ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 02/07/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

عيون لا تنام !

د: عثمان قدري مكانسي

أمسك بسماعة الهاتف في عصبية ظاهرة ، وطلب النقيب عدنان :

-  نعم يا سيدي العميد ، أنا النقيب عدنان ... ماذا جرى ؟

-  لقد نفد صبري ،،، أتكلم؟ أم ما يزال ساكتاً ؟

-  دقائق يا سيدي ، وينتهي كل شيء .

-  لم نجد مثله عنيداً !

-  بل كلهم يا سيدي متشابهون ،،، على كل حال .. استعملنا وسائل التعذيب كلها . ومنذ أشهر مضت حتى اغتصبنا من شفتيه ما نريد .

-  أخبرتَني يا نقيب عدنان بما يريح قلبي ، ويثلج صدري .. لقد وبخوني كثيراً ، وأنّبوني طويلاً ، فما عدت أستطيع رفع رأسي أمامهم .ففي كل لحظة يتصل بي اللواء فلان ، والمسؤول علاّن ، يسألونني عما فعلناه مع هذا الذي يسمونه " مجاهداً " وإلى أيّ مدى وصلنا معه في التحقيق ، وهل انتزعنا منه الاعترافات ، فأُسوّف ، وأعتذر ، حتى بدأوا يسمعونني قارص الكلام .. أوووف .. لقد كرهت رنين الهاتف وتقريعات هؤلاء الذين لا يدرون عن مهمّتنا المتعبة إلاّ هل؟ وإلى متى ؟ ولماذا التهاون ؟ و.و

-  يا سيدي كنْ مرتاحاً .. دقائق ، وآتيك ... لقد انتهى كل شيء .

-  أنا بانتظارك يا عدنان ..

ويضع السيد العميد السماعة ... آه .. لقد أتعبَنا هذا المجرم ... من أي نوع من الجنّ هو ؟! وكيف يتحمّل كل هذه الإهانات مع التعذيب ليلاً ونهاراً ؟!! كأن جسمه قُدّ من فولاذ أو حديد .. لو كنت مكانه لقلت ما يريدون قبل أن تمتدّ يد أحدهم إليّ .. لا أتحمّل صفعة واحدةً .. إنهم يقولون : إن الإيمان بالله ، والعمل بما يرضيه يقوّى النفس ويشحذ العزائم .. وأنا مؤمن بالله .. إلا أنني – والحق يُقال – أرتعد كلما نظرتُ إليه ، وأكاد أخرج من ثيابي إذا رنا إليّ بعينيه الصافيتين العميقتين ... وأشعر برهبة راعشة ... .. يُدَقّ الباب .

-  ادخل .

ويدخل النقيب عدنان ..

-  لقد أنهينا آخر إنجازاتنا يا سيدي ،نعم أنهيناها واستطعنا أن ننتزع منه كل ما يسيء إلى " المجاهدين " .. استعملنا معه بادئ ذي بدء اللطف والهدوء ، ومنّيناه بالحريّة ، فلم ينبس ببنت شفة ... أغريناه بمناصب كبيرة ، ومئات الألوف ..والملايين .. برصيد ضخم في البنوك الأوربية ، فلم تتحرك شفتاه .. وضعناه في الدولاب مرات و مرات – وكان الجلادون يتناوبون تعذيبه – فظل صامتاً لا تندّ عنه سوى آهات وتنهّدات خفيفة حسبناها أول الأمر استرحاماً .. لكن الغيظ أكل قلوبنا حين عرفنا أنه يقول " يا ألله " وكأن ربه سينقذه من بين أيدينا !!.. سببناه وزدنا له العذاب ألواناً فلم نفلح في تليينه ..سلطنا عليه الماء والكهرباء ، واُغمي عليه .. اشرف على الهلاك فحملناه إلى المستشفى كي لا يموت قبل الاعتراف ،، ثم عدنا إلى ألوان أخرى من العذاب .. حصل هذا أكثر من مرة .. ثم بدأ يلين ..

-  وهل اعترف بكل شيء ؟ .

-  لا ياسيدي . إنه تحدّث بأمور عامّة نعرفها منذ زمن .وذكر بإيجاز بعض ما نفّذوه .

