تجاذب
سياسي بين المعارضة
والحكم
في سوريا
تتوقع أوساط
المعارضة السورية أن تشهد
العلاقة بينها وبين الحكم حركة
تجاذب سياسية واسعة خلال الفترة
المقبلة وتحديدا في أعقاب
انعقاد المؤتمر القُطري العاشر
لحزب البعث الحاكم الذي سيتخذ
قرارات مهمة جدا بشأن قانون
الأحزاب والخيارات السياسية
الداخلية‚
وتراهن هذه
الأوساط بأن تغييرات سياسية
وحزبية كبيرة ستحدث في البلاد
وهو الأمر الذي سيلقي بظلاله
على أداء المعارضة وأحزابها
السياسية من جهة وعلى مسألة
المطالب التي باتت مملوكة
بسلسلة من التفاعلات السياسية
من جهة أخرى‚
وكانت قوى
المعارضة أطلقت حملة باتجاهين:
الأول التحرك لتنفيذ النقاط
التي وردت في البيان التأسيسي
لجبهة المعارضة والثاني مناهضة
التعذيب بكل أشكاله وصوره من
خلال تأكيد التزام الحكومة
بالاتفاقيات الدولية ذات الشأن‚
وتؤكد المصادر ان
السلطات السورية تتعامل
بالكثير من الشفافية والانفتاح
مع مطالب المعارضة والتي تتلخص
بإلغاء حالة الطوارىء السائدة
منذ عام 1963 وإغلاق ملف السجناء
السياسيين والسماح بعودة
المنفيين وإجراء انتخابات حرة
ونزيهة وعقد مؤتمر وطني عام
لحشد جميع الطاقات الوطنية
لمواجهة التحديات القائمة إلا
أن الشيء الواضح هو ان القيادة
السورية لن توافق على حدوث أي
انقسام سياسي أو اجتماعي في
البلاد لأن من شأن ذلك أن يعرض
الأمن الوطني للخطر المباشر
وهذا يشكل خطا أحمر على هذا
الصعيد‚
وتبدي السلطات
السورية المعنية الكثير من
التساهل في التعامل مع أنشطة
أحزاب وقوى المعارضة مقارنة مع
الفترة الماضية‚ فعلى سبيل
المثال فإن هناك الكثير من
الاجتماعات العالمية التي
تعقدها هذه الاحزاب في دمشق
وتصدر عنها البيانات التي توجه
انتقادات مباشرة إلى السلطة
والأداء السياسي والاقتصادي‚
لا بل ان هذا التساهل وصل إلى حد
السماح لقوى المعارضة بتنظيم
أكثر من اعتصام العام الماضي‚
وفي هذا مؤشر واضح ومهم على أن
هناك علاقة جديدة بين السلطة
والمعارضة في سوريا‚
ويرى المحامي حسن
عبدالعظيم الناطق باسم التجمع
الوطني الديمقراطي المعارض
والذي يضم ائتلاف خمسة أحزاب
معارضة أن الكثير من التطورات
الإيجابية قد حدثت في مسألة هذه
العلاقة مشيرا إلى أن المتغيرات
الإقليمية والدولية خاصة
الاحتلال الاميركي للعراق قد
كان لها تأثيرات وتداعيات
مباشرة وقوية على الوضع السوري‚
ويتساءل بعض
المراقبين عن حدود وآفاق التحرك
القادم لأحزاب وقوى المعارضة
داخل سوريا ومدى تزامن الأمر مع
حملة الضغوط الأميركية
والدولية التي تتعرض لها دمشق
على خلفية مطالبتها بتنفيذ قرار
مجلس الأمن 1559؟
وهناك تأكيدات
قوية من جانب أحزاب المعارضة
داخل سوريا برفض الاستقواء
بالخارج ورفض كل الطروحات
والمشاريع الأميركية لا بل ان
المحامي حسن عبدالعظيم يؤكد ان
المعارضة السورية لن تقبل أبدا
جلب الديمقراطية إلى سوريا على
ظهر دبابة أميركية! ومثل هذا
الموقف الوطني لقوى وأحزاب
المعارضة يخلق نوعا من التجاذب
مع السلطة التي تنظر بشيء من
الاحترام لهكذا موقف‚
وينظر المراقبون
إلى تحركات قوى المعارضة بأنها
تشكل دعما غير مباشر للكثير من
التحولات الاقتصادية
والاجتماعية التي تشهدها سوريا
خلال هذه المرحلة فخلال العام
2004 أصدرت الحكومة عشرات
القوانين والتشريعات
الاقتصادية والإدارية التي
أعادت النظر بالوضع الاقتصادي
العام ودفعه باتجاه اقتصاد
السوق وذلك من خلال تشجيع قيام
المصارف الخاصة والبدء بإصلاح
القطاع العام عن طريق إفساح
المجال أمام القطاع الخاص ليقوم
باستثمار الشركات الخاسرة لكن
التطور الأبرز كان التخلي عن
آخر مظاهر النظام أو النهج
الاشتراكي وهو ما تمثل بتعديل
قانون العلاقات الزراعية الذي
صدر عام 1958 والذي لم يتجرأ أحد
على الاقتراب منه طيلة العقود
الماضية فقد قام مجلس الشعب
السوري البرلمان أواخر العام 2004
بإدخال تعديلات جوهرية على
القانون سمحت بعودة الأراضي إلى
ملاكها الأصليين وذلك في إطار
تنظيم علاقة جديدة بين المالك
والمزارع‚
ولكن مصادر
المعارضة السورية تؤكد أن هذه
الخطوات والإجراءات هي بفعل
الضغوط الخارجية في حين ان
المصادر الحكومية تشدد على أن
الأمر يندرج في إطار مشروع
الإصلاح والتطوير والتحديث
الذي تشهده البلاد خلال هذه
المرحلة‚ فقد أكد مصدر سوري
بارز ان معظم مطالب المعارضة
السورية قد وضعت على الأجندة
السياسية الخاصة بالبرنامج
الإصلاح الذي طرحه الرئيس بشار
الأسد لافتا إلى أن نسبة ثمانين
بالمائة من تلك المطالب قد
أصبحت متضمنة ومستوعبة في مشروع
الإصلاح والتطوير ويضيف ان هناك
إصرارا من الرئيس الأسد على
إصدار قانون للأحزاب من أجل
تنظيم الحياة السياسية في سوريا
بالرغم من أن هناك «معارضة»
لهذا التوجه من قبل بعض قادة
أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية
الحاكمة الذين يؤكدون أن توقيت
إصدار مثل هذا القانون غير
مناسب الآن!
