صرختي
الأخيرة للمعارضة السورية
فلورنس
غزلان
أراك يا شام حزينة ،
مصلوبة ..أراك تذرفين الدمع دما،
وتغرقين في كآبة الأم الثكلى
تلبسن الرمادي ..تصرين على
التعامي..تتمنين بأعماقك ...أن
يصيبك العمى والخرس والطرش..(عملا
بحكمة أهل الصين.). هروبا من
واقعك المرير..هروبا من الجحود
والنكران..هروبا من جلد أبناءك ..هروبا
من كفرهم بك وبانتمائهم لك...أراك
تكتمين صرخاتك.. يغرقون في نبش
رفات أجدادهم وفي حفر قبورهم
بأيديهم ..يأخذهم التيه، يسرقهم
الوقت..وتضربهم شمسك الحامية...لكنهم
لم يستيقظوا بعد ...وإني أعلنها
اليوم دون وجل..أعلنها يأكلني
الندم والوجع... أعلنها يملؤني
الغضب لأني مفجوعة بهم مثلك..مفجوعة
بهم ، وأفجع بهم كل يوم...أفجع
بمثقفيهم ومعارضيهم ..وأحزابهم
وكتابهم وشعرائهم ...أفجع
بصحفييهم ...أفجع بهم ..أبناؤك ..وأنا
مفجوعة بنفسي أيضا ،
صرخت فيهم مرارا ..أعاود
صرختي وأكرر صيحاتي ...ما ذا أقول
يا شامي ؟
إنهم يخذلوني
ويخذلوك....لقد فهموني خطأ...معظمهم
فهمني خطأ ...بعد هذي السنين
الطويلة ، وبعد هذا الرحيل
والتشرد ...نلوك لحومنا...نعلك
الهواء سطورا...لا نتعلم من
أخطائنا... لا نرى دربنا بوضوح..لا
نقرأ بشكل سليم واقعنا ولا
محيطنا ..نخطيء بلغتنا..نعيب على
أولادنا ونلومهم، ونحن أسوا مثل
لهم..
أن نُجلد ونُقتل
ويُفتك بأعراضنا وتُهان فينا
الكرامة من قامعينا، هذا لا
يختلف فيه اثنان
لكن أن يقف المعارض
من رفيقه كأعداء يتربص الواحد
منهم بالآخر؟!! هنا يكون القضاء
والنصر المؤزر للنظام ..هنا يثبت
النظام سلطته وقدرته على
اختراقهم..يثبت أنه الأقوى
والأجدر بك... يثبت النظام يوما
بعد يوم أنه يفوقهم ذكاء وحكمة
...إنهم يدخلون في متاهات
السفسطات ومتاهات بناء دكاكين
للمعارضة.. وعلى الدوام هناك من
يشتري، وهناك من يبيع.. السوق
رائجة ولله الحمد.. والجميع
يتصور أنه قد وجد ضالته،
والصغير فيهم يحلم بوزارة!!!
يا شام أهكذا تكون
المعارضات؟؟ لا أكاد أدخل موقعا
أو أتصفح جريدة إلا وتقع عيني
على هجاء لهذا وسلخ لذاك ..واستباحة
لآخر...هل بات همنا النضالي هو
تصفية بعضنا؟؟؟
هل صارت مواهب
المعارضة وتلويناتها التي تفوق
ألوان قزح عددا وتشكلا وتغيرا..حسب
الطقس.. تسكب معرفتها في نيل كلا
منها للآخر؟؟، هل صار الهم
الأول للمعارض هو التنافس على
إصدار بيانات القدح والتعليم
وإعطاء الدروس في الوطنية
والقومية والانتماء؟ بل صار
النضال المعارضي يصب في توزيع
النقد بالجملة لكل أطياف
المختلفين معه ليثبت أنه الأفضل
والأنقى والأكثر التصاقا
بالشام وأهلها!! والأكثر بحثا
وتنقيبا عن درء الأخطار عن
الوطن والفقر عن أبناء الوطن!...علماً
أنه بحث لا يتجاوز كتابة
المقالات وتسطير البيانات
وتنميق عبارات النق والنقيق..
الموجع يا شام..ودائما
الحوار معك ولك ... أنه كلما وجهت
دعوة من طرف ما من أطراف
المعارضة، أو المتعاطفين مع
قضايانا والمهتمين لعذاباتنا..
لإصلاح البين أو دراسة موقف من
المواقف والبحث بالمشاكل
وايجاد الحلول لها....كلما تنطح
بعضهم... ممن يحسبون أنفسهم من
أقطابها الأشاوس ومحرريها
الكرام...ليبذلوا كل قدراتهم
اللغوية وعبقرياتهم الفكرية
ومؤامراتهم التي تربوا عليها
بحضن الأمن وعهود الظلام..فباتوا
يعمدون لتطبيقها بحق أشقاء لهم..ورفاق
لدربهم..فيعمدون إلى الإطاحة
بالرأس المفكر والمدبر لوحدة
الصف و لجمع الشمل...ولا يضيرهم
أن يشكوا في أمره وأمر من لبوا
دعوته!...
