تحليل سياسي
23/5/2006
هل
يهدم شمشون سورية معبدها!!
نظام
سورية والخيار الأخير
زهير
سالم*
القرار
1680 الصادر عن مجلس الأمن هو رديف
أو مكمل للقرار 1559. بلا سابقة
يراه المسؤولون السوريون!! أن
يفرض مجلس الأمن على دولة إقامة
علاقات دبلوماسية مع أخرى!!
وسابقةً خطيرة يرونه من جهة
أخرى، فماذا يمنع إذاً أن تتكرر
السابقة، فيفرض مجلس الأمن على
سورية أو على غيرها أن تقيم
علاقات دبلوماسية مع إسرائيل
قبل أو بعد التسوية الشاملة؟!
القرار
1680 غير مثير للقلق لمضمونه.
وإنما هو كذلك بتوقيته ودلالاته.
امتناع روسيا والصين عن التصويت
لا يعني تأييداً للموقف السوري،
بل يعني تمريراً للقرار،
واكسابه الشرعية الدولية.
وسورية في موقف يفرض عليها
الإشادة ولو بالقليل الذي تحظى
به ممن تعتبرهم حلفاءها.
يتزامن
القرار 1680 مع اقتراب صدور تقرير
المحقق البلجيكي سيرج
براميرتز. بصمت غير مسبوق يعمل
براميرتز. ربما يكون السوريون
هم الأكثر معرفة وترقباً لما
سيحتويه تقريره. وإذا كان
القرار 1680 مرّ بإجماعية دولية،
فإن إدانة من سيتهمه التقرير
سيصدر بإجماعية دولية. وانغماس
مجلس الأمن الدولي في تشكيل
المحكمة الدولية التي ستعنى
بمحاكمة (المتهمين) وليس (المدانين)،
وينبغي هنا أن نلحظ الفرق، يسبب
قلقاً لسورية أكثر مما يسببه
القرار 1680. هناك إجماع دولي على
ضرورة محاكمة المشتبه بهم أو
الأظناء في قتل الحريري. مسؤول
روسي رسمي يصرح بوضوح أثناء
استقباله لسعد الحريري: يجب
محاكمة المسؤول عن الاغتيال لأي
بلد انتمى وبأي منصب احتمى.
وللعبارة الأخيرة دلالاتها بلا
شك. (سعد الحريري) بعد أن استوثق
من مواقف حلفائه المتقدمين في
الغرب انتقل إلى القواعد
الخلفية التي يرتكز عليها
المسؤولون السوريون. زيارته
لموسكو والتطمينات التي حصل
عليها يجب أن تأخذ بالحسبان،
وأن تثير قلق السوريين أيضاً.
المثل
العامي في الشام يقول (جاءك
الموت يا تارك الصلاة) فهل
يتلبس الرئيسَ بشار الأسد هذا
الشعورُ؟! يبدو أن الإدارة
الأمريكية تلعب لعبة الموت هذه
المرة بطريقة مختلفة عن تلك
التي مارستها في العراق. وفي حين
يرى نظام دمشق أن الأنشوطة تضيق
بلطف حول عنقه، فإنه يحاول أن
يتملص منذ فترة من حبل الموت،
يغريه ويطمعه حظوة قديمة كانت
له، وتردد يلحظه في موقف
الأخرين، يدعمه الإرباك الذي
يجري على أرض العراق، وقناعة
الآخرين ـ عرب وعجم ـ بعدم نضج
البديل المقبول على الساحة
السورية!! يقال إن غازي كنعان
لقي حتفه فقط لأن البعض ذكره
كبديل!! ومؤكد أن تحالف خدام
والإخوان تحت مسمى جبهة الخلاص
قد خلع قلب النظام، فأخرجه عن
الاتزان.
ينظر
النظام إلى المحور الدولي
المناوئ لواشنطن والذي راهن
عليه طويلاً كقشة تمتد إليها يد
غريق. خسر النظام منذ فترة مبكرة
فرنسا كحليف استراتيجي ومن
ورائها أوروبة؛ وتجربة صدام
حسين مع كل من روسيا والصين على
عمقها الاقتصادي لا تشجع أحداً.
بل إن تجربة النظام نفسه من خلال
القرارين 1559 و1680 تجعله يتلمظ
المرارة مبدياً إعجابه
بحلاوتها.
وعلى
الصعيد العربي يتكئ النظام بلطف
على كل من القاهرة والرياض.
واللتان تدافعان عنه في إطار
رؤية إقليمية للدفاع عن الذات.
وعلى الرغم مما يشوب هذه الرؤية
من ضبابية فإن لكل من الحكومتين
حسابات تاريخية ومستقبلية تجعل
النظام يئن ويشتكي باستمرار.
فالملك عبدالله وحسني مبارك
يريان في بشار الأسد موضع دعم
مشروط بنصائح هي في حقيقتها
أوامر. طبعاً لم تصل هذه النصائح
بعدُ إلى منطقة علاقة النظام
بإيران، أو إلى ما تعانيه
الحياة العامة في سورية من ظلم
وفساد.
