الهولوكوست
واستغلال
الصهاينة لجريمة يساءلون عنها
عوني
فرسخ
الأمم المتحدة التي
لما تزل ممنوعة من اتخاذ أي
اجراء لتنفيذ قرارها رقم 194
بعودة اللاجئين العرب لديارهم
والتعويض عليهم، وهم الضحايا
الأحياء للمحرقة النازية، قررت
رصد ميزانية سنوية لمتابعة
برامج احياء ذكراها. واستكمالا
لتسليط الاضواء علي حقائق
الهولوكوست ، والدور الصهيوني
في جريمة اقترفها نظام عنصري
أوروبي بحق مواطنيه علي أرض
أوروبا، ولكنها وظفت من قبل ما
يسمي المجتمع الدولي في تنفيذ
المخطط الاستعماري الاستراتيجي
باقامة اسرائيل لتفصل بين جناحي
الوطن العربي، ولتكون أداة
تواصل واقع التجزئة والتخلف
والتبعية.
وكان قد اقيم في
المانيا في اعقاب صدور قرارات
التمييز العنصري سنة 1933 مجلس
الرايخ لليهود الالمان ، لرعاية
شؤون اليهود الذين فقدوا العمل،
وانشاء مدارس للطلبة اليهود
ومؤسسات ثقافية واجتماعية. ولقد
حرصت المنظمة الصهيونية
الالمانية علي أن تكون صاحبة
الدور الاول في ادارة تلك
المدارس والمؤسسات، بحيث تنشر
مبادئها وتتولي الاشراف علي
مراكز تدريب الشبيبة الطلائعية
الحالوتس . كما أنشأت مدارس
تعليم العبرية ومراكز التدريب
المهني واعداد الشباب
للاستيطان في فلسطين. فيما سمح
للوكالة اليهودية في فلسطين
بإرسال المدرسين، واستخدام
العبرية في المدارس ومراكز
التدريب، ورفع علم ابيض تتوسطه
نجمة داود علي تلك المراكز. وذلك
ما لم يسمح بشيء منه لأي اقلية
أخري في ألمانيا النازية.
وعندما تحفظت وزارة الزراعة علي
انشطة تلك المدارس ابلغتها
وزارة الداخلية في أيلول (سبتمبر)
1935 بتأييد هتلر والغستابو
والشرطة السياسية لتلك السياسة
ـ كما يذكر فرانسيس نيقوسيا في
كتابه: الرايخ الثالث وسؤال
فلسطين، الصادر في لندن سنة 1985 ـ
.
وكان التعامل مع
اليهود الالمان ومتابعة
أنشطتهم من اختصاص الغستابو
وقوات الأمن SD. وذلك
تحت اشراف البارون ملدنشتاين
بداية، ثم ايخمان منذ أواخر 1935.
ولقد وصفت سياسة الجهازين حتي
1938 بالارهاب المنظم المنضبط،
بحيث تحقق الهجرة الطوعية . وعلي
ذلك حظيت المنظمة الصهيونية
الالمانية وسائر انشطتها
بالقبول والرعاية، فيما خصًَ
بالاجراءات القمعية اليهود
المندمجين. وكنتيجة للسياسة
المعتمدة انحسرت عضوية وفاعلية
كل من: اتحاد اليهود الوطنيين
الالمان و الاتحاد المركزي
ليهود المانيا الداعيين
للاندماج، مقابل توسع عضوية
المنظمة الصهيونية الالمانية
بحيث بلغ منتسبوها تسعين ألفا
في ايلول / سبتمبر 1938 ـ حسب
الارشيف الوطني في واشنطن ـ
وبذلك اسهم الارهاب النازي في
صهينة يهود المانيا.
وفي رسالة من وزارة
الخارجية الالمانية لوزارة
الداخلية في أيلول / سبتمبر 1935
يوضح بيلو شفانته علة عدم
التعرض للمنظمة الصهيونية
الالمانية بقوله: علي صعيد
سياسة المانيا اليهودية
وانعكاساتها علي السياسة
الخارجية فانه لا يوجد أي داع
لتخفيف الميول الصهيونية في
المانيا، وذلك لأن الصهيونية لا
تتناقض وهدف الاشتراكية
القومية (النازية) بزوال اليهود
من المانيا بالتدريج . وأكد ان
النظام النازي وجد في تيسير
تهجير اليهود الي فلسطين حلا
للمسألة اليهودية في المانيا ـ
كما يذكر جاكوب بواس، في كتابه:
الرحلات النازية الي فلسطين، في
تاريخ اليوم الصادر في لندن سنة
1980 ـ .
وفي التعليق علي
قرارات نورمبرغ للفصل العنصري،
وفي لقاء مع صحيفة دير انغرف
الناطقة بلسان وزارة الارشاد
والاعلام النازية، قال كاريسكي
ـ القيادي الصهيوني الالماني
البارز ـ في 23/9/1935، كنت قد
اعتبرت الفصل الكامل بين
الانشطة الثقافية لشعبين
يعيشان في مجتمع واحد ضرورة
للتعايش السلمي. ويبدو لي أن
قوانين نورمبرغ الصادرة في
15/9/1935 أخذت هذا الاتجاه لارساء
الاساس لحياة منفصلة مبنية علي
أساس الاحترام المتبادل. إن وضع
حد لعملية التفكيك في حارات
يهود كثيرة، والتي ازدادت
بواسطة الزواج المختلط، ليلقي
ترحيبا كليا من وجهة النظر
اليهودية. إن لهذين العنصرين:
الدين والعائلة، أهمية عظمي
لاقامة الوجود القومي اليهودي
في فلسطين .
وبعد ضم النمسا عين
ايخمان علي رأس جهاز الشرطة في
فينا سنة 1938. وواصلت أجهزة قوات
الامن SD سياسة
منح الحرية السياسية لمؤسسات
الحركة الصهيونية، فيما سمح
ايخمان للاتحاد القطري
الصهيوني بإصدار صحيفة خاصة
بهدف الـــترويج للهجرة
الصهيونية. وكانت اجهزة SD تعرف بوجود عملاء الموساد في
المانيا والنمسا
وتشيكوسلوفاكيا، وبأنشطتهم في
مجال الهجرة غير الشرعية (كما
يذكر ديفيد وجون كمخي في
كتابهما: الطرق السرية، للهجرة
غير الشرعية خلال سنوات 1938 ـ 1948
الصادر في لندن سنة 1955 1). فيما
واصلت الصحف الصهيونية الصدور
في برلين حتي سنة 1939. وحين اقيمت
معتقلات اليهود تحت الاشراف
النازي، شاركت المنظمة
الصهيونية في الاشراف علي تلك
المعتقلات. ويذكر الكاتب
الفرنسي إيمانويل راتييه،
مستشهدا بارشيف الوثائق
الالمانية، ان ايخمان التقي
ممثل الموساد موشيه اوباخ ـ
واسمه الحقيقي بار جيلاد ـ في
منزل البارون روتشيلد في فينا
وعقدا اتفاقية مماثلة
لاتفاقيات المانيا. وانه في
ربيع 1939 التقي في ذات المكان
ايضا مع تيدي كوليك ـ الذي صار
رئيسا لبلدية القدس المحتلة ـ
ويذكر انه في العام 1961 اختطف
الموساد ايخمان من الارجنتين
وجرت محاكمته وإعدامه في
اسرائيل.
وحول الموقف
الصهيوني، واليهودي بشكل عام،
من النظام النازي، والمسؤولية
التاريخية عن تقديم المصالح
الصهيونية علي حياة يهود
المانيا ووسط اوروبا، كتب ناحوم
غولدمان ـ الرئيس الاسبق
للمؤتمر اليهودي العالمي ـ يقول:
إن المجلس اليهودي العالمي فشل
في تعبئة اليهود لمقاومة
النازيين بالوسائل السياسية،
وأنه لو نجح في تنظيم مقاطعة
فعالة، وفي تنظيم نفوذ اليهود
في الدول، خاصة في امريكا
وانكلترا، ضد النظام النازي حين
كان لا يزال ضعيفا، لكان انضم
اليهم الملايين من غير اليهود،
ولكان بالامكان ارجاء اصدار
قوانين نورمبرغ ضد الاقلية
اليهودية، ولأمكن تخفيف القمع
والاضطهاد، وترتيب هجرة اليهود
الالمان مع اخراج جزء كبير من
موجوداتهم المادية . وفي ادانة
صريحة للزعامات اليهودية يقول:
لا يمكننا ان نقدم ذريعة باننا
هوجمنا بشكل غير متوقع. فكل شيء
فعله هتلر ونظامه لنا كان قد
أعلن عنه مسبقا بصراحة سافرة.
وفي هذه الصفحة المميتة لتاريخ
الشعب اليهودي فانه لا يوجد
هناك عذر لجيلنا برمته، أو
لمعظم زعمائنا.ويجب أن نقف ليس
لنشجب فقط شهودنا ابادة ثلث
شعبنا، وانما نحن مذنبون
لقبولنا به دون أية مقاومة
تستحق ان تذكر .
وألاحظ أن غولدمان،
الناقد بمرارة قصور غير
الصهاينة من اليهود في مواجهة
العنصرية النازية، تجاهل تماما
تواطؤ الصهاينة مع النازيين،
وكسرهم المقاطعة باتفاقية
هعفرا، واقرار المؤتمر
الصهيوني العالمي الذي كان
رئيسه لتلك الاتفاقيـــة. كما
تجاهل ما يذكره الارشيف
الصهيوني المركزي من أن بن
غوريون كان يؤكد أن المساعدة
الفعالة ليهود المانيا يجب أن
تتم من خلال مشروع الاستيطان في
فلسطين. وانه رفض اية حلول
لانقاذ يهود المانيا خارج
الاطار الصهيوني، مؤكدا اولوية
الحل الصهيوني باعتباره الحل
الاوحد. فضلا عن أن غولدمان
تجاهل ما ذكره شبتاي تبيت،
الكاتب الاسرائيلي في كتابه بن
غوريون والعرب، من أن د. مغنيس،
عميد الجامعة العبرية في القدس،
حمل للزعيم الصهيوني في ربيع
سنة 1936 عرضا نسبه لاشخاص عرب
مسؤولين بالسماح بهجرة يهودية
في حدود مليون مهاجر، بحيث
ترتفع نسبة اليهود من 28% الي 44%
من سكان فلسطين، مقابل ان تصدر
الوكالة اليهودية بيانا رسميا
بالتخلي عن فكرة الدولة
اليهودية والقبول بالبقاء
كاقلية قومية في دولة ديمقراطية.
ولكن بن غوريون رفض اسخي عرض
عربي، كما يقرر د. مغنيس، مؤكدا
عدم استعداده للتنازل عن 1% من
الاهداف الصهيونية، وأن تواصل
الهجرة دون أي قيود واقامة
الدولة هما الأهم في نظره. وذلك
في زمن تصاعد الارهاب النازي ضد
يهود المانيا ووسط أوروبا، ودون
ادني مبالاة بما كان يتهددهم من
أخطار مؤكدة.
وبرغم ذلك كله بات
مطلوبا من الأنظمة العربية
الاحتفاء بذكرى جريمة اوروبية
عنصرية القادة الصهاينة
مسؤولون تاريخيا عنها، وظفت ولا
تزال، في التغطية علي الارهاب
الصهيوني المنفلت من كل عقال
الذي يستهدف اقتلاع الشعب
العربي الفلسطيني من ارض ابائه
واجداده، بتواطؤ القوى العظمى
المتحكمة بقرارات المنظمة
الدولية.
القدس
العربي 19/11/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|