ما
حقيقة الخلاف بين
النظام
السوري ورفعت الأسد ؟
بقلم
: د. خليل أحمد الحسن*
في وقت من الأوقات كان رفعت الأسد يمثل
الخط أو التوجه الغربي لأنه لم
يكن من أنصار التوجه السوفيتي
حينها والخلاف ليس جديداً ويعود
إلى العام 84 حيث ظهر للعلن بأنه
نزلت مظاهر مسلحة إلى العاصمة
دمشق جزء منها تابع لسرايا
الدفاع والباقي من قطاعات الجيش
والأمن المختلفة.
الصراع بين رفعت والأجنحة الأخرى لم
يظهر فعليا للعلن إلا عام 84 في
حين إن الواقع تعود إلى قبل ذلك
بكثير.
فالأسباب الرئيسية للخلاف يمكن تقسيمها
على الشكل التالي :
1 ـ حزب البعث :
كان رفعت يعتقد بأن الحزب هو الرئة
الوحيدة التي يتنفس منها الشارع
السوري وأنه يجب على الحزب إن
يبقى حرا وان يكون هناك حوار
داخل الحزب على الأقل باعتبار
إن فكرة التعددية السياسية
يرفضها حافظ الأسد ورفاقه ودعا
تفاقم الأزمة أيضاً الخلاف
العميق بين رفعت وحافظ إثر قيام
رفعت بتأسيس رابطة خريجي
الدراسات العليا في بداية
السبعينيات والتي كانت متنفساً
خارج الحزب الذي لم يعد الحوار
في داخله مسموحاً فكانت الرابطة
متنفس حقيقي للمثقفين في سوريا
لأنهم تمكنوا من الكلام بحرية
والتعبير والنقد البناء وأجراء
الدراسات والبحوث التي من شأنها
أن تصحح مسار وسلوك الدولة
والحزب ووصل عدد الأعضاء إلى 22
ألف عضو ولم يكن يشكل البعثيين
في الرابطة أكثر من 10 %
2 ـ الاتحاد السوفيتي : كان رفعت الأسد
يقول داخل الحزب أنه زار
الاتحاد السوفيتي ورأى كيف يعيش
الشعب السوفيتي وبالتالي لا
يريد للشعب السوري إن يكون
كالشعب السوفيتي لأن الشعب
السوري بارع بشكل خاص في
التجارة أكثر من المجالات
الأخرى كالصناعة والزراعة وأنه
إلى جانب الخصوصية الإسلامية
للشعب العربي في سوريا لا يمكن
أن نطبق عليه النموذج الاشتراكي
بصيغته السوفيتية
والتي تتبع من قبل الحكومة
السورية واعتبر أن ذلك تجويعاً
للشعب السوري ويعتبر احتكارا
للدولة للقطاعات الاقتصادية
الثلاثة الأساسية لذا فقد اصطدم
رفعت مع رفاقه في الحزب بهذا
الطرح خصوصاً أنه قال أن
الاتحاد السوفيتي كيان لن يدوم
وذلك ما تحقق فعلاً
واطروحات رفعت هذه أثارت ما
يلي :
أ ـ أثارت القيادة ضده و أثارت الاتحاد
السوفيتي الذي صنف رفعت بعد ذلك
الطرح وتم تقييمه على الغرب
واعتبره السوفيت تهديداً
لمصالح الاتحاد في المنطقة وفي
سورية وأوعز الاتحاد السوفيتي
للحزب الشيوعي في سوريا وكان
وقتها خالد بكداش لانتقاد رفعت
الأسد وفتح الجبهة عليه فبدأ
رفعت يعاني ورفاقه من جهة
الاتحاد السوفيتي وأحزابه
الشيوعية في سوريا.
