البعث
المتجذّر..
وهلوسات
"أحزاب الانترنت!!"
صحيفة
تشرين
كلمة
رئيس التحرير
/
د
ـ خلف الجراد
الذين أغرقوا وسائل
الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة
بتحليلاتهم الخيالية، النابعة
من تمنياتهم الدفينة
والمفضوحة
والثأريّة بدفن آخر معاقل الفكر
القومي في تجلياته الحضارية
والإنسانية، لا شك في أنهم أصيبوا بالإحباط
والصدمة؛ لأن أوهامهم المريضة
لم تتحقق، وأن البعث
العربي
الاشتراكي لم ينتحر ذاتيا كما
كانوا يأملون، ويروّجون ليل
نهار، ولم يتخلّ عن مبادئه الأساسية وأهدافه
الكبرى، كما «بشّروا»
بدراساتهم وأحاديثهم
وإطلالاتهم
التي
أتحفوا بها المواطن السوري
والعربي صباح مساء. فلقد وضع
المؤتمر القطري العاشر حدّاً لتنبؤاتهم السقيمة،
وقَلَبَ تكهناتهم الواهية إلى
حكايا مثيرة للسخرية
والإشفاق.
البعث العربي
الاشتراكي لم يبدّل اسمه وسماته وسمته؛ لم
يخرج جسده المتكّون على مدى
ستين عاماً من جلده، لم
«يتب»
عن مواقفه القومية ـ العروبية؛
لم يبحث عن اسم «موديرن» (وفق
آخر تقليعات الموضة الأميركية) فهو ارتبط
منذ البدايات التكوينية الأولى
بمعاني النهوض بعد
الموت،
والتجدّد بعد اليباس، وقيامة
الأمة بدلالات هذه اللفظة
العميقة والشاملة؛ ولم يبحث عن مسوّغات للانكفاء
والتقوقع القطري.. لأن سمة
العروبة الملازمة له تعني
تجاوز
الأطروحات والأفكار والأوليات
الطائفية والمذهبية والعشائرية
والإثنية؛ ولم يتراجع عن نضاله المشروع من أجل
الاشتراكية كهدف إنساني نبيل
وعظيم.. فقط لأنها
كمنظومة
سياسية وأيديولوجية خسرت
الجولة في عدد من دول العالم؛
لأن الاشتراكية في مفهوم البعث تعني الكفاح
للقضاء على كل أشكال الاستغلال
والنهب، وهي النضال لإقامة
مجتمع
أكثر كفايةً وعدلاً، وإرساء
علاقات اقتصادية ـ اجتماعية
تحكمها مصالح المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه، في إطار
قانوني يحقق التوازن والإنتاج
المثمر وعدالة التوزيع
والمشاركة
العامة.
وقد تلاشت أيضاً مع
تلك الأوهام والرغبات والأضاليل
والتحليلات الخادعة جملة من
الأصوات التي ارتفعت
وتيرتها
في الآونة الأخيرة، مستقويةً
بتهديدات وتَوعّدات التيار
الأكثر تطرفاً وتصهيناً واستئصالية وعنفاً في
الإدارة الأميركية، ومن يحيط
بها ويسهم في رسم
توجّهاتها
واستراتيجياتها... إضافة الى
أسماء لم يسمع بها أحد من قبل
وتنظيمات «الكترونية» لا يعرفها إلّا من
لديه حاسوب، وهوسٌ في اللهو عبر
مئات الألوف من
«المواقع»
على الشبكة العنكبوتية «الانترنت»...
فالمسألة ألاعيب إعلامية ـ
نفسية وليست وجوداً سياسياً وواقعياً
لتلك «الأحزاب» الافتراضية،
التي تبثّ أكاذيبها
وهلوساتها
وقصصها المفبركة وتفاهاتها من
ديار منشئيها وأصحابها في
واشنطن أو من لندن أو باريس، أو حتى من بعض
عواصم المنطقة.
إضافة الى ما تقدم
هطلت على البلاد والمؤتمر القطري سيول
من «النصائح» والرسائل
الإعلامية المتذرعة طوراً
بالحرص
على سورية ومستقبل نظامها
السياسي، أو المتراقصة على
أنغام بعض القوى المعادية المعروفة طوراً آخر
تحت عنوان «مراجعة الأخطاء» أو
«المعارضة من داخل
الموالاة»
كلونٍ جديد ـ قديم من التلاعب
اللفظي، الذي برع فيه انتهازيّو
الفرص، ممن اعتادوا الرقص على كل الحبال،
ووضع رِِجْلٍ هنا ورِجْلٍ هناك،
بحيث يستطيعون أن
يكسبوا
في آن معاً غنيمة المواقع
والمناصب والامتيازات من
ناحية، و«شرف» المعارضة وشعاراتها البرّاقة من ناحية
أخرى.
وبدأ المنهزمون
نفسياً وأخلاقياً والمنافقون، ممن لم
تدخل عقيدة البعث ورسالته
ومبادئه وقيمه وأهدافه
القومية
ـ الإنسانية قلوبهم أو عقولهم،
الردحَ ومحاولات استباق
الأحداث ومنافسة القوى المعادية في التهشيم
والتمزيق، وارتداء مسوح
الوعّاظ والملائكة، الذين
يستحقون
الثناء والنياشين والأوسمة «لديمقراطيتهم
وليبراليتهم» الحبيسة عقوداً
في صدورهم وأدمغتهم؛ لكن حانت
الآن اللحظة المؤاتية للإفصاح
عنها، و«ألف قَلْبَة.. ولا
غَلْبَة»
كما يقول المثل الشعبي!!..
