ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 21/06/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حوار مع المفكر العربي برهان غليون

الاستبداد العربي اليوم استبداد بأدوات الحداثة من جيش ودولة وأجهزة

مخافي - لهلالي - حنان الزلاغي

برهان غليون ليس اسما مضافا، أو يمكن أن تبحث له عن تشابه سابق، إنه اسم أساسي في الحقل الفكري وفضاء البحث ، لا يتردد في أن يعبر عن قناعاته الجريئة، وفي الغالب تصبح بمثابة مرجع

حدث ذلك عند نشر كتاب بيان من أجل الديموقراطية، ثم تكرر مع اغتيال العقل، ومازال كل مؤلف له يخلق تاريخه الخاص وقارئه. برهان غليون الذي غادر الفضاء العربي السوري منذ ثلاثين سنة ليستقر بفرنسا، من أجل البحث والتفكير العلمييين ، يستحضر دوما مرجعيته السوسيولوجية وأفقه الانساني عندما يتحدث عن قضايا العرب والعصر.

في مكناس، حيث التقيناه عندما شارك في ندوة محمد الباهي حول الحداثة وانعتاق الإنسان حذر من الاستعمالات الايديولوجية للحداثة ، كما نبه الى ما هو ثابت في تبنيها وما هو متحول.

 

منذ عقود صدر لكم بيان من أجل الديموقراطية واغتيال العقل، وكان وقتها مفهوم الديموقراطية هو المفهوم المركزي. اليوم تحتل الحداثة مركزية الحوار، هل نحن بصدد إبدالات معينة تخفي مفهوما لتبرز مفهوم أكبر؟

 

اعتقد أنه اليوم لازال على المستوى السياسي العمل الرئيسي هو توسيع جبهة التحالف من أجل حكومات ديمقراطية تستطيع ان تعيد تشكيل الوضع الاجتماعي والسياسي بشكل يفتح الباب نحو إطلاق موجة الحداثة في العالم العربي. لم تتغير الاولويات، لكن أشعر أن هناك هروبا من المشاكل الحقيقية التي يعاني منها اليسار والحركات الديمقراطية والحركات العلمانية، هناك هرب نحو مفهوم الحداثة باعتبارها مفهوما اسطوريا وليس هروبا نحو الحداثة، هروبا من مواجهة العقبات التي تواجه التحول العربي في اتجاه الديمقراطية وتحسين الاوضاع نحو تحويل الحداثة إلى اسطورة جديدة، الى إيديولوجية جديدة تغطي العجز أكثر من ما تتيح رؤية المستقبل وآليات العمل للخروج من الازمة.

 

ومع ذلك فالمجتمعات العربية تمر من مأزق كبير وفي ممر ضيق، وهناك في الوقت ذاته تقابل بين الديمقراطية والحداثة: الديمقراطية هي مطلب سياسي تدافع عنه اليوم النخبة، لكنه يتجاوز ها ..

 

