الاصلاح
في سورية
صلاح
علمداري*
.. إلى
التطبيق ام الى قاموس الشعارات!
من جملة المفردات الاكثر تداولا
هذه الايام هي كلمة الاصلاح
ولاسيما في اوساط النخب والساسة
ابناء الدول التي تخلفت عن
الركب الحضاري خلال القرن
الماضي..ولم تشهد تقدما يذكر في
المجالات الاقتصادية
والاجتماعية... ولم تحقق
لابنائها الازدهار والرخاءعلى
غرار دول كثيرة في الجانب
الاخروالتي قطعت اشواطا متقدمة
في هذه المجالات ووصلت بابنائها
الى درجة كبيرة من الرفاه
والكرامة الانسانية... تتفاعل
مفردة الاصلاح مع طموح
الجماهيرفي الحرية والتقدم
والازدهار...ويجتهد فيها
الخبراء والمحللون. وما يزيد من
الاهتمام بموضوعة الاصلاح عدا
عن كونها ضرورة عصريةهو تحديد
اين تلتقي واين تختلف مصالح
الشعوب مع مصالح القوى
الخارجيةالتي تقف وراء طرحها
لهكذا مفهوم اومفاهيم ذات صلة
وواحيانا فرضها على بعض الانظمة
و بدرجات مختلفة.... الاصلاح
مفردة اصلية في لغة الضاد
وتنتمي الى مجموعة الصلاح
والصلح والصالح والصلاحية.....
وهكذا يراد بها الوئام والتقوى
وقابلية العطاء وتصلح لجميع
مسائل الحياة وجوانبها....وقطعا
ليست وصفة اجنبية مسمومة! او
بدعة امبريالية او احجية او
فلسفة دخيلة كما يروجه البعض !.
الاشكالية في مفهوم الاصلاح هي
في شكل وكيفية ترجمته على ارض
الواقع. فهو ليس عقارا
طبياولامعادلة كيميائية محددة
المقادير والظروف وبالتالي
معروفة النتيجة مسبقا... انه
مفهوم شامل لم تتحدد فيها عناصر
الزمن والموقع والكيفية
والكمية المطلوبة ودرجة
تركيزها..! لذلك يختلف مفهوم
الاصلاح لدى المسؤول او الحاكم
عما لدى المعارضة او عامة الشعب..
او لدى القوى الخارجية الداعية
الى الاصلاح..! لاصلاح مؤسسة –
مثلا – يتوجب تحديد موقع الخلل (
الفساد ) ثم درجة الخلل والعطل (
الفساد ) ثم تحديد المسبب او
المسببات..( المفسد ) ثم البدء
بالاصلاح بادوات صالحة وتحت سقف
زمني... وياتي كل هذا بعد اقرار
القائمين على المؤسسة بالفساد
او الاعطال! والسماح للاصلاح
والمصلحين !كما يحصل جزئيا في
تركيا والمغرب... ا والحالة
الاخرى وهي اصرا ر ابناء
المؤسسة او الوطن..( المواطنون )!!وتحدي
السلطات وهنا قد تبرز حالات
اخرى ومسارات مختلفة والامثلة
مختلفة... ما حصل في جيورجيا
واكرانيا وقرغيزيا... او اوما
يحصل في مصرودول اخرى. بنيت
المؤسسة في معظم البلدان
العربية على اسس غير سليمة اصلا
واستمرت بضعة عقود من السنين
بشكل مشوه لذلك لم تتمكن من
مواكبة تطورات الحياة و
الارتقاء بالفكر الانساني ولم
تتمكن من استيعاب طموح الناس في
حياة لائقة.... لذلك تقف في منتصف
الطريق وقد استشرى فيها الوباء
او انها شاخت قبل ان تكمل عمرها
الافتراضي وصارت بحاجة الى حياة
جديدة. القائم على المؤسسة في
بلادنا عادة لا يقر بعجزه ولا
عجزها لانه عندما يعتليها
يحولها الى ملك خاص يزينها
ويلونها من الخارج.. ويتمسك بها
بايديه وارجله واسنانه ويصبح من
الصعب ان يترجل عنها بل من الصعب
جدا ان تميز بين المؤسسة
