الديمقراطية
المحافظة ..
طرح
الإسلاميين الأتراك
محمد
عبد القادر*
يطرح إسلاميو
العدالة والتنمية الأتراك فكرة
"الديمقراطية المحافظة"،
ويعتبرونها الحل الأمثل
للتوفيق بين المتناقضات التي
تعيشها تركيا بما يساعدها في
تحديد "هويتها الحائرة"
بين الإسلامية الشرقية
والعلمانية الغربية، فما
حقيقتها، وفي أي سياق ظهرت،
وماذا يتبقى من "الإسلامية"
في طرح "الديمقراطية
المحافظة" كما يتبناها
الإسلاميون الأتراك؟.
* تكتيكات حزب
العدالة:
تأسس مشروع حزب
العدالة على عدد من العوامل -التكتيكات-
أوضحتها تصريحات نخبته
وسلوكياتهم، بل ووظفت في وضع
قيود على تحركات الأطراف
الأخرى، سواء في الداخل التركي
أم في خارج تركيا. ولعل أهم هذه
العوامل:
1- إنكار أن الحزب
يمثل حزبا دينيا، أو يستند إلى
أي مرجعية إسلامية، أو أنه يسعى
إلى توظيف الدين في تحقيق أي من
أهدافه، أو أن الحزب يمتلك
مشروعا غير معلن للنيل من مبادئ
الدولة الممجوجة بفلسفة
علمانية، حيث أكد "العداليون"
على أن تركيا ليست دولة إسلامية
وإنما بلد ديمقراطي أكثرية
سكانه من المسلمين.
2- إبداء الاحترام
للهالة التي تحيط "بموروث
أتاتورك"، والتأكيد على أن
مبادئ مشروع أتاتورك القائمة
على النظام الجمهوري
والديمقراطية والعلمانية ودولة
القانون هي الأسس التي تستند
إليها تركيا في مختلف الأوقات.
3- التركيز على
نواقص العلمانية التركية
مقارنة بنظيرتها الأوربية؛ إذ
تحترم الثانية الدين ولا تتدخل
في شأنه، في حين ترفض الأولى
الدين وكذا مظاهره، وتمسك
بإدارة شئونه وترسم مساراته
الاجتماعية والسياسية.
4- البحث عن آفاق
جديدة للأحزاب الإسلامية في
تركيا، تتجاوز أخطار التمترس
وراء مقولات أيدلوجية لم تأت
إلا بزيادة الخناق على هذه
الأحزاب وإشاعة مزيد من الشكوك
حول صدق نواياها وأهدافها بشكل
يجعلها تبدو متعارضة مع توجهات
مؤسسات الدولة العلمانية.
5- التركيز على
الأولويات ليس بالنسبة إلى
النخب التركية فحسب، بل أيضا
لدى القاعدة العريضة من الشعب
التركي، باعتبار أن الأخيرة
السند الأهم في أوقات الأزمات
التي قد تعترض الحزب، وتمثلت
هذه الأولويات في الآتي:
أ- رفض المشاركة في
الحرب الأمريكية على العراق
والتأكيد على أن موقف الشعب
التركي الرافض لهذه الحرب عبر
المظاهرات العديدة المنددة بها
أو استطلاعات الرأي النابذة لها
تشكل محددًا مهما لجهة عدم
المشاركة في هذه الحرب.
ب- التأكيد على
أولوية الانضمام إلى الاتحاد
الأوربي، بل إن الحزب خصص
اجتماعه الأول بعد الفوز في
الانتخابات لبحث هذه المسألة.
ج- البعد عن القضايا
الشائكة، وإظهار عدم إلحاحية
قضايا من قبيل قضية التعليم
الديني أو مسألة الحجاب، مع
الالتزام في حالة إثارتها
بالمرونة وعدم التصلب.
6- التأكيد على
احترام مؤسسات الدولة
العلمانية، والتعهد بالسير على
درب أتاتورك العلماني
التحديثي، وتأكيد احترام
جنرالات الجيش باعتبارهم فخرًا
للأمة التركية، وأن رجاله
يقومون بواجبهم لمصلحة الدولة
على خير وجه لمصلحة الدولة.