وقد نسي هؤلاء،
وأولئك، وأولئك أن قدر البعث هو مقارعة
الاستعمار والصهيونية والرجعية
بصرف النظر عن تبدل
الأسماء
والمسميات والأزمنة وتوازن
القوى. فالبعث ـ كما قال القائد
بشار الأسد ـ «قضية قبل أن يكون تنظيماً
سياسياً.. ورسالة حضارية قبل أن
يكون حزباً في السلطة».
ولهذا يخطئ كل
الخطأ من يعتقد أن بقاء البعث أو زواله
فكراً وعقيدةً ومبادئَ ومواقفَ
نضالية مرهون بأية قوة
خارجية
مهما بلغت من الطغيان والجبروت
والاستكبار والهيمنة العالمية..
هذه حقيقة. أما الحقيقة الثانية فهي أن
البعث حيٌّ متجدّدٌ تجدد الأمة
وحيوية أجيالها الشابة،
وأنه
يؤمن بأزلية وحتمية التغيير ،
ولهذا فهو يمتلك القدرات
الموضوعية والذاتية على التجدّد الذاتي الخلاق؛ الأمر
الذي حصل في مؤتمره القطري
العاشر بأسلوب حكيم
وممارسة
واعية، بعيداً عن التهويل
الإعلامي الدراماتيكي
والمبالغة غير الواقعية. وسيدرك شعبنا (وهو وحده المعني
بكلّ شيء) خلال الأشهر القليلة
المقبلة كم كانت هذه
النقلةُ
نوعيةً ومؤثّرةً، وكم ستكون
مفاعيلها إيجابيةً وهامة في
مسيرة بلدنا التنموية وحياتنا الاقتصادية ـ
الاجتماعية والسياسية، وعلى
مختلف الصُعد
والمستويات،
شرط أن يتم الإسراع بوضع خطة
تنفيذية واضحة ودقيقة لمقررات
المؤتمر وتوجيهاته، ووفق مواعيد محددة
وإلزامية، مع الآليات المناسبة
والفعالة، وتشخيص
المسؤوليات
والمهام، والمحاسبة على أساسها.
أمّا الحقيقة
الثالثة فتتمثل في أنّ من الخطأ وسوء
التقدير وقصور الرؤية، الظَّن
أنّ مشكلة سورية مع
الإدارة
الأميركية ناتجة عن «تصلّب»
خطابنا السياسي أو «عدم المرونة
الكافية للدبلوماسية السورية»، أو «ضعف»
أدائها، أو «عدم القدرة على
قراءة المتغيرات
والأحداث
بشكل واقعي وموضوعي»، كما يزعم
المتفيقهون المتحذلقون، فالقصة
كلها تعود إلى استراتيجية وتوجّهات أصبحت
معروفة ومتداولة على نطاق واسع
تعلنها الإدارة
الأميركية
بشكل يومي، وبإمكان أي مهتم
بهذا الشأن أن يجمع مئات
التصريحات والبيانات والمواقف الرسمية الأميركية،
التي تؤكد أن سورية تقف عقبة
كأداء أمام الاستراتيجية
الأميركية
لإعادة رسم خريطة المنطقة،
وإقامة منظومة «الشرق الأوسط
الكبير»، وفرض التغيير وفق الأجندة
والتوجّهات والمصالح الأميركية.
إنها استراتيجية
مكشوفة الأهداف والغايات، وليس لموضوع
المرونة والخطاب السياسي ـ
الإعلامي والدبلوماسية
الدينامية
أو المتصلبة أية تأثيرات تذكر
باتجاه تغييرها أو تعديلها.
والأميركيون ـ كما يعلم أي متابع سياسي ـ لا
يقبلون إلا الأتباعَ
والمستسلمين لتعليماتهم،
المنفذين
لأوامرهم وإملاءاتهم.
سورية اليوم، بعد
المؤتمر القطري العاشر، تتابع مسيرتها
التحديثية بإرادة قوية من أجل
رفع مستوى المعيشة،
وإصلاح
الإدارات، ومحاربة الهدر،
وامتصاص البطالة، ورفع كفاءة
اقتصادنا الوطني بقطاعاته ومكوّناته العديدة
المتعددة. وفي الوقت نفسه
ستتعمق الحوارات الوطنية
الهادفة
إلى تفعيل الحياة السياسية في
البلاد، وتوسيع المشاركة
الشعبية في صنع القرار الوطني الصائب
والمتوازن، وإفساح المجال
للجميع في بناء الوطن، وممارسة
حقوق
المواطنة
وواجباتها؛ لتظل جبهتنا
الداخلية المسنودة بقواتنا
المسلحة الباسلة الحصنَ الحصين في التصدي للأعداء
والمؤامرات، ومجمل التهديدات،
والضغوط، والاستهدافات مهما
كان
حجمها، أو مصدرها، أو شكلها، أو
تجلياتها.
الاثنين 13 حزيران
2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|