كيف
جُعلت نيوزويك
كبش
الفداء..؟
فرانك ريتش*
في أعقاب أحداث
الحادي عشر من سبتمبر مباشرة،
كتب فريد زكريا مقالاً من حوالي
سبعة آلاف كلمة للنيوزويك تحت
عنوان «لماذا يكرهوننا؟».
ويمكننا الآن أن ندرك كيف كان
يمكن لزكريا أن يوفر على نفسه
قدراً كبيراً من العناء، لو أنه
انتظر سنوات قليلة، كي يعرف أن
الإجابة على سؤاله ربما كانت
تتمثل في كلمة واحدة هي:
النيوزويك.
فالسكرتير الصحفي
للبيت الأبيض سكوت ماكليلان
أدلى مؤخراً بتصريح حول هذا
الموضوع قال فيه: «إن أفراد
القوات المسلحة الأميركية
يبذلون قصارى جهدهم للتأكد من
أنه يتم التعامل مع القرآن بكل
عناية». كان من الواضح أن غرض
ماكليلان، عندما قال هذا
الكلام، هو جعل النيوزويك كبش
فداء، وتحميلها مسؤولية
المظاهرات العنيفة المناوئة
لأميركا التي اندلعت في
أفغانستان، وكذلك تدمير سمعة
المجلة، وإظهار ورعه الزائف
وحرصه على قدسية الكتب الدينية.
لقد كان الهجوم الذي شنته
الإدارة الأميركية على
النيوزويك مبالغاً فيه إلى درجة
سخيفة، جرياً على عادة تلك
الإدارة، التي دأبت على تخويف
وسائل الإعلام للتغطية على
رواياتها المختلقة وأخطائها
الفادحة.
دعونا نفترض - على
سبيل الجدل- أن المجلة قد ارتكبت
خطأ فادحاً، ودعونا أيضا نفترض
أن الشكاوى السابقة عن قيام
المحققين الأميركيين خلال
العامين الماضيين بتدنيس
القرآن هي محض أكاذيب، على
الرغم من الجمعية الدولية
للصليب الأحمر قد تحققت من
صحتها، وعلى الرغم من أنها قد
وردت في أوراق الدعاوى التي
تقدم بها ضحايا التعذيب، دعونا
نفترض ذلك كله ونسأل: وهل المجلة
أيضا هي التي قامت بتلفيق صور
المجندات الأميركيات اللاتي
كنّ يقمن بإهانة السجناء
المسلمين جنسياً (إلى جانب
قيامهن بارتكاب جرائم أخرى) في
أبو غريب؟
وحتى إذا ما
افترضنا أن الأدلة على ارتكاب
تلك الجرائم غير متاحة لنا، فإن
هناك أدلة واضحة ووثائق دامغة -
معظمها حكومي- تثبت أن المحققين
الأميركيين كانوا يسيئون
معاملة المعتقلين المسلمين من
خلال قيامهم بشكل منهجي
باستخدام وسائل تمس حساسياتهم
الدينية، مثل منعهم من الإطلاع
على المنشورات الإسلامية،
وإجبارهم على حلق لحاهم،
وتعريتهم من ملابسهم، بل
واستغلال خوفهم من الكلاب (التي
ينظرون إليها على أنها نجسة).
نعود إلى رواية
النيوزويك عن تدنيس قدسية
القرآن ونقول إن رامسفيلد هو
الآخر قد حاول أن يتظاهر بأنه
رجل يتحلى بمكارم الأخلاق حين
قال تعليقاً على ما نشرته
المجلة:«كان ينبغي على هؤلاء
القوم توخي الدقة فيما يقولونه»!.