ب ـ الأساس هو موضوع السلطة موضوع
ممارسة السلطة فكان رفعت يعتبر
أن الحزب جاء للحكم على ثلاثة
وعود أساسية، الوعد الأول هو
التحرير وكان له انتقادات كثيرة
في هذا المجال ويعتبر أننا
مقصرين فعلاً في هذا المجال
لأنه لا يمكن تحرير الأرض قبل
تحرير الشعب فالعبد لا يحرر ولا
يقاتل فلنحرر الشعب ثم نحرر
الأرض وكان الطرح الآخر في
الحزب من قبل حافظ ورفاقه بان
الأرض أولا ثم الإنسان ثانيا
فتمحورت الخلافات حول المفهوم
هذا.
الوحدة: رفعت كان يعتبر أن ممارسة
السلطة هي ابعد ما تكون عن
الاقتراب من الوحدة فهو كان يرى
مثلاً إن سياستنا تجاه العراق
كان يمكن إن تكون مختلفة وكذلك
دخول الجيش السوري إلى لبنان
يعتبر انه كان خطأ وكان يعتبر
ويرى في شخصية ياسر عرفات / أبو
عمار شخص غير ممكن استبداله بين
الفلسطينيين والدليل على ذلك
أنهم حاولوا استبداله ودفعت
سورية الملايين والضحايا
والمواقف...الخ ولم تتمكن سورية
من إن تؤمن بديلا عنه حتى في
المخيمات الفلسطينية في لبنان
وحتى بعد وفاته.
الاشتراكية: كان رفعت يقول إننا جئنا ضد
الإقطاع وتحولنا إلى اكبر
إقطاعيين في تاريخ سورية
فالاشتراكية التي وضعناها
اشتراكية مزيفة وأدت إلى نتناج
كارثية على الشعب السوري فنتج
عنها هروب رؤوس الأموال والعقول
إلى الخارج.
وضغط رفعت لإعادة تفعيل القطاع الخاص في
سوريا وكان هو صاحب الانفتاح
الاقتصادي عام 1979 وكان هو من
أعاد بعض الحرية للتجار
السوريين لكن ذلك لم يستمر
طويلا أيضا حتى عادت القيادة
وانقضت على ذلك القرار.لأن
إعادة تفعيل الاقتصاد الخاص
يعني انه المتحكمين في اقتصاد
البلد سيشكلون قوة اقتصادية
ومالية يمكن إن تهدد النظام ومن
جهة ثانية فإن المستفيدين من
هذه الحالة اقتصادياً سيفقدون
امتيازا تهم الخاصة ومصالحهم
الشخصية التي يستفيدون منها عبر
مناصبهم.
بشكل مبسط هذه كانت عناوين الخلاف بين
رفعت ورفاقه من طرف وحافظ
ورفاقه من طرف ثاني داخل الحزب
وهناك طبعاً خلافات كثيرة ففي
عام 1984 هذا الخلاف الذي كان
قديما ظهر للعيان وبدأ تحشيد
القوى ضد رفعت منذ ذلك الوقت
وبدأت عملية إطلاق التهم وتشويه
صورته .
وبدأ فعلاً صراع سياسي وعسكري في سورية
بين تلك القوى إلى أن فضل رفعت
ترك سورية لحقن دماء الشعب
السوري وليؤكد لأبناء الشعب
السوري بأنه لا يسعى للسلطة
وإنما للتغيير وكافة المصادر
تؤكد إن قوة رفعت العسكرية في
ذلك الوقت تمنحه قوة البقاء
رغما عن النظام ومن المعروف انه
تم تهديده من الاتحاد السوفيتي
وإرسال أجهزة تشويش يعمل عليها
خبراء روس للتشويش على أجهزة
الاتصالات في سرايا الدفاع فكان
الصراع عريضا واسعا.
