ماذا
يريد <<الإخوان المسلمون>>؟
ياسين الحاج
صالح
تطبيع الإسلاميين
لم يكن إدارج كلمة
للإخوان المسلمين في برنامج
جلسة منتدى الأتاسي يوم 7/5/2005
بدعة عجيبة، ولم يأت كأنه برق في
سماء صافية. فقد دخل الإخوان
المسلمون وبياناتهم وأفكارهم
وأسماء قياداتهم وكتّابهم
ومشروعهم السياسي لسوريا
المستقبل (صدر في شباط الماضي)
نقاش السوريين ومقالاتهم
ومواقعهم الإلكترونية بكثافة
خلال السنوات الأربع الأخيرة
التي تلت إصدارهم ميثاق الشرف
الوطني (أيار 2001). وبفضل
الانترنت والمواقع الإلكترونية
السورية يكاد المرء يقرأ كل
يوما شيئا صادراً عن الإخوان
المسلمين أو تعليقا عليه،
تعليقا ناقدا أو مشككا أو محللا
أو حتى متعاطفا. وبدا واضحا أن
قطاعا متسعا من المثقفين
والناشطين السوريين يعترفون
بشرعية الإسلاميين وحقهم في عرض
برامجهم وأفكارهم، حتى لو أن
أكثر أولئك الناشطين
والمعارضين لا يشاركونهم
الأفكار والبرامج.
وفي هذا التمييز
بين شرعية الرأي وصواب الرأي ما
يشير إلى تقدم مهم في الوعي
الديموقراطي لدى المثقفين
والنشطاء السوريين. في المجمل،
تم تطبيع الإسلاميين إعلامياً،
وأضحى التعاطي معهم أمرا مألوفا
بل شائعا. وفي المجمل أيضا توافق
تطبيع الإسلاميين مع نمو الوعي
الديموقراطي في أوساط النشطاء
والمثقفين السوريين.
ساعد كذلك على
تطبيع الإسلاميين تزحزح
منظورهم السياسي والاجتماعي من
تمركز مفرط وحصري حول مفهوم خاص
للإسلام إلى موقف تفاعلي ينسب
نفسه إلى خيار التغيير
الديموقراطي. زحزحة تستحق
المناقشة والتفاعل معها بديلا
عن الجهاد العلماني ضدها. في
كلمته التي ألقاها علي العبد
الله في المنتدى أكد الأستاذ
البيانوني على <<ضرورة نبذ
العنف بكل صوره واشكاله>>،
ودعا إلى <<اقامة الدولة
المدنية الحديثة بآفاقها
المعاصرة>>، رافضا <<شبح
الدولة الدينية بمفهومها
الثيوقراطي>>. قال البيانوني
أيضا إن <<الدولة الحديثة
التعاقدية والتعددية
والتداولية والمؤسساتية هي
المظلة التي ترتفع على اساس
متين من الارادة الشعبية الحرة
النزيهة وهي الشكل الامثل لبناء
سوريا الحديثة>>. ورأى أنه
<<بعد خمس سنوات انقضت على
العهد الجديد في سوريا، نعتقد
أنه من حق القوى الوطنية بعد مضي
هذه المدة أن تتحول من حالة
المطالبة بالاصلاح، لتتولاه
بامكاناتها وادواتها ووسائلها
المشروعة>>.
كل ذلك أسهم في دخول
الإسلاميين أجندة النقاش
السياسي السوري علناً خلال
السنوات الأربع أو الخمس
الأخيرة. تطبيع الإسلاميين جعل
اعتقال علي العبد الله وأعضاء
مجلس إدارة منتدى الأتاسي شاذا
وغير طبيعي. الإفراج اللاحق
عنهم محاولة لتدارك الشذوذ.
اعتقال الاعتدال
على هذه الخلفية لم
تكن مبادرة <<منتدى الأتاسي>>
إلى طلب مساهمة الإسلاميين في
النقاش السوري حول المستقبل
أمرا لا يخطر بالبال. ولعله لذلك
أيضا لم يبد أن أحدا من 400300 شخص
حضروا جلسة المنتدى تلك كان
متفاجئا من إدراج كلمة
البيانوني. بل إن البعثيين
الموجودين انفسهم لم يظهروا
دهشة أو اعتراضا على مشاركة
الإسلاميين أو حيال مضمون
ورقتهم. ولم يكن أمرا خارج
المتوقع ان تنال الكلمة تصفيقا
مميزا من جمهور علماني في
الغالب. لقد صفق الناس لموقف
يجدون تقاطعات كثيرة معه (وليس
بالضرورة لمجمل الإيديولوجية
السياسية للإسلاميين السوريين)،
لكن تصفيقهم كان ايضا تصويتا
بالإيجاب على لأم الجرح السوري
العميق الذي لا يزال ينز منذ
اكثر من ربع قرن.