لا أعتقد أن الحداثة شيء نموذجي وإيجابي نضعه في مقابل التقاليد ونقول هاهي ذي الجنة. ولا أعتقد أن هناك تطابقا باستمرار بين جميع المسارات المتعلقة بالحداثة، ولا بين انواع الحداثة المتواجدة بأنحاء العالم. كما أعتقد ان الحداثة يمكن ان تكون أيضا نازية، النازية كانت أيضا حداثة ولم تكن خروجا عن الحداثة، بمعنى ثغرة من ثغرات الحداثة والاستبداد العربي اليوم نوع من الحداثة، وهو استبداد حديث وليس استبداد السلاطين والملوك القدماء، هو لا يستقيم من دون ادوات الحداثة ومن دون الدولة البيروقراطية والجيش. من دون اجهزة الامن ومن دون كل نمط الدولة الحديثة، الحداثة ليست بالضرورة كلها ايجابية. ولا تؤدي بالضرورة الى إيجابيات، نحن مجتمعات حديثة في العالم العربي، لكن المجتمعات الحديثة حداثتها في مأزق، بدل ان تتقدم في الاتجاه الايجابي تتقدم بإتجاه سلبي، نحن لم نعرف معنى الحداثة. هذا ليس له علاقة بالتراث نحن عرفنا الحداثة في عدة صور كلها سلبية، هذا ما يستحق النقاش. عرفناها في صورة الاستعمار، دخلت الحداثة في البلدان العربية عن طريق الاستعمار ، هذا واقع لايمكن ان نخفيه هذا ما أعطى للحداثة سمة معينة عند العرب عن طريق الدولة البيروقراطية والنخب المنفصلة عن الجماهير والمتغربة. هذا ليس خطأ تاريخيا، بل هذا تاريخ. أصبحت الحداثة تحصل أكثر وأكثر اليوم بدعم من نخب تشعر بالخوف من الجماهير وتعزله. وتنادي بالمستنير العادل والمستبد المستنير وتخاف من أي انفتاح على الشعب حتى لاتفقد سيادتها ومواقعها المهددة بالجمهور المغيب والجاهل ولم تعمل عليه اطلاقا، اذن المشكل الحقيقي يكمن بنمط الحداثة التي نعيشها بالبلدان العربية والذي تطور في البلدان العربية. هل نستمر في إغماض عيوننا عن هذه العيوب التي تعاني منها حداثتنا ونحن بحداثة أخرى ونعتبر هذا تراثا ونلغي التفكير في ما نحن فيه، نهرب من المشكل أن نواجه . كيف نجعل من هذه الحداثة العوراء والمشوهة حداثة حقيقية تعكس القيم النموذجية للحداثة، تعكس المرجعية القيمية الحقيقية، بمعني الحرية وتعكس القيم وأخلاق الذاتية الفردية في العقل والاستخدام الايديولوجي للعقل، أخلاق التسامح، اخلاق الآخر حتى وان كان هذا الآخر مختلفا عنا جدريا عن افكارنا على الاقل نحترام وصفه