هنا علي أن أوضح كي
لا يلتبس الأمر على أحدهم كما
حصل معي في مقالة سابقة وكانت
بعنوان " أين تخطيء المعارضة
السورية، وكيف يمكن تلافي الخطأ
"، حين تصور العزيز والذي أكن
له كل تقدير وأحترم ما يكتب
وخاصة في مجال الأدب..".الشاعر
محمد علاء الدين عبد المولى"..أني
قصدت بحديثي الأخوان المسلمين
...أو أن مقالتي تحمل في طياتها
شيئا من بروكسل وروحها!!واكتفى
صديقي الشاعر من الآية ب ( لا
تقربوا الصلاة...) ولم يكلف نفسه
عناء أكتمال المقطع المقتطع
لنهايته، كما أن هذا المقال كان
بمثابة متابعة لما سبقه بعنوان
" تحت سقف المعارضة ، ألوان
لمعارضات.." ، وما أسطره اليوم
...أيضا بمثابة تواصل مع ما سبق،
ويشهد الله ...أن لا غاية عندي ..سوى
الوطن ..سواك يا شام...لا هدف ولا
مصلحة أرجو بعد ...على أي صعيد ...سواء
الشخصي أو الأسري ...أو أي منفعة
أخرى...يمكن لأحدهم أن يغمز من
طرفها... لم يعد بالعمر بعد هذا
التشرد وهذا الضياع لمصير وطننا
... وحرمان أبنائنا منه ..على
الأقل ...إلا أن نتعظ قليلا..ونحاسب
أنفسنا على أمراضنا ...الذاتية
ونترك نقائصنا ونترفع على
صغائرنا,,,لنبني مستقبلا فيه بعض
الأمل والنور لأحفادنا...لحلم لم
نحاول أن نجعل منه حقيقة...اتقوا
الله في وطنكم وأنفسكم وأولادكم...كونوا
لهم نورا ..لا تجعلوهم يستمعون ،
لأحاديثكم، ويدخلون في حروبكم
الصغيرة...
وكما أن الشيء
بالشيء يذكر..وكي لا يساء فهمي
ثانية ...وأخرى...في العمل الوطني
والمعارضي...لا أتعامل مع اثنين...(
من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء
من أبناء الوطن، ومن لوثوا
حياتهم بالفساد ونهبوا المال
العام وأثروا على حساب لقمة
المواطن ) ، خارج هذا الاطار ...لا
فيتو على أحد..وكلنا سواسية من
أجل هذا الوطن ... وتحت هذا السقف
نتحاور ونتبادل الرأي ونقبل
الاختلاف في الرأي..نختلف ...ونطرح
آراء مختلفة وأفكارا مختلفة...
لكن دون تخوين ..دون أن ندخل في
لعبة النظام... وفي مصائده...
الكل يريد حوارا
ديمقراطيا!! الكل يريد حرية
تعبير ورأي ... لكن هل يملك
الجميع ثقافة الحرية
والديمقراطية ويمارسها في
حياته اليومية فعلا وعملا؟؟؟ إن
لم يستطع أن يمارس الاختلاف في
اجتماع عام ، فكيف سيمارسه في
المجتمع؟؟ إن لم يتقبل رأيا
مغايرا له في النضال كيف يمكنه
بناء الديمقراطية؟؟؟
في البرلمان
الفرنسي وفي المناقشات
التلفزيونية التي تخص كل شرائح
المجتمع وتناقش مشاكله الحادة...يجلس
( جان ماري لوبان ) إلى جانب (
دومونيك دو فيل بان ) وإلى جانب (
ماري بوفيه )، على قدم المساواة
دون أن يشك احدهم بانتماء الآخر
أو مقدار وطنيته ...بالطبع
الاختلاف يقف على المسائل
الفكرية والرؤيا المختلفة في حل
المعضلات
لكن صديقي الشاعر
مثلا يريد وطنا وديمقراطية بدون
إخوان مسلمين!..ويلتقي معه في
طرحه بعض التروتسكيين
والعلمانويين والذين مازالوا
يطرحون فكرة ثورة البروليتاريا
المعدلة ديمقراطيا.!!
