المجلس
الوطني للحقيقة والعدالة
والمصالحة في سورية
دمشق
، 26 حزيران / يونيو 2005
بيان
صحفي
الدم
السوري اليتيم !
خمسة
وعشرون عاما على مذبحة سجن تدمر
ولا يزال
المجرم
طليقا يبشر ... بالديمقراطية !
في مثل هذا اليوم ( 26 حزيران /يونيو ) قبل
خمسة وعشرين عاما
تعرض الجنرال حافظ الأسد
لمحاولة اغتيال بقنبلة يدوية
على مدخل قصر الضيافة الرئاسي
بينما كان يتأهب لاستقبال رئيس
النيجر سيني كونتي . وقد اتهم
تنظيم " الطليعة المقاتلة "
، المنشق عن الإخوان المسلمين ،
بالوقوف وراء هذه المحاولة
الفاشلة . وبعد بضع ساعات على
الحادثة توجه عدد من ضباط
" سرايا الدفاع " ، سرا،
إلى سجن تدمر العسكري الصحراوي
بطائرة هيليوكبتر للاجتماع
بمديره المقدم فيصل غانم
لبحث عدد من الترتيبات
اللوجستية الضرورية لارتكاب ما
سيصبح بعد ذلك في ذاكرة التاريخ
المجزرة الأكثر وحشية والجريمة
الأكثر دموية في تاريخ سورية
المعاصر !
قبل ذلك ، و فور وقوع محاولة اغتيال
الجنرال حافظ الأسد ، توجهت
سرية من وحدات " سرايا الدفاع
" المتمركزة في معسكراتها
بالقرب من المعضمية ويعفور (
جنوب غرب دمشق) إلى معتقل إدارة
المخابرات العامة
بالقرب من دوار كفر سوسة في
دمشق ، حيث كان المئات من عناصر
" الطليعة المقاتلة " و
الإخوان المسلمين معتقلين هناك
، من أجل تصفيتهم في زنازينهم
على سبيل الانتقام والثأر
لمحاولة اغتيال الجنرال . إلا أن
الحد الأدنى من الإحساس
بالمسؤولية الذي كان متبقيا لدى
مدير إدارة المخابرات آنذاك
( العميد نزيه زرير )
، والذي جعله يتصرف
كرجل دولة لا كرجل سلطة رغم
علاقته برفعت الأسد ، أفشل هذه
المحاولة وحال دون ارتكاب
المجزرة ، بعد أن نجح حراس السجن
برد عناصر " سرايا الدفاع "
على أعقابهم . وربما كان تصرف
نزيه زرير هذا ناجما عن انتمائه
الطائفي أكثر مما كان ناجما عن
إحساسه بالمسؤولية كرجل دولة !
وهكذا أصبح سجن تدمر هدفهم
" البديل " ، ولو أن
معلومات أخرى تشير إلى أن عناصر
" سرايا الدفاع " كانوا
يخططون لتنفيذ مجازرهم في
المعتقلين كليهما . غير أن سير
وقائع الأحداث خلال ذلك اليوم ،
واليوم الذي أعقبه ، لا يدعم هذه
الفرضية .
وفي وقت
مبكر من صباح اليوم التالي (
وكما جاء في اعترافات أكرم جميل
بيشاني وعيسى
ابراهيم فياض
وعلي محمد موسى الذين
شاركوا في تنفيذ المجزرة ) ، تم
جمع حوالي مئة عنصر من اللواء 40
في " سرايا الدفاع " الذي
يقوده الرائد معين ناصيف ،
واللواء 138 الذي يقوده المقدم
علي ديب ، في قاعة السينما
التابعة للواء 40 . وبعد حوالي
ساعتين من الشحن الطائفي
والأيديولوجي
وشرح طبيعة المهمة الموكلة
لهؤلاء ، تم نقلهم بسيارات
عسكرية إلى مطار المزة العسكري
حيث كانت بانتظارهم
إحدى عشرة طائرة هليوكبتر
من طراز MI-8 و MI-8T المعدلة . وكل منها يتسع لثمانية وعشرين
راكبا بأسلحتهم العسكرية
الميدانية الكاملة ، حسب موسوعة
السلاح الروسي .
