ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
مؤسسات
الفكر و الرأي Think
Tanks)) والسياسية
الخارجية الأمريكية إعداد : عمرو عبد
العاطي* تعتبر
مؤسسات الفكر و الرأي (Think Tanks) من أهم المؤسسات التي تلعب دوراً بارز في
صياغة السياسة الخارجية
للولايات المتحدة الأمريكية
بصفة عامة، و تجاه منطقة الشرق
الأوسط علي وجه الخصوص. فقد قامت
هذه المؤسسات ـ التي تَعتبر
بمثابة مراكز بحثية مستقلة ـ
بصياغة التعاطي الأمريكي مع
العالم لفترة تقارب مئة عام، و
لكن لكون مؤسسات الفكر و الرأي
تقوم بمعظم مهامها بمعزل عن
أضوء وسائل الإعلام، فهذا
يجعلها تحظى باهتمام يقل عن ما
تحظى به المؤسسات الأخرى
للسياسة الخارجية الأمريكية،
مثل التنافس بين جماعات المصالح
و المناورات بين الأحزاب
السياسية و التنافس بين فروع
الحكومة المختلفة. و علي الرغم
من هذا الابتعاد النسبي عن
الأضواء فإن مؤسسات الفكر و
الرأي تؤثر على صانعي السياسة
الخارجية للولايات المتحدة
الأمريكية
من خلال خمس طرق مختلفة ([i]).
i.
توليد أفكار وخيارات
مبتكرة في السياسة الخارجية: تسعى
مراكز البحث و الرأي الي توليد
أفكار جديدة تبدل الطريقة التي
ينظر بها صانعو السياسة
الخارجية الى العالم و يستجيبون
له، و من الممكن أن تؤدي هذه
الأفكار الجديدة الي تغير في
المصالح القومية الأمريكية و
فهمها و التأثير في ترتيب
الأولويات و توفر خرائط للعمل و
حشد التحالفات السياسية و
البيروقراطية و تشكيل حملات
الانتخابات الرئاسية. وتمثل
فترات انتقال الحكم مناسبات
مثالية لرسم برامج عمل السياسة
الخارجية حيث يطلب المرشحون الى
الانتخابات المشورة من عدد كبير
من المثقفين من أجل تحديد
المواقف السياسية حول عدد من
القضايا الداخلية و الخارجية و
يتبادل المرشحون الى الرئاسة
الأفكار مع الخبراء السياسيين و
يختبرونها خلال مسار الحملات
الرئاسية. وقد
كانت أكثر الأمثلة شهرة على هذا
ما حدث بعد انتخابات عام1980،
عندما تبنت حكومة رونالد ريجان
مطبوعة مؤسسة هيرتيج (Heritage Foundation) عنوانها "تفويض للتغيير" كبرنامج
عمل للحكم. و هناك حالة ثانية
أكثر حداثة تمثلت في صدور تقرير
سنة 1992 أعده معهد الاقتصاديات
الدولية و مؤسسة كارينجي للسلام
الدولي (Carnegie Endowment For International Peace ) يقترح إنشاء مجلس امن اقتصادي و قد وضعت
إدارة كلينتون التي تسلمت الحكم
فيما بعد هذا الاقتراح موضع
التنفيذ بإنشائها المجلس
الاقتصادي (هذا الجهاز مازال
يعمل الي يومنا هذا). و
توفر بعض المنعطفات التاريخية
الحاسمة فرصا استثنائية لإدخال
أفكار جديدة الى حقل السياسة
الخارجية الأمريكية فعلي سبيل
المثال نشر مجلس الشؤون
الخارجيةForeign
Affairs Council
واسع الصيت و التأثير مقالا غير
موقع بعنوان "أسباب التصرفات
السوفيتية" في مجلته Foreign Affairs وقد ساعد هذا المقال الذي كتبة
الدبلوماسي الأمريكي "جورج
كينان" في إقامة الأسس
الفكرية لسياسة الاحتواء التي
اتبعتها الولايات المتحدة
الأمريكية مع الاتحاد السوفيتي
و كذلك مقال هينتجتون عن صدام
الحضارات (The Clash Of Civilization) الذي نشره في نفس المجلة في عام 1993 والذي
كان بمثابة مساهمة اشتملت علي
بذور تطور قابلة للنمو في
النقاش الدائر حول السياسة
الخارجية فيما بعد الحرب
الباردة (Post
Cold War Era ). فضلاَ
عن الدارسات التي قام بها مركز
الدارسات الاستراتيجية و
الدولية (Center For Strategic And International Studies) و معهد هيرتيج و بروكنجز Brookings Institution منذ القرن العشرين التي أسهمت جميعها في
النقاش الدائر حول
الاستراتيجيات المناسبة و
المنظمات الملائمة لمواجهة
التهديد الإرهابي في الداخل و
الخارج بعد أحداث الهول العظيم
التي أصابت الولايات المتحدة
الأمريكية في الحادي عشر من
سبتمبر2001.
ii.
