سوريا
والبحث عن خيار ثالث
للخروج
من الأزمة
جميل
الجندي
ما كان يطلب من سوريا في الغرف
المغلقة من الوسطاء ومراكز
البحوث والزوار الأميركيين.. أصبح يقال علناً وأمام وسائل
الإعلام، انه ليس أمام سوريا
سوى أحد خيارين، أما ان تأخذ
النموذج الليبي أو ان تصبح دولة
مارقة، فسوريا ليست ليبيا وليست
العراق وجوهر الأزمة يفرض على
سوريا اقناع الولايات المتحدة
الأميركية بطريق ثالث بين هذين
الخيارينo
وتتوفر قناعة راسخة لدى الرأي
العام السوري بأن زيادة الضغط
على سوريا لن يكون في صالح
السلام والاستقرار في الشرق
الأوسط، وقد عكس ذلك خطاب
الرئيس الدكتور بشار الأسد في
مجلس الشعب وأعلن فيه انسحاب
القوات السورية من لبنان فقد
أظهر ضيقاً من المطالب
الأميركية التي لا تنتهي، لأن
الاستجابة لهذه المطالب تلقى
معارضة شديدة من الرأي العام
السوري، وتعطي سلسلة المسيرات
الشعبية شبه اليومية في
المحافظات السورية، والمسيرات
المعادية للولايات المتحدة في
لبنان بدء حملة مضادة ومنظمة
لمواجهة خطة مدعومة من الولايات
المتحدة واسرائيل لفصل
المسارين السوري واللبناني
وانهاء المقاومة اللبنانية
المتمثلة في حزب اللهo
الرقابة على الحدود العراقية
في بداية الاحتلال الأميركي
للعراق طالبت الولايات المتحدة
سوريا بوقف عبور المخربين من
أنصار القاعدة والزرقاوي
وغيرهم الى العراق، واحكام
رقابتها على الحدود السورية -
العراقية التي تبلغ نحو 700
كيلومترo
وكان رد المسؤولين
السوريين في أكثر من مناسبة بأن
حماية الاحتلال ليس من مهام
سورياoo
الا ان هذا الموقف تغير منذ رحيل
بريمر وتشكيل الحكومة العراقية
برئاسة الدكتور إياد علاوي في 30
يونيه ،2004 وقد أعلنت سوريا
رسمياً موافقتها بعد مباحثات في
سبتمبر اجراها السيد وليام
بيرنر معاون وزير الخارجية
الأميركي على قيام رقابة
مشتركة سورية - عراقية
- أميركية للحدود بين سوريا
والعراق، وتم الإعلان عن تشكيل
لجان فرعية لحل سائر الامور
العالقة بين البلدين بهدف البحث
عن الوسائل الممكنة لحل
الخلافات بينهما بصورة تدريجيةo
واتفق على توقيع
اتفاقية بهذا الخصوص مع الجانب
العراقي، وأعلن السوريون انهم
بانتظار التوقيع وقدوم الجانب
العراقي وعرفوا فيما بعد ان
الادارة الاميركية لا تريد ان
يوقع العراق مثل هذه الاتفاقية
لأن مثل هذه الخطوة تقدم دليلاً
مادياً على تعاون سوريا وهذا ما
لا تريده الادارة الاميركية
لأسباب غامضةo
الرقابة على الحدود مع العراق
وقد أعاد الرئيس السوري الدكتور
بشار الأسد في خطابه الأخير
أمام مجلس الشعب السوري في 4
مارس الحالي حول مدى صعوبة
الرقابة على الحدود السورية -
العراقية ما كان سبق ان صرح به
الى صحيفة نيويورك تايمز بعد
شهور قليلة من بدء الاحتلال
الاميركي للعراق قال فيه، كانت
الشاحنات تأتي من العراق ملأى
بالمتفجرات في الثمانينيات
تقتل المئات على مدى سنوات ولم
نكن قادرين على ضبط هذه الحدود،
ولذلك فعندما طلب منا
الأميركيون ذلك اجبنا بأننا لا
نستطيع القيام بذلك رغم وجود
حرس الحدود فإذا كانت الشاحنات
قادرة على المرور فكيف يمكن ضبط
الأفرادoo؟ هذا مستحيلo
انتم لديكم الجيش
الاميركي عند الحدود العراقية