وفي حوالي السادسة صباحا
توجهت الطائرات إلى مطار تدمر
العسكري ، حيث جرى توزيعهم على
عدة مجموعات مداهمة ، فيما بقيت
مجموعات أخرى في المطار . وفي
حوالي السابعة والنصف اقتحم
إرهابيو " سرايا الدفاع
" مهاجع
المعتقلين وجرى الإجهاز على
المئات منهم بالأسلحة الرشاشة
والقنابل اليدوية .
وقائع ومعلومات تنشر للمرة الأولى (*) :
كان رفعت الأسد
يعرف جيدا أنه لن يواجه
من قبل مدير سجن تدمر ،
المقدم فيصل غانم ، بمثل ذلك
الموقف الذي واجهه به نزيه زرير
. فخلال السنوات التي سبقت ذلك ،
كان رفعت الأسد قد نجح بزرع
العشرات من ضباط
" سرايا الدفاع " ، أو
الموالين لها من الأجهزة
الأمنية والوحدات العسكرية
الأخرى ، في العديد من مفاصل
الدولة الأمنية والعسكرية ،
وحتى المدنية . وكان فيصل غانم
، المنحدر من قرية الهنادي
بالقرب من مدينة اللاذقية ، أحد
هؤلاء الضباط
. وهكذا نجح مبعوثو رفعت
الأسد إليه ( وعلى رأسهم صهره ،
زوج ابنته تماضر ، الرائد معين
ناصيف ) في الاتفاق معه خلال
ساعتين على التفاصيل اللوجستية
للمجزرة ومخطط تنفيذها
الذي تضمن الحيثيات التالية
:
ـ فصل المعتقلين المنوي تصفيتهم ( ومعظمهم
من الإخوان المسلمين ، والقلة
القليلة من تنظيم البعث التابع
للعراق ) عن زملائهم
الآخرين من التنظيمات
الأخرى ، وفق لوائح اسمية جرى
إعدادها على وجه السرعة استنادا
إلى التهم
الموجودة في أضابيرهم
لدى إدارة السجن ؛
ـ وضع المعتقلين المنوي تصفيتهم في
الباحات ( = الأجنحة )
الرابعة والسادسة بشكل رئيسي .
وبالنظر لأن مهاجع هذين
الجناحين كانت
عاجزة عن استيعاب الأعداد
المنوي تصفيتها ( حوالي الألف ) ،
فقد جرى فرز ما تبقى ووضعهم في
مهاجع الباحات ( الأجنحة )
الأخرى ووضع
علامات خاصة على أبواب هذه
المهاجع لكي يميزها المهاجمون
صباح اليوم التالي عن بقية
المهاجع الأخرى ؛
ـ الاتفاق على أن يكون بدء تنفيذ المجزرة
ما بين السابعة والثامنة من
صباح اليوم التالي ( 27 حزيران /
يونيو) ؛
ـ تم تزويد " سرايا الدفاع " بأسماء
الباحات ( الأجنحة ) والمهاجع
التي تم فرز المعتقلين المنوي
تصفيتهم إليها ، مع الاتفاق على
أن يكون على رأس كل مجموعة
اقتحام رقيب " دلاّل " من
عناصر الشرطة العسكرية التي
تحرس وتدير السجن ، ليقوم
بإرشاردها إلى
بوابات الدخول التي تفصل
بين الباحات ( الأجنحة ) و تصل
فيما بينها . وقد كان من
المستحيل على عناصر سرايا
الدفاع القيام بهذه المهمة
بالدقة التي
نفذوا بها مهمتهم الإجرامية
لو لم يتم
تزويدهم بهؤلاء الدلالين (
المرشدين) ، بالنظر للتصميم
الخاص لسجن تدمر الذي يشبه إلى
حد ما خلية النحل .
