. ثم إننا في عالم
وسعَ دوائر الساحات وأصبحت
متداخلةً بصورة لا تسمح لنا
بدفن رؤوسنا في التراب.
يجب أن نكون في ساحات القيادة
والعمل معاً، مثلما نحن في
المجتمع وفي سورية ككل معاً. هذا
ليس مجرد خيار. هذا قدر يجب
التعامل معه، الأمر الذي يستوجب
تغيير عدتنا.
4-
يجب علينا،الحث لكلٍ من موقعه أو
منصبه، الدفع بمن نراه كفاءة
تصلح للمرحلة الحالية، نحو
الأمام، ويجب أن يكون لهذا
الدفع تجزية وحافزاً من صاحب
القرار، إذ لا ينبغي أن نبقى مدى
الحياة نعيش على أولئك الذين
يتصورون أنفسهم باقين إلى الأبد
في مناصبهم، فإذا كان رئيس
البلاد نفسه يصرح لإحدى وسائل
الإعلام الغربية بأنه سيأتي يوم
لن يكون فيه في منصبه أو سيقبل
بمنافسين على هذا (المنصب -
المسؤولية)، فإن ليس لأحد أن
يكون في وضعية امتياز لامحدودة،
الأمر الذي يستوجب رسم برنامج
في كل المؤسسات يطرح فيه كل
مسؤول مجموعة من الكفاءات
البديلة أو الرديفة على أن يخضع
كل هؤلاء لتقييم تلك اللجان
المقترحة في البند الثالث.
لقد قلنا مراراً إن الرئيس الأسد
يشكل حالة نادرة جداً في العمل
السياسي فهو رأس السلطة وزعيم
المعارضة بآن . هذا ما اعترض
عليه البعض بتسرع شكلي ،
وأوضحنا أن المعارضة هي: نقد
للأخطاء، و برنامج للتغيير،
ومعرفة بالمعطيات الدقيقة
وامتلاك للأدوات، ووحده الرئيس
الأسد من يمتلك كل هذا، ولديه
الفرصة كي يفعل شيئاً ما. وإذا
ما كان الوجه الثاني للمعارضة
هي في التداول على السلطة،
فالمفارقة الأكبر هنا أننا نكاد
لانعرف مسؤلاً في الدولة لا
نسمع منه نقداً أعنف مما لدى
المعارضة المسماة بهذا المصطلح
الحصري!، والأهم أن المعارضين
الذين نراهم من الداخل يمتلكون
المعطيات والأدوات والمشاريع ،
أي أن التداول على السلطة ممكن
أيضاً في ظل الرئيس نفسه ومن
داخل( التركيبة ) ومن خارجها
أيضا، لأن الفارق شكلي بين من هم
خارجاً ومن هم داخلاً من حيث
اللغة وإن كان الفارق عميقاً من
حيث الإمكانية،وذلك ممكنً في
سياق من التفاعل بين جميع
الأطراف دون أن تنصب فئة نفسها
بديلاً تعارضياً أكثر مما تمتلك
السلطة نفسها، وفي ظل التوصيف
الذي ربما لن يعجب البعض-
بالتأكيد- أنا أيضاً معارض،
وليس لأحد امتياز على معارضتي
إلاّ بالحقد، فهو ما لا أعرفه
ولا اعتقد أنه وسيلة مُثلى
للعمل السياسي
!.
5-
يجب أن نعترف بأن الخبراء
والكفاءات التي يجب الدفع بها
إلى السطح، وبعضها يحب
استدعاؤها من الاغتراب،لا يمكن
مقاربتها في الخانات الوظيفية
من حيث الراتب المعاشي مع
الآخرين. لا يمكن أن تعيش
الخبرات والكفاءات برواتب
متدنية. فالراتب المعقول يعطيها
القدرة على أن تعيش كما ينبغي،
ويحميها من الفساد ويدفعها
للعمل بطاقتها العليا.