انسانا بقيمته، رغم افكاره، حتى الذين يتحدثون باسم الحداثة ليسوا بالضرورة حديثين في سلوكهم متمثلين بقيم الحداثة يمكن للأشخاص الحديثين ان يمارسوا السياسات المغرقة في المحافظة والتقاليد ونحن نشاهدها في اتجاه المرأة المختلفة الرأي، اتجاه الفقير والفلاح، كما أن هناك بعض الاشخاص حاصلين على شهادات عليا يعاملون الشعب كالعدو فمثلا الحزب الحاكم لتركيا بأفكار اسلامية معدلة، لاتكون أكثر دينامو لتحديد الام التركية لدفع الناس الى المشاركة، يعني الحداثة ليست ملتصقة وليس كلها متطابقة ولا تنتج دائما أشياء ايجابية. ينبغي العمل على الحداثة، الاوربيون لم يصلوا الى ماهم عليه اليوم من قيم وتضامن وعدالة و مؤسسات عاملة ناجحة في خلال يومين. هم لم يدخلوا للحداثة لأنهم قالوا في يوم من الايام ان الانسان مهم. هذا غير صحيح، لأنهم منذ 5 قرون يتصارعون ويتقاتلون. وقتل الملايين في الحرب الأولى والثانية ولايزالون يقتلون بالخارج كالحرب بالعراق وافغانستان وفلسطين، هم تعبوا حتى اعادوا بناء مجتمعاتهم على الاسس التي نعرفها اليوم، ومنذ عشرين سنة كنت في فرنسا. كانت هناك مدن صفيح . نحن نتصور ان العالم يخلق فجأة لانه قرر عمل اختيار حداثي، اصبح عادلا وعظيما وحرا. هم ايضا سبق ان عانوا من الفقر والجوع والنازية والاستبداد. وقتل البعض وسحق الناس واعتقل اخرون، لانهم لم يقولوا نحن قدماء ولاحداثيون ولم يضعوا الحداثة امام التراث. ولم يغرقوا فيما اسميته السفسطة الايديولوجية والفكرية. بل قالوا ان هذا النظام يجب اصلاحه. وقد تصارعوا حول ذلك ، اذ قل عدد الفقراء وعدد مدن الصفيح. وقل الظلم واصبح هناك قانون يضبط اكثر سلوك الافراد وخاصة المسؤولين ويمنع الرشوة. منذ عشرين سنة في فرنسا كان الموظف اذا اخذ بيتا بفضل السلطة التي يمارسها على الآخرين يصبح ملكه وكان ذلك شيئا عاديا، واليوم كل من يأخذ شيئا من الامتيازات من المسؤولين يعتبر مجرما، هذا يعني ان مفاهيم المجتمع تتطور. اذ ليس هناك شيء اسمه الحداثة الثابتة والجاهزة والنموذجية. مشكلتنا نحن في العالم العربي. اننا ننظر الى الحداثة كما لو انها شيء مثالي ونموذجي، ونحن في قلب الحداثة لكن لا نريد ان نصلح الاخطاء التي تتخبط فيها مثلما فعل الآخرون حتى استصلح حالهم.