حين وصلت
مجموعات الاقتحام
إلى داخل السجن بمساعدة "
الدلالين " من الشرطة
العسكرية ، قام بعض منهم
بالصعود إلى أسطحة المهاجع
المنوي مداهمتها ، حيث ألقى
هؤلاء قنابل دخانية ومسيلة
للدموع من فتحات التهوية
والإنارة ( 100 × 80 سم ) إلى
داخل المهاجع
لإرباك الممعتقلين ومنعهم
من القيام بأي رد فعل دفاعي ولو
غريزي ( رغم أنهم عزّل من أي أداة
للمقاومة ) ، في الوقت الذي كانت
مجموعات المداهمة تقتحم بوابات
المهاجع وتلقي قنابل يدوية
دفاعية ( وهي أشد فتكا من
القنابل الهجومية ) وتفتح
رشاشاتها على المعتقلين وسط
صراخ وعويل هؤلاء وتكبيرهم
ومناشدة المهاجمين بالله
وبأمهاتهم وأولادهم أن لا
يقتلوهم !! وخلال ما يقارب نصف
ساعة ، أو يزيد قليلا ، كان
المئات من المعتقلين العزّل قد
جندلوا بنيران الرشاشات
والقنابل !
كان مدير سجن
تدمر المقدم فيصل غانم
، على ما يروي
المقدم ياسر باكير وعقيد
مباحث الشرطة العسكرية ( ب . ع )
المتقاعد الآن ، على درجة كبيرة
من الخبث . ولذلك فإنه
، وفور مغادرة مبعوثي رفعت
الأسد سجن
تدمر ، قام بالاتصال برئيسه
المباشر في
دمشق العقيد رسمي العيد
، رئيس فرع الشرطة العسكرية
التي تتبع لها السجون
العسكرية الثلاثة ( تدمر والمزة
وصيدنايا ) ، من أجل الحصول على
إجازة اضطرارية لمدة ثلاثة أيام
تبدأ اعتبارا
من نهاية الدوام الرسمي ليوم 26
حزيران / يونيو 1980 . ومن المعلوم
أن هكذا إجازات يتم إرسال
مضمونها بموجب برقية هاتفية
مسجلة ، بينما يتم إرسالها
كوثيقة ورقية بالبريد العسكري
في وقت لاحق . وقد استطاع "
المجلس " الحصول على صورة عن
هذه الإجازة من قلم
إدارة السجون في فرع الشرطة
العسكرية في
منطقة القابون بدمشق ، وهي
الإدارة المسؤولة
عن جميع الشؤون الإدارية
المتعلقة بالسجون العسكرية
الثلاثة المذكورة . ( سجن المزة
أغلق في 13 أيلول / سبتمبر 2000 ) .
ولذلك ، فإن أي تحقيق محلي أو
دولي يجري في المستقبل سيكتشف
أن مدير السجن فيصل غانم لم يكن
على رأس عمله ساعة وقوع المجزرة
، وسيتم تحميل المسؤولية
لمعاونه آنذاك النقيب بركات
أحمد العش ، الذي كان مسؤولا عن
" السجن الشرقي " في تدمر ،
أي السجن الذي ينزل فيه سجناء
الحق العام من العسكريين (
جنائيون ، فارون من الجيش ...إلخ )
!! لكن أي تحقيق جاد لن يستطيع
تبرئته من المسؤولية . ذلك لأنه
سيدان بتهمة
واحدة على الأقل ، وهي التواطؤ ،
نظرا لأنه هو شخصيا من اتفق مع
مبعوثي رفعت الأسد على جميع
التفاصيل اللوجستية المتعلقة
بتنفيذ المجزرة . وأما ( النقيب
آنذاك ) بركات العش فهناك
معلومات تشير إلى أنه رفض
السماح لعناصر " سرايا الدفاع
" بالدخول إلى حرم السجن ، وهو
ما جعلهم يعتقلونه في مكتبه
تحت الحراسة بعد أن قطعوا
خطوط الاتصال الهاتفية عنه . (
وهذه المعلومة تحتاج إلى تدقيق )
.
