تدمير
المقدسات
حلم
في اللاوعي الغربي
محمد
خليفة
قال عضو في
الكونجرس الأمريكي يدعى “توم
تانكريدو”، إن الولايات
المتحدة يمكن أن تستهدف الأماكن
المقدسة للمسلمين، وعلى رأسها
الكعبة بالأسلحة النووية حال
قيام متطرفين مسلمين بمهاجمة
مدن أمريكية. وطبعاً مر هذا
التصريح العدائي للإسلام
والمسلمين مرور الكرام في
أمريكا. فلم ينتقده أي من
المسؤولين في الإدارة
الأمريكية، وكأنه لا يسيء إلى
أحد ولا يضر بمصالح أحد، مع أن
هذا التصريح يندرج تحت بند
التطرف الذي تحاربه الولايات
المتحدة في حربها المفتوحة على
ما يسمى “الإرهاب”. والواقع أن
تدمير الكعبة المشرّفة هو حلم
قابع في اللاوعي الغربي، لأن
الكعبة رمز عزة العرب
والمسلمين.
وكان الإمبراطور
البيزنطي جستنيان (527
565)، أول من فكّر في تدمير
الكعبة. فقد رأى هذا الإمبراطور
أن وجود الكعبة في مكة هو الذي
منع انتشار المسيحية في جزيرة
العرب. فأوعز إلى النجاشي في
الحبشة، وكان مسيحياً تابعاً
للدولة البيزنطية، أن يغزو
جزيرة العرب وأن يدمر الكعبة.
فأرسل النجاشي جيشاً بقيادة
أرياط، فغزا هذا الجيش اليمن،
ومن ثم قام أبرهة الأشرم الذي
خلف أرياط في حكم اليمن بتجهيز
جيش ليغزو مكة. ووصل هذا الجيش
إلى مشارف مكة، ولكنه فشل في
تحقيق هدفه، فانكفأ إلى اليمن
خائباً في قصة أصحاب الفيل
المشهورة.
وبعد ظهور الإسلام
في بداية القرن السابع
الميلادي، استطاع العرب
المسلمون تقويض الإمبراطورية
البيزنطية المسيحية. وازداد
الحقد عند الأوروبيين على العرب
والمسلمين، ولم يلبث هذا الحقد
أن تفجّر على شكل موجات ضخمة من
الأوروبيين جاؤوا إلى الشرق
الإسلامي غزاة منذ عام 489 للهجرة
1096 للميلاد. فبدأت الحروب
الصليبية التي استمرت مئتي عام
وانتهت مع بداية القرن الرابع
عشر الميلادي.
وقد فشلت أوروبا في
القضاء على الإسلام في تلك
الحروب، لكن ظل الأمل يراود
الأوروبيين في القيام بحروب
جديدة على بلاد الإسلام. وعندما
نجح الثنائي الإسباني فرديناند
وإيزابيلا في طرد العرب
والمسلمين من غرناطة التي كانت
آخر الحصون الإسلامية في
الأندلس عام 871 للهجرة
1492 للميلاد، ابتهجت أوروبا
أيّما ابتهاج بهذا النصر الأول
لها على العرب المسلمين. وعلى
الفور أوعز البابا الكسندر
السادس إلى الثنائي الإسباني
ليتابعا حربهما على الإسلام،
واقترح عليهما غزو مكة وتدمير
الكعبة لكي يتم القضاء على
الإسلام بشكل نهائي. فأرسل هذا
الثنائي كريستوف كولومبوس
ليكتشف الطريق البحري إلى مكة،
وشاءت المقادير أن يكتشف عوضاً
عن ذلك أمريكا. وانشغل
الأوروبيون بأمريكا وألهتهم
الثروات التي حصلوا عليها عن
محاربة المسلمين. وتمّ نسيان
هذا الأمر واغتنت أوروبا وصعدت
قوتها وانحطت قوة المسلمين.
وعاد الأوروبيون
إلى المنطقة العربية غزاة
“حضاريين”، فادعوا أنهم جاؤوا
هذه المرة لنشر العلم والحضارة
وليس لنشر الدين المسيحي. فوقع
العالم العربي والإسلامي كله
تحت رحمة الغزاة الأوروبيين.
