النظام
السوري بين خطر السقوط
وتحدي
الاستمرار
عادل
عبد الصادق*
يواجه النظام السورى خيارات صعبة
سواء على صعيدى الداخل أو
الخارج ، على الرغم من
الاستجابة السورية للضغوط
الاقليمية والدولية تجاة
الانسحاب من لبنان وتقديم
تنازلات في قضايا خارجية اخري
كالعراق والقضية الفلسطينية
وحزب الله فان الولايات المتحدة
لم تغير من لهجتها تجاة سوريا
بعد تمديد العقوبات الاقتصادية
عليها ، وتطرح ذلك تساؤلات حول
مدى قدرة النظام السورى على
البقاء فى ظل استمرار الضغوط
الخارجية التى تقودها الولايات
المتحدة من جهة، وتراخى عمليات
الإصلاح والبناء الداخلى من جهة
أخرى. ليصبح النظام السوري بصدد
مرحلة انتقالية سيَتحدّد فيها،
ليس مصيره فحسب، بل ربما أيضاً
مصير الشكل الراهن لكيانه
السياسي كنظام ونخبة حاكمة
ليصبح ما بين تغيير النظام
برمتة او تغيير توجهاتة .
ويأتي هذا مع خطر انتقال موقف
الولايات المتحدة من دمشق من
العداء لسياستها الى العداء
لكيانها السياسي برمتة ،
وليواكب ذلك استحقاقات داخلية
لم يتم حسمها منذ 30 عاما كقضية
احتلال الجولان، والوضع
الاقتصادي ،والاصلاح السياسي
ويعترض التقدم السوري تجاهها
ايضا ملفات داخلية شائكة ، فهل
ستنتظر تلك الملفات الى ان يتم
فتحها وهي على وشك الانفجار كما
الازمة الخارجية ؟
وجاءت تلك الضغوط بعد التغير
الذي طرا على الاسس التي اعتمدت
عليها سوريا لعلاج ازمتها في
السابق ، وهي المناخ العربي
الذي اعتمد على التنسيق المشترك
بين مصر وسوريا والسعودية ، ثم
المناخ الدولي حيث كان الاتحاد
السوفيتي ودوره في دعم التحرر
الوطني ، وكان المحور الثالث
متمثلا في الوحدة الوطنية
بالتلاقي الشعبي العسكري .
وطرا على تلك العوامل الثلاثة
تغيرات تعلقت اولا : بالمناخ
العربي حيث النظام العربي في
ادنى ضعفة والمناخ الدولي تبدل
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي
وظهور نظام دولي جديد بقيادة
الولايات المتحدة ، واصبح
الداخل بعد ثلاثين عاما من
الحكم البعثي معزول عن النظام
واكتسب هذا خطورتة في ظل الرغبة
الامريكية بالتدخل في ظل سياسة
الفوضى البناءة.
اذا فورقة التوت التي كان يجب ان
يحتمى بها النظام اصبحت هي
الاخرى في خطر ، ولكن هذا لا
يمنع امكانية اصلاحة وسد الطريق
امام فرص الاختراق الخارجي .
فأزمة النظام السورى ليست وليدة
الفترة الانية بل انها تمتد إلى
ما قبل تولى الرئيس بشار الأسد
سدة الحكم، حيث كانت مظاهر جمود
اكثر من واضحة منذ السنوات
الأخيرة لعهد والده الرئيس حافظ
الأسد الذي تركزت جهودة فقط على
انتقال سلمي للسلطة لنجلة على
حساب ملفات اخرى داخلية وخارجية
.
وبعد تولي بشار السلطة كانت هناك
توقعات كبرى بأن يقدم وصفة
إصلاحية شامة للخروج من هذا
المأزق تتضمن مزيجا من
الليبرالية الاقتصادية والقضاء
على الفساد والانفتاح على الغرب.
إلا أن طبيعة السلطة السورية
وانتشار مراكز القوى المتصارعة
فيها بين الحرس القديم المتمثل
في بقايا مولاة حافظ الاسد ،
والحرس الجديد الذي يدعم توجهات
بشار الاصلاحية ويشترك الطرفين
في الرغبة في الاحتفاظ
بمركزيهما فاي تغيير سيهدد بقاء
الرموز القديمة على حساب الرموز
الجديدة التي تحاول تعزيز
مواقعها تحت وطاه التهديدات
الخارجية ، ظهر هذا في الاداء
المتباطئ للسياسية الخارجية
السورية والذي وصل الى حد
الارتباك في بعض الاحيان .
النظام السوري بعد احتلال العراق
زادت أزمة النظام السورى كثيرا
بعد احتلال العراق، و تحول
الولايات المتحدة إلى جار مباشر
لسوريا عبر وجود قواتها التى
تناهز المائة والخمسين ألف جندى.
وبعد سقوط نظام حزب البعث في
العراق، أتاحت الأوضاع الجديدة
اتجاهين متضادين لسوريا،
أولهما اتجاه ايجابى مفاده أن
ما يحدث في العراق من فوضى أمنية
نتيجة حل حزب البعث والجيش فور
سقوط النظام يشكل حصانة لها ضد
التغيير. أما الاتجاه الثانى،
فكان مليئا بالقلق، لاسيما فى
ضوء توجهات اليمين المحافظ
المسيطر على القرار فى واشنطن.
حيث شعرت القيادة السورية بأن
مخططات اليمين الامريكى لتغيير
المنطقة تتضمن إحداث تغييرات
جوهرية فى سوريا ذاتها. ودعم من
هذا القلق كثافة التهديدات
والاتهامات الامريكية بإيواء
دمشق عناصر النظام العراقى
السابق ووجود أرصدة مالية تابعه
له، وتهريب الأسلحة العراقية
إليها، والسماح للمتطرفين
والارهابيين الانتقال عبر
الحدود إلى العراق للقيام
بعمليات ارهابية.
وإزاء هذه التوجهات الأمريكية
العدائية، اتخذت سوريا في
البداية موقفا متحديا وخطابا
استفزازيا من الحرب على العراق
ومتغافلة حالة العداء السابقة
بينها وبين نظام بغداد ، ولكن
تصاعد التهديدات والضغوط
الأمريكية أدى بدمشق إلى أن
تغير سياستها جزئيا، لاسيما بعد
أن حددت واشنطن مطالبها فى قيام
سوريا بدور أكبر فى ضبط الحدود
المشتركة مع العراق، ومنع تسلل
العناصر المقاومة.
لكن هذا التعاون الجزئى لم يؤدى
إلى تغيير يذكر فى المواقف
الأمريكية، حيث صدق الرئيس بوش
على قانون محاسبة سوريا في
نوفمبر 2003، الأمر الذى مثل
منعطفا سلبيا بارزا فى العلاقات
بين البلدين. وقد تصاعدت وتيرة
الضغوط الأمريكية، والمدعومة
بضغط فرنسى قوى مع صدر القرار
الدولى رقم 1559، والذى طالب
سوريا بالانسحاب الكامل من
الاراضى اللبنانية، وطالبها
أيضا بأن تساعد فى تفكيك حزب
الله اللبنانى.
ويمكن القول هنا أن الضغوط
الخارجية على سوريا تركز على
إحكام عزل النظام وحصاره تمهيدا
لإسقاطه لاحقا، سواء عبر إجباره
على إنجاز تغييرات نوعية في
البناء السياسي السوري تتجاوز
طبيعته الراهنة، أو عبر إسقاطه
والإتيان ببديل مختلف تماما
ومدعوم من الخارج بصورة أو
بأخرى. وتبدو المواقف الأمريكية
لتعزز من البديلين فى آن واحد.
فهناك طابع الابتزاز فى المطالب
الأمريكية، جنبا إلى جنب إعادة
تشكيل ملامح الدور الاقليمى
لسوريا وبما يخفض قدرتها على
الممانعة، فضلا عن تركيز سياسى
ودعائى على ضرورات التغيير وفقا
المفاهيم الأمريكية حول الحرية
والديمقراطية. والقاسم المشترك
بين هذه المواقف هو نسف الأمر
الواقع السوري الراهن، وفق
بداية تنص على إعادة سوريا
لحدودها الداخلية، ثم نهاية
تشمل تعديل أو تغيير النظام
السوري على هذا الأساس.
ما بعد الانسحاب من لبنان
لم تبد سوريا اهتماما كبيرا
بتطبيق القرار 1559 إلا بعد جريمة
اغتيال الرئيس رفيق الحريرى فى
منتصف فبراير 2005، و قامت
الولايات المتحدة بسحب سفيرتها
لدى سوريا مارجريت سكوبي ،و تم
تشكيل لجنة تحقيق دولية في
عملية الاغتيال وفق قرار مجلس
الامن ، وهذا ما قلب كافة
الموازين فى لبنان، وشكل أزمة
كبرى للوجود السورى. ومع تصاعد
الضغوط الخارجية الدولية
والعربية على دمشق تبلور المخرج
الوحيد فى استكمل الانسحاب
بأسرع ما يمكن، على أن يكون ذلك
قبل إجراء الانتخابات النيابية
اللبنانية. وهو ما تم بالفعل فى
26 أبريل 2005.