لا أدري كيف يمكن لمجتمعنا
المشكل من موزاييك شعبي أن يصبح
حلما ونموذجيا لهذه الدولة
الأفلاطونية؟؟ ولا أعرف كيف
يمكننا تفصيل ديمقراطية من هذا
النوع؟ حتى في فرنسا توجد أحزاب
متطرفة من أقصى اليسار لأقصى
اليمين...من الأحزاب ذات الطابع
النازي ...حتى التروتسكية...أقدر
وأتفهم تخوف البعض ..لتعدد شرائح
مجتمعنا وتعدد انتماءآته
الطائفية والعشائرية والقبلية
وربما هذه أقوى جذورا من
الثقافة السياسية وأكثر عمقا
وتأثيرا على ساحة الواقع...وهذا
بالضبط ما يغفله قراء الوهم...هذا
بالضبط ما تبتعد عنه المعارضة،
وما زالت قاصرة عن الدخول في
رؤية ابن الشارع والمواطن وفهم
حاجاته الأساسية ..مازالت ترقبه
وتريده أن يفهمها!! لكنها لا
تسعى هي لفهمه وكسبه...وأمام
المعارضة السورية درسا ودروسا ،
من نجاح حماس إلى نجاح جبهة
الانقاذ في الجزائر حين جرت
انتخابات حرة وحقيقية في
الجزائر، ونجاح الأخوان
المسلمين الكبير في انتخابات
مصر الأخيرة... إلى نجاح
الطائفية في لبنان..ولم ينجح على
أساس قائمة حزبية وبرنامج حزبي
غير طائفي ، سوى النائب عطا الله...لماذا
يامعارضتنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أليس من الأفضل أن
تلتقوا لتبحثوا في هذا الشأن
بدلا من الاختلاف على من يترأس
اجتماعا، ومن يوقع بيانا ضد
خدام ..أو من يشجب ويقصي ويهاجم ..وينعت
وينبش ...أليس من المفيد، بل
الأنفع والأكثر فائدة أن تجلسوا
للحوار والبحث في مشاكل الشباب
في وطنكم وعدم التفافهم حولكم؟؟
أليس من الأهم البحث في انعدام
وجود المرأة في صفوفكم ،وعدم
طرحكم وتبنيكم لقضاياها هو ما
يجعلها تبتعد عن أحزابكم؟؟..
ومشاكل الفقر والفاقة والعوز ،
ألا تستحق منكم دراسة وافية؟؟
ومشاكل البطالة ألا تستحق بحثا
واستقصاء؟؟ ومشاكل الطفل ..مستقبل
الأمة وعمادها يبنى عليه...أليس
أكثر أهمية من خلافاتكم الصغيرة
حول دكاكينكم الايديولوجية في
فكر ماركس أو البنا؟؟؟، هل
تحتوي صحفكم الغراء على بحوث
اقتصادية واجتماعية تهم
المواطن وحياته اليومية؟؟ بدلا
من النبش في النقطة والفاصلة في
اختلافكم مع إعلان دمشق ، مع
علمكم ويقينكم أنه أفضل لقاء
توافقي طرح في الوضع الراهن
ومنذ زمن طويل ..لماذا لا
تساهموا في تفعيله وبث حيوية
الحركة فيه ..بدلا من كيل النقد
له ولواضعيه؟؟ ساهموا في تطويره
بدلا من تكسيره..ساهموا ليصبح
دستورا لمعارضتكم بدلا من تقويض
لبناته قبل أن تتكون.. ..لا أعني
أبدا ألا تختلفوا معه وتوجهوا
له النقد وقد حصل في حينه..وطرح
على البحث، لكن الوقت الراهن
يتطلب تطويره ..الوقت الراهن
يتطلب أمورا أخرى أكثر جدية..ممارسة
حراك ...نشاط مستمر
...توحيد على نقاط اللقاء العامة
... وليكن لكل منكم حزبه ونظريته
ورؤياه الفكرية التي يختلف فيها
مع الآخر...لكن ليجمعكم على
الأقل هذا الإعلان التوافقي
هذا يعني ..أنه رغم
خذلاني..مازال نبض الأمل يدل على
الحياة..مازالت الشام تحسن
الانتظار والصبر...ومازالت
النساء تشاركها الانتظار.
توجهوا نحو النساء والشباب
ابدأوا بخطوة ...اسألوا أنفسكم ...لماذا
ينجح النظام في استقطاب الطلاب
...ليضربوا من ينادي بحريتهم..في
حين تفشل خطاباتكم؟؟ توقفوا عن
توجيه الحراب الوجهة الخطأ....
بانتظاركم أبناءنا.. أبناء
الشام في الخارج والداخل....أنتم
جموع معارضتها...
كونوا بمستوى
انتظارنا الطويل........
باريس 04/04/2006
ـــــــــــــــ
صفحات سورية6/4/2006
------------------
نبرة
الصدق غالبة على المقال ، شكراً
لك ، ونتمنى أن تكون المعارضة
قادرة على الخروج من معاركها
الصغيرة .
مركز
الشرق العربي
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|