الملفت للنظر انه والانتباه انه وبعد
خروجه من سورية أولا تم حل كل
المؤسسات التي أسسها رفعت أو
عمل فيها أو من من خلالها كرابطة
خريجي الدراسات العليا وسرايا
الدفاع وغيرها وحتى التي لا
تشكل أي تهديد للنظام وبدأت
حملة تطهير حقيقية للذين سموا
بجماعة رفعت سواء في الجيش أو
بين المدنيين وكل سوري يعرف
تماما انه أصبح بالنسبة للنظام
السوري من ينتسب لجماعة رفعت
أصعب من انتسابه لجماعة الأخوان
المسلمين أو إن يكون جاسوسا
إسرائيليا وبدأ إطلاق التهم
وأصبح رفعت هو السفاح الذي قتل
الأخوان المسلمين في حكومة
البراءة والأيادي النظيفة وهو
الذي سرق أموال الشعب في نظام
العفة وهو الذي سرق لبنان وهو
الذي تآمر مع إسرائيل وهو الذي
نهب الاقتصاد وهو الذي حاول
الانقلاب على أخيه ورفعت من
حاول اغتصاب النساء وإزالة
الحجاب ورميت على رفعت كامل
أوساخ النظام وكانت بالفعل
عملية تشويه حقيقية ومقصودة
ومدروسة بدأ فيها حافظ ونظامه.
المستغرب انه ومنذ خروج رفعت لم يتحسن
شئ بل على العكس فالفساد ازداد
وزادت معها قمع أجهزة المخابرات
وزرعت في شوارع وساحات المدن
والقرى التماثيل لحافظ وأبنائه
وهي الظاهرة المؤذية التي لم
يكن يسمح بها رفعت ولا يقبل
بوجودها وبدأت سورية تحكم
بطريقة لا مثيل لها عبر التاريخ
ولم يكن ذلك ليحدث لو كان رفعت
موجوداً ولم يكن لحزب البعث أن
يمسخ بهذه الطريقة لو بقي رفعت
ولم يكن لرجال المخابرات العبث
بالشعب السوري واليوم ونحن نرى
النظام السوري يعيش لحظاته
الأخيرة في سكرات الموت لا يرى
النظام السوري إلا المزيد من
التشويه لصورة رفعت رغم انه
يحاول إيجاد طريق لإنقاذ سورية
لان النظام يعتقد إن رفعت الخطر
الوحيد عليه وعلى أركان النظام.
المستغرب أيضا إن تقع المعارضة في فخ
النظام ولو إن المعارضة
الحقيقية تعترف بضعفها وهزلها
وتعرف تماما إن رفعت هو الوحيد
القادر على هز النظام وعزله
فتقوم المعارضة بوضع على رأس
اعتباراتها ولا ترى إلا في رفعت
عدوا لسورية وعدوا لها فنستغرب
هذا الموضوع لوقوع المعارضة في
فخ النظام ولا يحتاج الأمر إلى
كثير من الذكاء لان نفهم بان
شخصية رفعت الأسد شوهت كثيرا من
النظام نفسه ومن حلفائه في
الخارج ويجب كوطنيين قبل إن
نحكم على شخصية كرفعت إن نفكر
أولا بحقيقة تلك التهم وحقيقة
ذلك الرجل الذي لا يمانع ويطالب
دائماً بتقديم وثائق وإثباتات
على تلك التهم في حين إن أحدا لم
يقم بذلك فلماذا نشوه صورة رجل
دون اتهام مثبت ودون وثيقة وذلك
يؤكد اعتبار رفعت رجل المرحلة
وهو الذي يمكنه إنقاذ الوضع
ونقل سورية إلى حالة طبيعية دون
سفك دماء وهو الرجل الذي يقدم
حلولا منطقية وهذا لا ننسى أيضا
إن رفعت يتمتع بشعبية في بلاده
سورية وتعالى على الاتهامات ولم
ينزل إلى مستوى السلطة القمعية
التي تتكالب على السلطة وتمكنوا
من تغيير الدستور في خمس دقائق
فكيف يمكن مقارنة رفعت مع هؤلاء.
المراقب
السوري
------------
*عضو
سابق في رابطة خريجي الدراسات
العليا / سورية
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|