تأمين مجموعة جاهزة من
الاختصاصيين للعمل في الحكومة: بجانب
تقديم أفكار جديدة لكبار
الرسميين الحكوميين فإنها تقدم
أيضا مجموعة كبيرة من الخبراء
للخدمة في الإدارات الجديدة، و
في فرق الموظفين التابعة
للكونجرس. و تعتبر هذه الوظيفة
التي تؤديها المراكز البحثية
بالغة الأهمية في النظام
السياسي الأمريكي، حيث أن
انتقال السلطة في الولايات
المتحدة يؤدي الي استبدال مئات
الموظفين من الدرجة المتوسطة،
أو من كبار الموظفين في السلطة
التنفيذية. وتساعد مراكز
الأبحاث وا لرأي الرؤساء و
الوزراء علي سد هذا الفراغ. فقد
قام عل سبيل المثال الرئيس
الأمريكي جيمي كارتر بعد
انتخابه في عام 1976 بتعيين
الكثير من خبراء مؤسسة بروكنجز
و مجلس العلاقات الخارجية في
حكومته، و بعدها بأربع سنوات
توجه رونالد ريجان الي مؤسسات
أخري لتشكيل هيئة خبرته و
مستشاريه. فقد استعان خلال
فترتيه الرئاستين بمائة و خمسين
شخصاً من مؤسسة هيرتيج و مؤسسة
هوفر و معهد انتربرايز الامريكي.
كما اتبع الرئيس الأمريكي
الحالي (بوش الابن) في تعين
الخبراء و المستشارين في حكومته
السابقة و الحالية نفس النمط. والإضافة
الي تزويد الإدارات الجديدة
بالخبراء فإنها تامن للمغادرين
من مناصبهم الحكومية مواقع
مؤسساتية يستطيعون فيها ممارسة
ما اكتسبوه من خبرة و تبصر خلال
خدمتهم في الحكومة، و الاستمرار
في لعب دور مؤثر في النقاش حول
السياسة الخارجية للولايات
المتحدة. و تشكيل نوعا من مؤسسة
ظل غير رسمية للشؤون الخارجية. و
تتميز الولايات المتحدة عن
سواها من الدول بهذا الباب
الدوار و هو من مصادر قوتها([ii]).
iii.
توفير مكانا للنقاش على
مستوي رفيع: تلعب
مؤسسات الفكر و الرأي دوراً في
التوصل الى تفاهم مشترك إن لم
يكن هناك إجماع حول خيارات
السياسة الخارجية، و لا يمكن
لأي مبادرة كبري في السياسة
الخارجية من الاستمرار ما لم
تتمتع بقاعدة من التأييد الحاسم
في أوساط جماعة المهتمين
بالسياسة الخارجية. و توفر
النشاطات التي تنظمها مؤسسات
الفكر و الرأي الكبرى للرسميين
الأمريكيين منابر غير حزبية
لإعلان المبادرات الجديدة و شرح
السياسة الحالية و إطلاق
بالونات الاختبار لمعرفة ردود
الفعل على الأفكار الجديدة. إما
بالنسبة للشخصيات الأجنبية
الزائرة فإن فرص المثول أمام
جمهور مؤسسات الفكر و الرأي
البارزين تؤمن الوصول الي أكثر
القطاعات تأثيراً في مؤسسة
السياسة الخارجية الأمريكية.
iv.
تثقيف مواطني الولايات
المتحدة عن العالم: تساعد
مؤسسات الفكر والرأي في إثراء
الثقافة المدنية الأمريكية عن
طريق تعريف المواطن الامريكي
بطبيعة العالم الذي يعيش فيه و
قد زاد تسارع نبرة العولمة من
أهمية وظيفة التواصل مع الجمهور
أكثر من أي وقت مضى فمع ازدياد
اندماج المجتمع أكثر باتت
الأحداث و القوي العالمية تطال
حياة المواطن الامريكي العادي و
تؤثر فيه و لهذا أصبح للمواطن
الامريكي العادي دور متنام في
السياسة سواء كانت الداخلية أو
الخارجية.
v.