 

في كتاباتكم السابقة اعتبرتم أن نفس الفئات التي حملت المشروع القومي، ثم المشروع التقدمي الماركسي تحمل اليوم المشروع الاسلاموي، ألا يطرح هذا سؤال الفئة الاجتماعية التي عليهاأن تحمل مشروع التحديث، ألا نعيش ارتباكا في الحامل الاجتماعي للحداثة؟

 

أنا قلت بأن نفس الجمهور الذي كان يتبع الحركات القومية واليسارية، أو الجزء الكبير منه يتبع اليوم الحركات الاسلامية، هذا يعني ان الجمهور يتبع القوة المعارضة للنظام، التي لها مصالح متضاربة مع المنظومة القائمة، وهي كالقوة الجارفة فهنا لا يتحكم الوعي والاختيار النظري عند الجمهور الذي يمثل الكتلة الكبيرة المتضررة المصالح، نجد نافذة مفتوحة باسم الديموقراطية. او باسم العدالة الاجتماعية الماركسية او بأي اسم تحارب النظام فنمشي وراءها. في الوقت الذي كانت فيه الحركات اليسارية كان الكل يمشي وراءها، فلم يكن الناس يعرفون ماركس ولينين و لا يعرفون الخلافات التي كانت بين ماركس ولينين طبعا، لا، بل كانوا يرون قوة معارضة للنظام مرتبطة بمنظومة عالمية كبرى لها امل بتعديل الامور فمشت معها، ولما وصلت هذه الحركة إلى طريق مسدود وخاصة بعد انهيار التجربة السوفياتية، اختا اصحابها اليوم تيارات اخرى، التيارات الاسلامية التي بدت وكأنها أكثر قوة نقدية للنظام. ليس بمعنى معارضة منظمة، لكن نقدية بجوهر تفكيرها وجوهر سلوكها، فمثلا تجربة الجزائر واضحة، اذ ان كتلة كبيرة من الجمهور انتقلت خلال فترة قصيرة جدا لتصبح مع قيادة اسلامية هي نفسها لم تتبلور بعد، يعني علي بلحاج و عباس المدني وغيرهما والحركة تكونت خلال سنتين واصبح عندهم الملايين، وهذه الكتلة نفسها انكفأت بسرعة كبيرة لانها لم تكنن وراء عقيدة واضحة، بل كانت وراء مشروع تغيير. انت تقترح صراع مع السلطة، أنا أرفضها وأسير معك، الآن. أعتقد بأن الموجة انحصرت، بمعنى اتجهت في طريق مسدود، فخلال السنوات الماضية فشلت بعض النظم قامت على الدعوة بمعنى على النظم الاسلامية كمافي السودان وأفغانستان،، واليوم في العراق . ،بهذا الخصوص الأحداث الاسلامية تدخل العراق في حرب أهلية، كما نجحت الدول في بعض البلدان في أن تكسر شوكة الحركات الاسلامية، هناك شعور بالمأزق أيضا عند الحركات الاسلامية وهذا ما تراهن عليه الحركات الديمقراطية وحركات المجتمع المدني التي ليست لها قاعدة إطلاقا، قاعدتها هي أن الخائبين، أي من سيخيب ظنهم في قدرة الحركات الاسلامية على إنجاز التغيير سينتقلون إلى نمط جديد من التغيير، هو التغيير بضغط السلمي و بالحوار إلى آخر. الان هناك طريق مسدود وهذا أصل الضياع ولم نتقدم كثيرا في خط الديمقراطية والنشاط المدني لماذا؟ لأن هذه الحركة لاتختار العنف ولا تختار الصدام، بل تختار الطريق السلمي للتغيير، وهذا ما يفترضه الحوار إذ يفترض الحد الأدنى من المفاوضة، أي منطق المفاوضة مع السلطة وحال السلطة العربية ترفض أي حوار وأي مفاوضة. لاتقبل إلا بالعنف، لذلك أنا لا أستبعد أنه بعد عشر سنوات يعود العنف بطريقة مختلفة تحت مظلة إسلامية أو غير اسلامية، مثل ما ظهر بعدد من البلدان بآسيا وأمريكاأي قيادات إجرامية تجمع بين الجريمة وبين السياسة، عصابات تتمرد. هناك النقمة الاجتماعية، لأن هناك شروطا تسمح بعدم الرضى عن الوضع، الطوفان لما تضع في طريقه سدا يحاول كسره، لكنه لايستطيع فيأخذ مسارا آخر، قد تكسب أنت الوقت لكن في لحظة من اللحظات يمكن أن ينتصرالطوفان إن لم نستطع حل المشاكل شيئا فشيئا، يكون هناك طوفان قوي يكسر كل السدود التي وضعتها.

 

نعيش ايا نزعة ماضوية، قد تعطي للحداثة مفهوما نهضويا..

 