-  ولكن يا نقيب عدنان ، لقد وعدنا الجمهور أننا سنقدم واحداً من قادة الإجرام ، ممن أساءوا للوطن وللمواطن ، وأنه سيميط اللثام عن جرائمهم ، وسيوضّح الأعمال الإجرامية بحق الأمة والقيادة الحكيمة للسيد الرئيس حامي البلد ، وقائد الأمة في ركب الحضارة إلى الأبد ...

-  نعم يا سيدي .. نعم ... لقد كسرنا له ذراعه الايمن ورجله اليسرى ، وبدأنا نلويهما ، وأخذنا نقرض جسمه بمقاريض الحديد ، و.. حتى اعترف أنه من مسؤوليهم .

-  وماذا قال عن جماعتهم ؟ هل وصفها بالخيانة والعمالة ؟ وأن أفعالها تدل على وحشية ما عرفتها القرون الخالية ؟ وأنها قتلت كثيراً من الشرفاء ، وخرّبت البلد؟

-  لقد تعبنا معه كثيراً يا سيدي ، فهو صلب المراس .. تصور أننا كنا نصب عليه الماء المثلّج ، ونردفه بالماء المغلي ، واقتلعنا ثلاثة عشر من أظفار يديه ورجليه ، وضربناه في الأماكن الحسّاسة من جسمه ، فصبر طويلاً ، وأبى أن يقول ما نريد ..

-  ولكن الرئيس – يا نقيب عدنان – الرئيس يريد لهذا المجرم أن يتحدّث في شاشة التلفاز أن جماعته مفككة ، وأن الثقة فيما بينهم معدومة ..بل هم متخاصمون يكيد بعضهم لبعض ..  أفهمت ؟ يجب أن يؤكد أنهم شراذم .. وأن يدمغهم بالرجعية والعمالة للاستعمار .. وأن قادتهم يعملون لمصالحهم الشخصية .. هكذا يريد السيد الرئيس القائد .

-  لا تتعجّلْ يا سيدي .. الأمر لا يتأتّى بهذه السهولة فأمثال هذا لا يرضخون فوراً كما يفعل غيرهم ، ولو رُضخت رؤوسهم بالحجارة ، وهشّمت عظامهم بالحديد ....

-  ماذا تقول يا نقيب عدنان ؟! ألم تذكر أن الأمر انتهى؟!

-  لم أكمل بعد حديثي يا سيدي .. ما قلتُه لك كان في بداية الأمر .. ثم إنك يا سيدي قاطعتني . ولو أنك ضبطت أعصابك لسمعتني أقول بعدها : إن التفنن في العذاب الذي قام به الخبراء الأجانب الذين استقدمناهم خصّيصاً للعذاب – وقد تعلمنا منهم كل شيء ثم فقناهم في أساليبهم – جعلنا نستخلص منه ما نشاء .. كنا نغتنم وعلى مدى خمسين يوماً فرص الاتهيار النفسي والفكري . ونأمره تحت ضغط التعذيب الذي لا ينقطع أن يقول مانريد ، ثم جمعنا اللقطات المناسبة ليظهر أمام المشاهدين كأنه لقاء واحد .

-  ولكن كيف تلافيتم وضعه الجسمي ؟.. أقصد تشويهات جسمه ، وكسر يده ورجله ، والكدمات في وجهه ، والبقع السوداء المنتشرة هنا وهناك؟

-  لا تقلق يا سيدي .. فنحن نعجبك .. لقد ألبسناه ثوباً فضفاضاً يخفي معالم جسمه ، وطلينا وجهه بمساحيق التجميل ..

لقد دبّرنا الأمر ياسيدي .. وأرجو أن نكون أفلحنا في تلميع الصورة .. صحيح أننا تعبنا كثيراً في تحَيُّن الفرص لالتقاط المشاهد على فترات متقطعة على مدى خمسين يوماً ، وحذفنا بعضها واستعنا بأفضل المصورين ، وتفننا في الإخراج إلا أننا متأكدون أنها ستمر على المشاهد دون أن يلحظها . وان السيد الرئيس سيكافئنا على جهدنا القوميّ العظيم ! في تبيان " الوجه الناصع " لحكمه الميمون ، والقضاء على الحركات الرجعية التي تريد إعادتنا إلى الحياة في ظل التحجر والجمود ..

طب نفساً يا سيدي ، فنحن أهل ثقتك ورضاك .

والآن .. ما رأيك بليلة حمراء تنسينا ما بذلناه من جهد ومشقة مضنيين ..ياسيدي العميد...!

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