العدوان
الإسرائيلي على لبنان
وأهدافه
الإستراتيجية
الشامخ
إدريس
كم كان دقيقا
استطلاع الرأي الذي أجري قبل
سنتين في
أوربا
حينما ذهب إلى تحميل الكيان
العبري مسؤولية فقدان السلم في
عالم اليوم بأغلبية 56 في المائة ممن شملهم
الإستطلاع, والوقائع اليوم تؤكد
مرة أخرى أن من
يحكمون
في " إسرائيل " عازمون على
جر المنطقة والعالم إلى فوضى لا
حدود لها, بتصرفاتهم الهوجاء وعدائهم
المحكم لكل الحقوق العربية
المشروعة, إذ كيف يمكن تفسير
إمعان
الإحتلال الإسرائيلي في قتل
الشعبين العربيين في لبنان
وفلسطين, وتدمير مقدرات البلدين, بذريعة تحرير
ثلاث جنود أسرتهم المقاومة, دون
اكتراث لعواقب كل ذلك
على
أمن المنطقة والعالم. من الخطأ
الإعتقاد بأن رقعة المواجهة
ستبقى محصورة فيما هي عليه الآن في حال استمرار
العدوان الإسرائيلي, وقد رأينا
كيف انتقلت حمى
المواجهة
من الأراضي المحتلة إلى لبنان
في ظرف وجيز بسبب الأعمال
الوحشية للجيش الإسرائيلي التي لم ترحم
الأطفال والنساء والشيوخ, وهي
بكل تأكيد تضل قابلة للتمدد
إقليميا
إذا لم يتم تطويقها بالطرق
المناسبة.
لا يمكن لعاقل أن
يقتنع بالذرائع الإسرائيلية
حول
تحرير
أسراها في تبرير حربها القذرة
الموغلة في الإرهاب والقتل
والتدمير في غزة ولبنان, نظرا لما يستهدفه
العدوان الإسرائيلي من أهداف
مدنية كالمباني السكنية
والبنية
التحتية ( طرق, جسور, محطات
كهرباء ومدارج مطار بيروت... )
ومؤسسات مدنية وسياسية لا علاقة لها بالعمل
العسكري. مما يوحي بأن لهذا
العدوان الجبان أهداف أخرى
متنوعة
تتجاوز قضية تحرير الجنود
الثلاثة, إلى فرض مشاريع سياسية
وعسكرية جديدة لتغيير الوضع برمته ودفعه نحو
تحقيق أهداف استراتيجية معينة,
ويمكن رصد بعضها في
الآتي:
أولا, إعادة قوة
الردع للجيش الإسرائيلي بعدما
مرغت
عمليتا
الوهم المتبدد البطولية والوعد
الصادق وجهه بالتراب, لاسيما
وأن العمليتين كانتا متقاربتين زمنيا,
وناجحتين بكل المقاييس
العسكرية, بحيث أدت إلى قتل جنود
وأسر
آخرين مقابل خسائر قليلة في
صفوف مقاومة محدودة الخبرة
والعتاد, الشيء الذي اعتبر إهانة كبيرة لجيش يعتبر
هو الرابع عالميا من حيث
التجهيز والقوة,
ثانيا, ضرب لبنان
وتدمير بنياته التحتية ومعاقبة
المواطنين
الأبرياء لتأليب الرأي العام
اللبناني ضد حزب الله لتكسير
الإجماع الوطني الذي نجح حزب الله على مدار
السنوات الماضية وخصوصا منذ
الإندحارالإسرائيلي من جنوب
لبنان
في أيار من العام 2000 في حشده
لصالح المقاومة وسلاحها,
وبالتالي إعادة رسم تضاريس الخريطة السياسية
اللبنانية من جديد بما يخدم
المطامح الإستراتيجية لأمريكا
و"إسرائيل"
في المنطقة, وهذا هو السر تحديدا
في استهداف كل ما له صلة بحزب
الله من أماكن نفوذ, ومقرات حزبية,
ومؤسسات إعلامية وبنى مقاومة,
ثالثا, خلق وقائع
جديدة على الشريط الحدودي, ربما
تكون
شبيهة
بما كانت عليه الأمور قبل أيار
2000, لإضعاف قدرة الردع لدى
المقاومة بما يحفظ أمن المناطق الشمالية في
فلسطين المحتلة من ضربات صواريخ
حزب الله, ويمهد لفرض
نشر
الجيش اللبناني على الحدود
المشتركة كشرط مسبق لنجاح أي
تسوية سلمية مستقبلية, ونزع سلاح حزب الله تماشيا مع
القرار 1559 .
رابعا, توجيه رسائل
تحذيرية للحكومة اللبنانية عبر
استهداف
البنية التحتية ومطار بيروت
وأماكن في العاصمة بيروت رمز
السيادة اللبنانية وقلبها النابض, لعدم تعجيلها
بتطبيق القرار 1559 وقيامها بفرض
سيطرتها على الجنوب
وترك
الساحة مشرعة أمام حزب الله
وعملياته الهجومية.