المجتمعات العربية ليست لديها طموحات ونزعات ماضوية على الإطلاق، المجتمعات العربية لديها طموحات حديثة جدا: نريد المساواة، نريد القانون، نريد العدالة، هذه كلها حديثة لو كانت ماضوية لقالت المجتمعات إن الناس طبقات والله خلقهم درجات، والسيد سيد والخادم خادم، لا.المجتمعات تتحرك تماما بالقيم الحديثة لأنها مثلتها، لماذا فلان ولست أنا وأقول لك هذا خطاب نقد النظام وليس للممارسة، الممارسة هو لماذا أريد أن أغير النظام،لأنه ليس هناك عدالة، ماذا يقول الاسلاميون وغير الاسلاميين، الاسلاميون هم أيضا بشر، البشر الذي يمثله الاسلاميون هو المجتمع، ماذا يطلب، أيقول العودة إلى حكم السيف وقطع اليد كما حصل في السودان. هذه النخب الجديدة المنحطة تحاول التوجه في هذا الاتجاه، لكن المطالب العميقة للمجتمعات هي مطالب حديثة المساواة العدالة وغيرها، لكن النقطة المهمة الثانية بالسؤال، أنا أعتقد أن للغرب مسؤولية جوهرية عن المأزق الذي نعيشه لأنه استعمرنا ،،الخ... كل هذا أصبح من الماضي، في الثمانينات كان واضح أن مشروع التحديث في كل العالم الثالث وليس فقط في العالم العربي، أي ما سميناه في ذاك الوقت بحركات التحرر الوطني والبلدان المتحررة حديثا من الاستعمار لديها مشروع اعادة بناء سياسي واقتصادي وتصنيع. هذه هي الحداثة المادية . ولنسأل :ما معنى الحداثة إذا كنت اسمع بالعمل وأنا لا أعمل عن أي حداثة تتحدث، ما معنى العدالة إن كنت تقول لي أن هناك قانونا ودولة، لكن ابن المسؤول يدوس على رأسي بحذائه ولا أحد يعاقبه، هذه ليست حداثة، نحن نعيش في نظم لا تحترم الانسان وبالتالي هي تعادي الحداثة. ومسؤولية الغرب انه كان عليه ان لا يسمح بانهيار حركة التحرر الوطني لإعادة البناء الاقتصادي للشعوب النامية، وعلى هذا الاساس ، لا يسمح بانهيارالحركة الديمقراطية حتى وإن لم تكن ديمقراطية بالمعنى السياسي المباشر، بل بمعنى حركة نقل المجتمعات نحو الحداثة وهو أمر مرتبط بنجاح هذه المشاريع ونتذكر في سنة 1974 أثير نقاش انتقل إلى الامم المتحدة حول اسعار المواد الاولية والتبادل المتكافئ وعبر العالم الثالث عن مشروع إعادة النظر لانقاذ مشروع التنمية في البلدان النامية، الغرب رفض ان يقدم اي إعانة للنخب التحديثية الديمقراطية بالمعنى العميق التي تريد الخروج من القرون الوسطى، ويساعدها على التقدم وهو الذي قتل الفكر الليبرالي والفكر العلماني بالعالم العربي، لأنه تخلى كليا عن مشاريع التحديث، أما بالنسبة للعالم العربي فقد قام بأكثر من ذلك، فقد تخلى عن مشروع الحداثة وحطم كل مشروع محلي يخلق شروط تقدم أكثر وحداثي بمعنى مشروع التكتل العربي الذي كانت وراءه الحركة القومية العربية. فالقومية العربية ،حولها كلام عام وايديولوجي كثير، لكن المشروع كجوهر يعني التكثل العربي و سوق عربية مشتركة واسعة تسمح بتطور الصناعة والتكنولوجيا والعلوم.. الخ كسرها الغرب بحجة ان عبد الناصر كان هتلر الثاني وكان يهدد الغرب. اضافة الى موقف الغرب في مسألة فلسطين التي محورت كل صراع الامة العربية من المحيط إلى الخليج ، لأن شعب من 300 مليون نسمة لا يستطيع ان يقوم بأي فعل للتضامن مع شعب في تجاه 5 ملايين مدعمين ومدججين بالسلاح وبكل أنواع الاسلحة بما فيها الاسلحة النووية من الغرب. اساء الغرب لتجربة التحديث في العالم العربي اساءات متعددة ولا يزال مستمرا بنفس الاساءة عن طريق حرب العراق والسيطرة على الخليج باسم النفط والدفاع عن اسرائيل وتبني السياسات الاكثر تطرفا باسرائيل وآخر ما عمله الغرب التبني الكاذب لمشروع الديمقراطية، حتى هذا لم يسمحوا لنا أن نبقى مستقلين فيه ويبدو كما لو أنه مطلب محلي وجزء من مشروع النخبة الجديدة والمتجددة بالعالم العربي وجعلوا كما لو كان مشروعا خارجيا ومرتبطا بالمصالح الخارجية.

