ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 01/11/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الأصولية اليهودية في مواجهة السلام

 د. رياض نعسان أغا

لم يكن مفاجئاً أن يعلن وزير الخارجية الإسرائيلي في خطابه أمام الجمعية العامة لهيئة الأمم أن الأصولية الإسلامية تهدد أمن العالم بأسره، فهذا جزء من الهجمة الضخمة على الإسلام من بوابة الأصولية و"الإرهاب" الذي يلصق بالإسلام. ولست في معرض الدفاع عن أية أصولية من الأصوليات باختلاف تسمياتها، ولكن التركيز الدائم على الأصولية الإسلامية دون الأصوليات الأخرى يطمس الحقائق أمام المجتمع الدولي، فقد كان أوْلى أن تصارح إسرائيل العالم في الجمعية العامة لهيئة الأمم بأنها باتت هي ذاتها تعاني من خطر الأصولية اليهودية فيها، إلى درجة أن شارون الذي تقطر يداه أنهار دم فلسطيني يكاد يبدو أقل غلواً من زعماء الأصولية اليهودية الذين يلعنونه اليوم ويهددونه بالقتل لمجرد أنه أعلن عن خطة فك الارتباط.

ومن يتابع الصحافة الإسرائيلية يجد في عناوينها ما يؤكد ضخامة الخطر الأصولي اليهودي على مستقبل إسرائيل وعلى المنطقة وعلى العالم كله. فإذا كان الأصوليّون اليهود يهددون بقتل شارون الذي حقق لإسرائيل ما لم يكن يحلم به آباؤهم المؤسسون الأوائل لفكرة الدولة اليهودية، فما الذي يمكن أن يفعلوه إذن لدعاة السلام وهم على قلتهم وندرتهم في إسرائيل يبدون وحدهم الذين يقرؤون مستقبل إسرائيل والمنطقة قراءة حكيمة ويرون أبعد مما تراه العين، ويدركون أن مشكلة إسرائيل الكبرى تكمن في أن قوتها ليست في ذاتها، وإنما هي قوة من الخارج، وهي خاضعة للمتغيرات. و لعل هؤلاء يريدون أن يعيش أبناؤهم في أمن وسلام وتفاهم وتعاون إنساني داخل البيئة العربية والإسلامية الحاضنة كما عاش اليهود الشرقيون قروناً قبل نشوء إسرائيل، فهم يعتبرون الجدار العازل سجناً لإسرائيل (جيتو جديد) سيعزلها وسيحد من حضورها المتوسطي لأن أوروبا أعلنت شعبياً أن إسرائيل خطر على السلام والأمن في العالم، وسيجعلها إصرارها على سياسة القوة والردع أسيرة الدعم الأطلسي الذي لا يضمن أحد دوامه، فلا شيء أبدي. وهؤلاء الإسرائيليون العاقلون (وأنا أريد أن أتحدث عنهم قبل أن أتحدث عن الأصوليين) لا يغرهم أن تكون الدول العربية اليوم ضعيفة منهكة، فهم يشعرون بما تحت الرماد، ويعلمون أن شدة الضغط تولد الانفجار، وهم يرون أن إسرائيل على جبروتها وما تلقى من دعم أميركي غير مسبوق يرعبها وجود بضعة رجال ممن بقوا على قيد الحياة من رجال المقاومة الفلسطينية ولذلك تجدها تلاحقهم في شعاب الأرض وتظن أنها بقتلهم تقتل الحق الذي ينادي به الفلسطينيون، وتتجاهل أن القتل لا يحل قضية وإنما يورث الأحفاد مزيداً من الأحقاد.

ولا يغيب عن بال العقلاء في إسرائيل أن سعي الجنرالات من غلاة الأصولية الصهيونية العالمية إلى جعل إسرائيل الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة دمار شامل في الشرق الأوسط (وهم يزودونها اليوم بأحدث القنابل الذكية) يعني أن يكون الردع النووي ضمانة تحقيق المشروع الصهيوني في طموحاته المستقبلية، وهذا ما حذر منه "فعنونو" بحس إنساني، ونتذكر هنا قول "إسرائيل شاحاك": إن الخطر هو أن يمتد تأثير الأصولية الراهن على الحكومة الإسرائيلية إلى تأثير على سياسات إسرائيل النووية". ونتذكر كذلك تساؤل "ديفيد هيرست":"ماذا لو وقعت الترسانة النووية الإسرائيلية بيد الأصولية اليهودية؟" وقد يقول قائل هذا تضخيم لدور الأصولية اليهودية في إسرائيل العلمانية، ولكن قراءة ما حدث منذ مؤتمر مدريد إلى اليوم تؤكد أن الأصولية اليهودية هي الآمرة الناهية في إسرائيل. وقد قرأت قبل أيام في صحيفة "هآرتس" 23-9-2004 مقالة صريحة لـ"يوسي ساريد" بعنوان "جريمة بلا كفارة" يقول فيها:"يريدون التخلص من لعنة غزة ولكن الأمر ليس ممكناً بسبب المستوطنات. يرغبون بإقامة جدار عازل في مسار منطقي ولكن الأمر غير متاح بسبب المستوطنات. يريدون التأكد بصورة جدية من إمكانية التوصل إلى سلام مع سوريا ولكن الأمر ليس ممكناً بسبب المستوطنات في الجولان".