شيء مثير وعبثي
ومشرف ان يعتقل تسعة اشخاص،
بينهم سيدتان غير محجبتين،
ومثقف مرموق من اصول بعثية
وكتاب ومثقفون وناشطون وناشرون
معروفون، يساريون على العموم،
ان يُعتقلوا بتهمة <<الترويج
لفكر الإخوان المسلمين>>. شيء
مشرف لأن هذا بالضبط هو نموذج
الوطنيين الحقيقيين الذين
يقطعون الطريق على مخاطر النزاع
الأهلي. وسيكون مستقبل سوريا
اكثر إشراقا ووعدا كلما ازداد
عدد الناس من نوع حسين العودات
وسهير الأتاسي وناهد بدوية
وحازم نهار ومحمد محفوض ويوسف
جهماني وناصر كحلوس وجهاد مسوتي
وعلي العبد الله. نشاطهم
واعتقالهم هما حلقة أخرى في
كفاح السوريين من أجل مستقبل
لبلدهم أقل انقساما وأكثر
تفاعلا، وحلقة أيضا في استعداد
سوريين أكثر عددا للخروج على
منطق الاستقطاب السياسي الأهلي
والحرب الداخلية. الإفراج
اللاحق عنهم (مع الاحتفاظ بعلي
العبد الله) دون إدراجه في توجه
أعرض نحو كسر منطق الاستقطاب
هذا يترك البلاد تحت رحمة سلم
أمني، هو في الواقع حرب مقنّعة
ومن طرف واحد ايضا.
فتش عن السياسة!
يذكر الاعتقال بأن
لدينا مشكلة سياسية عميقة وغير
محلولة، وأن سوريا ستبقى تدور
حول نفسها إن لم تتصدّ لهذه
المشكلة بالمعالجة وتجترح
الحلول الشجاعة والمناسبة لها.
وهي تدور بالفعل حول نفسها لأن
اصحاب القرار فيها لم يتجاسروا
على النظر في وجه المشكلة
والارتفاع إلى مستوى الرؤية
الوطنية التي يمكن أن توحد
السوريين او تحد من انقساماتهم.
لقد قتل وسجن وعذب
عشرات الوف السوريين إبان ازمة
وطنية واجتماعية استغرق طورها
المتفجر سنوات، وقارب طورها
المزمن ثلاثين عاما حتى اليوم.
كل الضحايا شهداؤنا، ضحايا
مذبحة المدفعية عام 1979 مثل
ضحايا سجن تدمر 1980 ومدينة حماة
1982. حين يذكّر البعثيون في منتدى
الأتاسي بضحايا مذبحة المدفعية
في كل مرة، يذكر ضحايا تدمر
وحماه إنما يقولون الكثير عن
تكوين السلطة وعن الغياب المطلق
لفكرة الدولة عن وعيهم السياسي.
فلتُطوَ هذه الصفحة
الحزينة. لن نتقدم خطوة واحدة
على أي صعيد دون طيها. لا يجوز
للدولة ان تتصرف كأنها عشيرة
لها ثأر على قطاع من مواطنيها.
ولا يحق لأي مواطنين، من الصنف
الذين نراهم أحيانا في
الفضائيات، أن يغذوا التوحش
والأحقاد والأهواء الطائفية
بكلام غير مسؤول. لا شيء يستحق
الاستسلام للضغائن ورعاية
الكراهية، بالخصوص ليس باسم
التغيير والديموقراطية
والعدالة. كانت جلسة منتدى
الأتاسي في 7 ايار خطوة في
الاتجاه الصحيح، نحو الممر
الإجباري الذي لا مناص من
المرور به من أجل اي إصلاح وطني
حقيقي.
