بسم الله الرحمن الرحيم
بيان
مجلس شورى جماعة الإخوان
المسلمين في سورية
في ختام دورته العادية
الأولى (آب 2006)
يا أبناء أمتنا المجيدة.. يا
جماهير شعبنا السوريّ الأبيّ..
بينما تعصف الأحداث بمنطقتنا،
وتتلاقى النكبات على شعوبنا من
فلسطين إلى العراق إلى لبنان..
وبينما يحدق الخطر بقطرنا،
وتتهدّده أشكال من المخططات
الخارجية.. وبينما أرضنا
المحتلة في الجولان ما تزال في
يد العدو الغاصب منذ أربعين
عاماً.. ما يزال النظام العائليّ
المتسلّط في دمشق متخندقاًً
وراء مصالحه ونزواته، مصرّاً
على سياسات الاستبداد والفساد..
وما يزال شعبنا بكلّ مكوّناته،
يعيش ألوان القهر والظلم، وما
تزال الملفات الإنسانية
الراعفة لعشرات الألوف من
المعتقلين والمفقودين
والمهجّرين.. مفتوحةً تشهد على
ظلم النظام وتعنّته وعدم
مبالاته.. وما يزال سرطان الفساد
ينتج لشعبنا المزيد من الحاجة
والفقر والحرمان، والمزيد من
القهر والشعور بالغبن،
والتجاوز على الحقوق، فيدفع
العقول النيّرة والسواعد
القوية إلى النزوح عن وطنٍ هو في
أشد الحاجة إليها.. وما يزال
النظام المتهالك على السلطة
وعلى المال العام ينتج المزيد
من البطالة والجهل والانهيار في
كل الميادين: في التعليم،
والصحة، وفي غذاء الوطن ودوائه
على السواء..
يا أبناء أمتنا المجيدة.. يا
جماهير شعبنا السوريّ الأبيّ..
أربعون عاماً وما يزال الجولان
الأسيرُ يئنّ، وجيشنا البطل
تحولُ بينه وبين أداء واجبه
سلطةٌ قاهرة،ٌ حوّلت الوطن إلى
مزرعة للزمرة الحاكمة، وإلى
سجنٍ كبيرٍ للمواطنين.. ووسائل
الإعلام التي ينبغي أن تكون
العينَ الكاشفةَ تتتبّع الخللَ
وتُعَرّيه.. ليست أكثرَ من بوقٍ
لأصحاب الدعاوى والادعاءات
والمزاودات، الذين آثروا أن
يتاجروا بالمقاومة بدل أن
يصنعوها، وأن يصفّقوا لها بدل
أن يقودوها، وأن يتحدثوا عن
الأرض المحتلة بدل أن يحرّروها.
فلسطين جرح نازف، والإنسان
الفلسطينيّ يُذبَح تحت سمع
العالم وبصره، ولبنانُ
المقاومُ الذي أسقط ذرائع
النظام المتهالك.. دُمِّرَ فوق
رأس أهله، ولم نسمع من حكام
سورية غير الصراخ!.. والعراق
الشقيق تحت سنابك الاحتلال أصبح
مسرحاً لفتنةٍ طائفيةٍ لم تغب
عنها أصابع النظام.
إنّنا في مجلس شورى جماعة
الإخوان المسلمين في سورية،
نطالب بتغييرٍ وطنيّ، يعيدُ
لشعبنا السوري حقوقَه
المغتَصَبة، ويقودُ عملية
تغييرٍ شاملٍ تُعيد إلى سورية
مكانتها.. ونطالب بموقفٍ وطنيّ
وموقفٍ عربيٍّ، يضعُ حداً لهذا
الاستهتار العالمي بحقوق
أمّتنا ودماء شعوبنا، ويوقفُ
مسيرة القتل الذي أصبح خبزَنا
اليومي، تطالعنا فيه صور
أطفالنا ونسائنا مقتولين أو
مشرَّدين صباحَ مساء..
إننا مع حق شعبنا الفلسطيني
الثابت في تحرير أرضه المغتصبة،
وإقامة دولته المستقلة، وحقه في
العودة إلى دياره، ومع حقه
الثابت في خياره الوطني
الديمقراطي، وحقه في الحياة
الحرة الكريمة.