وثمة تأكيدات أن
التعديلات التي أُدخلت العام
الماضي على الميثاق الأساسي
للجبهة الوطنية في سوريا ليست
كافية حتى تصبح هذه الصيغة أكثر
قدرة على أداء دور أكبر في
الحياة العامة‚ إذ ان الجبهة
الوطنية الحاكمة تُوصف من قبل
حتى شخصيات حكومية بأنها فقدت
الكثير من فاعليتها وحيويتها
بسبب الانكفاء الذاتي لأحزابها
على نفسها وعدم إيلاء مسألة
التواصل مع الشارع السوري
الاهتمام الكافي‚
ويتم التأكيد ــ
في هذا السياق ــ بأن الدولة في
سوريا قدمت لأحزاب الجبهة
الوطنية مستويات متنوعة من
الدعم لتقوم بتحسين أدائها
وتفعيل دورها ومن ذلك السماح
لها بافتتاح مقرات علنية في
دمشق والمدن الكبرى وإصدار
الصحف والدوريات الناطقة
بلسانها وعقد المزيد من
المؤتمرات والندوات الجماهيرية
للتعبير عن برامجها السياسية
ولكن المحصلة بقيت محدودة من
حيث النتائج لأن المشكلة تكمن
ــ في نظر المعارضة ــ في أن هذه
الأحزاب قد تجاوزها الزمن وان
هناك قوى جديدة لابد من
الاعتراف بها‚
وتستعد بعض
الاحزاب السياسية الجديدة
للانضمام إلى عضوية الجبهة
الوطنية الحاكمة ومن أبرزها
الحزب السوري القومي الاجتماعي
الذي دُعي لحضور الاجتماع
الأخير للمكاتب السياسية
لأحزاب الجبهة العام الماضي
بصفة مراقب وتؤكد المصادر
المعنية ان انضمام حزب ــ بهذا
الوزن والحجم ــ إلى الجبهة
الوطنية سيعطيها قوة دفع كبيرة!
وباتت أحزاب وقوى
المعارضة داخل سوريا تطالب
السماح بإصدار صحف ودوريات
ناطقة بحالها وان تكون متداولة
لدى الرأي العام على غرار تلك
الصحف التي تصدرها أحزاب الجبهة
الوطنية الحاكمة لكن ذلك يتطلب
إحداث تغيير كبير في قانون
المطبوعات الذي يثير اعتراضات
جمة ليس فقط من المعارضة بل من
أوساط إعلامية وثقافية بارزة في
سوريا‚
وتؤكد المصادر
شبه الرسمية ان مثل هذه الخطوة
تحتاج إلى خطوة أهم وهي صدور
قانون للأحزاب لأنه في هذه
الحالة سيكون مسموحا لأي حزب
سياسي مرخص له وفق الشروط
المعلنة إصدار الجديدة أو
المطبوعة التي تعبر عن آرائه
وتشرح مواقفه السياسية‚
ويتساءل هؤلاء عن
آفاق المشهد السياسي داخل سوريا
في ضوء المعطيات السائدة الآن
والتي تشير بوضوح إلى ضعف
ومحدودية دور قوى المعارضة
وأحزابها حيث يخشى البعض ان
تكون هذه التحركات القادمة مجرد
«فقاعات صابون» بقصد ان تؤكد
هذه الاحزاب انها موجودة على
الساحة وبالتالي حث السلطة على
المزيد من التعاون والحوار معها‚
ويبدو ان الجانب
الحكومي يدرس بعناية فائقة
ملامح المشهد القادم من دون
القيام بأي تأثيرات جانبية على
مسألة العلاقة مع مجمل الاحزاب
السياسية لأن هناك مؤشرات تطرح
تساؤلات حول ما هو قادم ليس فقط
على الصعيد الداخلي بل على
الصعيدين الاقليمي والدولي
وربما كان للأمر صلة بإحياء
مفاوضات السلام .
(
الوطن القطرية ) 9/2/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبها
|