الولايات
المتحدة
تحدّد
من هو المسلم الجيد!
تسفي
برئيل
كيف يمكن عدم
الوقوع في الحيرة. فقبل ثلاثة
أشهر، كان واضحاً للجميع ان
السنّة هم أعداء الولايات
المتحدة والحكومة العراقية
الجديدة. وقبل شهر، عرف الجميع
ان الولايات المتحدة تقاطع حزب
الله وان حماس هي عدو الأمة
الفلسطينية في نظر واشنطن. وثمة
مسألة ثانوية أخرى: عرفنا ان
انهيار الاتحاد السوفييتي أوجد
مجموعة من الدول الجديدة، وأن
أكبر النجاحات تحقق تحديداً في
"الجمهوريات الاسلامية".
الحرية والديموقراطية في الدول
الاسلامية كانت دائماً حلماً
يثير القشعريرة في أبدان
الأميركيين.
وفجأة، يظهر العكس.
كوندوليزا رايس "أوصت"
الحكومة العراقية في الأسبوع
الماضي بإشراك السنّة في
الحكومة. وبما أن "العمليات
الارهابية لا يمكن صدها
بالوسائل العسكرية وحدها"،
لذلك يتوجب ـ حسب قولها ـ على
الحكومة العراقية أن "تتصرف
بصورة شمولية" أي أن تضم
السنة وأن تكون "يقظة وجاهزة
لالتقاط كل اشارة للمصالحة من
جانب المتمردين". هل تعني ان
هناك حاجة لضم نشطاء الارهاب
للديموقراطية العراقية
الجديدة؟ ففي الوقت الذي تسعى
فيه أميركا بكل قوة لفك
ارتباطها بالعراق تصبح الفصائل
الارهابية حتى "المثلثات
السنية" وأبناء "القبائل
المتمردة" من الماضي القريب
صالحة للديموقراطية.
واشنطن أصيبت
بالخرس أيضاً ازاء حزب الله. في
يوم الأحد القادم ستبدأ المرحلة
الأولى من الانتخابات في لبنان،
والتي توجد للمعارضة فيها فرصة
جيدة. شراكة حزب الله ضرورية حتى
يكون هناك غطاء لنتائج
الانتخابات. حزب الله قادر على
نسف عمل كل حكومة مستقبلية بفضل
قدرته على تسخين المنطقة
الجنوبية في لبنان وإثارة
الضجيج في ساحات الدولة. لا مناص
أمام واشنطن إلا أن تعترف بما
كان معترفاً به منذ زمن: حزب
الله هو جزء من السياسة
اللبنانية. هكذا حظي السنّة
بإعادة اعتبار في العراق، أما
حزب الله فقد حصل على الأقل على
غض للنظر.
فمن هو المسلم
السيئ اذاً؟ ربما "الاخوان
المسلمون"؟ فالانتخابات في
لبنان ستجري بعد أيام من اجراء
الاستفتاء الشعبي في مصر حول
تعديل الدستور الذي سيسمح
لمرشحين آخرين بالمنافسة على
الرئاسة (ضمن قيود معينة).
الحملة الديموقراطية في مصر
بطيئة أيضاً، إلا أنها ستتطلب
مع ذلك إشراك الاخوان المسلمين.
وفجأة يبدأ الأميركيون ايضاً في
"التحادث" معهم.
الديموقراطية هي الديموقراطية،
أوليس كذلك؟ ولكن بينما تتحادث
الولايات المتحدة مع الاخوان
المسلمين حول الديموقراطية يتم
اعتقال المئات منهم في مصر بسبب
مشاركتهم في التظاهرات.
الولايات المتحدة لم تحتج حتى
الآن، ذلك لأن مصر تسير باتجاه
الديموقراطية، أليس كذلك؟.
ولكن، يبدو أن وجبة
الحيرة الكبيرة متروكة بالأساس
لإسلام آخر. يتبين أن
للديموقراطية الأميركية
المحزومة جيداً في رزم من أجل
التصدير، والتي بنيت وفق وصفة
مأخوذة من كتاب نتان شيرانسكي ـ
هذه الديموقراطية ذات مقاسات
عديدة بما يتوافق مع طبيعة
الزبون. طوال أكثر من خمسة عشر
عاماً كان اسلام كريموف، رئيس
أوزبكستان المسلمة عزيزاً على
واشنطن وسطع نجمه على وجه
الخصوص في عام 2001 عندما منح
واشنطن حق استخدام اراضيه في
حربها ضد طالبان. لم يكن ذلك
بالمجان، لا سمح الله. هذا
الزعيم اللطيف العزيز أخذ في
المقابل 500 مليون دولار في الوقت
الذي يصب فيه محققو الاستخبارات
التابعون له الماء المغلي في
أقبية التعذيب على المعتقلين
الأوزبكيين. واشنطن عرفت بذلك،
ولكن كريموف هو صديق ورمز
للتحرر عن روسيا السوفييتية
ونموذج "للحرية".
واشنطن تعرف جيداً
أيضاً عدد الأشخاص الذي قتلوا
في الأسبوع الماضي في
أوزبكستان، ولكن بعض مئات
القتلى الاضافيين الذين يصفهم
كريموف أصلاً بـ "الارهابيين
الاسلاميين" ليسوا سبباً
كافياً على ما يبدو لقطع
العلاقات مع كريموف الذي يملك
ترخيصاً لمواصلة العملية
الأميركية في أوزبكستان. وربما
حان الوقت لاعادة تعريف مصطلح
الديموقراطية طالما ان السنّة
لم يعودوا أشراراً والشيعة لم
يعودوا انتحاريين، وحينئذ
ستتوقف الحيرة.
المستقبل
24/5/2005 ـ ("هآرتس"
ـ 22/5/2005)
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|