إننا إذ نحيّي الشعب اللبنانيّ
ومقاومته الباسلة، وما أبداه في
مواجهة العدوان من وحدةٍ وطنيةٍ
وتماسكٍ وصبرٍ وثبات، نؤكّد
أننا مع لبنان ووحدته واستقلاله
وسيادته، ومع وحدة قراره
الوطني، وضدّ كلّ أشكال التدخّل
في شئونه، وفي العلاقات بين
مكوّناته.
نطالب بجلاء الاحتلال عن العراق
الشقيق، ونؤكّد على وحدة أرضه
وشعبه، ونستثير في ضمائر
الأشقّاء الأكراد على أرض
العراق دورَ الناصر صلاح الدين،
الذي عزّزَ الوحدة، وحرّرَ
الأرض، وتصدّى للغازي.. ونرفضُ
الفتنةَ الطائفية، وندينُ
بشدةٍ كلّ من يسعى إليها أو
ينفخُ في نارها أو يسكتُ عنها.
لقد آن لهذه الأمة التي تؤمن
بربٍ واحد، وبكتابٍ واحد،
وتنقاد لنبيٍ واحد.. أن تخرجَ من
فتنة (صفين) ومن ثارات (كربلاء).
إن مجلس شورى جماعة الإخوان
المسلمين في سورية، ليأملُ أن
يكون القائمون على الأمر في
جمهورية إيران الإسلامية، على
مستوى المسئولية التاريخية،
وأن يضعوا مصلحة الأمة في هذا
المعترك الصعب فوق كل اعتبار..
وإننا مع تأييدنا لحق أشقّائنا
في إيران في امتلاك وسائل القوة
العلمية وأسباب التطور التقني..
لنشعر بالقلق من بعض المواقف
والتصرّفات، التي تبعث على
الريبة والتوجّس.. تصرّفاتٍ
بعضها يجري على أرض العراق،
وأخرى على أرض سورية، وثالثة
على أرض لبنان.. إن تأييدَنا
لكلّ تقاربٍ عربيٍ وإسلاميٍ
لتكوين اللحمة الواحدة، يصاحبه
قلقٌ كبيرٌ من سياساتٍ تقود
سورية في إطار محورٍ (سوريٍ -
إيرانيّ)، بعيداً عن عمقها
العربيّ الذي هو أساسُ وجودها
الاستراتيجيّ الحقيقيّ.
إن ما ورد على لسان بشار الأسد،
في خطاب ما بعد حرب لبنان
الأخيرة، بحقّ الأشقّاء العرب،
وبحق بعض القوى اللبنانية.. لم
يثر استياءنا واستهجاننا فحسب،
وإنما أثار قلقنا وخوفنا أيضاً،
من أن يقود هذا المحورُ بلدَنا
إلى الانسياق أكثر وراءَ
السياسات الطائفية الفئوية،
التي لم تندمل جراحها حتى اليوم.
إن مجلس شورى جماعة الإخوان
المسلمين في سورية، وهو يشدّد
على حقيقة الوجود الاستراتيجي
الحيّ للأمة العربية.. يتلمّس من
الأشقّاء العرب في جميع
الأقطار، من الحكومات والنخب
العربية.. أن يجعلوا معاناة
شعبنا في سورية، وما يعيشه من
محنة، وما يهدّده من خطر قيادةٍ
نزقةٍ منغلقةٍ ضيقة.. في رأس
اهتماماتهم، فالشعب السوريّ
يستحق حياةً أفضل، وهو قادر على
صنع مستقبلٍ أجمل.
إنّ المأمول من النخب العربية أن
تعيَ حقيقةَ موقفها، وأن تعتبرَ
بدروس التاريخ القريب، وأن
تتذكّر خطاباً طالما سمعناه
عشيةَ حرب السابعة والستين، أو
عشيةَ سقوط عاصمة الرشيد.. إنّ
الممانعةَ الحقيقية لا يمكن أن
تقومَ على الظلم والاستبداد،
ولا على قهر الشعوب وأشلاء
القتلى وأنين المعتقلين. إن
الممانعةَ الحقيقيةَ إنما
تقومُ على الوحدة الوطنية، وعلى
حرية الشعب ومشاركته في تقرير
مصيره، وعلى رفع الظلم والضيم
عن الناس.