 

لكن هل يمكن القول أن مشروع التحديثي ليس أمامه أفق؟

 

عندما تشعر الشعوب بالامل، كما فعل الاتحاد الاروبي مع تركيا،ليس فقط بالوعد بالدخول في الاتحاد،بل باستثمار المليارات من الدولارات التي تخلق فرص العمل، وتطور الصناعة، وتعطي للانسان شعورا بأن الحداثة فيها ايجابيات وليست كلها قتل وضرب وسجن كما هو الحال بالبلدان العربية، عندما يتم ذلك يحدث التحول.حتى الاسلامين تحولوا من الداخل واصبحوا مقتنعين بالعمل مع الغرب الحديث وادركوا أن الحداثة منظومة دولية وليست قضية اختيار بمعنى انه إما أن افاوض حتى ادخل الحداثة أو اقبل بحداثة هامشية. فنحن لسنا مخيرين في الحداثة أو التراث لم يعد احد قادر على العودة إلى التراث مهما حصل وإنما سنبقى في اطار حداثة رثة فقيرة، ضعيفة بدون قيم ولا روح. . الغرب المعني هنا كنظام وكمنظومة سياسية وعامة، و ليس كمجتمعات ،لأن هذه الأخيرة يوجد بها تضامن مع القضايا العربية اكثر من العالم العربي، التظاهرات التي نظمت في العشرين سنة الأخيرة كانت لدعم القضايا العربية. كفلسطين ودعم الشعب العربي، وانتهاك حقوق الانسان من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وفضح الجرائم الامريكية بالعراق من قبل المجتمعات الغربية اكثر من المجتمعات العربية. المجتمعات العربية في اطار الحداثة التي سميتها الرثة، ليس لديها حتى القدرة على ان تعبر عن رأيها، عن الجرائم التي تحصل في البلدان العربية. الغرب مسؤول مسؤولية اساسية اضافة الى أنه دعم دعما مباشرا وإراديا وواعيا النظم الاستبدادية لفترة طويلة ولايزال يدعمها.

 

هل العلمانية شرط اساسي لكي تتحقق الحداثة الديمقراطية بالعالم العربي؟في الوقت الذي يقبل الاتراك الاسلاميين التغيير ويرفضه امثالهم في الحركات الأخرى..

 

نرجع اولا الى الاسلاميين في تركيا، ليس صحيحا ان الاتراك تغيروا ،و الحركات الإسلامية غير التركية لم تتغير. لا استطيع ان اقول ان العرب لا يتغيرون والاتراك تغيروا. العرب يتغيرون ان فتح لهم الافق. الاتراك فاوضوا والنظام العسكري الذي كان قبل التفاوض. لا أحد يعطي شيئا لأحد في السياسة.وقد شعرت الطبقة الحاكمة ايضا انها تملك أمةو دولة،وليس كما يحدث عندنا أي حكم المزاج الفردي، كما شعروا انه لا يمكن وقف الموجة الابكسر تركيا، فالحكام العرب مستعدون دائما لتكسير الدولة لأنهم لا يملكون مفهوم الدولة. وقداختار الاسلاميون التفاوض، وكان شرط دخولهم للحكم هو قبولهم بالقوانين العلمانية. طلب منهم احترام ان الدولة تتعامل مع المواطنين كأفراد مواطنين دون النظر الى ديانتهم او ايمانهم وعدم ايمانهم. اختار الاسلاميون عدم التدخل في ديانة الافراد باعتبار ان ذلك يكون بين الفرد وربه. وهذا ما جعلهم ينجحون ويصلون الى الحكم وهم ايضا سينجحون في الانتخابات القادمة. وقد قبلوا بالمفاوضات والتنازل لأن الاخرين ايضا قبلوا بالتنازل والمفاوضات لصالح المجتمع. اعتقد ان المشكل ببلداننا العربية هي انه ليس هناك مبدأ مفاوضات اطلاقا، لانه ليست هناك سياسة، والمفاوضات تعني السياسة ، تعني الاعتراف بالاخر وبوجوده. يقول انت قوة موجودة وانا اختلف معك في هذه النقطة، لنتفاوض حولها وإذا قبلت بها أنا مستعد للتعامل معك، وهذا ما حصل بتركيا فهل هناك نظام عربي يقبل التفاوض؟.

