التقارب
الإسرائيلي- الأفريقي
وأثره
على الأمن القومي العربي
بقلم
: أ.د . مصطفى رجب
إذا استثنينا "الفلاشا"،
وهم الأقلية اليهودية في
إثيوبيا يمكن القول بأن القارة
الأفريقية (الجزء غير العربي) لم
تعرف اليهودية واليهود معرفة
تاريخية مباشرة كمعرفتها
الإسلام والمسيحية إلا في حدود
ضيقة ترجع لوجود أفراد وجاليات
أجنبية دخلت القارة في ظل النظم
الاستعمارية الأوربية، إلا أن
النظرة الأفريقية لليهود
وإسرائيل قد تبلورت من خلال ما
وصل أهل القارة أو تسرب إليهم من
أقوال الآخرين وعلى رأسهم
الإسرائيليون والصهاينة
المحدثون وانطلاقاً من أهمية
القارة السمراء لدولة إسرائيل
لعدة اعتبارات منها اعتبار
بعضها دول جوار استراتيجي للدول
العربية وهو الأمر الذي أعطاه
بن جوريون أهمية قصوى في سياسة
إسرائيل الخارجية والمثال على
ذلك إثيوبيا ونظراً لما تمثله
بعض الجاليات اليهودية - على
قلتها - من أهمية دينية وعقائدية
لشعب إسرائيل والمثال على ذلك
يهود جنوب أفريقيا وإثيوبيا، كل
ذلك جعل من القارة السمراء
هدفاً تاريخياً للحركة
الصهيونية ليس فقط مع قيام
إسرائيل عام 1948 وإنما مع ظهور
الحركة الصهيونية في أواخر
القرن الثامن عشر حيث جرت
مداولات جدية قبل انعقاد مؤتمر
بازل بسويسرا عام 1897 عن إقامة
دولة يهودية بأوغندا إلى جانب
فلسطين والأرجنتين كخيارين
آخرين، ولم تنقطع الصلة
الصهيونية بأفريقيا عبر
التاريخ ولكنها لم ترق إلى
المستوى السياسي حتى برزت
ليبيريا كأكثر الدول الأفريقية
تأييداً لقيام دولة إسرائيل حيث
جسدت هذا التأييد من خلال
موافقتها لمشروع قرار التقسيم
عام 1947 وأصبحت ثالث دولة في
العالم تعترف بإسرائيل وهي أول
دولة أفريقية عقدت مع إسرائيل
معاهدة صداقة وتعاون وتبادلت
معها الزيارات الرسمية،
وإثيوبيا من جانبها كانت الدولة
الأفريقية الثانية التي أقامت
علاقات مع إسرائيل رغم امتناعها
عن التصويت على قرار التقسيم،
يذكر أن ليبيريا وإثيوبيا كانتا
الدولتين الوحيدتين من أفريقيا
الحاضرتين في جلسة التصويت على
قرار التقسيم، وبحلول نهاية 1967
أصبح لإسرائيل 32 بعثة دبلوماسية
بأفريقيا منها 30 دولة على مستوى
سفارة ومع دولتين هما جنوب
أفريقيا وجزيرة موريشيوس على
مستوى قنصلي وبالمقابل أقامت
الدول الأفريقية تمثيلاً
دبلوماسياً لها في إسرائيل. وقد
شهدت هذه المرحلة من العلاقات
الأفروإسرائيلية تبادلاً
للزيارات الرسمية من كل من
الجانبين الأفريقي والإسرائيلي
حيث قامت وزيرة الخارجية
الإسرائيلية آنذاك جولدا مائير
في الفترة ما بين 1958-1963 بزيارة
دول أفريقية منها ليبيريا
والسنغال ونيجيريا وغانا، كما
قام إسحاق بن زفى رئيس إسرائيل
عام 1962 بزيارة خمس دول أفريقية
ومن جانبه قام رئيس الوزراء
أشكول عام 1966 بزيارة دول
أفريقية أخرى شملت زائير
وأوغندا وليبيريا والسنغال
ومدغشقر.
وترى نادية سعد
الدين (المستقبل العربي ع 292
يونيو2003) أن التغلغل الإسرائيلي
في شرق أفريقيا على وجه الخصوص
يكتسب أهمية كبيرة لعدة عوامل
منها:
1-الموقع
الاستراتيجي الهام لدول شرق
أفريقيا ذلك لعدة اعتبارات
تتمثل في:
أ - بعض هذه الدول تطل على
البحر الأحمر الذي يتمتع بموقع
استراتيجي هام بين العالمين
العربي - الأفريقي و الأفريقي-
الآسيوي. وهو يحتوي على 380 جزيرة
منها 126 لإرتريا و6 لجيبوتي،
بالإضافة لكونه أهم شريان ينقل
البترول من الخليج العربي
وإيران إلى أوربا الصناعية
والولايات المتحدة واليابان،
ونظراً لكونه يشكل حلقة الوصل
بين المحيط الهندي والبحر
المتوسط فهذا يجعله طريقاً
بحرياً للقوات العسكرية بين
مراكز تجمعها الأصلية في
الشمال، ومناطق انتشارها أو
عملها في أجزاء مختلفة من
العالم ومما يزيد من الأهمية
الاستراتيجية للبحر الأحمر
وجود قناة السويس في شماله
ومضيق باب المندب في جنوبه، لأن
من يسيطر على مضيق باب المندب أو
قناة السويس يمكنه السيطرة على
الملاحة في البحر الأحمر.
ب - سيطرة إثيوبيا على 85% من
مصادر مياه النيل باعتبارها
المنبع الأساسي الأهم لمياه هذا
النهر الذي يخترق أراضي عشر دول
منها مصر والسودان اللتان
تعتمدان عليه اعتماداً كبيراً
لكونه الشريان الوحيد بالنسبة
لهما.
ت - الموقع الهام لدول القرن
الأفريقي «إثيوبيا- الصومال-
جيبوتي» لأنه يحاذي الممرات
البحرية الاستراتيجية في كل من
البحر الأحمر والمحيط الهندي.
2-يعتبر القطاع
الزراعي النشاط الرئيسي لمعظم
كاسبي الدخل في دول شرق أفريقيا.
الأمر الذي شكل مجالاً لإسرائيل
للتغلغل هناك من خلاله فمارست
نشاطاتها هناك عبر إنشاء
المستعمرات الزراعية وشراء
المزارع وتملكها.
3-اعتبار إسرائيل أن
التوجه نحو شرق أفريقيا يمثل
جزءاً رئيسياً في الصراع العربي
الإسرائيلي وهو الذي أشار إليه
بن جوريون بالبعد الثالث في
الصراع.
4-لا تزال دول شرق
أفريقيا ودول أفريقيا عامة تنوء
تحت وطأة مشاكل التخلف
الاقتصادي والاجتماعي التي
ورثتها من الاستعمار، عدا
إشكاليات التبعية وبناء الدولة
والمشاكل الحدودية والصراعات
الطائفية والعرقية . . إلخ.
وقد استثمرت
إسرائيل كل ذلك لصالحها من أجل
تحقيق مآربها في المنطقة والتي
لن تكون بطبيعة الحال في صالح
الدول ذاتها.
ويرى حسين معلوم (مجلة
الوحدة ع97 أكتوبر 1992) أن محاولة
السيطرة على البحر الأحمر تعتبر
من أهم الأهداف الاستراتيجية في
القارة الأفريقية والتي بدأت
عام 1949 بعد تأسيس الوجود
الإسرائيلي في خليج العقبة،
وبهدف الاتصال مع العالم
الخارجي عن طريق البحر الأحمر.
ولتحقيق هذا الهدف، بدأت
إسرائيل بتأسيس وجود لها على
البحر الأحمر بغية استخدامه
لتحقيق مصالحها العسكرية
والاقتصادية والسياسية. وكانت
الخطة التالية هي السيطرة على
البحر الأحمر ذاته، فبدأت
باحتلال الأراضي العربية في
الجزء الشمالي، واحتلال الجزر
الواقعة في الجزء الجنوبي من
المنطقة. ولأن إسرائيل تخشى
فعلاً أن ينجح العرب في تحويل
البحر الأحمر إلى بحيرة عربية.
ومن ثم يفرضون
حصاراً على السفن الإسرائيلية،
خاصة أن هذه المخاوف كانت قد
تصاعدت إبان قيام العرب بالفعل
بإغلاق مضايق تيران وباب المندب
في عامي 1967، 1973، على التوالي . .
لذلك، يتسم البحر الأحمر، بما
في ذلك القرن الأفريقي، بأهمية
حيوية واستراتيجية لإسرائيل.
وعليه، فقد اتبعت إسرائيل - وما
زالت - ثلاثة محاور متداخلة من
العمل على تحقيق سيطرتها على
البحر الأحمر:
تدعيم قواتها
المسلحة، وإنشاء علاقات ودية
سياسية ودبلوماسية مع إثيوبيا،
واستغلال جزر البحر الأحمر.
وربما هذا ما يفسر، لماذا تولي
إسرائيل اهتماماً بشرق أفريقيا
(القريبة من البحر الأحمر) أكثر
من قلبها أو وسطها.
من هنا، وبسبب
الرابطة العضوية بين ضرورة
إنشاء "عمق استراتيجي" خاص
بها في المنطقة، وبين الأمن،
وبين القدرة على التوسع، باشرت
إسرائيل جهوداً مكثفة لتعزيز
علاقاتها مع الدول الأفريقية،
ولاسيما إثيوبيا التي تملك
منفذاً (إريتريا) على البحر
الأحمر، والتي تعد أهم بلد يتصل
بأمنها في البحر الأحمر. وفي
سبيل توسيع جهودها في البحر
الأحمر في مواجهة العرب، انتهجت
إسرائيل سبيل دعم إثيوبيا
اقتصادياً وعسكرياً في مقابل
حصولها على ميزات استراتيجية،
وفي سبيل إبقائها إريتريا تحت
سيطرة إثيوبيا. وقد ظلت شبكة
الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)
عاملة بنشاط في إثيوبيا،
ولاسيما فوق الساحل الإريتري،
وبموافقة من إثيوبيا بالطبع.
وأكثر من ذلك، بنت إسرائيل
قواعد في إثيوبيا بعد زيارة
دايان لها في 1965. وإضافة إلى
قواعدها العسكرية على الجزر
الإريترية، وبخاصة قرب باب
المندب، شيدت إسرائيل -بموافقة
إثيوبيا- قاعدتين عسكريتين قرب
الحدود بين إريتريا والسودان،
واستغلت إريتريا اقتصادياًَ عن
طريق شركاتها "انكودي Ancodi للحوم، سيا Siaللمنتجات
الزراعية، عميران Amiran للتجارة، سولال بونيه SolelBoneh للبناء والأشغال
العامة، آتا Ata المحدودة للمشروعات
الزراعية، وشركة أخوان ارون Aron للواردات والصادرات، واتحاد
العمال الوطني الهستدروت
للتجارة والصناعة".
وبحكم ارتباط البحر
الأحمر بالأمن الإسرائيلي، فإن
الإسرائيليين يرغبون القيام
بدور في حل قضايا البحر الأحمر،
وبخاصة تلك التي تؤثر على حرية
إسرائيل في الملاحة والمتاجرة
والتعاون الاقتصادي مع العالم
الخارجي. هذا بالإضافة إلى سعي
إسرائيل المستمر نحو تحقيق
مجموعة من الأهداف بما يتواءم
مع استراتيجيتها في البحر
الأحمر، أهمها:
توسيع الوجود
العسكري الإسرائيلي وترسيخه
وتأمين مصالح إسرائيل بما يتيح
لها إمكانات الهجوم المباشر على
العرب في باب المندب. . وكذلك،
إيجاد " عمق استراتيجي" في
البحر الأحمر يتيح لإسرائيل رصد
أي نشاط عسكري عربي في المنطقة.
أيضاً، ضمان الاتصال والأمن
للخطوط البحرية العسكرية
والمدنية الإسرائيلية بين
المحيط الهندي والبحر المتوسط
عن طريق البحر الأحمر والطريق
البرية من إيلات إلى حيفا
وعسقلان.
لقد ثبت أن الجانب
الاقتصادي في التغلغل في
أفريقيا يمثل حجر الزاوية في
العلاقات الأفروإسرائيلية يما
يهدد بالضرورة الأمن القومي
العربي الأمر الذي يتطلب من
الجانب العربي العمل على توثيق
العلاقات العربية - الأفريقية
سواء من خلال العلاقات الثنائية
أو جامعة الدول العربية أو
منظمة الوحدة الأفريقية مع
ضرورة التنبه للمشروع الصهيوني
الذي يسعى للهيمنة على المنطقة.
الراصد
للتوثيق الإعلامي - 25/6/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|