ومع تفتح العقول في
العالم العربي وظهور روح
المقاومة فيه، تنبه الغرب إلى
ضرورة الاستمرار في هيمنته على
الشرق المسلم لكي لا يتسنى
للمسلمين أن يشكلوا قوة كما كان
عليه الأمر في القرون الغابرة.
وكانت أحداث 11
أيلول/سبتمبر 2001 بداية لعودة
غربية كبرى إلى المنطقة العربية
والإسلامية. وهذه المرة تحت
شعار نشر الديمقراطية والحرية،
وهم يعلمون أن العرب والمسلمين
ليسوا في حاجة إلى ديمقراطيتهم
ولا إلى حريتهم. ولكنهم مع ذلك
يصرّون أيما إصرار على أنهم
ليسوا غزاة بل محررين. فيا لها
من نكتة يخجل منها حتى الأطفال
الصغار. لكن مادام لا يستطيع أحد
أن يسأل المنتصر فيما إذا كان قد
قال الحقيقة، فإن الغرب القوي
يزيف الحقائق ولا يهمه إن كان
هناك في العالم من يصدّق ما يقول
أم لا، المهم أنه يستطيع أن يفرض
أقواله وأفكاره على العالم بقوة
السلاح وليس بقوة الإقناع.
وهنا تكمن
المفارقة، فالغرب من جهة يتبنى
رؤى حضارية وأفكاراً سامية،
لكنه من جهة أخرى لا يعمل على
نشر هذه الرؤى والأفكار
بالوسائل والسبل الحضارية
وبالاعتراف بالآخر واحترام
آرائه وأفكاره، بل يلجأ إلى
وسائل التدمير المختلفة.
وما يحدث في العراق
من تدمير للإنسان والعمران على
يد جيوش الولايات المتحدة وجيوش
حلفائها الغربيين، هو دليل على
نفاق الغرب وعلى تعصّبه وأطماعه
في المنطقة بالقوة المادية
المجرّدة من كل قناع، لأن هذه
الأرض تحتوي كنوزاً من الخامات
والموارد الطبيعية. وإذا كان
النائب الأمريكي توم تانكريدو
قد دعا إلى تدمير الكعبة
المشرفة، فإننا لا نستبعد أن
يأتي في المستقبل من يقوم
بالتنفيذ. وبالتالي تحدث مواجهة
كبرى بين الإسلام والغرب
المسيحي. ولعل هناك جهات خفية
تعمل في الظل بهدف خلق فتنة بين
الشرق المسلم والغرب المسيحي.
وعلى العقلاء في الغرب والشرق،
أن يتنبّهوا إلى خطورة الموقف،
وأن يعملوا على تحقيق التقارب
بين الجانبين عن طريق الحوار
والإقناع لا عن طريق الهيمنة
والإملاء، حتى لا تكون فتنة
تثير في الأرض الحروب والدمار
بسبب المطامع والمنافع، وحتى
يصبح السلم والعدل قاعدة لتوفير
الضمانات الحياتية ومنع البغي
والظلم، وتحقيق العدل الدولي
والعدالة القانونية وإزالة
أسباب الفرقة والخصام والنزاع
بين الشعوب والدول، وسدّ
الذرائع التي تدعو إلى قيام
عصبيات دينية، تنطلق في إثرها
أحقاد الماضي وحزازاته. فذلكم
هو الطريق الأسلم والأمثل
لسيادة العدل في الأرض قاطبة
وتحقيق الخير للناس جميعاً، لا
فارق بين جنس أو لون أو عقيدة.
فالناس كلهم من أصل
واحد وخلقوا من نفس واحدة
متعاونة غير متنازعة الأهداف
استناداً إلى ناموس الكون الذي
يشكّل قاعدة لخير البشرية،
قاعدة تنشأ على علاقة التوازن
والتضامن والتعاون والأمن
والسلام في بناء مجتمع إنساني
أخوي المنشأ والمصير
دار
الخليج - 31/7/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|