لماذا
محاكمة نيات الإخوان المسلمين ؟
حسين
العودات
وضع النظام
السياسي في سوريا خطوطاً حمراء
أمام التواصل او الحوار او
التعاون او ما يشبه التعاون مع
جماعة "الاخوان المسلمين"،
وذكّر من لم يتذكر ان القانون (49)
يطاول من يخالف هذه التعليمات
بدءاً من السجن للمتعاون وصولاً
الى الاعدام للمنتسب للجماعة،
ونشر بمختلف الوسائل المتاحة
آراءه التي تعتبر جماعة "الاخوان
المسلمين" تنظيماً محظوراً،
والتواصل معها رجس من عمل
الشيطان (...).
أصدرت حركة "الاخوان
المسلمين" في كانون الاول من
العام الماضي مشروعها السياسي
الذي تناولت فيه وجهة نظرها
العقائدية ورؤاها السياسية
والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية التي دانت بموجبها
العنف وتخلت عن عديد من منطلقات
مرجعيتها السابقة، وأكدت انها
تريد العمل بالتعاون مع الجميع
لبناء دولة مدنية مرجعيتها
بشرية، دولة لجميع مواطنيها
مهما كانت أديانهم ومذاهبهم
واتنياتهم، وأن تكون هذه الدولة
تعاقدية وتمثيلية وتعددية
وتداولية ومؤسستية وقانونية.
قد لا نتفق مع
مضمون مشروع الحركة كله او
بعضه، بدءاً من مرجعياته وصولاً
الى برنامجه التنفيذي مروراً
برؤاه السياسية والاقتصادية
والاجتماعية، ولكن الذي لا شك
فيه ان الحركة عدّلت منطلقاتها
القديمة وحدثتها وجعلت مشروعها
أكثر راهنية وعصرية واقتربت من
أن تكون حزباً سياسياً لا حركة
دينية ذات هموم اجتماعية
واخلاقية واقتصادية كما كانت
الحال سابقاً، وقد خطت الحركة
من خلال مشروعها خطوة تجاه قبول
الآخر وتفهمه وفهم مصالحه (...).
حركة "الاخوان
المسلمين" التي كانت غارقة
بثوابت ومنطلقات ترفض الحوار
فيها وعنها لمست المتغيرات
الداخلية والدولية واستوعبتها
وعدلت منطلقاتها وثوابتها، مع
أن بعض الاحزاب العلمانية ما
زالت تئن تحت وهم ثوابتها
ومنطلقاتها التي لم تعد تتناسب
مع معطيات العصر وتطوراته
وشروطه. ولعلنا في هذه المناسبة
نشهد بعض المرونة الفكرية
والمنهجية لدى حركة "الاخوان
المسلمين"، وهي المعروفة
بغير ذلك تاريخياً من جانب،
وتصلب بعض الاحزاب العلمانية
القومية والماركسية التي من
المفترض ان تكون مؤهلة اكثر من
غيرها لالتقاط الظروف الطارئة
والاستجابة لمستجداتها من جانب
آخر.
نعود الى قضية رفض
الحوار مع حركة "الاخوان
المسلمين" باعتبارها حركة
ارهابية مارست العنف في مرحلة
من المراحل كما مارست اعمالاً
طائفية لا شك فيها فنقول:
لقد أكدت الحركة
في مشروعها المشار اليه رفض
العنف أداة للتغيير، واعتماد
الحوار اسلوباً للتعاطي في
مجالات الفكر والسياسة
والثقافة وهي بذلك تدين صراحة
اعمال العنف التي مورست في
ثمانينات القرن الماضي ادانة
واضحة، ومع أن هذا لا يعفي مرتكب
الجرائم من ان يعاقب على جرائمه
التي ليس لها الا اسم وحيد هو
أنها عمليات ارهابية، ولكنه لا
يبرر الرفض المسبق للموقف
الجديد من خلال محاكمة النيات،
خاصة ان معظم الاحزاب السورية
مارست اعمال عنف بعضها تجاه
البعض الآخر خلال تاريخها،
وعندما غيّرت تغيرت المواقف
منها، فقد انضم الحزب السوري
القومي الاجتماعي الى الجبهة
الوطنية التقدمية قبل اسابيع
عدة، وهو الذي ارتكب اعمال عنف
في خمسينات القرن الماضي واغتال
عدنان المالكي فضلاً عن ارتكابه
اعمال عنف في لبنان، ولما غيّر
الحزب تغير موقف الجميع منه
وهذا حق وعدل، وارتكب حزب
الاتحاد الاشتراكي (والاحزاب
الناصرية عامة) اعمال عنف ضد
سلطة البعث في صيف 1963 كان عدد
ضحاياها من الطرفين بالعشرات
ولما تغيرت غيّر النظام موقفه
منها في السبعينات وقبلت عضواْ
في الجبهة، وارتكب حزب البعث
العربي الاشتراكي نفسه اعمال
عنف في حركة شباط 1966 ضد بعضه
البعض وتقبل الجميع تغييره
منطلقاته بعد ذلك، كما قبلوا
تغييره منطلقاته مرة اخرى عام
1970، ولم يبن أحد موقفه من هذه
الاحزاب بعد تغيير منطلقاتها
على نياتها فلماذا اذن يعتبر
تغيير حركة الاخوان لمنطلقاتها
كذباً وخداعاً وربما مؤامرة،
ويتم الاصرار على عزل الحركة
وعدم التعاطي معها بأية وسيلة
بما فيها الحوار واعتبارها
ملعونة الى يوم الدين؟
اذا كان هذا هو
السبب الرئيس لرفض الحوار مع
حركة "الاخوان المسلمين"
فلا شك في انه سبب غير كاف، اذ
كيف يرفض في هذا العصر مبدأ
الحوار بين تيارات المجتمع
ومنظماته سواء كانت آراؤها
متطرفة أم معتدلة؟ وكيف يمكن ان
يرمى "الحرم" على فئة دون
غيرها مهما اتفقنا معها او
اختلفنا، ومن المفترض أن يتسع
الحوار في سوريا لجميع الآراء،
التي تتفاعل بحثاً عن توافقات
الحد الادنى. ثم لماذا الافتراض
ان الحوار سيتيح لحركة "الاخوان
المسلمين" اقناع غيرها
بمنطلقاتها وليس العكس؟ ولماذا
لا يتذكر البعض دور الحوار في
تخفيف الاحتقان؟ ولماذا تناسي
ان الضغوط والصعوبات التي
تواجهها سوريا تقتضي الحوار مع
جميع من هم خارج البلاد ويرغبون
فعلاً في المشاركة في بنائها
ومواجهة التهديدات الاجنبية؟
وفي الوقت نفسه فإن الحوار يمهد
الطريق لحركة "الإخوان
المسلمين" كي تتحول حزباً
سياسياً شأن الاحزاب الاخرى
كلها.
إن التيار
الإسلامي واحد من التيارات
السياسية الرئيسة في بلادنا،
وليس لنا خيار في التحاور معه
وتفهمه وإفهامه من عدمه، وفي
تهيئة المناخ له ليدخل دخولاً
صحياً في حراك المجتمع وحياة
البلاد في اطار المواطنة
والمساواة والعدالة ورفض العنف
والاحتكام لتوافقات بين أبناء
المجتمع والاعتراف بالتعدد
الديني والمذهبي والإثني
والثقافي والفكري وبحق الاتصال
وحرية التعبير للجميع.
النهار 17/6/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|