والحاكم ! ولا سيما عندما تكون(
المؤسسة) من صنع الحاكم وعلى
مقاسه دون تدخل الشعب... ورغما
عنه! لقد تلقت سوريا في الفترة
الاخيرة اشارات وانذارات عديدة
ليس فقط من القوى العظمى ذات
المصلحة وانما من الخبراء
والمحللين ومراكز الدراسات
مفادها ان مؤسسات دولة البعث
غيرقادرة على العطاء ولم تعد
تستوعب طموح المواطنين ولن تصمد
امام همسات وغمزات المقهورين
والذين اصابهم الملل وهم
يشاهدون ويسمعون عن بلاد العالم
الاخرى. وصارت الناس تقارن
وتحلل وتشعر ضرورة حدوث الذي لا
بد منه( اصلاح.. هدم وبناء ) !لانها
تعايش الفساد الذي استشرى وعشعش
في كيان الدولة وتلامس مفاصل
الحركة التي تصدات في معظم
المؤسسات و التي لم تعد قابلة
للحياة..... وصارت تعرف ان السلطة
ليست منحة ولا تجارة واحتكارات
كما الفوها ! لسنوات طويلة... بل
مسؤولية تكلف بها الشعوب احد
ابنائها او بعضا منهم لادارة
شؤون البلاد والعباد تحت سقف
الدستور ولاجل مسمى!!. وان
الحالة تنبئ بقرب حدوث اهتزازات
و تصدعات وانهيارات... وربما
كوارث!... ليست المشكلة عندنا في
عدم ادراك الحاكم لهذه الحقيقة
بل المشكلة تكمن في هذه العلاقة
العجيبة بين الحاكم والمؤسسة
والخوف من النتيجة المرعبة لاي
مساس بها. لا بل يدرك الحاكم
افضل من غيره ان اي تشخيص دقيق
لواقع الامور واي اصلاح... ربما
تكون بداية النهاية للكثيرين من
المتربعين على ارائك الملك !.
وهذا ما يقض مضاجعهم وما لا يجب
ان يحدث قدرالامكان وهنا تبقى
الورقة الوحيد للعب بهامن اجل
البقاء في السلطة هي التحايل
على مفهوم ( الاصلاح ) و على طموح
الجماهير. بتحويره تارة الى (
تحديث ) وفي هذه الحالة المفسد
بريء ويقتصر العيب على عامل
الزمن.. وتارة الى( تغيير)وهنا قد
يكون نحو الاسوا وفي الاتجاه
المعاكس لتطلعات الجماهير
ومسميات اخرى تمهد لاصلاحات
شكلية انتقائية دون المساس
بالجوهر وانتهاج سياسة التسويف
والمماطلة للهروب من استحقاقات
المرحلة و افراغ اي مطلب شعبي
نحو الافضل من مضمونه وتمييعه
وتحويله الى مجرد شعار وكلام
منمق يردده الحاكم وتكررها
ابواق الاعلام الاف المرات تصفق
له الناس ردحا من الزمن.. ريثما
ينتهي زمانه ويفقد صلاحيته
ويضاف الى( قاموس الشعارات)!.
عندما رحلت فرنسا عن البلاد
تركت خلفها اوراق ومسودات
وخرائط حكمها.. وبعض الابنية و
الادارات.. ومخافر الشرطة! حل
مكانها حكام الزمان ولم يطوروها
كثيرا الا في التسميات
والشكليات اخذت معنى( الدولة)..ثم
جاء حكام اخرون واخرون اثر
انقلابات وانقلابات..ثم جاءت
سلطة البعث لتضع نهاية
للانقلابات!. وكذلك نهاية
للتغيير والتعددية.. والابداع
والتقدم بحجة امن البلاد
والاستقرارواطلاق اليد لاجهزة
امن متعددة كبلت الحريات و قيدت
حركة المجتمع الاجتماعية
والاقتصادية...... فتحولت البلاد
الى مؤسسات شكلية! وشعارات
رنانة لم تترجم اي منها على ارض
الواقع بل تعرضت الى التشويه
والتمييع لتلبي مصالح واطماع
المسؤولين والمتنفذين وليست
طموح ومصالح البلاد والعباد.