 

في الجزائر كان برنامج الإنقاذ ينص على أن جميع التشريعات يجب أن تستمد من القرآن والسنة، بمعنى أن هناك ارتباطا وطيدا بالدين ولا مجال نهائيا للفصل بين الدين والدولة. وهذا بطبيعة الحال، يعني لا حق في ممارسة السياسة بالنسبة للمواطن، لأن السياسة محددة كهدف وممارسة. وأيضا حركة الإخوان المسلمين في مصر؟.

 

الإخوان المسلمون في مصر وسوريا منذ الخمسينات يلعبون لعبة التعددية والديمقراطية، وكانوا نوابا بالبرلمان، وهم لم يخونوا اللعبة الديمقراطية. إذا أردنا قول الحقيقة، بعض الإخوان المسلمين في سوريا ومصر حملوا السلاح في الثمانينات، لأن الأمور كانت مسدودة كليا، وهذا ليس تبريرا هم أخطأوا ودفعوا الثمن، لكن الخط العام للإخوان المسلمين بالعالم العربي ليس خطا جهاديا، ولا تكفيريا، بل خطا سياسيا، كانوا قد بدأوا بتقاليد سياسية. اليوم الإخوان المسلمون بمصر وسوريا يلعبون لعبة تعددية، ولم يفعلوا مثل جبهة الإنقاذ التي كانت ثمرة عدم النضج ، وهي البلد الوحيد الذي ليست له تقاليد حركات الإخوان المسلمين، الإخوان المسلمون الجزائريون هم حماس حركة السلم الاجتماعي. هؤلاء هم الإخوان المسلمون، وفي النهاية هم تعاملوا مع النظام أكثر مما تعاملوا مع الحركات التي كانت تختلف معهم. الفيس حركة شعبوية من أعماق الثورة الجزائرية بمعنى أنها رد فعل أشخاص ملتحقين بالثورة الجزائرية ومؤمنين بها مثل عباسي المدني، شعروا بالخيانة من قبل النخبة البيروقراطية التي استخدمت كل موارد البلاد لخدمة مصالحها الشخصية، هناك نقمة حقيقية. طوفان ضد النظام القائم.

 

بصفتكم كمراقب للأوضاع بالعالم العربي بصفة عامة كيف ترون الأوضاع بالمغرب؟

 

أعتقد أن الشيء الاستثنائي بالمغرب إلى حد الآن، أنه نجح في تفادي الانفجار الذي عاشته معظم البلدان العربية. لا أعتقد أن الوضع مثالي ولكنه نجح لأنه أدخل مبدأ المفاوضات ،و اعترف بوجود الآخر، و بوجود المعارضة بما فيها الحركات الاسلامية.الآخرون يريدون القضاء على المعارضة الاسلامية والعلمانية حتى ينفردوا بالحكم، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة كارثة حقيقية كما هو الحال بسورية والعراق التي تغلق الباب كليا، مما يؤدي إلى انفجار الجمهور. أعتقد أنه لايزال هناك طعم للسياسةفي المغرب.هناك أيضا فكرة المصالحة التي تعبر عن أن عنصر السياسة موجود بالنظام، عنصر الأخذ والعطاء وعنصر المفاوضة مهما كان محدودا، وهذا ما يراهن عليه المغرب بالمقارنة مع الأنظمة الأخرى المغلقة تماما، ففي مصر مثلا لاتوجد هناك مفاوضات مع أحد، بما في ذلك التجمع التقدمي الوحدوي : ممنوع المظاهرات، ممنوع الاجتماع وفي سوريا نفس الوضع: المعتقلون المثقفون كلهم علمانيون ولايوجد منهم أحد اسلامي، فقد اعتقلوا لا لأنهم طالبوا بالديمقراطية بل لأنهم وقعوا بيانا مع اللبنانيين يطالب بعلاقات متوازنة بين سوريا ولبنان. كيف نريد لهذه المجتمعات أن تقبل بهذا الوضع إذ بدلنا السياسة بسلاح الادعان.

