البيان
السعودي من يقصد؟
داود
الشريان
جدد وزير الخارجية
السعودي الأمير سعود الفيصل
خلال لقائه أمس بوسائل الإعلام
مضامين الموقف الذي صدر عن مجلس
الوزراء السعودي الاثنين
الماضي بأن «المملكة تحرص دوماً
وفي كل مواقفها على المحافظة
على مصالحها الوطنية وأمنها
واستقرار شعبها، ووحدة العمل
العربي، وترسيخ تضامن العالم
الإسلامي، والفهم الواقعي
للعالم والقوى المؤثرة فيه.
وترى أن الطريق إلى ذلك هو
استقلالية القرار الوطني،
والتركيز على المصالح المشتركة
بين الدول العربية، ودعم توجهات
الوسطية والاعتدال والشرعية في
العالم الإسلامي، والتعامل
بنديّة وانفتاح مع دول العالم
أجمع، وان العالم العربي
والإسلامي يملك إمكانات هائلة
للنهضة والتنمية، ولتحقيق
الأمن والاستقرار والرفاهة في
مجتمعاته، وللإسهام المؤثر في
صنع مستقبل العالم والتقريب بين
ثقافاته... ولا يحول دون ذلك سوى
القوى التي تتحدث بأكثر من صوت
وتبحث عن مكامن الفرقة، وتبني
مواقفها بعيداً عن الحقائق،
وتعمل من أجل منفعتها الضيقة
المباشرة، وأن طريق التعامل مع
أزمات المنطقة وتحقيق تقدم
شعوبها ينبني على تجاوز هذه
القوى وشعاراتها
وأيديولوجياتها».
بيان مجلس الوزراء
السعودي لم يحدد الدول
والتنظيمات والقوى التي قال
إنها «تتحدث بأكثر من صوت وتبحث
عن مكامن الفرقة، وتبني مواقفها
بعيداً من الحقائق، وتعمل من
أجل منفعتها الضيقة المباشرة»،
لكن المتابع للأحداث السياسية
التي تجري في المنطقة لن يجد
صعوبة في فهم مقاصد الرياض من
وراء هذا البيان الغاضب والذي
يعبر عن تململ سعودي من الطريقة
التي يتعامل بها بعضهم مع
الملفات العربية والإقليمية
الساخنة. فالبيان السعودي يمكن
أن يقرأ من زوايا سورية
ولبنانية وفلسطينية وعراقية،
وصدور هذا البيان بهذه اللهجة
وفي هذا الوقت ليس مجرد تعبير عن
غضب سعودي فحسب، بل تأكيد على أن
السعودية تجاوزت سياسية
المسايرة المبنية على حسن الظن
التي انتهجتها في مراحل وأزمات
ماضية، فهي في الملف الفلسطيني
قدمت كل التنازلات الممكنة،
فانحازت للمواقف على حساب
مصالحها الخاصة، في بعض
الأحيان، فجمعت الفلسطينيين في
مكة وتحملت اتهامها بتلميع صورة
«حماس» ودعم التطرف، في سبيل
حقن دماء الفلسطينيين وحماية
موقف فلسطيني موحد، وقبل هذا
وصلت علاقاتها مع واشنطن إلى حد
التوتر بسبب تمسكها بحق العودة
وقضايا الحدود. ومن يعود
للرسائل المتبادلة بين الرياض
وواشنطن قبل خمس سنوات سيكتشف
ان السعودية كانت أكثر فلسطينية
من الفلسطينيين أنفسهم، وهي
اليوم ترى بعض الأطراف
الفلسطينية تتنكر لكل هذا من
اجل مصالح لا علاقة لها بحقوق
الشعب الفلسطيني.
ومن زاوية سورية
لعبت السعودية دوراً مشهوداً في
حماية دمشق من تداعيات القرارات
الدولية التي صدرت تباعاً بعد
اغتيال رفيق الحريري، فاعتبرت
استهداف سورية خطاً احمر، ونجحت
في تخفيف استحقاقات المحكمة
الدولية على الأمن الوطني
السوري، فاستقبلت الرئيس بشار
الأسد، وحاولت إيجاد مخرج
للأزمة، وحل يجنب دمشق والمنطقة
مواجهة أخرى، وفي النهاية تواجه
بافتعال حرب تموز (يوليو) العام
الماضي من الأراضي اللبنانية
لخلط الأوراق وتبرير التدخل
السوري في لبنان وحماية سلاح «حزب
الله»، والعمل على تصعيد التوتر
وتكريس الانقسام السياسي
والطائفي على الساحة السياسية.
وكانت الخاتمة في مؤتمر القاهرة
الوزاري الأسبوع الماضي، حين
اتخذت دمشق موقفاً ينطوي على
تخوين الآخرين، وتأكيد انقسام
الفلسطينيين، ودعم النفوذ
الإيراني في المنطقة على حساب
المصلحة العربية المشتركة.
وفي العراق قدمت
السعودية كل ما يمكن تقديمه من
اجل استمرار العملية السياسية،
وتمسكت بوحدة العراقيين، ورفض
المحاصصة الطائفية في النظام
السياسي في العراق، وحاولت من
خلال الجامعة العربية ومؤتمر
دول الجوار حماية العراق من
التدخل الإيراني، وترك
العراقيين يديرون شؤونهم
بأنفسهم، لكنها وجدت في النهاية
ان حكومة المالكي ماضية في
تنفيذ أجندة إيرانية وارتهان
العراق لأزمة طهران مع واشنطن.
وفي لبنان وضعت
السعودية كل ثقلها من اجل إتمام
مصالحة وطنية، فاستقبل دورها
بترحاب شعبي لبناني كبير من
مختلف الطوائف التي رأت في
التحرك السعودي معاودة
لمساعيها النبيلة في الطائف،
لكن ما تسمى بالمعارضة
اللبنانية مارست النهج ذاته
الذي تلعبه المعارضة
الفلسطينية اليوم، كل يسعى
لحماية أيديولوجية وتبعية
للآخرين، فكان لا بد للرياض بعد
كل هذا ان تعلن انحيازها
لمصالحها الوطنية وأمنها
واستقرار شعبها، واستقلالية
قرارها الوطني والمصلحة
العربية العليا، والفهم
الواقعي للعالم والقوى المؤثرة
فيه، والتمسك بسياسة الاعتدال
التي ميزت الديبلوماسية
السعودية على مدى عقود.
الحياة
08/08/07
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|