وسيلة مكملة للجهود
الرسمية للتوسط و حل النزاعات: تستطيع
مراكز البحت و الرأي لعب دور
نشيط في السياسة الخارجية
للولايات المتحدة عن طريق
رعايتها للحوارات الحساسة و
تامين وساطة فريق ثالث بين
الأطراف المتنازعة و لقد سهل
معهد السلام الامريكي American
Peace Institution )
) كجزء من المهمة المعهودة إليه
من قبل الكونجرس مثل مفاوضات
المسار الثاني فضلاً عن تدريب
الرسميين الأمريكيين علي أعمال
الوساطة بصورة نشيطة في
الدبلوماسية الوقائية و في تدبر
أمور النزاعات و حلها. و تشكل
المبادرات الغير رسمية التي
تطلقها مراكز البحث و الرأي
مشاريع حساسة و لكنها تنطوي علي
إمكانيات كبيرة لتحقيق السلام و
المصالحة في مناطق النزاعات و
الصراعات أو المعرضة لها، و في
المجتمعات التي فيها حروب، أو
من خلال كونها مكملة لجهود
الحكومة الأمريكية أو كبديل
عنها حيث يكون الوجود الرسمي
الامريكي مستحيلا. و
بحلول القرن العشرين أصبح هناك
أكثر من 1200 مؤسسة للفكر و الرأي
تسيطر على الساحة السياسية
الأمريكية و هي تشكل مجموعة غير
متجانسة من حيث اتساع نطاق
المواضيع و التمويل و المواقع ([iii]) و يمكن أن نضع لها تقسيم أولي
علي النحو التالي([iv]):
vi.
مؤسسات تابعة للجامعات
مثل مؤسسة بحوث الشرق الوسط
التابعة لجامعة كولومبيا.
vii.
مؤسسات بحثية تميل لأحد
الحزبين الرئيسين في الولايات
المتحدة الأمريكية مثل معهد
بروكنجز(Brookings Institution)
الذي يميل الي الحزب الجمهوري و
مؤسسة هيرتيج(Heritage Foundation) التي تميل الي الحزب الجمهوري.!!
viii.
مؤسسات تابعة لهيئات
حكومية مثل جامعة الدفاع الوطني
(Nation Defense University ) ومركز بحوث الكونجرس ( congressional Research Service). ix. مؤسسات بحثية تابعة لمؤسسات خاصة كبري مثل مؤسسة كارينجي للسلام الدولي Carnegie Endowment For International Peace x. المؤسسات التقليدية للسياسة الخارجية مثل مجلس العلاقات الخارجية Council Of Foreign Relation xi. مؤسسات متخصصة مثل الجمعية الوطنية للعلوم السياسية American Political Science Association. xii. المؤسسات التابعة للوبي الصهيوني مثل اللجنة الوطنية اليهودية الأمريكية(American Jewish Committee) .و لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية "إيباك"(Israel-American Public Affairs Committee)
xiii.
مؤسسات مرتبطة بهيئات
معارضة للسيطرة الأمريكية و
معظمها من اليسار مثل (Nation Pacifica) و اليمين المعارض مثل لاروش.
xiv.
مؤسسات أخري تدخل ضمن
المؤسسات البحثية التابعة
للكنائس و الهيئات الدينية و
الأقليات القومية و العرقية و
اللغوية و الناشطين السياسيين و
الاجتماعيين. إن
كل واحدة من هذه المجموعات
تنقسم الي العديد من الأفرع
المختلفة و المتباينة فيما
بينها تعتمد
هذه المؤسسات على عدد من
الاستراتيجيات و الوسائل في
التأثير في عملية السياسة
الخارجية الأمريكية منها
علي سبيل المثال:([v])
i.
التلفزيون ووسائل
الإعلام حيث يظهر باحثو
مستودعات الأفكار و الرأي بشكل
منتظم في برامج أو أخبار
المساء، وفي كثير من الأحيان تقوم
العديد من الصحف باقتباس
أقوالهم.
ii.
الظهور العام Public Appearance ))
يتاح لباحثي و علماء مستودعات
الأفكار فعليا
و بشكل يومي الفرص للتحدث أمام
الجمهور و الجامعات و الكليات و
السيمينارات و لجان المناقشة و
المؤسسات المهنية وبرامج وزارة
الخارجية التدريبية و جماعات
التبادل الخارجي.
iii.
الوصول الي صانع القرارAccess To Policy Maker )
) حيث لديهم اتصال مباشر مع صناع
القرار في البيت الأبيض ووزارة
الخارجية.
iv.
شهادات الكونجرس Congressional Testimony ))
حيث عندما تبحث بعض اللجان
الرئيسية أو الفرعية في
الكونجرس موضوع عام فإنها
تستدعي أشخاصا من مؤسسات الفكر
و الرأي المتخصصين في الموضوع.
v.
هيئة مستشارين Advisory Panels))
مؤسسات الفكر و الرأي لديها
هيئة مستشارين على مستوى عال
لكل برامجها الفعلية، و هؤلاء
الأشخاص من الخارج و غالبا من
مجتمع الأعمال المعروفين جداً و
هؤلاء يساعدون في زيادة التمويل
للحصول على دراسات تخص عملهم.
vi.
الاتصالات الشخصية Personal Contacts))
حيث علماء مؤسسات الفكر والرأي
لديهم فرص الاتصال كبيرة و هذا
ليس مع الصحفيين فقط و لكن مع
موظفي الحكومة ورؤساء المؤسسات
الحكومية مثل وزارة الدفاع و
الخارجية و ممثلي الولايات
المتحدة في الخارج.
vii.
الخبرة الحكومية Governmental Experience ))
حيث يكون لعدد من الموهويين في
الحكومة مكان و اتصال مع هذه
المؤسسات فوزير الدفاع في
الولايات المتحدة "رونالد
رامسفيلد" و بول وولفويتز في
إدارة الرئيس بوش السابقة من
مقدمي أوراق و دراسات في معهد
أمريكان انتربرايز American Enterprise Institution)) و غيرهم من الشخصيات الأخرى.
viii.
توفير المعلومات حيث تقوم
هذه المراكز بتوفير المعلومات
اللازمة لصانع القرار السياسي
كما أنها في بعض الأوقات تقدم
بعض الدارسات القيمة التي تساعد
صانع القرار في اتخاذ القرار
بشان قضية معينة أو بموقف ضد
دولة معينة حيث أن هذه المراكز
تضم العديد من الخبراء و
المتخصصين و الذين يقدمون
العديد من البدائل و الوسائل و
الاستراتيجيات التي تساعد صانع
القرار السياسي في ضيافة
السياسة الخارجية الأمريكية
بهدف تعظيم أهداف بلده. *باحث في العلوم السياسية متخصص
في الشؤون الأمريكية و السياسية
الخارجية الأمريكية الهوامش [i]
- لمزيد
من التفاصيل حول هذا الموضوع
يمكن الرجع الي
·
ريتشارد
هاس، مؤسسات الفكر و الرأي و
سياسة الولايات المتحدة
الخارجية: و جهة نظر أحد صناع
السياسة، أجندة السياسة
الخارجية التي تصدرها وزارة
الخارجية الأمريكية، نوفمبر
2002، علي الرابطة www.Usinfo.state.gov\journals\itps\1102\ijpa\hass.htm ·
منذر
سليمان، دولة الأمن القومي و
صناعة القرار الأمريكي:
تفسيرات و مفاهيم، المستقبل
العربي، العدد (325)، مارس 2006،
ص 35. [ii]
- لمزيد من المعلومات عن أسماء
بعض الأمريكيين البارزين
الذين خدموا في كل من الحكومة
و مؤسسات الفكر و الرأي يمكن
الرجوع الي ·
الباب
الدوار،
أجندة السياسة
الخارجية التي تصدرها وزارة
الخارجية الأمريكية، نوفمبر
2002، علي الرابطة www.Usinfo.state.gov\journals\itps\1102\ijpa\door.htm ·
منذر
سليمان، دولة الأمن القومي و
صناعة القرار الأمريكي......، سابق،
ص 39 [iii]
-
ريتشارد هاس، مؤسسات الفكر و
الرأي و سياسة الولايات
المتحدة الخارجية......، مرجع
سابق [iv]
- د.محمد
سجادبور، المؤسسات البحثية و
السياسة الخارجية الأمريكية،
مختارات إيرانية، العدد
(38)، نوفمبر 2003، ص 70 – 71. [v] - خالد حامد طاهر شينكات، سياسية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه هيئة الأمم المتحدة (1990 – 2004 )، (القاهرة:كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2005)، ص 173 – 175.
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |