إيلياهو
سلبتر:
أربع
سحابات في سماء الصيف اليهودي
كاتب
إسرائيلي يرى أنّ البروز
العالمي اليهودي
يشهد
عصره الذهبي لكنه يسير إلى أفول
القدس
المحتلة - خدمة قدس برس (13/07/05)
في مقاله
المنشور في صحيفة "هآرتس"
العبرية، في عددها الصادر اليوم
الأربعاء، الثالث عشر من تموز (يوليو)
2005؛ يرى الكاتب الإسرائيلي
إيلياهو سلبتر أنّ البروز
اليهودي في العالم الغربي يتجه
نحو الأفول.
ويخلص سلبتر
إلى هذا الاستنتاج من خلال
تعداده لجملة من العوامل التي
يراها دافعة نحو ذلك، رغم
إقراره بأنّ اليهود يعيشون
اليوم عصرهم الذهبي في العالم،
وبخاصة في الغرب.
والعوامل
التي يسوقها المقال هي أنّ "هنالك
مؤشرات كثيرة في أننا ندخل في
عهد الغيرة الدينية، ليس فقط في
العالم الإسلامي وإنما أيضاً في
العالم المسيحي واليهودي"،
وأنّ "العداء للسامية القديم
الذي لم يتم القضاء عليه مع سقوط
النازية وانهيار الاتحاد
السوفياتي؛ بدأ يرفع رأسه ويجد
لها حلفاء جدداً في دوائر
اليسار الليبرالي"، علاوة
على أنّ "التغيرات
الديمغرافية والاجتماعية
الطارئة على شعب إسرائيل تتسبب
في ضعفه المتزايد"، وأخيراً؛
"هناك خوف من أننا نقترب من
فترة انحطاط في الإبداع المذهل
الذي تميّز به اليهود في القرن
العشرين"، وفق تعبير كاتب
المقال.
والملاحظ من
سياق المقال أنّ هناك ربطاً
مباشراً تارة، وغير مباشر تارة
أخرى، بين العامل اليهودي
والعامل الإسلامي، بحيث يرى
إيلياهو سلبتبر ضمنياً أن حضور
المسلمين في الشأن الغربي
والدولي من شأنه أن يعود بالسلب
على مكانة اليهود غربياً
ودولياً وعلى النفوذ
الإسرائيلي بالتالي.
أربع
سحابات في سماء الصيف اليهودي
بقلم:
إيلياهو سلبتر
إنني أذكر
مشاعر الرضى التي تحدث بها يهود
أمريكيون كثر قبل عشرات السنين
عندما حدّثوا صحفياً
إسرائيلياً بأنّ جيرانهم
المسيحيين يطلقون على إسرائيل
عندما يتطرقون إليها اسم "بلادك
القديمة". لقد كان ذلك نوعاً
من التعبير عن إسهامها في
التطبيع الذي طرأ على مكانة
اليهودي الأمريكي.
إنّ إيطاليا هي
"الوطن القديم" للأمريكي
الإيطالي، وبولندا للبولندي،
وأيرلندا للأيرلندي، والآن
إسرائيل لليهودي. لم يكونوا في
ذلك الحين يتحدثون بعد، ربما
باستثناء بعض أعضاء المجلس
الأمريكي من أجل اليهودية
المناهض للصهيونية؛ عن "ازدواجية
الولاء". ساد هنا وهناك شعور
بالذنب لعدم النجاح في إنقاذ
جزء من الستة ملايين ضحية الذين
قضوا في الكارثة، إلاّ أنّ يهود
أمريكا لا زالوا منشغلين في
الأساس بإزالة ما تبقى من
القيود الاجتماعية المعادية
للسامية.
لقد تحسنت
مكانة اليهود في أمريكا وفي
أغلبية أرجاء العالم الغربي
بصورة مطردة. ويمكن اليوم القول
إنّ وضعهم لم يكن أبداً أفضل مما
هو عليه منذ الألفي سنة
الماضية، باستثناء فترة
الملاحقة في أسبانيا. ولكنّ
التناقض الأكبر هو أيضاً أنّ
المخاطر التي تحيق بمستقبل
الشعب اليهودي هي من أكبر
المخاطر التي أحدقت به خلال
تاريخه. يبدو أنّ هناك علاقة بين
الأمرين.
ليس هناك اليوم
في العالم الغربي اختصاص، حتى
كبير الأساقفة، ليس مفتوحاً
أمام اليهودي. من الأجدر أن نذكر
أنّ مجالات بأكملها حتى في
الولايات المتحدة نفسها كانت
ممنوعة على اليهود قبل خمسين
سنة؛ كقيادة البنوك الكبرى،
والجامعات من الطراز الأول،
والصناعات الثقيلة. لقد ضمت
النوادي الاجتماعية المختارة
إلى صفوفها يهودياًَ أو اثنين
حتى لا تُتهم بالعداء السامية.
لقد كان الوضع مشابهاً بهذه
الدرجة أو تلك في غرب أوروبا
الديمقراطية وفي وسطها.
أما اليوم
فالوضع أصبح مغايراً تماماً.
فاليهود موجودون في الصف الأول
في الاقتصاد والصناعة والمهن
الحرة. الطلاب اليهود مطلوبون
وعلاماتهم من أعلى العلامات في
المؤسسات الأكاديمية. عدد
الحائزين على جائزة نوبل من
اليهود أكبر بكثير من نسبتهم في
أوساط السكان عموماً أو في
أوساط الشريحة العلمية
والثقافية. لقد نشأ في الولايات
المتحدة "مجال جديد" في علم
الاجتماع والتاريخ لدراسة وجود
وزن وتأثير هائل لليهود على
الحياة الروحية والعلمية في
أمريكا. وذلك لم يكن سراً، فقبل
قضية "جاسوس البنتاغون"
واللوبي الأمريكي الإسرائيلي
"إيباك"، بوجود تأثير على
سياسة الإدارة الأمريكية تجاه
إسرائيل لمجموعات الضغط
اليهودية، كان لليهود وزن كبير
يتجاوز نسبتهم في أوساط
الناخبين الأمريكيين.
ولكن بدأت في
هذه السماء الصافية تظهر بعض
السحب في الآونة الأخيرة، التي
بدورها أخذت تقلق الزعامة
اليهودية جداً، رغم أنّ إسرائيل
ومواطنيها لا يدركون ذلك
تقريباً. من الممكن أن نُصنف هذه
المجريات السلبية بأربع
مجموعات.
أولاً؛ هنالك
مؤشرات كثيرة في أننا ندخل في
عهد الغيرة الدينية، ليس فقط في
العالم الإسلامي وإنما أيضاً في
العالم المسيحي واليهودي.
ثانياً؛
العداء للسامية القديم الذي لم
يتم القضاء عليه مع سقوط
النازية وانهيار الاتحاد
السوفياتي؛ بدأ يرفع رأسه ويجد
لها حلفاء جدداً في دوائر
اليسار الليبرالي.
ثالثاً؛ تتسبب
التغيرات الديمغرافية
والاجتماعية الطارئة على شعب
إسرائيل في ضعفه المتزايد.
وأخيراً؛ هناك
خوف من أننا نقترب من فترة
انحطاط في الإبداع المذهل الذي
تميّز به اليهود في القرن
العشرين.
قد يهدِّد
التعصب الإسلامي أمن الدولة
اليهودية بصورة مباشرة،
ويهدِّد علاقات العالم مع
إسرائيل والجالية اليهودية في
الشتات. في الوقت الذي يبرز فيه
التطرف الإسلامي بصورة العداء
القاطع للسامية؛ يسير التشدد
الديني المسيحي في اتجاه ذي
رأسين. يتعمق في العالم
البروتستانتي في أوروبا
وأمريكا الشرخ بين الكنائس
الليبرالية والكنائس الأصولية
المؤيدة لإسرائيل. وفي الكنائس
الليبرالية يتفشى اتجاه بفرض
المقاطعة الاقتصادية على
إسرائيل بسبب الاحتلال. لقد
تحوّلت هذه المسألة إلى نقطة
احتكاك جديدة بين المعسكرين
المسيحيين، وكذلك بين الكنائس
الليبرالية من جهة والجاليات
اليهودية في تلك الدول من جهة
أخرى.
هناك أيضاً
مغزى خاص لحقيقة انضمام
الخلافات داخل الصفوف المسيحية
إلى الصراع اليهودي الفلسطيني،
الأمر الذي يمسّ بصورة إسرائيل
الأخلاقية. وفي الوقت الذي
يعتبر فيه الأصوليون المسيحيون
نجاحات إسرائيل مقدمة لعودة
المسيح المخلص؛ يعتبر
ليبراليون كثيرون الممارسات في
المناطق (الضفة الغربية وقطاع
غزة) تعبيراً عن الشر اليهودي.
وبالإضافة إلى ذلك قد تؤدي
المحاولات الأخيرة للجسر بين
الكنائس الليبرالية والكنائس
الأصولية إلى حدوث تسويات
وتنازلات من جانب الأصوليين
أيضاً.
إننا في العالم
الكاثوليكي نقف على رأس
اختبارين اثنين: المجابهة بين
الطوائف المسيحية والإسلامية
في العالم الثالث، والتأثير
بعيد المدى للمجمع الفاتيكاني
الثاني، والخطوات المؤيدة
لليهود التي أقدم عليها البابا
الراحل يوحنا بولص الثاني.
ينبغي هنا أن نذكر المواجهات
اليهودية - المسيحية في مسائل
مُلحّة ومحلية، مثل قضية الصراع
ضد عادة الصلاة العلنيّة في
الأكاديميات العسكرية
الأمريكية، أو ضد فيلم "آلام
المسيح". تثير هذه الأمور
وغيرها التساؤل حول المكان الذي
يمرّ منه الخط الرفيع الفاصل
بين إسهام اليهود المعتبر في
مبدأ فصل الدين عن الدولة، وما
يبدأ مسيحيون كثيرون في إبرازه
كمحاولة لزعزعة الأركان
المسيحية في المجتمع الغربي.
التغيرات
الديمغرافية في العالم الغربي
ذات أهمية هائلة بالنسبة
لإسرائيل واليهود في الشتات،
وذلك لسببين اثنين:
أولا، الهبوط
المتسارع في التكاثر، وخصوصاً
في غرب أوروبا، يتسبب في تناقص
الأيدي العاملة المتزايد. وهذا
يشجع الهجرة الجماعية، ويوفر
تبريراً لها، والتي تُعتبر في
جزئها الأكبر إسلامية. تتسبب
هذه الحركة السكانية في تأثير
إسلامي على السياسة الداخلية في
دول غرب أوروبا، والتي تنعكس
أيضاً في سياستها الخارجية تجاه
إسرائيل. ومن الناحية الأخرى؛
تتسبب الهجرة الإسلامية في
أحداث عداء للسامية مباشر أو
بالتعاون مع أطراف نازية جديدة
محلية.
العامل السلبي
الآخر هو الهبوط الذي يلوح في
حجم الإسهام الروحي والعلمي
اليهودي في الثقافة العالمية.
لا شك أنّ الإسهام اليهودي
الثقافي ما زال ذا وزن كبير
يُكرِّس مكانة اليهود القوية في
المجتمع والسياسة في الشتات (خارج
فلسطين المحتلة)، وأيضاً في
رغبة الكثيرين منهم في الاحتفاظ
بيهوديتهم. ولكن من الواضح جداً
اليوم أنّ فترة الأينشتاينيين
والفرويديين في القرن العشرين
كانت ناتجة عن نقطة التقاء
استثنائية: تراكم الدراسة
اليهودية طوال ألفي عام مع
انقلاب التحرير الأكبر لدى
القوميات في أواخر القرن التاسع
عشر. ليس واضحاً إلى أيِّ مدة
زمنية ستبقى هذه الدافعية
المتميزة مؤثرة خلال القرن
الحالي أيضاً.
(المقال
بقلم إيلياهو سلبتر، ونشر في
يومية "هآرتس" العبرية في
الثالث عشر من تموز/ يوليو 2005)
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|