إيران
هي الشقيق الحقيقي الأكبر
للنظام. وإيران (الإسلامية) التي
حاربت وعادت طويلاً البعث
العلماني في العراق، ارتبطت
بالبعث العلماني في سورية، منذ
قامت، لأسباب لا تخفى. تنشد
إيران دائماً في حضرة النظام (كلنا
في الهم شرق..). ولكن للأعمدة
المتساندة في السياسة أيضاً
مكانتها. يتساءل البعض هل الحلف
الإيراني ـ السوري نقطة قوة أو
نقطة ضعف بالنسبة للنظام؟ هو
قوة مرحلية تظهر النظام أكثر
قدرة على البقاء ولو إلى حين.
يشكل
الإرباك التي تحدثه المقاومة
العراقية للأمريكيين، وكذا فوز
حماس ببرنامجها في فلسطين، إلى
جانب التمايز الواضح والحاد بين
أنصار النظام وأعدائه على
الساحة اللبنانية؛ بعض نوافذ
التنفس للنظام. ينضاف إليها
عملياً موقف سوري وطني ينفرز
تلقائياً في مواجهة أي تدخل
خارجي. وهو موقف يعمل النظام على
تفتيته برعونته أو بسذاجة عمياء.
سيناريوهات
وخيار..
السيناريو
الأول المتصور لنهاية النظام،
أن يمعن النظام في سياسات
الإشغال والتشاغل (المطاولة).
مراهناً على الزمن، وعلى
المتغيرات، وعلى بروز قوى تشفع
له في اللحظة الأخيرة. وهو يرى
أن العمود الأخير الذي يمكن أن
يؤول أمره إليه مازال بعيداً.
عمل النظام على هذا السيناريو
لسنوات. الذي يعزز هذا
السيناريو ويعطي النظام الأمل
كما قلنا من قبل عدم قناعة
العالم بالبديل. والخوف من
الفوضى. والذي قطع الطريق على
هذا السيناريو بشكل جزئي وجود
جبهة الخلاص، بنائب متمرس لرئيس
الجمهورية قضى في السياسة
الخارجية لسورية أكثر من ثلاثة
عقود. السياسة الخارجية السورية
هي موضع الشد والجذب بالنسبة
للآخرين هذه الأيام. أما الذي
سيضع حداً لهذا السيناريو فهو
نتائج التحقيق التي ستكون إن
حملت مجرد /الاتهام/ بداية
ونهاية بالنسبة لسورية وللنظام.
السيناريو
الثاني.. سيناريو الخطوة للوراء
والسيناريو
الثاني هو السيناريو الليبي.
سيناريو الخطوة إلى الوراء،
والتخلص من كافة الأحمال
الإضافية، والعودة إلى لحظة
ولادة جديدة. ربما لا يوجد مانع
أخلاقي يبعد هذا السيناريو عن
تفكير النظام؛ وإنما هناك واقع
مثقل يميز سورية عن ليبيا، وليس
نظاماً عن نظام. ليبيا ليست جارة
لإسرائيل، وليس لديها أرض محتلة
اسمها الجولان. ولا هي في الوقت
نفسه جارة للبنان، الذي تعتقد
في قرارتها أنه أرض سورية
انتزعت منها بمؤامرة دولية،
والذي أيضاً مايزال يرتبط شطر
من سكانه بالولاء لسورية لأسباب
وأسباب. مجرد التفكيربأن سورية
يمكن أن تتخلى بفجاجة وبساطة عن
أنصارها في لبنان كما تخلت
مثلاً عن عبدالله أوجلان، هو
تفكير حقيقي بعملية انتحار. ثم
إن ليبيا وإن اشتركت مع سورية في
رفع كل شعارات الصمود والتصدي
والثورية.. لا
تجاور اليوم بركاناً ملتهباً
كالذي في العراق بكل سلبيات هذا
البركان وإيجابياته.
نقول
إن الواقع السوري أثقل مئات
المرات، إن النظام السوري، في
واقعه الراهن وقيادته
المترددة، أعجز عن أن يقفز تلك
القفزة البهلوانية التي قفزها
حافظ أسد في أول التسعينات يوم
انخرط في الركب الأمريكي، وسير
جيشاً تحت إمرة الإمبريالية
العالمية، حسب التعبير الثوري
الرسمي طبعاً، نقول هذا دون أن
ننسى المفارقات والمقترنات.