(خيار وفقّوس)؟ سيتساءل البعض.
ليكن. فالمساواة الشكلية في
الرواتب باسم تحقيق المساواة
العليا؟! هي عملياً مجرد وهم
إنسانوي عدالي قاد إلى الفساد
وإلى هروب الخبرات خارج البلاد.
في أية دولة في العالم، تعطى
الرواتب للخبرة والكفاءة وليس
لسقف في الراتب يراد من (وضع
الحدّ في التحليل الأخير).
أحياناً يعطى للمسوؤل جزء من
الأرباح وجزء من المناقصات في
القطاع العام وإذا حقق للدولة
الأفضل والأرخص، وهي رواتب
مضافاً إليها (ثمن) المستوى الذي
وصل إليه.
هذا يستوجب أن تكون هنالك لوائح
للإمكانيات وللكفاءات. وأعطي
على ذلك مثالاً: لا يمكن لنا
مثلاً من أن نقبل أن ُيرفض مشروع
قانون يرفع رواتب أساتذة
الجامعة فيحميهم ويحمي النظام
التعليمي من الفساد على اعتبار
أن هذا الرواتب ستكون أعلى من
رواتب الوزراء بصورة لا سابق
لها أيضاً. كلاهما (نخب).
نعم، يجب أن نعترف أن هنالك لغة
نخبوية بالمعنى الوظيفي تفرض
نفسها هنا مهما كانت الدواعي
النظرية على قاعدة المساواة
الشكلية لا تقبلها. صحيح أن من
بين أساتذة الجامعة من لا ينطبق
عليها توصيف النخب، إلا أننا
نستطيع أن نضع معايير ونشكل
لجان امتحان كفاءات كما طرحناها
سابقاً لتوصيف النخب وتختبر
نخبويتها بالمعنى العلمي
والإداري والكاريزماتي ،
وبالتالي اختبار فاعليتها،
وتقاس عليها مقدار الزيادات
المفترضة، على أن تكون مفتوحة
لكل حالة تقدم.
أما إذا كنا أمام مواجهة واقع أن
بعض أساتذة الجامعة لا يصلحون،
وبعضهم أصبح دكتوراً(بقرار)
وأخر أصبحوا كذلك بشهادات(عابرة
للجامعات) (ونقول بعضهم طبعاً
ومن به مسلّة ستنغزه)، فأولئك
يجب تطبيق قواعد صارمة تجاههم،
فإما أن يتطوروا أو أن يخرجوا من
حقل إعادة إنتاج مساوئهم في جيل
سيكون عبئاً على الوطن، أقله
ليفسحوا في المجال أمام من
يتجاوزهم، وهم اليوم عقبة كأداء
أمامهم.
بهذا المثال تحدثنا عن قطاع ما
نعيش جزءاً من إشكاليّاته، وهو
يقارب كل القطاعات النخبّوية
ويمكن سحب طريقة التعامل معها،
إليها.
ربما قد يرى البعض ممن لا يريد
التغيير أو يخشى على بقائه
الأبدي المتوهم أننا أوغلنا في
الحلم أو التنظير، لكننا لا
نعتقد أننا نتحدث خارج معادلة
الواقع. يكفي أننا لم نكتف
بتنظير المشكلة، أو بلعن
الظلام، ونعترف أننا لا نملك كل
صور الواقع، ولكننا نقدم بهذا
لغة أخرى..... من الداخل ومعنية
كلياً باستمرار الدولة ونجاح
إصلاحها.
لا ينبغي لما تقدم ذكره أن يعجب
الجميع. ولا ينبغي أن يكون تطرية
لأحد او تسويقاً للذات، لكنه
محاولة للتفكير بالإصلاح على
طريقة نعتقد أنها مستمدة من
طريقة الرئيس الأسد.
*مفكر
سياسي سوري
دنيا
الوطن 26 / 10 / 2004
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|