 

هل هناك أفق للوصول إلى الدولة الوطنية الديمقراطية؟.

 

نحن تجاوزنا الدولة الوطنية والدولة الديمقراطية بمعنى الدولة الوطنية الديمقراطية، أنا من الأشخاص الذين يعتقدون أن الأزمة بالعالم العربي أزمة عميقة ومختلفة من بلد إلى بلد، يعني يصعب توحيد كل البلدان، فمثلا في بلد مثل المغرب الأفق ليس مسدودا .شخصيا لا افضل الحديث عن دولة أكثر عدالة، أكثر احتراما للقانون، أكثر احساسا بمشاكل الناس.إن السياسة ليست مصالح خاصة ومناورة من أجل الحفاظ على المصالح الخاصة لفئة معينة سيطرت على مواقع رئيسية في الدولة، بل هي خدمة عمومية، وإذا أدخلناهذا المعنى نكون قد تقدمنا كثيرا .

 

اي سيناريوهات للعالم العربي مستقبلا؟

 

قد ندخل حربا أهلية ونصبح في وضع يشبه الصومال بعد عشر سنوات أو ربما قد نصبح مثل أفغانستان، نقتل بعضنا البعض. وهناك بلدان أخرى مثل الخليج لها مسار مختلف كليا. الخليج يعيش في ثراء مادي استثنائي وحماية أمريكية . واليوم تتنافس دول الخليج في بناء أكبر عدد من الأبراج التي ينبغي بناؤها في الأربع سنوات القادمة، وهم عالم ليست له علاقة مع عالمنا. عالم البلدان العربية الاخرى التي تبحث عن إيجاد فرص عمل للمواطنين،من جهة أخرى، أشعر أن بلدان المغرب العربي ليست فقط المغرب الأقصى لديها شروط تسمح لها بالتحول بشكل أفضل إذا كان هناك وسيط خارجي، أي قوة ضغط خارجية ليست عسكرية ولا سياسية، وإنما قوة ضغط معنوية تدفع النخب الحاكمة الى أن تفتح حوارا جديا مع المعارضات، وتعترف بالمعارضة وتقبل بها. بتونس أيضا الوضع مسدود ليس لأن المجتمع غير قابل وليس لأن فيها إسلاميين، وليس لأن البلد متخلف اقتصاديا، بل لأن النخبة الحاكمة لا تريد أن تشارك أحدا على الإطلاق، يريدون احتكار كل شيء، وهذا وضع خاص وواضح. بمصر نفس الوضع تقريبا، الحزب الحاكم والرئيس الحاكم يريدان ان يكرسا الحكم لابنه ولعائلته ولحزبه. هذه الانسدادات هي التحدي الرئيسي: كيف سننجح في كسر هذه الانسدادات لفتح أفق المفاوضات بين الاطراف الداخلية؟ لن تكون هناك ثورات، و ستكون هناك انفجارات دموية، أي سنضيع الوقت أكثر مما سنربح أي شيء آخر، التحدي أمام النخب في الحكم وأمام النخب المستقلة إذا استطاعت فرض فتح المفاوضات على النخب المستقرة في الحكم. في مقال سبق أن كتبته، دعوت إلى خلق مجلس للوساطة العالمية، للوساطة الدولية يتكون من شخصيات لها وزن معنوي كبير جدا مثل مانديلا وآخرين، أشخاص يتدخلون كوسطاء لاقناع النخب بأن هذا الطريق مسدود، و لابد من الضغط المعنوي اليوم من أجل فتح المفاوضات التي يمكن أن تؤدي الى بدء ديناميكية فتح النظم على المعارضات والشعب، إذ يجب فتح النظم على النخب المعارضة وشيئا فشيئا تفتح على الشعب.

ـــــــــــــــــــ

الاتحاد الاشتراكي المغربية 13-6-2006  

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