بسم
الله الرحمن الرحيم
رسائل المراقب العام –
الرسالة الخامسة والعشرون
بمناسبة ذكرى مولد الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم
12
من ربيع الأول 1427 الموافق 11 من
نيسان 2006
من
المراقب العام للإخوان
المسلمين في سورية إلى إخوته وأخواته
أبناء جماعة الإخوان المسلمين،
وإخوانهم وأنصارهم وأصدقائهم
حَمَلة دعوة الإسلام في كلّ
مكان.. السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته، وأحمد الله إليكم،
وأصلّي وأسلّم على حبيبنا
وقُدوتنا سيّدنا محمدٍ سيّد
المرسلين، وإمام المتقين، وعلى
آله وأصحابه الغرّ الميامين،
ومن سار على دربهم واهتدى
بهَدْيهم إلى يوم الدين.. وأسأله
- سبحانه وتعالى - أن يثبّتَ
قلوبَنا على دينه، ويسدّدَ
خطانا على طريقِ دعوته،
ويزيدَنا حباً فيه واعتصاماً
بحبله، وأن يعينَنا على حمل
المسئولية، وأداء الأمانة،
ويرزقَنا الإخلاصَ في القولِ
والعمل، إنه أكرمُ مسئول..
أما
بعدُ أيها الإخوة الأحبة
والأخوات: فإنه تُطلّ علينا في
هذا اليوم الأغرّ، ذكرى ولادةِ
سيّد البشر محمدٍ صلّى الله
عليه وسلّم، الذي أرسله الله
رحمةً للعالمين، وبعثه في هذه
الأمة لتكونَ به خيرَ أمةٍ
أخرِجت للناس، فأدّى الرسالة،
وبلّغَ الأمانة، ونصحَ الأمة،
وجاهدَ في الله حقّ جهاده.. فما
أحرانا أيها الأحبة - وقد
اتخذناه قائداً وقدوة - أن نعيشَ
في هذه الذكرى العطِرة، مع
قبساتٍ من نور النبوة، نتزوّدُ
منها ما يُحيي قلوبَنا، ويجدّدُ
إيمانَنا، ويقوّي عزائمَنا،
لنتابعَ السيرَ معه - صلّى الله
عليه وسلّم - على طريق الدعوة
إلى الله.. قل هذه سبيلي أدعو
إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن
اتبعني، وسبحان الله وما أنا من
المشركين.
كَمْ
نكونُ أوفياءَ لهذه الذكرى.. إذا جدّدنا العهدَ مع
صاحبها - عليه الصلاة
والسلام - أن نتابعَ السيرَ
على طريقه، فلا تغرّنا
الأمانيّ، ولا تخدعنا
المغريات،
ولا تصرفنا عنه المحنُ
والابتلاءات، مستذكرينَ موقفَ
هذا الرسول العظيم: والله يا
عمّاه؛ لو وضعوا الشمسَ في
يميني، والقمرَ في يساري، على
أن أتركَ هذا الأمر، ما تركتُه
حتى يُظهرَه الله أو أهلكَ دونه!..
متأسّين بمنهجه الربانيّ: اللهمّ
إن لم يكن بك سخطٌ عليّ فلا
أبالي.. مستحضرين قولَ الله
سبحانه: إن الذين يبايعونك
إنما يبايعون الله، يدُ الله
فوقَ أيديهم، فمن نكثَ فإنما
ينكُثُ على نفسه، ومن أوفى بما
عاهدَ عليهُ اللهَ فسيؤتيه
أجراً عظيما.. فلا نبخلُ على
هذه الدعوة بشيءٍ مستطاع، من
رأيٍ ومشورة، أو وقتٍ وجهدٍ
ومال.. لتستمرّ القافلةُ
الخيّرةُ التي حملت هذه
الرسالةَ قولاً وعملاً وسلوكاً،
بالكلمة الطيبة، والموقف
الشجاع، والأسوة الحسنة..