* تركيا..
والديمقراطية المحافظة:
وفى بداية عام 2004
ألقى زعيم حزب العدالة محاضرة
في مركز دراسات American Enterprise
Institute
حول "الديمقراطية المحافظة"
ومشروع حزب العدالة في تركيا،
وقد جاء فيها أن الديمقراطية
المحافظة: هي نظام سياسي
واجتماعي توفيقي تنسجم فيه
الحداثة والتراث من جانب،
والقيم الإنسانية والعقلانية
من جانب ثانٍ. فهي تقبل الجديد
والوافد ولا ترفض القديم
والمحلي، وتحترم الآخر وتؤمن
بخصوصية الذات.
وترفض الديمقراطية
المحافظة الخطاب السياسي
والبناء التنظيمي القائم على
الثنائيات التي تفرض رؤية
سياسية أو أيدلوجية أو عرقية أو
دينية واحدة تلغي ما سواها، كما
تؤكد أن الدولة يجب أن يتوقف
دورها عند تيسير الأمور من خلال
الحد من التناقض عبر التوفيق
بين مختلف التوجهات بتحقيق
التفاعل الإيجابي في المجتمع،
بما يساهم في إيجاد بيئة يتعايش
فيها الجميع دون استقطاب أو
استئثار.
وقد أكد أوردغان في
هذه المحاضرة أيضا على أن تجربة
حزب العدالة أثبتت عدم التعارض
بين الإسلام والديمقراطية، وأن
الاعتدال والوسطية والأخذ
بمبادئ التعددية والديمقراطية
هي التجربة التي أرساها صعود
حزب العدالة وسعى إلى ترسيخها
في تركيا.
تتعدى أهداف
ديمقراطية حزب العدالة
المحافظة من الانتخابات
ونزاهتها والبرلمانات وقدسيتها
إلى تنشيط دور المجتمع المدني،
احترام الحريات، ضمان الحق في
الاختلاف والمشاركة السياسية
وتوزيع واستقلال السلطات، وهي
المبادئ العامة "للديمقراطية
محافظة" مأمول تحقيقها من قبل
"العداليون" في تركيا.
* أهداف مشروع حزب
العدالة:
أهداف كثيرة وقفت
وراء تبني العدالة والتنمية
لنموذج "الديمقراطية
المحافظة"، ويمكن تقسيمها
إلى قسمين:
الأول: أهداف
داخلية تتمثل في:
1- تخفيف إشكاليات
الهواجس التي يثيرها تحرك وصعود
الأحزاب الإسلامية في تركيا، من
خلال التأكيد على أن الحزب ليس
قوة سياسية تعبر عن هوايات
ثقافية مكبوتة تتعارض مع طبيعة
النظام القائم في الدولة، ولكنه
يسعى للتوفيق بين طبيعة هذا
النظام وتلك الطاقات دون تصادم
بين الاتجاهين طالما تهيأت
البيئة الداخلية لذلك ورضي
الفاعلون الأساسيون في هذا
النظام عن نتائج النموذج الذي
يمثله حزب العدالة.
2- التأكيد على أن
الواقعية قد لا تتعارض مع
العقيدة، إذا ما اقترنت الأخيرة
مهارة الالتزام بمبادئ العمل في
البيئة المحيطة بها، فرفض
اللائكية الأتاتوركية لا يعني
رفض العلمانية إذا ما كانت على
غرار العلمانية الأوربية التي
تحترم الدين ولا تتدخل في شأنه،
خصوصًا أن العديد من مشكلات
تركيا ارتبطت منذ نشأتها
بالعلاقة بين الدين والدولة،
والتطبيق الخاطئ لمفهوم
العلمانية.
3- تحقيق نطاق يسمح
بحرية العمل لحزب العدالة عبر
توظيف الأهداف الخارجية التي
تحظى بشبه إجماع داخلي لتحقيق
أهداف داخلية؛ فالعضوية
الأوربية تمثل مفتاحًا يستخدمه
الحزب للحد من دور العسكر في صنع
السياسة التركية، وفي ضمان
الوصول إلى دولة القانون، وضمان
حقوق الإنسان وحماية الأقليات،
وتنفيذ الإصلاحات السياسية
والاقتصادية والقانونية
والاجتماعية.
4- التأكيد على أن
النظام التركي يجب أن يقبل
الاختلاف؛ لأنه بمثابة إثراء
له، وأن الوطنية الخالصة يجب أن
تكون هي أهم سماته، ولا فرق في
ذلك بين كردي وتركي ولا علوي
وسني.
الثانية: أهداف
خارجية تتمثل في:
1- تصحيح الرؤية
الخاطئة عن الإسلام، والتأكيد
على أن الإسلاميين يستطيعون
إدارة الدولة إذا ما قبلهم
الآخر في إطار عمل كانت
الديمقراطية الحقيقية أهم
ضوابطه.
2- الوصول إلى عضوية
الاتحاد الأوربي، من خلال
التأكيد على أن رفض تركيا
المسلمة سيعني أن الاتحاد
الأوربي يؤكد مقولة صراع
الحضارات؛ إذ أكد أوردغان على
أن النموذج الذي يمثله حزب
العدالة لا يعبر فقط عن الوفاق
بين الإسلام والحداثة الغربية،
بل إن ما يطرحه الحزب حول
الديمقراطية المحافظة يمثل
طريقا لتلاقي الحضارات
وتعايشها وليس إلى تصادمها
وتصارعها.
3- تقديم نموذج ناجح
وملهم للأحزاب الإسلامية
الأخرى يمكن الاقتضاء به في
مختلف الدول الإسلامية، ولعل
هذا ما وضح في مؤتمر "الديمقراطية
والإسلام" المنعقد في مدينة
إستانبول التركية العام
الماضي، وخلال قمة الناتو
المنعقدة في مدينة إستانبول في
يوليو عام 2004.
4- التأكيد على أن
سلامة تركيا داخليا وتخفف حدة
الاستقطابات بين مختلف الأحزاب
السياسية من ناحية، والمؤسسة
العسكرية والأحزاب ذات
التوجهات الإسلامية من ناحية
أخرى، سيساهم في تدعيم قوة
تركيا الخارجية".
* الديمقراطيون
الإسلاميون:
جملة القول، أن
التزام "النخبة العدالية"
بالمعتقدات الإسلامية لم
يمنعهم عن انتهاج سياسات معتدلة
وتفضيلهم لقب "الديمقراطيين
الإسلاميين" عن لقب
الإسلاميين. وسواء كانت حالة
تركيا في ظل حزب العدالة كما
رآها البعض مثل الأستاذ جان
ماركو تعبر عن تجربة ما بعد
الإسلام السياسي أو عن الإسلام
المدني كما أطلقت عليه بعض
الصحف اللبنانية والتركية
والأجنبية، فإن الحزب قد أخذ
بعدد من المبادئ دعمت مسيرته في
تبني نموذج الديمقراطية
المحافظة في تركيا، منها:
الاعتدال: والذي
أبداه الحزب على الصعيد
الأيدلوجي، وإعلان أوردغان أنه
يحترم كافة أنماط السلوك لسائر
فئات الشعب التركي في رسالة
طمأنة إلى الفئات العلمانية.
الليبرالية: حيث
نادى الحزب بمزيد من الضمانات
والحقوق الشخصية والمطالبة
بأخذ تطلعات المجتمع المدني
بعين الاعتبار.
العلمانية: وهي
تتقاطع مع علمانية أتاتورك "اللائكية"
وتقترب في الواقع من العلمانية
أو الدنيوية المعمول بها في
معظم الدول الأوربية.
المصالحة بين
الإسلام والعلمانية وبين
الديمقراطية والإسلام، وإمكان
الإسلام التركي بالقيام بدور
الرافعة لحوار الحضارات
والثقافات بين الشرق والغرب بعد
أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
* كاتب متخصص في
الشئون التركية.
إسلام أون لاين -
25/05/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|