مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأحد 30 / 06 / 2002م

ـ التعريف دراسات  متابعات   قراءات |  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـ

.....

   
 

متابعات

قسم الترجمة والمتابعة

هل القوة للشعـب ؟

تأثير الديموغرافيا على سياسات الشرق الأوسط

باتريك كلاوسون وإيلين ليبزون

في 18/3/2002، قام باتريك كلاوسون وإيلين ليبزون بإلقاء محاضرة في منتدى المعهد السياسي. الدكتور كلاوسون هو مدير البحث في المعهد. والسيدة ليبزون ستتسلم رئاسة مركز هنري ستمسون، لكونها أنهت مدتها كنائبة لمجلس الاستخبارات الوطني في وكالة الاستخبارات المركزية. فيما يلي تلخيص موجز عن ملاحظاتهما.

باتريك كلاوسون:

في عام /1000/، كان تعداد سكان الشرق الأوسط يبلغ حوالي 30 مليون شخص، وبقي ضمن هذا المعدل حتى عام 1800، وبين عام 1800 و1900، نما العدد بنسبة 75%. وثم بنسبة 565% في القرن العشرين، مما وصل بعدد السكان إلى 386 مليون، أو ثلاثين ضعفاً تقريباً للمعدل المستقر تاريخياً. ولكن هذا الارتفاع يقترب من نهايته. ففي العام 2025 سيكون العدد أقل مرتين مما كان عليه في عام 2000، وسيتوقف عن الارتفاع بشكل كامل مع أواخر القرن الحادي والعشرين، عندما سيصل في معدله الأعلى ليكون ضعف ما كان عليه في عام 2000. بكلمات أخرى فإن ارتفاع عدد السكان خلال ألف سنة قد تركز بشكل جوهري في فترة 150 سنة بين 1875 و2025. هذه الفترة الشاذة في نمو السكان كانت فترة اضطراب هائل اجتماعياً، وسياسياً، واقتصادياً.

من وجهة نظر ألفوية، فقد أتت هذه الانفجارات السكانية في بعض المناطق في الشرق الأوسط متأخرة، وفي بعض المناطق مبكرة، ولكن في النهاية أصبحت مطردة في المنطقة بأسرها. على سبيل المثال، فإن سكان الجزيرة العربية قد زاد عددهم من خمسة ملايين إلى تسعة ملايين في الفترة ما بين 1800 و1950 و2000. في الحقيقة ستكون الجزيرة العربية على الأرجح المنطقة الأخيرة التي ستقوم بالتخفيض، وبحلول عام 2025، فإن عدد سكان المنطقة قد يرتفع ليصبح ثلاثين ضعفاً عن مستواه التاريخي، أو على الأقل نفس المعدل الإقليمي حوالي 24 ضعفاً للمستوى التاريخي.

إن هناك استثناء لهذه النبوءة. الشعب العربي في فلسطين المحتلة، الضفة الغربية، وغزة.. لن يشهد نفس التخفيض في النمو السكاني والذي يحدث في كل مكان آخر في المنطقة.

التحول الديموغرافي:

يشهد الشرق الأوسط ما يشير إليه الديموغرافيون على أنه (تحول ديمغرافي)، والذي هو تحول باتجاه تقليل حاد في أعداد الأطفال المولودين لكل امرأة. لقد حدث تطور مشابه في أوروبا والولايات المتحدة، خلال حوالي ثلاثين عاماً أثناء القرن العشرين. هذا النوع من الانخفاض المفاجئ كان واضحاً في المنطقة. في 1980، حيث كان معدل مجموع الأطفال المولودين لكل امرأة في سورية 7.4، ولكن بحلول 1998 فإنه قد انخفض إلى 3.9. وانخفض في الجزائر من 6.7 إلى 3.5. وفي إيران من 6.7 إلى 2.7. في فضاء اثني عشر عاماً من 1986 إلى 1998، فإن عدد الأطفال الذين تمت ولادتهم في إيران قد انتصفت، فانخفض من 2.26 إلى 1.19 مليون. إن هناك تفسيرات عديدة لهذه الظاهرة، لكن التعليل الأكثر وضوحاً هو تعليم الإناث. تستخدم ما يقارب ثلث النساء العربيات وسائل التنظيم، مقارنة بنصف نساء العالم الثالث بأكمله. ولكن وسائل تنظيم المواليد ليس العامل الوحيد الذي يسيطر على معدلات الخصوبة. فبعد كل شيء، فإن معدلات الخصوبة انخفضت بحدة في أوروبا والولايات المتحدة في فترة لم يكن فيها تكنيكات فعالة من أساليب تنظيم المواليد الحديثة. بشكل عام، فقد منحت نساء الشرق الأوسط دعماً في طريق تنظيم المواليد ولكن العملية ماتزال غير مكتملة. تشارك النساء في القوة العاملة في المنطقة بحوالي ثلث معدل مشاركة الرجال. في نفس الوقت وبسبب فرص العمل الضعيفة للنساء في المنطقة، فإن الكثير منهن يبقين لفترة أطول في نظام التعليم. على سبيل المثال، فإن غالبية خريجي الجامعات في دول الخليج وفي إيران هم من النساء. وبشكل متزايد فإن الذين يمتلكون أنواع المهارات التي تحتاجها مجتمعاتهم هن نساء لا رجال.