إننا في مجلس الشورى، نتطلّع إلى
عالمٍ رحبٍ تسوده الحرية ويسوده
الحب.. عالمٍ يؤمن بالحوار
والتعارف، ويرفض الاحترابَ
بكلّ أشكاله وألوانه ومصادره،
وإنّ أخطر مصدرٍ له هو إرهاب
الأقوياء المدجّجين بوسائل
القدرة المادية، التي تدمّر
المدنَ وتدفنُ الأطفالَ
والنساءَ والشيوخَ تحت الأنقاض..
عالمٍ لا يستأثرُ فيه نفرٌ
قليلٌ بثروة الأرض وإمكاناتها.
يا أبناء شعبنا الحر الأبي.. لقد
أخذت جماعتنا على عاتقها منذ
تأسيسها قبل ستين عاماً، إحياءَ
دعوة الإسلام، التي هي دعوةٌ
للعدل والقوة والحرية
والمساواة والأمن.. كما هي دعوةٌ
للتوحيد، أخذت على عاتقها منذ
أول يومٍ قامت فيه، مهمةَ
التجديد الإسلامي، فأسهمَتْ في
تصحيح العقائد وتقويم المواقف،
وحاربت البِدَعَ والتقاليدَ
البالية، فعزّزت الموقف
الحضاريّ المنفتح على الحياة
والعلم، والأخذَ بأسباب القوة،
ووقفت إلى جانب المستَضعَفين
ودافعت عن حقوق المظلومين..
وناصرت المرأة، وأماطَتْ عن
العقول كثيراً من الجهل الذي
رانَ عليها باسم الإسلام.. كما
تصدّتْ لكلّ أشكال الغزو
الخارجي، ودافعت عن هوية الأمة،
وصيانة شخصيتها، وتعرّضَتْ في
سبيل ذلك إلى ما تعرّضتْ له من
محنةٍ وعذاب، وقتلٍ وتشريد، فما
لانت لها عزيمة، ولا تصدّعتْ
لها قناة.
لقد تابع مجلس شورى الجماعة في
دورته العادية الأولى، أعمالَ
القيادة التنفيذية، فناقشَ
وسدّدَ وقارب، وأكّد
استراتيجيةَ الاعتدال
والانفتاح على القوى الوطنية،
التي تنتهجُها القيادة، والتي
عبّرتْ عنها الجماعةُ في ميثاق
الشرف الوطنيّ، وفي المشروع
السياسيّ لسورية المستقبل،
وأقرّ الخطوات السياسية
المنبثقة عنها، وفي مقدمتها
التوقيعُ على (إعلان دمشق
للتغيير الوطني الديمقراطي)،
وتشكيلُ (جبهة الخلاص الوطنيّ)،
وأقرّ (رؤية الجماعة للمستقبل)
التي عرضَتْها القيادة، وأعادَ
انتخابَ فضيلة الأخ علي صدر
الدين البيانوني مراقباً عاماً
للجماعة، وأقرّ القيادة
الجديدة التي شكّلها، لتستمرّ
مسيرةُ العطاء والسعي الحثيث
إلى سورية التي نريد جميعاً.
إننا في مجلس شورى الجماعة،
لنتطلّع إلى مستقبلٍ تكون فيه
سوريةُ لكلّ أبنائها، وتكون فيه
المواطنةُ مناطَ الحقوق
والواجبات.. نتطلّع إلى مستقبلٍ
وطنيٍّ زاهر، ينتفي فيه الظلم،
ويسودُ الوفاقُ الوطنيّ،
وترفرفُ عليه رايةُ العدل
والحرية. (وقل اعملوا فسيرى الله
عملَكم ورسولُه والمؤمنون..).
والله أكبر ولله الحمد.
1/9/2006
مجلس الشورى
|