ألم يكن حرياً به وبرجاله أن
يتوخوا الدقة فيما يفعلونه
وخصوصاً عندما قام أحد كبار
مساعديه في البنتاغون وهو
الليفتنانت جنرال ويليام جيي
بويكين بإحراج الكنيسة
الأميركية عندما أدلى بتصريح تم
نشره في جميع وسائل الإعلام
العالمية يقول فيه:«إن ربنا هو
الرب الحقيقي أما رب الإسلام
فهو مجرد وثن». إن رامسفيلد
يتحدث كما لو أن مقالة
النيوزويك هي التي فاقمت من حدة
المشاعر المعادية لأميركا في
الشرق الأوسط، أو لعله قال
لنفسه: طالما أن بعض كبار
المسؤولين العسكريين
الأميركيين قد حوسبوا على ما
حدث في أبوغريب، فلماذا لا
تحاسب النيوزويك على الخطأ الذي
ارتكبته.
إذا ما كانت
الإدارة الأميركية تريد أن تحمل
النيوزويك المسؤولية عن النفور
الذي يحس به المسلمون تجاهنا ـ
بمن فيهم المسلمون الذين ينفرون
من الجهاديين الذين يقومون
بارتكاب الأعمال الانتحارية-
فإن ذلك سيكون مدعاة للسخرية في
الحقيقة. وفي الواقع أن اللغة
التي تستخدمها الإدارة
الأميركية وهي تحاول تسويق ذلك
تدينها هي نفسها. بدا ذلك واضحاً
في التصريح الذي أدلى به
ريتشارد باوتشر المتحدث باسم
وزارة الخارجية الأميركية،
عندما قال إن ما نشرته
النيوزويك «يعتبر أمرا صادماً...
وأنها قد قامت باستخدام حقائق
لم يتوفر الدليل على صحتها»، أو
في ذلك التصريح الذي أدلى به
برايان وايتمان المتحدث باسم
البنتاغون وهاجم فيه النيوزويك
قائلا إنها «تتخفى وراء مصادر
مجهولة» ناسياً أو متناسياً أن
الإدارة قد قامت بشيء مثل هذا
عندما قامت بالتخفي وراء مصادر
مجهولة وتلفيق الأدلة التي
استخدمتها لتبرير الحرب على
العراق.
لقد ارتكبت
النيوزويك خطأ واعتذرت عنه.. بيد
أنه يجب علينا في هذا السياق أن
نلاحظ كما لاحظ جون دونفان من (أيه.
بي. سي نيوز) أن قيام البنتاغون
بادعاء أن رواية النيوزويك كانت
زائفة، وأنه يمكن إقامة
البراهين على ذلك الزيف، كان
بمثابة مبالغة كبيرة من جانبه.
فليس هناك دليل يمكن استخدامه
كبرهان يكشف عن طبيعة ما يدور في
السجون المغلقة في جوانتانامو.
وكذلك الدليل الخاص بتصوير صدام
حسين وهو في ملابسه الداخلية.
ولكن ونظراً لأن هناك الكثير من
الأشياء الضارة التي تسفر عن
فوائد في النهاية، فإن مبالغة
الإدارة الأميركية في محاولة
تدمير النيوزويك، قد تؤدي في
النهاية إلى زيادة تركيز
الجمهور على تلك الطريقة التي
تقوم بها الإدارة باستخدام
أسلوب تخويف الصحف وإرهابها
لصرف الأنظار عن الأكاذيب التي
يجري تلفيقها بواسطة آلة
الدعاية الإعلامية التابعة لها.
لقد رأينا بعد
الانتخابات الأخيرة كيف انكشف
القناع عن طبيعة الدور الذي
يقوم به بعض موظفي الإدارة في
هذا الأمر.
إن الاستخدام
المستمر للحجج والذرائع
الملفقة وإساءة استخدام
الأخبار من جانب الإدارة
الأميركية، يكشف لنا في الحقيقة
عن قصص أكثر تشويقاً من مجرد نشر
خبر صغير في مقالة لم ينتبه
إليها أحد إلا بعد مضي عدة أيام
على نشرها.
*كاتب
أميركي/ نيويورك تايمز
الرأي
الأردنية 26/ 05/ 2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|