كَمْ
نكونُ أوفياءَ لهذه الذكرى.. إذا أدركْنا أنّ شرفَ
الانتساب لهذا النبيّ الكريم،
لا يحوزُه إلاّ من التزمَ بنهجه
القويم، فهما خطّان متلازمان
على صعيد الفرد والجماعة، وإن
تتولّوا يستبدلْ قوماً غيرَكم،
ثمّ لا يكونوا أمثالَكم.. إذ
لا يمكنُ أن يحملَ هذا الشرفَ من
ليس أهلاً له، ممنّ قد يُقالُ في
حقّه يومَ القيامة: إنك لا
تدري ما أحدثوا بعدَك!.. والله
عزّ وجلّ يقول: قل إنْ كنتم
تحبون الله فاتبعوني يُحببْكم
اللهُ، ويغفرْ لكم ذنوبكم،
والله غفورٌ رحيم. ويقول: ومن
يطع الرسولَ فقد أطاعَ الله. ويقول
أيضاً: وما آتاكم الرسولُ
فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا.. وسيدُنا
رسولُ الله صلّى الله عليه
وسلّم يقول: من أطاعني فقد
أطاعَ الله، ومن عصاني فقد عصى
الله. ويقولُ أيضاً: ما
أمرتُكم به فأتوا منه ما
استطعتم، وما نهيتُكم عنه
فاجتنبوه. وكيف سيكونُ
موقفُنا بين يدَي الله عزّ وجل،
عندما يقفُ رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم شهيداً علينا؟. فكيف
إذا جئنا من كلّ أمةٍ بشهيدٍ، وجئنا
بك على هؤلاء شهيدا؟. يومَئذٍ
يودّ الذين كفروا وعصَوا الرسول
لو تُسوّى بهم الأرض، ولا
يكتمون الله حديثا.
كَمْ
نكونُ أوفياءَ لهذه الذكرى.. عندما نتحقّقُ بقول الله
عزّ وجلّ : لقد كان لكم في رسول
الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو
الله واليومَ الآخرَ وذَكرَ
الله كثيرا، ونحن نعلمُ أنه -
صلّى الله عليه وسلّم - كان
خلُقُه القرآن، وأنّ
التأسّيَ به يعني - فيما يعني -
تقصّيَ هَدْيه، واتباعَ سنّته،
وأن نجعلَ من سيرته - صلّى الله
عليه وسلّم - دليلَ عملٍ،
وأنموذجَ سلوكٍ، ومرجعاً
لاستنباط فقه الحركة، ورباطاً
قوياً يشدّنا إلى هذا النبيّ
الكريم، ويدفعُنا إلى التأسّي
به، في خلُقه وعمله وعبادته
ودعوته وجهاده.. وأنّ نقطةَ
البدء هي أن تكونَ لدينا
القناعةُ الإيمانيةُ بوجوب
التأسّي بصاحب الذكرى، وقد قام -
صلّى الله عليه وسلّم - بأمر
الدعوة، بالموعظة الحسنة،
والعمل المتواصل والجهاد..
متّبعاً ما يوحَى إليه من ربّه،
مستقيماً على الطريقة التي شرعَ
الله، ففتحَ لهذه الدعوة
مغاليقَ النفوس بحُسن الخلُق
وحُسن الأسوة.. فمكّنَ لها في
الأرض، وهذه سيرتُه العطِرةُ
بين أيدينا، دعوةً واضحةَ
المعالم، مُشرقةَ الآفاق،
حافلةً بالعملِ والصبرِ
والمصابرةِ والجهاد، وممارسةِ
الحياة بشتّى ألوانها ومناحيها..
وهلْ سيرتُه العطِرة - صلّى الله
عليه وسلّم - إلاّ تطبيقٌ عمليّ
للإسلام؟..وبحرٌ زاخرٌ من
العطاء؟. أفلا نغترفُ من هذا
البحر الزاخر؟.
كَمْ
نكونُ أوفياءَ لهذه الذكرى.. إذا رجعنا إلى أنفسنا
نتحسّسُ حقيقةَ الحبّ الذي
تُكنّه قلوبُنا لصاحب الذكرى
صلّى الله عليه وسلّم، ونحن
نعلمُ أن محبتَه ليست مجرّدَ
ادعاء، إنما هي طاعةٌ واتباع: لو
كان حبُّك صادقاً لأطعتَه
إن المحبّ لمن يحبّ مطيعُ.
كما نعلمُ أنه لا
يكتملُ إيمانُ المرء حتى يكونَ -
صلّى الله عليه وسلّم - أحبَّ
إليه حتى من والده وولده ونفسه
التي بين جنبيه والناس أجمعين..
ولا يذوقُ حلاوةَ الإيمان إلاّ
أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ
إليه مما سواهما.. وعندئذٍ فقط
نحسّ بالطمأنينة، ونسعدُ
ببشارة الرسول صلّى الله عليه
وسلّم: المرءُ مع من أحبّ.. وكيف
لا تمتلئُ قلوبُنا بمحبة هذا
النبيّ العظيم، وهو الذي قال
عنه الحقّ جلّ جلاله: لقد
جاءكم رسولٌ من أنفسكم، عزيزٌ
عليه ما عنتّم، حريصٌ عليكم،
بالمؤمنين رءوفٌ رحيم؟. وقال
أيضاً: وما أرسلناك إلاّ رحمةً
للعالمين؟. والمحبةُ
الصادقةُ هي التي تجعلُ القلبَ
متعلّقاً بهذا الرسول الكريم،
تعلّقاً يدفعُ صاحبَه إلى
الاقتداء والتأسّي والالتزام..