الحق في عدم الثقة
الإخوان المسلمون
مشكلة سياسية سورية؟ بلا شك. فهم
تنظيم سياسي ديني، يتحرك بين
تسييس الدين وتديين السياسة.
لكن <<الإخوان المستلمين>>
للحكم منذ أكثر من 42 عاما مشكلة
ايضا لأنهم لا يعترفون للسوريين
بالحق في اختيار نظامهم
السياسي، ويضفون على نظامهم هم
قداسة وثباتا دينيين. يخصخصون
الدولة ويدولنون الخاص. الدولة
ملكهم، وكذلك المواطنون.
الدينويون يتغيرون ويُبدون
استعدادا للحوار والتفاعل.
الدولويون ينكرون الحاجة إلى
تغيير اي شيء في نظامهم.
ليس مطلوبا من
النظام أو من أي من الأطراف
السياسية السورية أن يصدق كلام
الإخوان المسلمين أو يثق بهم.
لكن حق التشكيك وعدم الثقة
ينبغي أن يكون متساويا بين
السوريين جميعا. بل إن تساوي
الحق في التشكيك في غياب
المساواة في الحقوق الأخرى هو
أساس المطالبة بالتعاقد المؤسس
للثقة والمساواة بين الجميع.
فالسياسة الوطنية لا تنبني على
شك الجميع بالجميع وانعدام
الثقة المتبادل، حتى لو كانت
كذلك لا تنبني على النيات
الطيبة والكلام المعسول. ولا
ينكر أن ثمة أزمة ثقة عميقة
تنتظم الحياة السياسية
والاجتماعية السورية، أزمة ثقة
مركبة: بين السلطة والمعارضة
بشقيها العلماني والإسلامي،
بين جماعات المجتمع الأهلي،
وبين المجتمع ومجمل النخب
السياسية والثقافية. ولا مخرج
من هذه الأزمة بغير تعاقد
السوريين وتواثقهم على أسس نظام
سياسي جديد يكفل المساواة في ما
بينهم. هذا بالضبط مضمون فكرة
المؤتمر الوطني التي دعت إليها
المعارضة العلمانية والإسلامية:
مؤتمر تأسيسي ودستوري، يؤسس
نظام الثقة الوطني أو <<العقد
الوطني الجديد>>، ويضع
دستورا جديدا للبلاد يكفل
المساواة بين السوريين (وليس
اللامساواة على غرار الدستور
التمييزي الحالي).
دون نظام الثقة
التعاقدي لا يبقى غير حق الجميع
بالتشكيك في الجميع، دون أن
يكون من حق احد احتكار منح صكوك
الصدق والإخلاص للآخرين أو
منعها عنهم، ودون أن يكون من حق
أحد التفضل على البعض بالوطنية
وحجبها عن الآخرين. فغياب تواثق
السوريين يعني حجب الثقة عن
الجميع على قدم المساواة. يعني
أيضا انه ليس هناك احد في موقع
منح الشرعيات والثقة لغيره.
نعارض كيلا نعادي
السلطة السورية
مخيرة بين تحمل المعارضة
السياسية وبين أن تكون موضع
كراهية وبغض مواطنيها. لا
تستطيع أن تمنع الناس من
معارضتها بصورة شرعية وعلنية
وأن تنال حبهم في الوقت نفسه.
المعارضة السياسية عقلانية من
حيث المبدأ، ويسهم وجودها في
عقلنة السياسة وتنظيفها من
الأحقاد والضغائن. إذا منعت
المعارضة تلجأ السياسة إلى
الشعور وتعبر عن نفسها في
انفعالات وأهواء وعواطف سلبية
لن تلبث أن تتفجر عنفا متوحشا
إذا تسنت لها الفرصة. وبدلا من
الأحزاب العقلانية من حيث
المبدا لن نجد غير الطوائف غير
العقلانية مبدئيا.
نفضل، كمواطنين
وعقلانيين، أن نعارض نظامنا على
أن نبغضه، أن نخاصمه على أن
نعاديه. ما الذي يفضله نظامنا؟
الاعتراض السياسي العلني،
المعتدل والسلمي، أم تسميم قلوب
مواطنيه بالحقد والعداوة وتقنص
الفرص للانتقام؟ وهل اعتقال
مواطنين ومواطنات مسالمين فعل
من أفعال الحقد والتطرف ام من
افعال الاعتدال والقانون؟
السفير
3/6/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|