تعميم
إعلامي سوري:
خرزة
زرقاء لكل صحافي اتقاء للحسد!
حكم
البابا
لم يخطر لي في أية
لحظة من اللحظات اني ساعثر علي
انسان يتمتع بحواس السمع والنظر
والنطق ويستطيع ان يبدي اعجابه
بالاعلام السوري، الي ان تابعت
ماقاله وزير الاعلام السوري
الجديد الدكتور محسن بلال في
الندوة التي اقامتها جريدة
الثورة الدمشقية، لاكتشف ان
الوزير ليس فقط معجباً بهذا
الاعلام، بل ويقول فيه مالم
يقله جميل في بثينة ولا قيس في
ليلي، الي الحد الذي جعلني
اتخيل بأنه يسهر كل ليلة تحت
شباك جريدة تشرين في انتظار
الحصول علي اول نسخة منها،
ويتلقفها بلهفة عاشق متيم
لرسالة غرام تصله من فتاة
احلامه، ويجلس امام التلفزيون
السوري بنفس الخفر والحياء
والغبطة الذي يميز اللقاء الاول
بين عاشقين، فالوزير الجديد ليس
كسابقيه من وزراء الاعلام الذين
تسلموا المنصب وهم يتحدثون عن
رغبتهم في تطوير العمل
الاعلامي، لأنه يظن اساساً انه
قد بلغ الكمال، ويتأمله كما
يتأمل دافينشي الجوكندا، ويحسد
العاملين فيه علي الحرية التي
يتمتعون بها، واظنه من فرط
خشوعه امام الاعلام وخوفه علي
العاملين فيه من الاصابة
بالعين، سيصدر توجيهاً بتوزيع
خرزة زرقاء وآية الكرسي علي كل
صحافي سوري ليعلقها علي صدره
ويدرأ عن نفسه شر الحسد.
انني اعتبر نفسي من
المحظوظين فعلاً لأن الله منّ
علي بالعيش في زمن سمعت فيه عن
صعود غاغارين الي الفضاء، ونزول
الانسان علي سطح القمر، واكتشاف
الخريطة الجينية للانسان،
واستنساخ النعجة دوللي،
والعثورعلي اول انسان في العالم
معجب بالاعلام السوري، وقد
تأكدت من صدقية كلام الوزير
بلال عن غياب الحرية في الاعلام
الغربي وخضوعه للرقابة، حين
نظرت (في اليوم التالي لندوة
الوزير في جريدة الثورة ) الي
الصفحة الاولي في جرائد
اللوموند و التايمز و الواشنطن
بوست ، ولم اقرأ مانشيتاً
كبيراً ينقل خبر العثور علي اول
انسان في العالم معجب بالاعلام
السوري، فلولا رقابة (الغمزة
والتلفون واللقطة المتحكمة
بالاعلام الغربي والتي تفوق
رقابة القبضة الحديدية في دول
العالم الثالث) حسب رأي الوزير
بلال لكانت صوره وآراؤه يجب ان
تعتبر حدثاً تاريخياً يقسم
التوقيت العالمي الي مرحلتين
قبل وبعد، مثلها مثل ميلاد
السيد المسيح والهجرة النبوية
من مكة الي المدينة، ويؤرخ
البشر احداثهم علي اساسها،
فيصبح تاريخ استقلال سورية في
السنة التاسعة والخمسين قبل
العثورعلي اول انسان في العالم
معجب بالاعلام السوري، وقس علي
ذلك..
للحقيقة كنت قبل
ندوة الوزير بلال انظر اليه وهو
يتنقل من وزارة الاعلام الي
مجلس الوزراء، ومن اسبانيا الي
سورية، مثل نظرة الإمام ابي
حنيفة الي رجل جليل صامت يحضر
احد مجالسه، وكان الامام حينها
يشعر بألم في ساقه، واحتراماً
منه لوقار الرجل لم يمدها، الي
ان توجه الرجل بسؤال لأبي
حنيفة، فكان جواب الامام: آن
لأبي حنيفة ان يمد قدمه. فاعتبار
الوزير بلال الصحافيين
السوريين محظوظين، وطلبه منهم
عدم الاستخفاف بالحرية المتاحة
لهم، يذكرني بأحد مشاهد فيلم (الحدود)
الذي يصور مهرجاناً تضامنياً مع
عبد الودود بطل الفيلم العالق
بين حدودين، فاي حرية تلك التي
يعتبر فيها الحديث عن السيد
رامي مخلوف وشركاته يدخل ضمن
محرمات أمن الدولة، لا لشيء الا
لأنه يمت بصلة قرابة لرئيس
الجمهورية، وتناول اعمال السيد
محمد حمشو يعتبر خطاً احمر
باعتباره يتحدث صباح مساء عن
علاقته الشخصية بالعقيد ماهر
الاسد، وهل يستطيع مثلاً اي
صحافي ان يقترح تخصيص سيارة
واحدة لكل مسؤول سوري وبيع باقي
اسطول المسؤول من السيارات،
والتبرع بأثمانها للحملة
الجارية لمساندة الشعب
الفلسطيني، ولماذا فقط علي
الشعب المعتّر ان يقطع من قوت
يومه لمساندة فلسطين، بينما
المسؤول السوري لا يتنازل عن
واحد في المئة من رفاهيته لاجل
هذه الـ فلسطين التي لولا
شعاراتها المرفوعة منذ اربعة
عقود لما كان مسؤولاً!!