فالمسلمُ الذي لا يعيشُ الرسولُ
- صلّى الله عليه وسلّم - في
ضميره، ولا يقتدي به في حياته
وسلوكه، لا ينفعُه أن يدّعيَ
محبّته، أو أن يحرّكَ لسانَه
بالصلاة عليه ألفَ مرةٍ كلّ يوم..
أيها
الإخوة الأحبة والأخوات.. إن التكريَمَ الصادقَ
للرسول صلّى الله عليه وسلّم في
ذكرى مولده، أن نحييَ هذه
الذكرى في قلوبنا ونفوسنا،
فنتدبّرَ قرآنَنا الذي جاءنا به
من عند الله، ونتّبعَ سنتَه،
ونهتديَ بهَدْيه، وندرسَ
سيرتَه العطِرة بوعيٍ وفهم،
نستلهمُ منها الهُدى والرشاد،
والعلمَ والعمل، والتضحيةَ
والثبات.. ونطالعَ سيرةَ أصحابه
الغرّ الميامين، لنتعلّمَ منهم
كيف يكونُ الانقيادُ
والاتّباع، وكيف يُتحَمَّل
الأذى ويُستعذَبُ العذاب،
وتُبذَلُ الأموالُ والمهجُ
والأرواحُ في سبيل الله،
لإعلاءِ كلمته، ونُصرةِ دينه..
أيها
الإخوة الأحبة والأخوات : تُطلّ علينا هذه الذكرى
المجيدة، ونحن أحوجُ ما نكون
إلى إدراكِ حقيقةِ معنى هُتافنا
الدائم: الله غايتُنا،
والرسولُ قدوتُنا، وهي ذكرى
جديرةٌ أن تحرّكَ فينا العزائم،
وتوقظَ فينا الهمم، وتدفعَنا
إلى وقفةٍ واعيةٍ مع الذات،
ومراجعةٍ جريئةٍ للحساب، تضعُ
أصابعَنا على مكامن القوة
والضعف، والخطأ والصواب،
وتنقلُنا إلى عهدٍ جديدٍ مع
رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم، يحملُنا على التقويم
والإصلاح، والعمل والمثابرة
والإنجاز..
ونحن
إذ نذكرُ محمدَ بن عبد الله -
صلّى الله عليه وسلّم - في يوم
مولده، شاهداً ومبشّراً
ونذيرا، وداعياً إلى الله
بإذنه، وسراجاً منيرا، ورسولاً
معلّماً هادياً، وشفيعاً
رءوفاً رحيماً.. لندعو أنفسَنا
وإخوانَنا وأحبابَنا إلى هذه
النقلة النوعية، في الفكر
والعمل والسلوك، وإلى محبة الله
ورسوله، ذلك أنّ حَمْلَ
الرسالة، إنما هو قولٌ وعمل،
وعقيدةٌ وجهاد، وسلوكٌ
وممارسةٌ للحياة، ضمنَ منهجٍ
منضبطِ المقدّماتِ والنتائج..
وأن الله عزّ وجلّ لا يغيّرُ ما
بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم..
وذلك هو برهانُ صدق الدعوى،
وعنوانُ الإرادة، وإعلانُ
الخطوة الحازمة لبناء أنفسنا
وتاريخنا من جديد..
فإلى
العمل أيها الإخوة الأحبة
والأخوات.. وإلى سيرة رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم، نقتبسْ من
هَدْيها ما يُنيرُ لنا معالمَ
الطريق، لنريَ اللهَ ورسولَه من
أنفسنا خيرا، متجاوزين معاً كلّ
العقبات، صابرين محتسبين، غيرَ
عابئين بالصعوبات والتهديدات،
مستذكرينَ قولَ سيدنا وقائدنا
محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم: بدأ
الدين غريباً، وسيعودُ غريباً
كما بدأ، فطوبى للغرباء.. متدبّرينَ
قول الله عزّ وجلّ: وكأيّنْ من
نبيٍّ قاتلَ معه رِبّيّون كثير،
فما وهَنوا لما أصابهم في سبيل
الله، وما ضعُفوا وما استكانوا،
والله يحبّ الصابرين. وما كان
قولَهم إلاّ أن قالوا: ربنا
اغفرْ لنا ذنوبنا وإسرافنا في
أمرنا، وثبّتْ أقدامنا،
وانصرنا على القوم الكافرين،
فآتاهم الله ثوابَ الدنيا
وحُسنَ ثوابِ الآخرة، واللهُ
يحبّ المحسنين.
والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم:
أبو أنس
لندن
في 12 من ربيع الأول 1427 الموافق 11
من نيسان 2006
|