أليكس
فيشمان:
المستعمرة
الكبرى
"إذا
ما واصل الإسرائيليون التجادل
مع أبي مازن فقد يضطرون للتفاوض
مع مشعل"
القدس
المحتلة - خدمة قدس برس (21/03/05)
في تقريره الموسع هذا؛ يتولى
أليكس فيشمان، المراسل العسكري
لصحيفة "هآرتس" العبرية،
عرض التطورات الميدانية في قطاع
غزة على محورين؛ الأول يتعلق
بعملية إخلاء مستعمرات أقامها
الاحتلال الإسرائيلي في قطاع
غزة، ويتعلق الثاني بوضع حركة
حماس والمقاومة الفلسطينية في
المرحلة الراهنة.
وبينما يشير التقرير، المنشور في
صحيفة "هآرتس" في عددها
الصادر في الثامن عشر من آذار (مارس)
2005، إلى أجواء من التوتر
المتزايد في صفوف مستوطني قطاع
غزة؛ فإنه يتحدث بالمقابل عن
تصاعد كبير في دور حركة حماس
وشعبيتها ونفوذها السياسي، إلى
الدرجة التي ذهب معها أليكس
فيشمان إلى حد القول إنّ "أبا
مازن سيضطر للرقص على أنغام
حماس".
ويقدم فيشمان جملة من النصائح
للقادة والمسؤولين
الإسرائيليين، من بينها قوله
"إن لم تكن إسرائيل ترغب في
إجراء الاتصالات بشأن التسوية
الدائمة مع الحكومة الفلسطينية
الملوّنة بطيف حماس؛ فمن الأجدر
بالأطراف الملائمة أن تنهض من
سباتها وأن تبدأ بالتفكير في
سبل تعزيز مواقع أبي مازن. إذا
واصلنا التجادل معه بشأن كل
حاجز في أريحا؛ فهناك احتمالية
لأن نضطر للتفاوض مع خالد مشعل
في السنة القادمة"، كما يورد
في مقاله.
المستعمرة الكبرى
بقلم: أليكس فيشمان
نحن في الأسبوع الأخير من شهر
نيسان (إبريل) 2005 عشية عيد الفصح
(اليهودي). إنّ معبر كيسوفيم (في
قطاع غزة) مغلق بمئات السيارات
المحملة بالناس والعتاد، إذ
تمتد قوافل طويلة لعدة
كيلومترات، والسير مفتوح في
اتجاه واحد فقط: نحو الداخل حيث (مستعمرات)
غوش قطيف. في المتنزه المحلي
وعلى شاطئ البحر في غزة نصبت مدن
من المخيمات لاستيعاب تيار "الضيوف"
الدافق على غوش قطيف. لقد تحوّل
كل موقع في المنطقة إلى منزل
مؤقت مع الخدمات المرافقة
المعدة سلفاً لخدمة الضيوف.
الطقس ربيعي ومن الممكن النوم
في الخارج. تشتعل النار في
الليالي فوق الرمال وفي القلوب،
ولا مشكلة مع الطعام.
قبل حلول موعد عيد الفصح؛ لاحَظوا
في قيادة المنطقة الجنوبية (بجيش
الاحتلال) أنّ سكان غوش قطيف
يقومون بتخزين كميات غير معقولة
من الطعام. المشكلة المركزية
التي تواجه المشرفين على الحملة
هي كيفية تعبئة الفترة الطويلة
الممتدة حتى موعد الإخلاء.
والجيش من ناحيته خائف من
إمكانية فقدان الفلسطينيين
لصبرهم من فترة الهدوء،
وإقدامهم على إطلاق صواريخ
القسام أو الهاون على هذه
الحشود.
يفرق العسكريون (الإسرائيليون) في
مفترق كيسوفيم، ويراقبون ما
يحدث في عجز. فقوافل السيارات
المتتابعة تعزز الشعور لديهم
بأنّ خطة الإخلاء التي يزمعون
على تنفيذها خلال شهرين إلى
ثلاثة أشهر لن تُطبق. يأتي عشرات
الآلاف ليبقوا. وهم لن يعودوا
إلى منازلهم في نهاية العيد،
وسيبقون هناك حتى موعد الإخلاء.
وعليه؛ فسيكون على الجيش أن
يخلي من غوش قطيف عشرين إلى
ثلاثين ألف شخص، بدلاً من إخلاء
ثمانية آلاف هم قوام سكان غوش
قطيف، وقد أعدّ هؤلاء الجدد
المحتشدون للمهمة العدة للبقاء
والمقاومة.