اما حديث الوزير
بلال عن انه سيكون محامياً
للصحافيين في اي محفل من
المحافل التي يتواجد فيها، فقد
سبق لعلي فرزات ان رسمه في احدي
لوحاته الكاريكاتورية، التي
تصور رجلاً موشكاً علي الغرق،
وامامه علي الشاطئ رجل يحاول
انقاذه برسم طوق نجاة علي ورقة
ويرميها له، فهل سيكون موقف
الوزير بلال افضل من تصور علي
فرزات الكاريكاتوري فيما لو
استدعي صحافي الي المخابرات،
وطالبه اللواء علي مملوك مدير
المخابرات السورية بما طالبني
به من عرض مقالاتي علي
المخابرات قبل نشرها، وما هي
وجهة نظر الوزير بلال في نظرية
اللواء مملوك الاعلامية، عندما
ناقشته في احدي مقالاتي التي
استدعيت من اجلها، حول مؤتمرات
الدكتورة بثينة شعبان الصحافية
خلال مؤتمر البعث الاخير التي
لم تقدم معلومة، فقال لي اللواء
مملوك: نحن احرار نعطي مانريد
ونمنع مانريد!
ثم هل يظن الوزير
بلال وهو يتحدث عن اكذوبة
الاعلام الحر في العالم ان
جريدة الثورة التي عقد فيها
ندوته هي التي فجرت فضيحة سجن
ابو غريب في العراق، او انه
يعتقد بان التلفزيون السوري اول
من تحدث عن المعتقلات الامريكية
في بعض الدول الاوروبية، واذا
كانت مثل هذه الاحداث من اكاذيب
حرية الاعلام الغربي، فلماذا
يتاجر فيها الاعلام السوري كل
يوم. وليعطنا الوزير بلال
مثالاً عن صدقية الاعلام
السوري، فيسمح بنشر اي قصة من
قصص التعذيب في اي سجن او حتي
مركز مخابرات سوري، الا اذا كان
يظن ان من يعتقل في سورية يقضي
وقته في تناول الـ كوردون بلو
وتعلم رقص الفالس وشرب الـ جوني
ووكر بالصودا!!
اما اعتبار الوزير
بلال بأن وصف الخطاب السوري
بالخشبية هو وصف خارجي ومستورد،
فيحتاج الي ضارب بانغو من
الاشقاء المصريين ليسلطن عليه،
ويسأله مستورد نظامي ولا تهريب
يا استاذ؟ واذا كان مستوردا
نظاميا وتعطل فهل معه كفالة
يافندم؟ وكام مدة الكفالة يا
بيه؟ والوكيل بيصلحه اذا تعطل
مجاناً ولا بيطلب فلوس يا باشا ؟
عندما وصفت حالة
وزارة الاعلام السورية قبل
ثلاثة اسابيع في هذه الزاوية،
لم يخطر لي ان يعقد الدكتور محسن
بلال وزير الاعلام في سورية
ندوته في جريدة الثورة بدمشق،
ليقدم البرهان العملي علي كلامي
النظري، ويتبرع مشكوراً ـ من
خلال شرح مفهومه للاعلام ـ بأن
لا يظهرني كاذباً او حاقداً او
متجنياً علي هذا الاعلام، واذا
كان علي واجب رد الجميل له، فاني
اتمني من كل قلبي ان يبقي وزيراً
للاعلام لسببين: الاول كون
نظرياته الاعلامية اصبحت من
السلالات المهددة بالانقراض في
العالم مثلها مثل دبب الباندا،
واقترح اعتبار وزارة الاعلام
السورية ومؤسساتها من المحميات
الطبيعية التي يحرم فيها الصيد.
والثاني كون الحفاظ عليه في
وزارة الاعلام، اقل خطراً علي
الارواح البشرية من عودته
لمهنته الاصلية كطبيب جراح،
فيما لو كانت افكاره الطبية علي
نسق نظرياته الاعلامية!!
*
كاتب من سورية
hakambaba@hotmail.com
القدس العربي
2006/05/08
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|