عندما
يسعى الرئيس الأسد
إلى
كفالة دينيّة
"سوريا،
حماها الله". هذا الشعار غير
المألوف ظهر مؤخراً في شوارع
المدن السورية الكبرى. ذلك أن
نظام الحكم السوري، المنبثق من
حزب البعث، والذي غالباً ما
ينظر إليه بوصفه نظاماً "علمانياً"،
لا يستخدم عادة الشعارات
الدينية. ولكن الرئيس بشّار
الأسد يجنّد اليوم الله لإنقاذ
سلطته التي تواجه ضغوطاً مكثّفة
من قبل الأمم المتحدة والمجتمع
الدولي. غير أنّ استدعاء
الإلهيّ يبقى مُشكِلاً بالنسبة
لنظام حكمٍ منبثقٍ عن أقلّية،
علويّة، وهي طائفة تنسب نفسها
إلى المذهب الشيعيّ وتمثّل نحو
10 في المائة من مجمل السكّان (في
سوريا). وفضلاً عن أقليّة مسيحية
تقدّر بنحو 12 في المائة من مجمل
السكّان، تبقى الأغلبية
المطلقة منتمية إلى المذهب
السنّي، وهو المذهب الرئيسي في
الإسلام.
منذ سحق انتفاضة حماه، عام 1982،
المستلهمة من شعارات الفرع
السوريّ من جماعة "الأخوان
المسلمين" الدولية، استبعدت
الأغلبية السنيّة عن الساحة
السياسية وانصرفت في انكفائها
إلى أشكالٍ من التديّن تشجّعها
السلطة عليهما عبر تشييدها
عدداً كبيراً من المساجد. غير
أنّ السلطة تحتاج إلى كفالة
دينيّة أبرز للعيان. والظاهر
أنّ محمّد الحبش، مدير مركز
الدراسات الإسلامية في جامعة
دمشق، يضطلع بهذه المهمّة. فهذا
البحّاثة الذي يجيد
الإنكليزيّة بطلاقة، ذو اللحية
المشذّبة والبزّة الأنيقة،
المنتخب عضواً في البرلمان (مجلس
الشعب) بصفته "مستقلاّ" عام
2003، وعضو مكتب المجلس، يستقطب
العديد من المؤمنين إلى خطبه
الأسبوعيّة في المسجد أو برامجه
الإذاعيّة التي تبثّ عبر
الراديو.
حول ملفّ الحريري، يلتزم محمد
الحبش بموقف حكومته: "تمارَس
الضغوط على سوريا لكي تمدّ يد
العون في العراق. ولكننا لسنا من
طينة من يدعمون احتلالاً".
أمّا على الصعيد الديني، فإنّ
محمد الحبش يدعو إلى الوحدة
وإلى التسامح: "الله واحد
ولكنّ أسماءه كثيرة. وليس لأحد
أن يحتكر أمور الحشر والحياة
الروحية".
يخشى رجل الدين هذا تنامي
الإرهاب "التكفيري" في
سوريا. فقد أعلنت السلطات
مؤخراً عن اشتباك أسفر عن قتلى
بقرب إدلب، وعن العثور بقرب حلب
على مخبأ للأسلحة ومعمل
متفجّرات و"خطط لمراقبة
مسؤولين ومبانٍ رسمية سورية".
المعارضة والمراقبون الأجانب
يتعاملون بحذرٍ مع هذه الأنباء
المعلنة. غير أنّ مدير مركز
الدراسات الإسلامية يرى أن
التصدّي للتطرّف الديني لا يمكن
أن يتمّ باسم العلمانية. "في
سوريا، الدين أمر لا يمكن
التغاضي عنه. إنه جزء من هويتنا".
إنّ حريّة التعبير المتاحة
لمحمّد الحبش قد تدعو أحياناً
إلى العَجَب، وإنْ كانت تعبّر
عن رغبة السلطة في التحكّم
بالمجال الديني. فالنائب الذي
يصف نفسه بأنه "إصلاحي" في
الإسلام، لا يصبو إلى قيام دولة
دينية. لكنه يصبو إلى مدّ جسور
الحوار مع السوريين الذين يصبون
إلى الحوار. ويقصد السوريين
السنّة بالطبع.
كما أن محمد الحبش لا يمتلك أجوبة
شافية حول موقع الأخوان
المسلمين في المشهد السياسي
السوري. ذلك أن مجرّد الانتماء
إلى هذه الجماعة يُعاقب
بالإعدام منذ انتفاضة حماه
المأسوية. ومع ذلك فقد تبنّت
قيادة هذه الجماعة المقيمة في
منفاها اللندني تسويةً
ديموقراطية عبر توقيعها، منذ
شهرين تقريباً، إلى جانب شبكة
المعارضة العلمانية، على
برنامجٍ مشترك للحكم. ما
يُعتَبر خطّاً أحمر بالنسبة
لنظام الحكم في دمشق، غير أنّ
هذا لم يحل دون سعي محمد الحبش
الذي قام في الماضي بمساعٍ غير
مثمرة للتوسّط والمصالحة، إلى
محاولة الجمع بين النقائض: "في
اعتقادي يمكن أن نصفهم
بالإصلاحيين"، لكنه يسارع
إلى القول مضيفاً: "غير أنّ
غالبية المسلمين لا يريدون
للدين أن يتدخّل في السياسة".
المستقبل
- الاحد 25 كانون الأول 2005 -
العدد s420
- - صفحة 14
عن
صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية
في عددها الصادر في 19 كانون
الأول 2005.
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|