خامسا, توجيه رسائل
تحذيرية لدول معينة في المحيط
الإقليمي
تتهمها "إسرائيل " وأمريكا
بدعم المقاومة في فلسطين ولبنان,
بأن أي اعتداء على الأمن الإسرائيلي
سيقابله رد حاسم وتدميري, وأن
لاأحد في هذا العالم بقادر على
وقف
الآلة الحربية الإسرائيلية.
أمام كل هذه
المشاريع الإسرائيلية لاخيار
للمقاومة
والشعب
اللبناني إلا الصمود ومواجهة
العدوان الشامل بعدوان مماثل,
كما برهن على ذلك التكتيك الحربي المتدحرج
للمقاومة في الرد على كل فعل
بفعل مشابه, فمقابل قصف
المدنيين
اللبنانيين قصفت البلدات
الشمالية لفلسطين المحتلة,
ومقابل قصف مطار بيروت قصفت مطارات إسرائيلية, ومقابل
قصف خزانات وقود لبنانية قصفت
خزانات وقود
إسرائيلية,
ومقابل قصف العمق اللبناني
وتحديدا الضاحية الجنوبية
لبيروت توعد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر
الله بتغيير قواعد اللعبة, وشن
حرب مفتوحة مليئة
بالمفاجئات
قد تطال شظاياها العمق
الإسرائيلي, بما يسمح بوجود
حالة من توازن الرعب بين الطرفين رغم الخلل الحاصل
في ميزان القوى. لذا فإن كل
المتتبعين لتطورات الأمور
يرجحون
تدهورا خطيرا في الأيام القليلة
المقبلة, وربما اتساعا لرقعة
المواجهة لتشمل أطرافا إقليمية أخرى بعد تلميح
وزيرة الخارجية الإسرائيلية
تسيبي ليفني, بمباركة
أمريكية,
لإمكانية استهداف سلاح الجو
الإسرائيلي لسوريا, ورد الرئيس
الإيراني أحمدي نجاد على ذلك بالتهديد بتوجيه
ضربة شرسة لـ " إسرائيل "
وفاءا لمعاهد الدفاع
المشترك
التي وقعها البلدان مؤخرا, إنها
معادلات حربية خطيرة آخذة في
التفاعل والتبلور بسرعة كبيرة, وقد تصل
نيرانها إلى عموم المنطقة ما لم
يتم تدخل عاجل للجم
العدوان
الإسرائيلي.
وللأسف, فإن "
إسرائيل " اليوم لاتستقوي في
حربها
القذرة
ضد الشعبين اللبناني
والفلسطيني بالدعم والمباركة
الأمريكية والتفهم الأوروبي فحسب, بل أصبحت حتى
المواقف الغريبة والمخزية لبعض
الدول العربية
كالسعودية
ومصر والأردن في التبرأ من
أعمال المقاومة سواء في فلسطين
أو لبنان, ووصفها بالمغامرة غير المحسوبة..
سندا يستقوي به الكيان الغاصب
في التمادي في غطرسة
القوة
والإجهاز على كل صوت حر مقاوم,
والأدهى من ذلك أن نجد الممثل
الإسرائيلي في مجلس الأمن يستدل في خطابه أمام
المجلس في معرض الدفاع عن
الجرائم الإسرائيلية
بلبنان
بمواقف بعض القوى اللبنانية
المحسوبة على كتلة 14 آذار,
وتحديدا كلام النائب مروان حمادة الذي قال فيه "
سوريا تأمر وحزب الله ينفذ
ولبنان يؤدي الثمن " , وموقف الحكومة
اللبنانية برئاسة السنيورة
التي قالت أنها لاتعلم بالعملية
ولاتتحمل مسؤوليتها ولا تتبناها كما جاء
في كلمة ممثل لبنان بمجلس الأمن.
الموقف العربي الذي
طالما انتظرته الجماهير
العربية
وراهنت
عليه في دعم المقاومة والشعبين
العربيين الللبناني والفلسطيني,
قد يصدق عليه المثال العربي الذي يقول "
تمخض الجبل فولد فأرا ", إذ
جاء باهتا ومعاكسا لرغبة
الشعوب
ومتناغما تماما مع المنطق
الإسرائيلي, فهو لم يرق حتى إلى
الموقف الأوروبي وموقف الفاتيكان!! فبأي حق يمكن
الحديث من الآن فصاعدا عن
التضامن العربي واتفاقية
الدفاع
المشترك وبلد عربي مسلم كامل
السيادة يتعرض للإبادة
والحصار؟ وأي معنى للجامعة العربية وأي دور مرتقب
لها, وما الجدوى من اجتماعها
المرتقب إذا كانت
المواقف
المرتقبة مطابقة لتلك التي تم
تسريبها في وسائل الإعلام على
سبيل الإختبار وقياس حجم التفاعل الشعبي معها
قبل إضفاء الطابع العربي الرسمي
عليها؟
مجلة
العصر 14/7/2006م
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|