شكل الانسحاب السورى من لبنان
تغييرا نوعيا وجوهريا فى طبيعة
الأزمة التى يواجهها النظام
السورى، فقد انتهت مبررات
الهروب من استحقاقات الداخل
والذى فرض نفسه بقوة أمام كل من
له صلة بصنع القرار. وقد أوضح
الانسحاب أن سياسة بناء تحالفات
خارجية مع الصين وروسيا وإيران
وتركيا والاتحاد الأوروبى ليست
كافية لموازنة الضغوط
الأمريكية أو لتأخير التعامل مع
القضايا الداخلية، كما أنها
ليست سياسة مناسبة لحماية
النظام من الانهيار الذاتى،
والذى يعود إلى وجود حالة تشرذم
فى بناء السلطة السورية، حيث
يعمل كل ويتصرف جناح بمفرد وحسب
مصالحة واعتقاداته دون الأخذ فى
الاعتبار المصلحة السورية
العامة. ومثل هذه الحالة رجحت
اعتقاد بعض الدوائر الخارجية
بأن جريمة اغتيال الحريرى لها
علاقة بأحد أجنحة السلطة
السورية، ولكن دون أن يكون
للمؤسسة الرسمية صلة بهذا
الحادث.
ملفات داخلية شائكة
لقد أدت هذه التطورات إلى تصاعد
القلق السورى بشأن تماسك النظام
وقدرته على البقاء، وذلك من
ثلاثة زوايا متكاملة؛ وهى :
أ- الشقاق الطائفي وإصابة قاعدة
التحالف الداخلي:
فمن المعروف أن طبيعة النظام
السورى العلمانى ساعدت على
تخفيف واحتواء مظاهر التوتر
الطائفي فيها، وهو ما يعتبر
شيئاً هاماً في بلاد تشبه
العراق من حيث كونها تضم خليطاً
من العرقيات والمذاهب. وتشكل
طائفة السنة العرب في سوريا 60%،
والشيعة مع باقي الطوائف
الإسلامية 18%، وهناك 10% من
الأكراد، و12% من المسيحيين.
واكتسبت تلك النقطة أهميتها
وحساسيتها لسوريا بعد بروز
النظام الطائفي في العراق، ووضع
الأكراد به الذين حصلوا على
ميزات سياسية وثقافية كبيرة.
وفى سوريا تعيش أقلية كردية
تتركز في شمالها الشرقي، ومن ثم
فإن أي امتيازات استقلالية في
العراق يمثل ضغطا على النظام
السوري تجاه التعامل مع المطالب
الكردية، خاصة مع تواتر الحديث
عن دور إسرائيلي في شمال العراق.
اما من الناحية الغربية الموجودة
بالتنوعيات الطائفية في لبنان ،
فان اي اخلال بالخريطة
التوازنية بة سيشكل تهديدا
للنظام وتحالفاتة وخاصة حزب
الله الذي يعتبر شريك النظام
السوري -العلوي في المذهب
الشيعي ، الذي يستند الى
التحالف مع السنة والامتيازات
التي يحصلوا عليها كطبقة تجار
لها مصالح اقتصادية قوية في
لبنان
ب ـ الوضع الاقتصادي :
حيث يعاني الوضع الاقتصادي
السورى من انخفاض مستوى المعيشة
وتدني القدرة التنافسية، وتدني
مرتبته في سلم التنمية العالمي
بسبب تراجع إنتاج وتصدير النفط
الخام، فى الوقت الذى لا تستطيع
فيه قطاعات الاقتصاد الرئيسية
الأخرى تعويض الانخفاض الحادث
فيما يقدمه قطاع النفط للاقتصاد
الوطني. كذلك فإن التركيبة
السكانية تتميز بأن فئة الشباب
دون سن العشرين تشكل نسبة كبيرة
وهى 53% ، فى حين تبلغ نسبة
البطالة 20% من قوة العمل . أضف
إلى ذلك أن انسحاب 14 ألف جندي من
لبنان سيشكل عبئا إضافيا على
الاقتصاد الوطنى ، كذلك مستقبل
العمالة السورية في لبنان .
كما تعترض عملية إطلاق المنافسة
في سوق اكثر انفتاحا تحديات
كثيرة منها ما يتعلق بالتحالف
غير المكتوب بين السنة
والعلويين، وهو ما يجعل عملية
الإصلاح الاقتصادي متعثرة حتى
بعد تراجع السياسات الاشتراكية
وانسحاب الدولة من الكثير من
الأنشطة الاقتصادية. كما أن
سياسة الاقتصاد الحر وما تتطلبه
من تشجيع الاستثمار وجذبها من
الخارج مرهونة الى حد كبير
بالتطورات الإقليمية ولاسيما
عملية التسوية السلمية، جنبا
الى جنب تفكيك الطابع الامنى
للدولة السورية وتخفيف المظاهر
البيروقراطية. وهى متطلبات تبدو
صعبة جدا فى هذه الآونة.
ج ـ القوى السياسية المعارضة
: لقد رأت المعارضة السورية في
الداخل في تولى بشار الاسد
للرئاسة، بداية لعملية إصلاح
شاملة ومواجهة لمراكز القوى
المسيطرة على كل شئ والمانعة
لأي تطور حقيقى فى الداخل. إلا
أن الرئيس بشار في خطاب له، في10
مارس 2003, أوضح أن رؤيته تختلف عن
قراءة المعارضة لما ورد فى خطاب
القسم، وهو ما عبر عن تراجع فعلى
فى الالتزام بالإصلاح الشامل
والمنهجى، وأعطى إشارة سلبية
لقوى المعارضة فى الداخل.
وقد أدى سقوط بغداد، في9 أبريل 2003
إلى تطورات كبرى فى رؤية بعض قوى
المعارضة والتى باتت تتحدث عن
أن نجاح التغيير فى الداخل
يتطلب دورا خارجيا، ولو على
سبيل الضغط السياسى والمعنوى
على النظام من أجل اتخاذ
إجراءات إصلاحية حقيقية. وهو ما
لم يكن يفكر فيه أي اتجاه سورى
معارض من قبل، خاصة بعض
السوريين الذين يقيمون فى
الخارج بالفعل.
على صعيد معارضة الداخل، هناك
أربعة قوى رئيسية وهي؛ التجمع
الوطني الديمقراطي، حركة
الأخوان المسلمين وهي الأكثر
جماهيرية، وحزب الإصلاح
السوري، والأحزاب الكردية،
ولكن كل هذه القوى غير قادرة
وحدها على تغيير النظام، سواء
بالأساليب الديمقراطية أو
العنيفة. لكنها في ظروف دولية
مواتية، في وسعها هز النظام
بقوة. وهكذا يظهر دور التأثير
الخارجى بقوة فى حسم ملف
التغيير والإصلاح، لاسيما في ظل
إطلاق المبادرة الأوربية
بالحوار مع التنظيمات
الإسلامية غير العنيفة ومنظمات
المجتمع المدني ضمن مشروع الشرق
الأوسط الكبير.
البحث عن مخرج
إن حبال الإنقاذ التي يمكن أن
يتمسك بها النظام السورى وتحميه
من الانهيار تكمن فى تلك التي
يتم مدها بين النظام وشعبة ،
وطريقها الوحيد تعزيز الجبهة
الداخلية وتقوية تماسك النسيج
الاجتماعي، والشعبي وتحصين
منظمات المجتمع المدني وتعزيز
مسيرة الديمقراطية، وإطلاق
حركة إصلاح كبرى سياسيا
واقتصاديا واجتماعيا. و لعل
انعقاد المؤتمر القومي لحزب
البعث العربي الاشتراكي في 6
يونيو 2005 قد يشكل بداية على طريق
الإصلاح لمجمل الأوضاع
المتردية في سوريا، إذا ما قرر
المؤتمر نهج نهج الحزب من
الأسلوب الشمولى إلى أسلوب
انفتاحى يقبل بالآخر السياسى
على قدم المساواة، مع الاعتراف
بحقه فى العمل السياسى بكل حرية.
أما خارجيا، فالمسارات المتاحة
تبدو قليلة ومحدودة، ومع ذلك
فهى قابلة لأن تشكل سياجا من
الحماية إذا ما تم توظيفها وفق
سياسة خارجية تتصف بالمرونة
والذكاء والحكمة واستيعاب كافة
المتغيرات الإقليمية العاصفة
التى تمر بها المنطقة العربية.
فاذا ما تم العمل على تقوية
الجبهة الداخلية فان ذلك سيعزز
فرص النظام السوري في البقاء
بالاضافة الى التعامل
البرجماتي مع الضغوط ، ومن شان
ذلك ان يحول النظام السوري الى
النموذج الفنزويلي حين حاولت
الولايات المتحدة الاطاحة بـ
شافيز بانقلاب عسكري فاعادة
شعبة الى سدة الحكم وهو مازال
قابعا في سدة الرئاسة
الفنزويلية رغم انف الادارة
الامريكية ، ويبقى السؤال هل
ستترك الولايات المتحدة مزيد من
الوقت للنظام السوري ليتمكن من
لملمة اوراقة الداخلية ؟
*
باحث بمركز الدراسات السياسية
والاستراتيجية بالاهرام
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|