رفعوا شعار ( الوطنية )... والوطني-
بمفهومهم- هو من يدافع عن
الحكومة اي الحزب والدولة ! لا
عن الوطن والمواطن!! ولا زال
شعارا!! ثم شعار( الحرية)
واناشيدها...ولم يطبق منها الا
اطلاق الحرية( للحاكم) بالتصرف
في شؤون ومصير البلاد دون رقيب
او حسيب.. اما المواطنون فظلوا
ينشدونها ويحلمون بها وما زال
شعارا!!... او شعار ( الاشتراكية )
الذي اختصروها بالتاميم
ومصادرة املاك الاقطاع
والصناعيين لتتحول فيما بعد الى
ملكيات خاصة للمسؤولين.... وما
تبقى اعتبروها اجنبية لاتناسب
واقع البلاد ولكنه لازال شعارا!!.
( الوحدة العربية ) !من بغدان الى
تطوان ... ولا زال شعارا !! انتشت
الناس طربا من ايقاعاتها.. وحملت
احلامها على اكفها تنتظر !.
تتحول الشعارات الى اسماء ساحات
وميادين واشخاص وماركات تجارية
!!ولكنها لم تتحول الى سياسات
وبرامج وخطط.... ومع الزمن تنتهي
موضتها ! وتصبح ( دقة قديمة )!.
عصفت رياح التغييرعلى الانظمة
الشمولية... في بداية الثمانينات
و انبثقت شعارات مركبة..
المكاشفة ( الغلاسنست )
والديمقراطية واعادة البناء (
البيروسترويكا)... وصارت الناس
تتحدث وتشاهد علنا ! المفاسد
والمجازر المستورة! وتدك عروش
الطغاة.. تهدم وتبنى من جديد..
لوحات دراماتيكية غيرت وجه
العالم ... ولكن في بلاد الناس
الاخرين وليس في بلادنا !. (الاصلاح)
و حسب ما يريده اصحاب القرار في
بلادنا ويرووها للناس هي اخر
بدعة من بنات افكار الساسة
والمحللين والفلاسفة.. صرعة
جديدة لا بد ان ينتهي زمانها
وتنتهي صلاحيتها ! وتزول
الغمامة! ولا ضير من ان يبقى
مشروعا ! مع وقف التنفيذ..وبفعل
الزمن و ( الصمود) سيتحول الى
شعار ينضم الى الشعارات السابقة!..
للوقوف في وجه اصحاب هذه
النظرية سواء من السلطة او
الدائرين في فلكها
ولاستثمارالفرصة في مصلحة
البلد وابنائه وطموحهم في
التطوره لاقتصادي والاجتماعي..
يبقى المطلوب عاجلا ومن جميع
القوى والفعاليات والاحزاب
والتيارات التي تهمها مصلحة
البلاد ومستقبل ابنائه ان
تتجاوز حدود مصالحها الذاتية
الضيقة وتنطلق الى المصلحة
الوطنية العامة بعقد
مؤتمرتحضره كافة الاطراف
الوطنية بما في العلماء
والاقتصاديون والرموز الوطنية...
وتفعيل قنوات الحوار لتذليل
العقبات قي طريق التلاقي الوطني
ووضع الاسس لسياسات شفافة و
برامج عمل واضحة بمشاركة الجميع
ولمصلحة الجميع......... لان البلاد
تمر باوضاع انتقالية ومرحلة
حرجة لن تتضح معالم المرحلة
القادمة ما لم تتضح ميزان القوى
المؤثرة ولا سيما القوى
الداخلية صاحبة المصلحة
الحقيقية. والاتتحول حياتنا الى
مجرد شعارات وتخلو من المبادرات
الجدية والارادة الحرة
والبرامج والخطط القابلة
للتنفيذ ويبقى الشعب اسير
سياسات الحكام ويبقى هو الاخر
شعارا.. مجرد شعار!... مجرد شعب !.
*كاتب
كردي من سوريا
مركز
الميماس للثقافة والإعلام
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|