لن تتمكن فرقة عسكرية واحدة من
إخلاء هذه الحشود، ولن يكفي حشد
فرقة احتياطية أخرى إلى جانبها،
ويتطلب هذا الوضع فترة أطول من
ثلاثة إلى أربعة أسابيع التي
تحدث موفاز عنها لإكمال مهمة
الإخلاء.
تقف وسائل الإعلام هي الأخرى
مشدوهة إزاء السيل الجارف
المتجه لغوش قطيف. وتتحدث
الأخبار يومياً عن الآلاف الذين
يتوجهون إلى غزة. ينقل أحد
العناوين الصحفية عن مصدر
عسكري، وهو يخاطب المستوى
السياسي: "لقد حذرناكم في
كافة اللقاءات، وقلنا إنّ عيد
الفصح هو موعد اختباري، وطلبنا
منكم البدء في إغلاق المنطقة.
ولكنكم لم تصغوا لنا، والآن
يتوجب علينا أن نتحمل المسؤولية
عن كل هذه المعضلة الصعبة. فكيف
تريدوننا أن نخلي ثلاثين ألف
شخص وبأي طريقة؟".
الضباط والمستوطنون
السيناريو المذكور أعلاه ليس
خيالياً، وإنما هو مسألة شبه
واقعية ومطروحة على بساط البحث
في الجيش منذ اليوم. والعسكريون
بدورهم بانتظار موقف المستوى
السياسي؛ إذ كيف يمكن "منع"
استيطان عشرات آلاف الناس في
غوش قطيف بين عيد الفصح القريب
وموعد الإخلاء؟ لقد تدرّب
مستوطنو غوش قطيف على هذا
السيناريو في عيد الاستقلال
الماضي (ذكرى إقامة الدولة
العبرية)، وفي مظاهرة التضامن
التي نُظمت قبل أكثر من شهر. إن
لم يتم إغلاق القطاع عشية عيد
الفصح؛ فبإمكان الجيش أن يلقي
بخطط الأخلاء الحالية التي
أعدها في سلة المهملات.
يسود في الجيش (الإسرائيلي) الشعور
بأنّ الاشخاص الوحيدين الذين
يتحدثون اليوم مع مستوطني غوش
قطيف هم قادة الألوية والكتائب
الذين يتجوّلون في الميدان،
وأنّ كل من تبقى من ممثلي
المؤسسة الرسمية، الذين يُفترض
بهم أن يوفِّروا الحلول لضائقة
السكان؛ غير موجودين بالمرة.
"ربما يوجدون في عناوين
الصحف، ولكنهم غير موجودين على
الأرض".
ويشير العسكريون الذين يتحاورون
مع السكان في غوش قطيف إلى "سلسلة
انفجارات" آخذة في التراكم،
ومكونة من أنوية التحريض
والغموض ومشاعر الإهانة.
إنّ أنوية التحريض هي الحلقة
الأكثر بساطة بين باقي الحلقات.
ففي الأشهر الأخيرة غيّر
أربعمائة إلى خمسمائة مواطن
عناوينهم، وسجلوا أنفسهم كسكان
في غوش قطيف. لقد أتى معظمهم من
داخل الخط الأخضر تحديداً، وهم
في الغالب من طلاب المعاهد
الدينية وطالبات المعاهد
اللغوية والتائبين والعائلات
الشابة، إذ كان من السهل
إقناعهم بالقدوم والسكن في غوش
قطيف للمشاركة في المعركة
القادمة.
وتوجد إلى جانبهم عدة عشرات من
سكان (مستوطني) "يشع"، أي
يهودا والسامرة (الضفة الغربية)
وغزة، أصلاً الذين جاؤوا إلى
المكان لتسخين الأجواء. إنهم
يفلحون أحياناً في إقناع
المستوطنين بأنّ الدافع من وراء
سلوكهم ليس أيديولوجياً؛ وإنما
يقولون إنّ الصراع العنيف
سيُسهم في زيادة التعويضات التي
سيحصلون عليها.
لقد نُظفت المنازل المهجورة في
المستعمرات ورُممت، وقد أصبحت
مأهولة بالسكان الجدد.
إنّ "نواة التحريض" التي
تمكنت من دخول المنطقة ما زالت
قابلة للتفكيك. والمعاملة
المتفهمة لسكان غوش قطيف من
الآن قادرة على منعهم من
استقبال المحرضين بصورة
إيجابية.
يدرك الناس في غوش قطيف أنّ عملية
الإخلاء قد انطلقت في طريقها.
وهم في المحادثات العاطفية
يقولون لقادة الجيش إنهم يحتجون
على الطريقة التي يعاملونهم
بها، وعلى الغموض والإهانات
التي تُوجّه إليهم، وعدم التحدث
معهم أصلاً. لكل واحد منهم "ملفه
الشخصي"، والتعويض الذي
يُعرض عليهم يبدو في نظرهم
بخيلاً.
لقد قال أحد المزارعين: "صرفت
أربعمائة ألف شاقل في زراعة
التوابل التي يُفترض أن تصبح
جاهزة في أيلول (سبتمبر)، فماذا
سأفعل مع ذلك. لم يقل لي أحد ما
الذي يتوجب عليّ أن أفعله".
تصدِّر دفيئات غوش قطيف بقيمة
مائة مليون دولار سنوياً، ويعمل
فيها ألفان وخمسمائة فلسطيني،
بينما دفيئات كل الفلسطينيين في
قطاع غزة تصدر بقيمة خمسة عشر
مليون دولار فقط. يبدأ التصدير
في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)،
وتوجد أمامه ثلاثة أشهر ليكون
الصرعة الرائجة في أوروبا، إذ
تبدأ البضائع بعد ذلك بالقدوم
من أسبانيا وشمالي إفريقيا. فما
العمل مع الدفيئات؟ هل
يحرقونها؟ أم يبيعونها؟ أم
يسلمونها للفلسطينيين؟ أم
يحصلون على تعويض مقابلها؟.
لا يوفر أحد الإجابات الآن، ولذلك
لا غرابة في أنّ المستوطنين
يتحدثون عن الإهانة وعن الإبهام.
إنّ المسؤولين في وزارة الدفاع
والمالية ملزمون بالتوجه إلى
غوش قطيف، وإنهاء المسائل مع
أصحاب الدفيئات والمرافق. إنّ
هذا سيوفر الكثير من العرق
والدموع، وربما الدماء.
سخرية القدر أنّ الأيدي نفسها
التي تعانق المستوطنين اليوم من
العسكريين؛ ستضطر غداً إلى
إخلائهم، وربما تقييد أياديهم
بالأغلال. والمستوى السياسي من
ناحيته يسمع ويرى وينتظر.
ازدهار حماس
تبدأ عشية عيد الفصح أيضاً
الدعاية الانتخابية للمجالس
المحلية والبلدية الفلسطينية.
هذه هي الموجة الثانية من
الانتخابات، بعد أن فازت حماس
في الدورة الأولى في شهر كانون
الثاني بسبعين في المائة من
المقاعد. التوقعات هي أن تكتسح
حماس كافة المقاعد في هذه
الدورة أيضاً. إنّ الشيخ أحمد
ياسين، الذي يصادف في هذا
الأسبوع مرور عام على اغتياله؛
ينظر من الأعلى وينفجر ضاحكاً؛
لقد انقلبت الموازين. لقد فقدت
غزة صوابها كلياً، ويخوض اليهود
الحرب ضد بعضهم بعضاً. أما حماس،
التنظيم الإرهابي الكفاحي
العنيف؛ فتسيطر على السلطة
الفلسطينية بوسائل ديمقراطية.
قبل سنة كان في شعبة
الاستخبارات العسكرية "أمان"
من قدّر أنّ تصفية أحمد ياسين قد
تُشعل العالم الإسلامي وتؤدي
إلى موجة عالمية مناهضة
لإسرائيل مترافقة مع عمليات
صعبة. لقد كان وزير الدفاع
مستعداً لخوض هذه المخاطرة،
وقرّر إعطاء ضوء أخضر لتصفيته
حتى يوجه لحماس ضربة قاضية
وينتزع منها الثمن الأكثر
إيلاماً.
لقد انقضت سنة، وحماس التي صُفي
قادتها الواحد تلو الآخر؛ أصبحت
اليوم تنظيماً مع قيادة رمادية
غير واضحة المعالم وشبه مجهولة،
إلاّ أنّ هذه القيادة بمساعدة
قيادة فتح الضعيفة الفاسدة،
وبفضل الحماقة الإسرائيلية؛
تقود حماس نحو إنجازات سياسية
هائلة. هذه الانجازات هي التي
كان أحمد ياسين يحلم بها فقط.
وهكذا نجحت إسرائيل مرة أخرى،
وبمهارة نادرة؛ في إحراز هدف ضد
نفسها. فقد حوّلت الضربة
القاضية العسكرية التي وجهتها
لحماس إلى إخفاق سياسي.
يُعتبر إنجاز حماس في الانتخابات
البلدية في نظر الخبراء
الإسرائيليين ظاهرة عشائرية
موقعية، دون مغزى على المستوى
الوطني الفلسطيني. إنهم لم
يدركوا أنّ هذا الانجاز
الدراماتيكي يوفر لحماس
إنجازاً للحصول على الشرعية
كحزب سياسي. الحزب الذي يعتاد
الجمهور على النظر إليه كحزب
حاكم، أي حزب بديل لحركة فتح.
لقد شكّلت فتح لجنة تحقيق لدراسة
أسباب إخفاقها في الانتخابات.
وقد أشارت الاستنتاجات التي
طُرحت على أبي مازن إلى مشاكل
تنظيمية، وإلى الحاجة إلى إجراء
انتخابات تمهيدية داخلية وما
إلى ذلك. في غضون ذلك؛ تتوجه
حماس نحو إحراز الفوز في الدورة
الثانية من الانتخابات، إذ شكلت
قوائمها المقبولة، ليس فقط وفق
الشرائح المتدينة من الناس،
وإنما على التيار المركزي في
المجتمع، أيضاً من رجال الأعمال
البارزين والأكاديميين
والشخصيات العامة، مثل الأطباء
والأساتذة. إنهم أشخاص نظيفون،
وليسوا بالضرورة رجال دين أو
سياسة.
إنّ أجندة الانتخابات ليست أمنية
وإنما اجتماعية، وللنقاء من
الفساد دور مركزي فيها. سيكون
الأشخاص المرشحون تابعين
لحماس، ومع ذلك فإنّ الجمهور
سينتخبهم وبقوة. تخشى شخصيات
مركزية من فتح في القطاع من
تواصل هذه الموجة من تأييد حماس
حتى انتخابات المجلس التشريعي
أيضاً، التي ستجري في أواسط
تموز (يوليو). إنهم يعتقدون أنه
إن لم يحدث شيء دراماتيكي؛ فإنّ
سبعين في المائة من ممثلي
القطاع في البرلمان الفلسطيني
سيكونون من حماس. سيضطر أبو مازن
للرقص على أنغام حماس.
عندما يشرع جيش الدفاع في إخلاء
غوش قطيف؛ ستُنشر في تلك
الأثناء نتائج انتخابات
البرلمان الفلسطيني. إن لم تكن
إسرائيل ترغب في إجراء
الاتصالات بشأن التسوية
الدائمة مع الحكومة الفلسطينية
الملوّنة بطيف حماس؛ فمن الأجدر
بالأطراف الملائمة أن تنهض من
سباتها وأن تبدأ بالتفكير في
سبل تعزيز مواقع أبي مازن. إذا
واصلنا التجادل معه بشأن كل
حاجز في أريحا؛ فهناك احتمالية
لأن نضطر للتفاوض مع خالد مشعل
في السنة القادمة.
انتقلوا إلى السياسة
خلافاً لتحذيرات "أمان"؛
فإنّ ذراع حماس العسكرية في
القطاع لا تعزز من قواها خلال
فترة الهدوء. ليست هناك أية
مساعٍ للقيام بعمليات تهريب غير
اعتيادية، ولا يقومون ببناء
قواعد تحتية جديدة، وكمية
الإنذارات بالعمليات تنخفض إلى
الصفر، ولا تتوفر معلومات بشأن
الإنتاج الجنوني لصواريخ
القسام.
إنّ شيئاً ما لا يسير على ما يُرام
في النظرية الإسرائيلية.
تتمحور المعلومات الأساسية بشأن
تحضيرات البنى التحتية القائمة
لتنفيذ "عمليات الحصار"؛
فإذا ما انهار وقف إطلاق النار
ستتولى هذه القواعد تنفيذ
عمليات فورية معدّة سلفاً.
في هذا الأسبوع فقط، في إطار بناء
السور الجديد على امتداد محور
فيلادلفيا؛ اكتشف الجيش
الإسرائيلي نفقاً بعمق أربعة
أمتار بجوار موقع عسكري
إسرائيلي. يحمل هذا النفق مغزى
واحدا فقط: هو مُعد لأن يكون
نفقاً تفجيرياً. إنه مثال على
العمليات الجاهزة المجمدة التي
تقوم حماس وغيرها من التنظيمات
بإعدادها. إنّ الاستنتاج هو أنّ
حماس أقدمت على قرار استراتيجي
بإلقاء ثقلها في الوقت الحالي
على إنجازات الذراع السياسية.
وحتى تحقق هذه الذراع الإنجازات
ضمن اللعبة الديمقراطية؛ فإنّ
غزة تحتاج إلى الهدوء.
لذلك أبدت حماس استعدادها
للتهدئة، وليس لوقف إطلاق
النار، ولا بالتأكيد لوقف إطلاق
نار موقّع كما يريد أبو مازن.
إنها التهدئة المؤقتة لثلاثة
أشهر أو نصف سنة حتى تمرّ
انتخابات المجلس التشريعي
بهدوء. تحت شعار "شركاء في
الدم، شركاء في القرار"؛ توضح
حماس أنّ أحداً لا يصنع معها
معروفا أو يُحسن إليها؛ فهي
تحصل على ما تستحقه.
إذا ما قرّرت قيادة حماس خرق
التهدئة؛ فذلك لن يحدث بالضرورة
بسبب شيء تفعله أو لا تفعله
إسرائيل. الأكثر احتمالاً هو أن
يحدث ذلك إذا ما اكتشفت أن
السلطة تقوم بعرقلة وإفشال
إنجازاتها السياسية. على سبيل
المثال؛ تتعالى في فتح أصوات
بشأن تأجيل موعد انتخابات
المجلس التشريعي. لا تحب حماس
الفكرة، وإن بدأت هذه الفكرة في
التحقق؛ فإنّ حماس ستنفذ
عملياتها المعدّة سلفاً، وتعيد
السلطة وإسرائيل إلى دائرة
المواجهة. إنهم في إسرائيل
يعوِّلون على أنّ حماس، بعد أن
صُفيت قيادتها التاريخية وبعد
انفجار عدة سيارات مفخخة في
دمشق؛ تعاني من التوتر
والانقسامات الداخلية. إذا كان
من الصحيح أنّ الذراع العسكرية
للحركة لا تشبه وضعها قبل قطع
الرؤوس؛ فإنّ الانضباط
التنظيمي والسياسي الذي تبديه
الحركة في الميدان قد فاجأ كافة
الخبراء والمختصين. لقد انخفض
عدد العمليات في القطاع بصورة
دراماتيكية، من 117 عملية في
الشهر، من بينها 50 عملية إطلاق
صاروخية، ليصبح العدد اليوم خمس
إلى ست عمليات في الشهر، وهي
ليست منفذة من قبل حماس
بالضرورة.
لقد أحصت الجهات العسكرية في هذا
الأسبوع 19 حدثاً. 13 عملية اقتراب
من الجدار، ولم يكن أياً منها
حدثاً إرهابياً (عملاً مقاوِماً).
وقبل القرار بوقف إطلاق النار
أيضا سُجلت 19 حادثة في الأسبوع،
ولكنها كانت كلها أحداثاً
إرهابية (أعمال مقاومة). في شهر
كانون الثاني (يناير) قام الجيش
الإسرائيلي بتصفية 58 مخرباً (مقاوماً)
مسلحاً في القطاع. أما اليوم؛
فيمكن للمطلوب البارز، أبو
سمهدانة، أن يمرّ في الشارع
المركزي دون أن يمسّه أحد، بناء
على التزام "الشاباك" (جهاز
الأمن الإسرائيلي الداخلي)
وتعهّده للأجهزة الأمنية
الفلسطينية.
لقد اجتازت غزة تغيّراً
دراماتيكياً. عندما يتحدثون
اليوم عن فك الارتباط؛ فإنهم
يتحدثون عن التنسيق مع
الفلسطينيين. يريد ممثلو السلطة
الفلسطينية وأجهزة الأمن
الفلسطينية هذا التنسيق. في
الشهر الأخير نفذت قوات الأمن
الفلسطينية مائة عملية مطاردة
بناء على طلب إسرائيل، ومنعت
عشر عمليات لإطلاق قذائف
الهاون، وكشفت عشرين موقعاً
للعبوات الناسفة وخمسة عشر
نفقاً. إنّ علاقاتهم مع قادة
الجيش الإسرائيلي في الميدان
آخذة في التوطد. جهاز التنسيق
والارتباط فعال نسبياً، وكذلك
الحال مع جهاز مراقبة عمليات
التنفيذ. كل ذلك قد يذهب هباء
منثوراً بسبب عدم الحكمة وسداد
الرأي والعجز القيادي وهوامش
الأمور والخوف من اتخاذ
القرارات؛ عندنا أو عندهم.
(التقرير
بقلم أليكس فيشمان، ونشر في
يومية "هآرتس" العبرية في
الثامن عشر من آذار/ مارس 2005)
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|