السيناريو
الليبي إذاً غير مقدور عليه،
ليس أخلاقياً كما قلنا، وإنما
لأسباب واقعية عملية. وسيناريو
المطاولة والمناورة تقطعه
اليوم عوامل على رأسها نتيجة
التحقيق الدولي في اغتيال
الرئيس الحريري. أي معلومات عن
متضمنات هذا التحقيق تسربت
للنظام؟ لا شك أن المعنيين في
سورية يعرفون عن حقيقة اغتيال
الرئيس الحريري أكثر مما وصل
إليه براميرتز بالذات، ولكن
الوقت قد حان للشعور بالخوف،
وللتصرف على خلفية ما يتوقع أن
يصدر في تقرير التحقيق. خيار
النظام الجديد: الهروب إلى
الأمام والخيار الشمشوني (عليّ
وعلى أعدائي).
مقامرة
ولكن بما لا يملك النظام. مغامرة
على لقب بطولة سبقت تجربتها في
الخامس من حزيران. لنجرب يقول
المغامرون. ولو كان الثمن سورية
الأرض والحضارة والإنسان. هذا
هو المنطق اليوم: قطع الخيوط
وقلب ظهر المجن.
لفتت
الهجمة الشرسة على الناشطين
السوريين العقول والأنظار.
تساءل الناس: ماذا يحدث هناك؟
ذهبوا في تفسير ما يحدث المذاهب.
قليلون ربطوا الحدث الداخلي
ببعديه الدولي والإقليمي. أو
تصوروا أن اعتقال ميشيل كيلو
ورفاقه هو رد على القرار 1680 أو
على ما يمكن أن يأتي به تقرير
التحقيق الدولي.
طبعاً
الأمريكيون والاتحاد الأوروبي
وفرنسا فهموا الرسالة عبروا عن
القلق والامتعاض ولكن بروية لا
يريدون أن يمدوا الساحة بعوامل
أكثر للهياج. هم لهم معادلتهم
ولهم أهدافهم ولهم طرائقهم.
والضحية دائماً سورية الوطن
والإنسان.
وفي
هذا السياق يصفق النظام الباب
الذي كان بالأمس موارباً بقوة
في وجه زيارة رئيس وزراء لبنان
السنيورة إلى سورية. ويعود معنى
(عبد مأمور لعبد مأمور) إلى
الحضور بلغة ديبلوماسية هذه
المرة!! لا معنى للزيارة.
والتفاوض يكون مع الأصيل وليس
مع الوكيل!! يقولها ساسة سوريون.
قرار منازلة واضح على الساحة
اللبنانية. أطرافها: النظام
وأنصاره.. والآخرون وعلاقاتهم!!
الأمر اليوم في إطار التحدي
وكسر العظم كما يقولون. لم يعد
النظام مقتنعاً بالحوار. وقد
قرر أن يدخل المعركة طرفاً
واضحاً حتى الرمق الأخير، ويأتي
من ضمن ذلك الرفض غير المعلن
للقرار 1680.
التحام
أكثر بإيران، ولعب بورقتي
المقاومة العراقية، وحماس
وفلسطين. للنظام اليوم
اشتراطاته على الساحة
الفلسطينية ولو جاءت مواربة،
وشعار نقبل بما يقبل به
الفلسطينيون أصبح بعض التاريخ.
ما كان يزينه النظام لعرفات
تتحمله اليوم ضمن معادلتها حركة
حماس.
ولعل
النقطة الأهم والأبلغ في
التعبير الزج المفاجئ لموضوع
مقاومة سورية على جبهة الجولان
في ساحة الصراع. مخرج كما يقولون
متعدد الأبواب، يفرض الصمت على
الداخل السوري فلا صوت يعلو على
صوت المعركة، ويهدد بعامل جديد
من عوامل الحراك العملي في
المنطقة. حراك يكون فيه خلاص
النظام أو نهايته.
المقاومة على الجولان: خيار أو لعبة؟
إن
التصريح أو التلويح بورقة
للمقاومة على جبهة الجولان يحمل
رسالة مفادها أن على الآخرين أن
يعترفوا بالنظام كلاعب إقليمي
على طاولة الشرق الأوسط. وأنه
إما أن يعترف به كذلك أو يقلب
الطاولة على الجميع.
حديث
عن المقاومة يذكرنا بكلام لوزير
الدفاع السوري حافظ الأسد قبل
أيام من حرب حزيران. بالنسبة
إلينا نعتقد أن المقاومة لتحرير
الأرض خيار له مقتضياته أيضاً.
وأول هذه المقتضيات وحدة وطنية
حقيقية تحشد الشعب في خندق واحد.
أما اللعب بورقة المقاومة، التي
زج بها بعض المحسوبين على
النظام على أنها بديل لعملية
الإصلاح ففيه جناية على قداسة
المقاومة، بقدر ما فيه من اللعب
بالنار التي ربما تحرق
المغامرين.
وفي
الحقيقة إنه إذا جد الجد وخرج
حديث المقاومة على جبهة الجولان
من (القرايا إلى السرايا) فإن
الذين سيهربون إلى الأمام
سيجدون أنفسهم محاصرين
باستحقاقات المقاومة من جديد
وبإرادة
الشعب السوري التي لا
تلين.
*مدير
مركز الشرق العربي
|