شرق أوسط أقل شبابية:

إن الشرق الأوسط آخذ في أن يصبح مجتمعاً أقل شبابية. في عام 2000، فإن نسبة 41% من الشرق أوسطيين كانوا تحت عمر الخامسة عشرة. ولكن وفي عام 2025، فإن هذه المجموعة العمرية ستشكل ما نسبته 27% فقط من السكان. في إيران فإن 46% من الشعب الآن هم تحت الخامسة عشرة، في حين أنه وفي عام 2025 سيكون فقط ما نسبته 23% جزء من هذه المجموعة العمرية. إن صيغة المنطقة السكانية المستقبلية ستتضمن عدداً أقل من الشباب، دون حدوث زيادة كبيرة في أعمار الأكبر سناً (إن الزيادة الأخيرة ستظهر فقط بعد 2025). وهذا وضع يطلق عليه الاقتصاديون (الهبة الديموغرافية)، أي فترة تحول يكون فيها عدد أقل من الأطفال غير المعتمدين على أنفسهم، ونسبياً عدد قليل من كبار السن، وحيث يكون هناك عدد أكبر من السكان ضمن عمر العمل.

إن نسبة (العول) هي حجم عدد السكان الذين هم تحت الخامسة عشرة أو فوق الرابعة والستين؛ وهذه النسبة آخذة في الانخفاض بشكل حاد في الشرق الأوسط. في عام 1990 على سبيل المثال، كانت نسبة العول في إيران 49% مما يعني أن هناك شخص واحد معال مقابل كل شخص في سن العمل. في 2010 ستكون النسبة 30% أو أكثر كل شخصين في سن العمل يقابلان شخصاً معالاً واحداً. إن التحدي أمام المنطقة سيكون استغلال هذه القوة العاملة الممكنة كوقود لنمو اقتصادي فعال، بشكل مشابه لما حدث في أوروبا والولايات المتحدة، خلال التحولات الديموغرافية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

ولكن (الهبة الديموغرافية) بإمكانها أن تصبح كأساً مسموماً فيما لو لم يحصل الشباب على عمل. فما بين 1990 و2000، كان هناك زيادة تقدر بـ 4.8 مليون شخصاً في عمر العمل كل سنة. وبحلول 2010 على سبيل المثال، سيكون لدى إيران ضعف العدد من الأشخاص في عمر العمل مما كان لديها في 1990. إن عدد فرص العمل التي ينبغي إيجادها لمقابلة هذا النمو يمثل تحدياً كبيراً أمام المنطقة. ستستفيد بعض البلدان فائدة فعالة من هذه الفرصة، وتشهد نمواً غير مسبوق، في حين أن تلك البلدان التي لا تستطيع توفير فرص عمل لشعوبها ستشهد اضطراباً اجتماعياً هائلاً.

حتى وقت حديث فإن بلدان الشرق الأوسط، كانت تتعامل مع قضية إيجاد فرص عمل بشكل رئيسي، على أنها مشكلة توظيف حكومي. لقد كان هذا ظاهراً في أواسط عقد التسعينات، عندما شكلت الرواتب الحكومية ما نسبته 10% من إجمالي الإنتاج للمنطقة، في مقابل النسبة العالمية التي لا تزيد عن 5%. وفي واقع النمو الديموغرافي الملحوظ، فإن هذه الدول لا تمتلك الموارد الكافية لتعزيز استراتيجية كهذه. إن الحل الوحيد هو نمو القطاع الخاص، والذي يعني السماح للمستثمرين المحليين بإيجاد فرص العمل الضرورية. إن العقبة الرئيسية لهذا الحل هي العداء الذي تظهره الأنظمة الشرق أوسطية تجاه نشاط رجال الأعمال والذي يتحدى حكمهم الفاشستي.