وبامكانكم ضبط الوضع، وطبعاً
قبل الحرب وخلال فترة الخلافات
بيننا وبين النظام العراقي كنا
نتخذ خطوات بهذا الشأن لإغلاق
الحدود والوضع نفسه قائم الآن
وخاصة بعدما تزايدت عمليات
تهريب السلاح ولكن باتجاه
الاراضي السورية وليس العراقيةoo واذا
اردتم المقارنة بالحدود
الأميركية مع المكسيك فلا بد ان
يكون هناك تعاون بين المكسيك
والولايات المتحدة ولا يمكن ضبط
الحدود من الجانب الاميركي فقط،
ولكن مع من نتعاون في العراق
وليس لديهم دولة ولا جيش ولا
شرطة، ولهذا فإن الفوضى ستؤثر
علينا وهي موجودة عند حدودنا
غير اننا نحاول بالطبع ان
نتلافى تأثيراتهاoوقد سربت مصادر أوروبية أنباء عن
دراسة سورية معمقة قدمت للإدارة
الأميركية لتأمين انسحاب مشرف
لقواتها من العراق الا ان
الادارة الاميركية رفضته لأنه
يعطي سوريا دوراً اقليمياً في
العراق وهذا ما لا تريده
اسرائيل حليفة الولايات
المتحدة في الوقت الذي يسعى فيه
هذان الحليفان لتقليص دور سوريا
الاقليمي في لبنانo على
الرغم من إعلان ترحيب الدكتور
اياد علاوي والسيد باول وزير
الخارجية الأميركية بمبدأ
إعلان سوريا موافقتها على قيام
رقابة مشتركة على الحدودo
حوار الطرشان
وقد سارع سفير سوريا في واشنطن
السيد عماد مصطفى الى الاشادة
بالتطورات الايجابية في
العلاقات السورية - الأميركية
وقال إن الحوار بين سوريا
والولايات المتحدة لم يكن مثل
حوار الطرشان حيث كان الطرف
الاميركي يكتفي بتقديم الشروط
والاملاءاتo
الا ان مصادر اميركية أعطت
تفسيراً مختلفاً لهذه التطورات
حيث أوضح السفير الأميركي
السابق في كل من دمشق وتل أبيب
السيد ادوارد جيريجيان بأن
الادارة الاميركية تسعى لجدولة
مطالبها من سوريا وليس تنفيذها
دفعة واحدةo
وقد فسّر الإعلام السوري تغيير
اللهجة الأميركية بأنه نجاح
للدبلوماسية السورية التي تبنت
منذ أمد طويل منطق الحوار مع
الادارة الاميركية بدلاً من
المواجهة والتعقيد، ودون ان
يعني ذلك تراخياً في الموقف
السوريo
قانون محاسبة سوريا
وكانت الولايات المتحدة قد اتخذت
في أواخر عام 2003 خطوات تصعيدية
شملت صدور قانون محاسبة سوريا
وتوقيع الرئيس بوش عليه وسط
اشارات الى احتمال فرض عقوبات
اقتصادية ودبلوماسية على سوريا
بهدف خلق تأثير سياسي سلبي على
سوريا في المحافل الدولية ومع
ذلك استمرت دمشق في الرهان
على الحوار مع الادارة
الاميركية انطلاقاً من ادراكها
بأن اسرائيل تسعى الى خلق
مواجهة عسكرية اميركية مع سوريا
تكون في النهاية لحساب اسرائيل،
لا سيما بعد تنامي النزعة
العسكرية الاميركية والابعاد
الخطيرة لهذه النزعةo
الأسد يدعو للتهدئة
ففي حديث الرئيس الدكتور بشار
الأسد الى صحيفة نيويورك تايمز
اشارة واضحة الى رغبة سوريا في
اقامة علاقات هادئة مع الولايات
المتحدة قال فيه الولايات
المتحدة ليست عدواً لسوريا،
الشيء الطبيعي لدولة عظمى تمتلك
كل هذه القوة العسكرية
الاقتصادية والتكنولوجية ان
تكون مساعدة
لنا وليست ضدنا كدولة صغرىo وقال إنه يتفق مع ما طرحه الرئيس
بوش لاقامة دولتين فلسطينية
واسرائيلية وهي بداية صحيحة ثم
دعا الولايات المتحدة ألا تكون
منحازة الى جانب ضد آخر، وان
تكون وسيطاً أمنياً مع جميع
الأطرافoوقد رأينا كيف تمكن الرئيس
الراحل حافظ الأسد من بناء
احترام متبادل مع أربعة من
الرؤساء الاميركيين هم نيكسون
وبوش الأب وكارتر وكلينتون، وفق
سياسة معلنة للولايات المتحدة
تؤكد حرصها على السلام في الشرق
الأوسط وقد لخص هذه السياسة
ساندي برجر مستشار الرئيس
الاميركي كلينتون لشؤون الأمن
القومي اننا سنقوم بدور مركزي
في عملية السلام ليس لأن
الاطراف المعنية تريد ذلك فحسب
بل لأن ذلك يمثل مطلباً
استراتيجياً للولايات المتحدة
دورنا في الشرق الأوسط لم يكن
يوماً نتيجة نزوة عابرة أو فكرة
طارئة بل انه دور تمليه مصلحة
بلدنا الجوهرية في تشجيع قيام
سلام شامل ويمليه تقييمنا لما
هو أفضل سبيل لتحقيق ذلك وبمعنى
آخر دورنا نابع من مصالح
الولايات المتحدة الاستراتيجية
ومن الوضع الاستراتيجي في
المنطقةo
أمن إسرائيل - أمن أميركا
سأبدأ من مقولة ان كون الشرق
الأوسط في حالة من الاستقرار
والسلام هو أمر ذو أهمية حاسمة
لمصالح اميركا القومية انه لمن
الضرورة الجوهرية ان نتذكر ان
ما يحدث في تلك المنطقة له اثر
مباشر على أميركا ورفاهها وكان
هذا صحيحاً في كل الأحداث التي
شهدها الشرق الأوسط في لبنان
والخليج وهنا نصل الى بيت
القصيد والشرق الأوسط هو ايضا
موطن اسرائيل وهي من اقرب
حلفائنا الينا ودولة تربطنا بها
علاقة خاصة تضرب بجذورها في
التاريخ وتتميز بمصالح مشتركة
بيننا وان حماية امن اسرائيل هو
بمثابة امننا نحن ثم اضاف بأن
منطقة الشرق الأوسط تحوي
ثلثي موارد العالم من
النفط، مما يجعل المنطقة ذات
أهمية خاصة ليس لرفاهنا
الاقتصادي فحسب بل ولمنفعة
اصدقائنا وحلفائنا في مختلف
انحاء العالمo
مصلحة مشتركة في السلام
وأرجع الرئيس بشار الأسد التوتر
مع واشنطن الى العامل
الاسرائيلي لدينا مصلحة مشتركة
في ان يكون العراق مستقراً،
لدينا مصلحة في ان يتحقق السلام
في المنطقة اذاً نحن لا نرى ان
هذا الانحدار في العلاقات هو
اختلاف في المصالح او تناقض في
المصالح وهذه العلاقة تتأرجح
عبر الزمن لأسباب مختلفة وعندما
تنحدر هذه العلاقة الى حد كبير،
نرى ان العامل الاسرائيلي هو
الاساس في انحدارها ما اقصد
بالعامل الاسرائيلي؟ قد يكون
التأثير او النفوذ الاسرائيلي
في الولايات المتحدة او ان يكون
نتيجته وهو انحياز السياسة
الاميركية الى الحكومة
الاسرائيليةoوأشار
الأسد الى انه بمعزل هذا العامل
لا توجد خلافات حقيقية بين
الولايات المتحدة وسوريا - وهذا
العامل ما زال يدفع العلاقات
الاميركية السورية باتجاه
الخلاف والا فلماذا تعاونا مع
الولايات المتحدة في موضوع
مكافحة الإرهاب وكنا نستطيع ان
نغض النظر عن هذا التعاون ولكن
هذا يدفعني الى ان اطرح نفس
السؤال اذا كانت سوريا تتعاون
مع الولايات المتحدة في موضوع
الارهاب وتقدم لها خدمات كبيرة
وفوائد كثيرة فكيف سيكون رد
الولايات المتحدة سلبياً تجاه
سوريا وقال إن المشكلة ليست
العراق والدليل على ذلك ان
العلاقات بين سوريا والمملكة
المتحدة كانت جيدة قبل الحرب
وخلالها وبعدها مع انها تتخذ
نفس الموقف الاميركي من الحرب.
الإتحاد
الإماراتية 24/3/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|