والمستوطنات في إسرائيل كما يعترف الإسرائيليون هي قلاع إيديولوجية يسكنها الأصوليون بخاصة، وهم يعتقدون أن السعي من أجل السلام عبث لأن السلام مستحيل، ومهمة الأصولية اليهودية تخريب أي مشروع يتجه إلى السلام. لقد نجحوا في تخريب "أوسلو"، ونجحوا في تمزيق "خريطة الطريق"، وهم اليوم يزاودون على شارون (وهو أبو المستوطنات) ويهددونه بالقتل إذا هو مضى في خطة فك الارتباط، وتذكرنا الصحافة الإسرائيلية فيما تكتب هذه الأيام بقول الحاخام "يائير درايفوس" عن "أوسلو" (إنها كانت ردة، واليوم الذي يسري فيه مفعولها هو نهاية العهد اليهودي) ونتذكر أن الأصولية اليهودية دفعت بالطبيب الشاب المجرم "باروخ غولدشتاين" لقتل تسعة وعشرين فلسطينياً وهم يؤدون الصلاة في الحرم الإبراهيمي عام 1994 لمنع اتفاقية "أوسلو"، مثلما دفعت شاباً آخر هو "ييغال عامير" لقتل "رابين"، وكان قتله إنذاراً لكل من سيأتي بعده. وهذا ما فهمه "بيريز" فسارع إلى ارتكاب جريمة "قانا" كي يبرئ نفسه من خطيئة "رابين"، وعلى الرغم من أن "نتنياهو" لم يكن أقل أصولية من الحاخام "شاخ" فقد رفض الحاخام أن تشارك طائفته الأصولية في حكومة "نتنياهو" حتى اطمأن إلى أنه غير جاد في مسيرة السلام. ثم جاء "باراك" أكثر خوفاً أو إخلاصاً للأصولية اليهودية، وها هو ذا اللواء "يوري ساغي" رئيس فريق المفاوضات مع سوريا في عهد "باراك" يكشف في مقابلة أجرتها معه "يديعوت أحرونوت" قبل أسبوع تفاصيل مدهشة من مواقف "نتنياهو" و"باراك" في المفاوضات مع سوريا في مثل قوله:"كلاهما توقف قبل النهاية بدقيقة" ويقول عن باراك: "أنا لا أعرف لماذا تنكر باراك لوعوده، يبدو أنه قد جبن، وإسرائيل لم تف بتعهداتها هذه حقيقة ثابتة"، وقد أكد هذه الحقائق "كلينتون" في مذكراته و"روس" في كتابه. ويعلق "ساغي" على أسباب التوقف بقوله:"برزت ظاهرة إسرائيلية قبيحة ما تزال تكرر نفسها حتى اليوم، عندما أقرأ كيف يهدد ضباط جيش الدفاع وإدارة فك الارتباط أتذكر تلك الأيام الظلامية التي وردتني فيها تهديدات علنية وشوهت سمعتي، بعضها جاء من مستوطني الجولان ولكن التهديد الأساسي كان من سكان يهودا والسامرة"، وتهديد الأصولية اليهودية لشارون جدي، ولكنه يعرف أن المال يحل الإشكال، ولكن اللعنة اليهودية حلت عليه ولم يشفع له قتله آلاف الفلسطينيين منذ بدء الانتفاضة حتى اليوم، وهدمه مئات المنازل. فالأصوليون يرفضون أن يفكوا المستوطنات أو أن يمس أحد من الجيش قبور أبنائهم (المستوطن حسداي الذي قتلت ابنته قال: إذا تجرأ أحد ما على لمس قبر ابنتي فسأطلق النار عليه حتى لو كان رئيس الأركان) نفترض إذن أن "حسداي" يفهم لماذا يفجر فلسطيني نفسه، فالجيش الإسرائيلي لا ينبش قبور الفلسطينيين فقط، وإنما يدفنهم أحياء تحت منازلهم. ولا أدري كيف يتم تفسير موقف المستوطنين على أنهم مواطنون صالحون يدافعون عن أرض احتلوها قبل بضع سنوات، بينما يفسر موقف الفلسطينيين الذين يدافعون عن أرض عاشوا فيها عشرات القرون فيسمون إرهابيين؟ وكيف يفهم قادة العالم حنين اليهود إلى الأرض المقدسة التي تركوها (كما يقولون) قبل ثلاثة آلاف عام، ولا يفهمون حنين اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم التي طردوا منها قبل خمسين عاماً فقط!

والأصوليون ليسوا عدداً محدوداً في إسرائيل، فهم يحتلون أكثر من عشرين مقعداً في "الكنيست"، ويتم استرضاؤهم من كل الحكومات، وتشير الإحصائيات الإسرائيلية إلى أن ثلث أطفال إسرائيل يدرسون في مدارس دينية "إلشيفوت" وهي التي تخرج الحاخامات، وهؤلاء بالطبع لا يقبلون السلام مع العرب، وهم إما أصولية الخلاص التي تمثلها "غوش أمونيم" التي تسعى إلى مملكة إسرائيل الكبرى، وإما الأصولية الأرثوذوكسية اليهودية القائمة على التلمود البابلي ويسعون إلى تطبيق "الهالاخاه" أي الشريعة اليهودية، أو الأصوليون العلمانيون المتمسكون بالحلم الصهيوني والذين يسعون إلى امتلاك الشرق الأوسط الكبير، يدفعهم غرور القوة والاستعلاء العرقي. والأصوليون اليهود جميعاً يريدون أن يكون "الترانسفير" الذي اعتبره الحاخام "مائير كاهانا" فرضاً دينياً وليس عملاً سياسياً، ترحيلاً إلى القبور وليس إلى الأردن أو إلى بلد آخر، وهذا ما ينفذه شارون ومع ذلك لم يرض نهم الأصولية اليهودية إلى قتل المزيد من العرب والمسلمين. والمصيبة أن الأصولية المسيحية الصهيونية باتت أكثر حماسة لإسرائيل من الأصوليين اليهود أنفسهم. فهناك أصوليون يهود مثل حزب "ناطوري كارتا" يرفضون قيام دولة إسرائيل ويعتبرون الحكومة الإسرائيلية كافرة، والمفارقة أن الأصولية اليهودية لا تبادل الأصولية المسيحية مشاعرها، فما يزال المؤمنون اليهود يرددون في صلوات الأسبوع لعناتهم على المسيحيين والمسلمين معاً. وهم ينتظرون مجيء المسيح، ويتجنبون تحديد الجهة التي سيمضي إليها، أهي إلى الهيكل الذي يستعجلون بناءه مكان الأقصى أم إلى كنيسة القيامة، وإن كان الحل الذي فض الخلاف أن (بوسع الرب أن يذهب حيث يشاء، ولكنه بالتأكيد لن يمضي إلى المسجد الأقصى) فإن الخلاف مؤجل لأن الأصولية اليهودية لا تعترف بالسيد المسيح، كما تفعل الأصولية الإسلامية التي تعترف بكل الأنبياء والمرسلين.

كان الإنصاف يقضي بأن يعترف وزير الخارجية الإسرائيلي كما فعل "شاحاك" (المنصف) بأن الأصولية اليهودية "ستهدد أمن العالم كله إن تمكنت يوماً من السيطرة على سياسة إسرائيل النووية".

لقد حرصنا ألا يأخذ الصراع العربي الإسرائيلي طابعاً دينياً لأننا نحترم كل الأديان ونؤمن بكتبها السماوية وأنبيائها تصديقاً لقوله تعالى "لا نفرق بين أحد من رسله" ولكننا نعتقد بأن توجيه الاتهام إلى الأصولية الإسلامية وحدها واعتبارها خطراً على العالم تزييف للحقيقة، وإغفال لخطر الأصوليات الأخرى، لأن الأصول الإسلامية هي الاعتدال والوسطية، والقرآن الكريم وأحاديث الرسول الأعظم، وسيرته الغراء متاحة لمن يريد أن يتأكد أو يتثبت، وسيجد الأدلة القاطعة على أن الإسلام في أصوله دين اعتدال وأن المسلمين أمة وسط. فأما التطرف الذي يرتدي عباءة الأصولية الإسلامية فهو خروج عن الأصول وإنكار لها، وأذكياء العالم يعرفون جيداً أن المتطرفين الذين يختطفون الإسلام صنعهم أعداء الإسلام ودعموهم وخططوا لهم كي يقدموا المبرر للهجوم عليه. ولا يغيب عن الأذكياء أن وسائل الإعلام الصهيونية وبعض العربية تسارع إلى اتهام المسلمين (بعناوين ضخمة مثيرة) بالمسؤولية عن أي انفجار أو اختطاف أو جريمة تقع دون أن تقدم دليل إدانة، وأحياناً تنشر الصحافة ذاتها بعد شهور في زاوية هامشية (تعبر عن الخوف من الأصولية الصهيونية) أن التحقيقات لم تثبت إدانة المسلمين المتهمين، أليس العالم كله ما يزال ينتظر أدلة الاتهام القاطعة على إدانة العرب والمسلمين بجريمة سبتمبر؟.

الاتحاد ـ29/9/2004

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