واليوم ، بعد
خمس وعشرين سنة على اقتراف
هذه المذبحة المروعة ، لا يزال
" بطلها " السفاح رفعت
الأسد طليقا دون أي مساءلة ، ليس
لقوة نفوذه وحسب ، وليس للحماية
التي تمتع بها من قبل منافقي
ودجالي حقوق الإنسان في
الحكومات الفرنسية والإسبانية
المتعاقبة فقط ، بل ـ وهذا هو
الأهم ـ بفضل
الاستهتار وعدم الإحساس
بالمسؤولية
الذي طبع سلوك المعارضة
السورية ، وربما بفضل انتهازية
بعض أطرافها من الذين راهنوا
على المصالحة مع النظام . وقد
وصلت وقاحة بعضها الآخر مؤخرا
إلى حد التهافت على قناته
الفضائية كما تتهافت الجرذان
والذباب الأزرق على الجيف
والمراحيض !
فإلى متى يبقى
الدم السوري يتيم الأبوين
ويستصرخ ضمائرنا وشجاعتنا ، دون
مجيب ، من تحت
الكثبان الرملية التي أريق
فوقها قبل خمس وعشرين سنة !
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ يعتمد هذا البيان بشكل أساسي على
ملفات الغرفة رقم 17 في
محكمة جنح الصحافة في باريس
، التي تولت الفصل في
القضية المرفوعة من قبل
رفعت الأسد على نزار نيوف بتهمة
القذف والتشهير بسبب اتهامه
للمذكور بالمسؤولية عن المجزرة
، والتي برأته منها وحكمت له بـ
" الحق في اتهام رفعت الأسد
بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان
في سورية ( ...) نتيجة للوثائق
التي قدمها للمحكمة ولإفادات
الشهود الذين استقدمهم " كما
جاء في نص قرار الحكم . وهو ما
ثبتته محكمة استئناف باريس
بتاريخ 8 نيسان / أبريل 2004 . ولا
بد من الإشارة هنا إلى أن أحد
الدجالين والنصابين
المتعاونين مع رفعت الأسد ( وهو
مصري الجنسية ، ويدعى محمود
رفعت ) يقوم منذ عدة أشهر ،
وتحديدا منذ إعلان السفاح رفعت
الأسد عن قراره بالعودة إلى
بلاده ، بنشر أكاذيب وادعاءات
في غرف الدردشة على الانترنت ،
وعلى فضائية ANN التي يملكها
رفعت الأسد ، تقول بأنه " لا
توجد وثائق تثبت مسؤولية
رفعت عن المجزرة " . وكأنما
القضاء الفرنسي
يصدر أحكامه
في القضايا التي يفصل فيها
استنادا إلى التمائم والشعوذات
وقراءة الفنجان !
(*) ـ المعلومات المنشورة في هذا المقطع ،
وهي تنشر للمرة
الأولى ،
مأخوذة من الدفتر الثاني من "
دفاتر السجن " للصحفي السوري
نزار نيوف ، وهو بعنوان " بين
مقبرتين " . ومصدر هذه
المعلومات هو المقدم ياسر باكير
المنحدر من قرية
الربيعة في ريف حماة ، والذي
كان برتبة ملازم أول ، ونائبا
لقائد عملية تنفيذ المجزرة (
المقدم سليمان مصطفى ) في العام
1980 . وقد اعتقل ياسر باكير في
تشرين الأول / أكتوبر1999 في
سجن المزة العسكري حين شنت
السلطة حملة
اعتقالات ضد أتباع رفعت الأسد
في إطار الحملة العامة التي
طالت "
ميناء التهريب" الخاص به في
ميناء اللاذقية
في العام المذكور .
وخلال وجوده في سجن المزة
العسكري ، استطاع نزار نيوف (
الذي كان موجودا في زنزانة
انفرادية في الطابق الثاني من
السجن نفسه ) الاتصال بياسر
باكير وانتزاع
هذه المعلومات منه
عبر الحلاق ( ط . ت) الذي كان
يقيم مع ياسر باكير في مهجع واحد
، وكان الوحيد المسموح له
بالدخول إلى زنزانة نيوف بمعدل
مرة واحدة شهريا بغرض قص شعره .
|