إيلين ليبزون:

معظم صانعي السياسة لا يهتمون بالتغير الديموغرافي، ولا يبدو أنهم يركزون على الاستفادة بجدية من تنبؤات التغير الديموغرافي في الخمس عشرة سنة التالية. حتى إذا أقنع أحدهم صانعي السياسة بالاهتمام، فإن من الصعب جعل هذه العوامل مؤثرة في السياسة، لأنها تعتمد بشكل كبير على الثقافة.. وعلى الأخص الثقافة الممارسة في خصوصية البيت.

ولكن الديموغرافيا هامة على الأخص باعتبارها تعزز تنوع اهتمامات سياسية مختلفة. ويجادل الكثير من صانعي السياسة حول فيما إذا كانت الديموغرافيا، هي السبب وراء النتيجة للقلق في الشرق الأوسط. ومهما تكن الحال، فإنهم سيصنعون خيراً بالتركيز أولاً على الإصلاح الاقتصادي، وإيجاد فرص العمل المترابطين. إن هذه الرابطة هي مجال طبيعي للتدخل الحكومي، وهي حلقة لا تشكل متاهة شائكة من الحساسيات الثقافية التي يتم الإبحار عبرها. أكثر من هذا فحتى أكثر قادة الشرق الأوسط محافظة، يفهمون أن بعض صيغ المشاريع الحرة ثمينة لبلادهم. إن المقاربة الأكثر شيوعاً لهذا النوع من التدخل هو عمل الدعم.

أحد الدروس المستفادة من الحرب الجارية في أفغانستان، أن تعليم المرأة هو أكبر قوة مضاعفة أكيدة لإيجاد مناخ من التغيير الديموغرافي والاقتصادي. بشكل عام فإن المرأة المتعلمة تؤجل الحمل، وتنجب عدداً أقل من الأطفال في حياتها. أكثر من هذا فإن معظم خريجي الجامعات الجدد في الشرق الأوسط هم من النساء. نظراً إلى هذه العوامل، فربما تريد الحكومات المهتمة التركيز على البرامج الثقافية والتغييرات التعليمية كمجموعة ثانية من الخيارات السياسية. تبدو حكومة بوش أنها تعيد فتح هذا الخيار بالكلام عن اجتذاب العالم العربي بكل أبعاده، يجب أن تبدأ الولايات المتحدة بالمشاركة في تبادلات مع غير المتحدثين بالإنكليزية، والذين ليسوا من النخبة، والذين يشكلون معظم سكان الشرق الأوسط.

مجموعة ثالثة من القضايا تكمن في سياسة الهجرة. إن الديموغرافيا الموزعة في الشرق الأوسط بإمكانها أن تكون فرصة لتوفير قوة عاملة للحوض المتوسط بأكمله؛ ويستطيع هؤلاء العمال العودة بعد ذلك إلى الشرق الأوسط بمهارات رجال أعمال عظيمة. ورغم أنه في الوقت الحالي توجد مقلقات أمنية جدية بهجرة كهذه، فإن تحركاً من هذا النوع هو أحد حقائق الحياة، وهو تحرك يفي بالاحتياجات الاقتصادية الملحة. ولمواجهة هذا التحدي، تحتاج المجتمعات الغربية للاستمرار في تحسين إجراءات الحواجز لكي تضمن أن المخاطر الملازمة صغيرة قدر الإمكان، وأن المكاسب تترجح عليها إلى حد بعيد.

أخيراً، فإن القادة الغربيين يحتاجون إلى تفحص الصورة الديمغرافية كعامل في العملية السياسية، مثلها مثل عملية السلام، واتفاقيات التجارة، في حين أن رؤية بعيدة المدى قد تكون مساعدة في صنع الاستقرار للدول والأفراد وللمنطقة بأسرها.

البلدان الشرق أوسطية التي كانت أكثر نجاحاً في إدراك وتحسين وضعها الاقتصادي الاجتماعي في العقد الأخير هي المغرب، وتونس، والأردن، ومصر، ودول الخليج الصغيرة. فقد أنشأوا تغييرات تنظيمية تشريعية سهلت الاستثمارات الأجنبية ونشاط المقاولات الداخلي. رغم أنه كان عليهم أن يتعاملوا مع التقلبات السياسية والأوضاع الأمنية التي تطلبت تدخلاً حكومياً أكبر وإعادة فرض لبعض القيود، فقد قامت هذه البلدان بصنع التحسينات الأعظم.

السابق

for

S&CS

للأعلى

2002 © جميع الحقوق محفوظة     

   

ـ التعريف دراسات  متابعات   قراءات |  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـ