ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 05/06/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


وهم الخوف من الإسلام

ا.د. محمد اسحق الريفي

أصبح الإسلاموفوبيا – أو الخوف من الإسلام – من أبرز الأمور التي تحتل مساحات واسعة من الاهتمام الغربي على المستوى الشعبي والرسمي، ويتجلى ذلك بشكل واضح في اهتمام مراكز ومعاهد البحوث السياسية والاستراتيجية بالإسلام من حيث علاقته بالحضارة الغربية وبالإرهاب العالمي تحديدا، وتتراوح آراء المحللين والمفكرين السياسيين في نظرتهم إلى الإسلام بين القول بأن الإسلام يهدد الحضارة الغربية ويتصادم معها، وبين الدعوة إلى الحوار مع الحركات الإسلامية للوصول إلى تفاهم واحترام متبادل بين الحضارتين.

ومن الملاحظ أن العديد من الدراسات تنظر إلى الإسلام على أنه خطر لا بد من معالجته، وأن المسلمين يميلون إلى العنف ويستخدمونه للوصول إلى أهدافهم، وأن ما يسمونه الإرهاب الإسلامي هو الوجه الأبرز للمسلمين، متجاهلين التيارات الواسعة الانتشار في أماكن عديدة من العالم – وفي الغرب – برهنت عمليا بما لا يدع مجالا للشك على قدرة المسلمين على العيش بسلام في مجتمعاتهم وفي المجتمعات الأخرى التي يعيشون فيها أقليات دينية، وبرهنت أيضا على قبول المسلمين النظام الانتخابي الغربي وسيلة لتداول السلطة دون أي مشاكل، كما يحدث في إندونيسيا وهي أكبر بلد إسلامي من حيث السكان، وفي وماليزيا وتركيا وغيرها.

وعاش المسلمون مع غيرهم في دول أفريقيا وفي الهند والصين وأوروبا الغربية والولايات المتحدة وأثبتوا قدرتهم على العيش حتى في ظل النظام الديمقراطي الليبرالي الغربي العلماني، حيث يشاركون في العملية الديمقراطية بكفاءة، ولهم دور بارز ومميز في تقدم ونهضة ورفاهية المجتمعات التي يعيشون فيها، رغم الاضطهاد  الديني الذين مازالوا يتعرضون له في الهند وفي الصين وفي أماكن أخرى من العالم.

وقد برهن العديد من المفكرين الغربيين على أن الإسلاموفوبيا هو وهم أنشأه المحافظون الجدد والتيار المسيحي اليهودي اليميني المتطرف والحركة الصهيونية العالمية، بالإضافة إلى الحكومات التي تكن العداء الغير مبرر للإسلام، فمعلوم أن الدعاية المعادية للإسلام في الغرب والتي تمتلك سلطة إعلامية فائقة ساعدت على تجذير العقلية الجماعية المعادية للإسلام، وأدت إلى نشوء العداء للإسلام في اللاوعي عند الغربيين، وكل هذا يهدف إلى محاصرة انتشار الإسلام في الغرب بحجة الخوف على الهوية القومية الغربية والحفاظ على الثقافة الغربية من التلاشي أما الثقافة الإسلامية، فعملت الحكومات على تحجيم الجاليات الإسلامية وعرقلة جهودها في جسر الهوة بين المجتمعات الغربية والمجتمعات الإسلامية، وأحبطت محاولات المسلمين لإقامة جسور الحوار والتفاهم بين المسلمين والغربيين.

وقد قام عدد من الأكاديميين في الجامعات الأمريكية بوضع نظريات خاطئة عن تصادم الحضارات، وعن تهديد الإسلام للهوية القومية الأمريكية، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك في تخوفهم من الإسلام حيث بدأ الحديث في منتصف الثمانينيات عن سيطرة المسلمين على أكبر المحطات الإخبارية الأمريكية، وأقوى المصارف والبنوك الأمريكية، وأبرز المجلات السياسية والعديد من الجامعات، وادعى أصحاب هذه التكهنات أن المسلمين سيصبح لهم تواجد مؤثر على صناعة القرار الأمريكي من خلال وصولهم إلى دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة مع بداية القرن الواحد والعشرين، وأنهم سوف يقدمون مرشحا مسلما للرئاسة الأمريكية، وما ندري أين ذهبت هذه التكهنات التحريضية ضد التواجد الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا.

ولم تخل هذه الدعاية من عرض مقابلات وصور لأفراد مسلمين وجماعات صغيرة في الدول العربية يهددون الغربيين ويتوعدونهم بشرب دمائهم واحتلال البيت الأبيض الأمريكي، وتم التركيز بالفعل على أحداث لمجموعات صغيرة تشن هجمات على الغربيين وخاصة الأعمال التي نفذها أفراد من منظمة التحرير الفلسطينية مثل إطلاق نار عشوائي في الأماكن العامة، واختطاف رهائن غربيين ويهود، واختطاف وتفجير طائرات، ولم يعي الفرد الغربي الدوافع التي كانت من وراء هذه العمليات، فتم استغلالها من قبل الدعاية الصهيونية أبشع استغلال.

ولقد شجعت ودعمت الحكومات الأمريكية – أثناء صراعها مع الاتحاد السوفيتي السابق إبان السنوات الأخيرة للحرب الباردة –  المجموعات التي تسميها الآن متطرفة والتي أسست تنظيم القاعدة – العدو اللدود للغرب – فيما بعد لتصبح كابوسا للشعوب الغربية ومصدر قلق للأنظمة العربية على حد سواء، فقد سمحت الحكومة الأمريكية آنذاك لقادة الجهاد الأفغاني من الأفغان والعرب بزيارة الولايات المتحدة لجمع التبرعات ولتسجيل المتطوعين، والغريب أن هؤلاء الزائرين اعتادوا دخول الولايات المتحدة حاملين رشاشاتهم على أكتافهم في الطائرات والمطارات وفي الأماكن التي زاروها في الولايات المتحدة، ومن أمثال هؤلاء الشهيد عبد الله عزام وأشهر القادة الأفغان الذين كانوا يتفاخرون بأنهم رفضوا مصافحة المسئولين الأمريكيين أو مقابلتهم أثناء زيارتهم للولايات المتحدة.

وقد عمل قادة الجهاد الأفغاني هؤلاء على استقدام المتطوعين إلى أفغانستان وتدريبهم ليعودوا فيما بعد إلى بلادهم لتهديد المصالح الأمريكية في الجزيرة العربية، وليقضوا مضجع الجيش الأمريكي المحتل في العراق، لذلك يجب أن نفهم ما يسمى بالعنف الإسلامي في سياق ما ذكرناه بالإضافة إلى أن العنف هو ظاهرة كونية لها أسباب عديدة تتعلق بتحرير الأوطان من الاحتلال الأجنبي، ومحاولة الحصول على حق المصير أو المطالبة بالحكم الذاتي للأقليات العرقية والدينية، وهذا ما يحدث بالفعل في المناطق التي يضطر فيها المسلمون للدفاع عن أوطانهم وأنفسهم بما يمتلكونه من قوة.

ولقد تعرض المسلمون في يوغسلافيا للتطهير العرقي، وتعرض المسلمون الهنود في آسام وفي أحمد أباد وغيرها من المدن الهندية لمذابح بشعة واضطهاد ديني رهيب، ومازال المسلمون في كشمير يتعرضون إلى مآسي الاحتلال الهندي، أما المسلمون في الشيشان فمازالوا يتعرضون لتطهير عرقي منذ عشرات السنين ولا يوجدو من يرفع عنهم هذا الظلم، وكذلك الحال في جنوب تايلاند والصين وروسيا.

أما المسلمون في فلسطين، فهم ضحية للمشروع الغربي الصهيوني الذي يهدف إلى إبادة الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه ووطنه على مرأى من العالم وسمعه وبرعاية من الغرب، لذلك فإن المسلمين هم ضحية العنف وليسوا سببا في وجوده أو استخدامه، وهم إنما يدافعون عن وجودهم واستقلالهم ودينهم.

أما الحروب التي نشأت بين العراق وإيران وبين العراق والكويت، فهي جاءت بتحريض أو استدراج من الولايات المتحدة؛ لإيجاد المبررات لإقامة القواعد العسكرية في الخليج العربي حيث آبار النفط، واحتلال العراق لحفظ المصالح الأمريكية في المنطقة وحماية (إسرائيل) الجسم السرطاني في المنطقة العربية.

والحقيقة أن الغرب يتعامل مع العرب والمسلمين في العالم من منطلق النسبية الثقافية والأخلاق النسبية، بمعنى أن نطاق تطبيق القيم الأمريكية مثلا لا يتجاوز الحدود الجغرافية للولايات المتحدة ولا يتجاوز القومية الأمريكية، فتحقيق الديمقراطية في العالم العربي ليست مطلبا غربيا، بل على العكس تماما، وما حصل في الجزائر في بداية التسعينيات من إلغاء الانتخابات التي كادت أن تؤدي إلى فوز الإسلاميين، وسكوت الغرب على قيام العسكريين الأتراك بنزع السلطة من الحركة الإسلامية التركية بقيادة نجم الدين أربكان، رغم طمأنة أربكان للغرب عن نواياه بالتقارب مع أوروبا، هو دليل على رفض الغرب لقيام ديمقراطية حقيقية تعبر عن حرية الشعوب العربية والإسلامية في اختيارها لحكامها، وتتوافق مع إرادة الجماهير العربية والمسلمة وخصوصياتها الثقافية والدينية.

وكذلك استئناف الغرب لعلاقاته مع ليبيا – بعد انقطاع طويل – وبدون أي تغيير على النظام الليبي هو دليل على ذلك، فهل أصبح النظام الليبي ديمقراطيا؟ وهل قام هذا النظام بالإصلاحات المطلوبة جماهيريا في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة حتى يقيم الغرب علاقات طبيعية مع ليبيا؟ أم أنه الطمع في الحصول على عقود للعمل في مجال النفط والغاز الطبيعي الذي تنوي ليبيا استثماره؟ لقد توافد الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني والوفود الأمريكية رفيعة المستوى الدبلوماسي إلى ليبيا طمعا بالفوز في مشاريع الاستثمار المطروحة.

ويتهم الغرب الحركات الإسلامية بأنها تستغل الدين للوصول إلى السلطة، علما بأن الحركة الصهيونية استخدمت العقيدة اليهودية لاستمالة قلوب اليهود إلى فلسطين التي أطلقوا عليها وصف «أرض الميعاد»، أما أيديولوجية المحافظين الجدد فهي تقوم على أساس ديني توراتي يدعي أنهم يمثلون الخير وأنهم لا بد أن يقهروا الشر المتمثل في الإسلام والمسلمين، وبهذا فهم يستغلون الدين أبشع استغلال في تحقيق أهدافهم.

والإدارة الأمريكية تضع وتحدد مصالحها أولا، ثم تسوق المبررات التي تؤدي إلى تحقيق هذه المصالح، وتدعمها بالنظريات والأيديولوجيات التي تعتمد أساسا على خرافات دينية ما أنزل الله بها من سلطان، وإذا كان من حق أي حزب الوصول إلى السلطة فمن حق الحركات الإسلامية أن تعبئ أتباعها وتحرك في نفوسهم المعاني الإسلامية للوصول إلى مجتمعات إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية التي هي البلسم الشافي لكل المشاكل التي حولت العالم بأسره إلى مناطق نزاع وحروب وسفك دماء وعذاب لكل البشر.

وللخروج من كل هذه المآزق، على الجماهير والحركات الإسلامية أن تقدم صورة مشرقة للإسلام للعالم، وعليها أن تنبذ وتقاوم كل المجموعات الصغيرة والأعمال الفردية التي تكرس الدعاية العالمية المناوئة للإسلام والتي تستهدف المدنيين في الغرب، ويمكن للمسلين في شتى أنحاء العالم أن يكونوا شبكة عالمية إسلامية تتفهم القوانين الدولية الداعمة لحقوق الإنسان والحرية والاستقلال والسيادة وتحترمها، وتعمل على عدم إعطاء أي فرصة للمجموعات المتهورة وللشباب المنفعل بإعطاء صورة غير حقيقية للإسلام والمسلمين أو تمثيل الإسلام والمسلين فيما يقومون به من اعتداء على المدنيين الغربيين في بلادهم.

على العرب أن لا يستهينوا بالأعمال الصغيرة التي تؤدي إلى تحقيق أهداف عظيمة على المدى البعيد، فالنظر إلى الأمور بطريقة متطرفة لا يخدم قضايا أمتنا، فهناك فضاء واسع من الأعمال التي يمكن أن نؤثر بها على الآخرين، ونعبر من خلالها عن المظالم التي يتعرض لها العرب والمسلمون في كل بقاع الأرض، ويتدرج طيف هذا الفضاء الواسع من رسائل الاحتجاج إلى مقاومة الاحتلال مرورا بالاحتجاجات والتظاهرات السلمية ومحاورة النيرين من الغربيين والتنسيق مع كل من يدعم القضايا العربية والإسلامية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي أصبحت تلقى تفهما ودعما عالميا.

لابد أن تفهم الشعوب الغربية دور حكوماتها المتحالفة مع الأنظمة العربية في كل المآسي التي ألمت بالأمة العربية من تشرذم وانقسامات وزعزعة الاستقرار، ولا بد من التركيز على انتهاك (إسرائيل) لحقوق الإنسان وخرقها للقانون الدولي فيما يتعلق بالفلسطينيين الذين يعيشون في فلسطين التي احتلت في عام 1948م وفي المناطق المحتلة الأخرى، يجب أن يتحول الدعم الغربي لهذا الكيان صداعا مستمرا في رؤوس صناع القرار الغربيين وذلك بتسليط الضوء على المعايير الغربية المتناقضة والمزدوجة في التعامل مع القضية الفلسطينية.

والجاليات الإسلامية التي تعيش في الغرب هي أهم جسر للتواصل بين الشعوب العربية والإسلامية من جهة وبين الشعوب الغربية من جهة أخرى، وهي أهم وسيلة لتقديم صورة حقيقية عن الإسلام بعيدا عن الصورة المظلمة التي يحرص أعداء الإسلام على تقديمها للغرب، ومعاناة الشعب الفلسطيني هي أهم العناصر التي يمكن استخدامها لإبراز التناقضات الغربية وتفنيد المبررات الغربية في التدخل في الشؤون العربية وإصدار التوصيات الأمريكية المتعلقة بالحريات الدينية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من منظومة الأكاذيب الأمريكية للضغط على الأنظمة العربية وترويضها لخدمة (إسرائيل) والمصالح الغربية.

ولابد من إعادة صياغة الخطاب الإسلامي وتنقيته من كل ما يؤدي إلى تشويه صورة الإسلام وتعميق الاتهامات له بالعنف والكراهية وتحريض الشعوب الغربية على الإسلام، فهناك في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تجاوزات كثيرة وعدم إدراك لطبيعة الإسلام الذي أراده الله دينا عالميا، وأن الله عز وجل أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فلا ينبغي – على سبيل المثال – أن يدفعنا ظلم الآخرين إلى الدعاء على الشعوب بالهلاك، فهذا مخالف للإسلام ويؤدي إلى تعطيل الدعوة إلى الإسلام.

الصباح الفلسطينية : 9-4-1426 هـ

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