تنظيم
اللجنة العسكرية
و
انقلاب 8 آذار1963 في سورية
(دراسة موجزة)
المحامي
محمد أحمد بكور
تصاعدُ المد القومي
و التطلعات نحو الوحدة العربية
في خمسينات القرن الماضي في
الوطن العربي عامة و سوريه خاصة
، حول الحلم الى حقيقة بأقامة
الوحدة بين سوريه و مصر . لقد
أنضجت ظروف النظام الديموقراطي
في سوريه و مواقف جمال عبد
الناصر من حلف بغداد و تأميمه
لقناة السويس في 23/7/1956 ،
ومظاهرات التأييد التي أنطلقت
من المحيط الى الخليج ، و الضغوط
والمؤامرات التي استهدفت سوريه
لحرفها عن نهجها و ربطها
بالأحلاف كل هذا سرع بتحقيق
تطلعات الشعب السوري التواق
للوحدة و الذي لم يعترف في أي
يوم بأن سوريه بحدودها السياسية
الحالية دولة و أنما جزءاً من
أقليم أكبر هو بلاد الشام أو
جزءاً من الوطن العربي الكبير .
لقد تحققت الوحدة
بين سوريه ومصر بتأييد شعبي
يشبه الأجماع و بموافقة جميع
الأحزاب والحركات بمختلف
أتجاهاتها و عقائدها بأستثناء
الحزب الشيوعي ممثلاً في المجلس
النيابي بأمينه العام خالد
بكداش الذي رفض التوقيع و غادر
البلاد لأحد دول المعسكر
الأشتراكي السابق .
أشترط عبد الناصر
حل جميع الأحزاب واعداً بأقامة
تنظيم جديد على أنقاضها .
و أصدر حزب البعث
العربي الأشتراكي في 23/2/1958 أي في
اليوم التالي لأعلان الوحدة
قراراً بحل نفسه .
و لم تمض غير أشهر
معدودات حتى ظهرت بوادر الخلاف
بين قيادات حزب البعث المنحل و
عبد الناصر الذي أصدر أوامراً
بنقل مجموعة كبيرة من الضباط
ممن كان لهم صفة حزبية الى مصر ،
و صور الموضوع و كأنه عقوبة لهم
، مما أحدث مرارةً في نفوس هؤلاء
الضباط الذين كان لهم دور في
تحقيق الوحدة ، وجرى همس وتشاور
بينهم توصلوا بنتيجته الى رفض
قرار النقل . عرض الموضوع على
أكرم الحوراني زعيم الحزب و
نائب رئيس الجمهورية العربية
المتحدة فأمرهم بالطاعة و تنفيذ
الأمر فوراً دون تردد حتى لا
تتعرض الوحدة للخطر (حسب ما
سمعته منه شخصياً أكثر من مرة و
أكده لي مصطفى حمدون الذي كان
مسؤولاً عن التنظيم العسكري قبل
الوحدة خلال لقاءات عديدة) .
المهم أنصاع الضباط
و نفذوا أوامر النقل الى مصر ،
وهناك لم يتسلم بعضهم مهام
تتناسب مع مواقعهم التي كانوا
يشغلونها في سوريه ، في الوقت
الذي كانوا يتقاضون رواتباً و
مخصصات عالية ، و آلَ هذا الفراغ
الكبير في حياتهم الى تجمع
أكثرهم بشكل شبه يومي في مقهى
كروبي بالقاهرة ، يجمعهم النقد
السلبي منطلقاً من نوايا و
أهداف مختلفة ، فبعضهم أصابه
الأحباط و خيبة الأمل من حل
الحزب و أخرين لهم طموحات شخصية
للسلطة والحكم تعود الى عصيان
قطنه عام 1957 ، تسيرها عقد
تاريخية قادتهم الى تكتل و
تنظيم يتناقض مع المبادئ و
الأهداف الوطنية .
لم يسبق أن أهمل
موضوعاً من قبل المؤرخين و
السياسيين و الباحثين السوريين
كما أهمل دراسة اللجنة العسكرية
بحثاً و تحليلاً و نتائجاً, رغم
ما جرّته على البلاد من كوارث و
مآسي و مخاطر لا تزال ماثلةً حتى
الآن. بسبب بنائها التنظيمي و
توجهاتها الفكرية و السياسية و
التي لم يقتصر آثارها على سورية
فقط, بل كان لها أبعادها القومية
و على العمل الوحدوي الذي تعطل
الى آجل غير مسمى.
إنّ دراسة قضية من
هذا النوع تحتاج الى كتب و
مجلدات لإستخلاص الدروس و العبر,
لهذا نلتمس عذراً من القارئ
الكريم بأننا لن نستطيع تغطية
الموضوع بكافة جوانبه و آثاره و
نتائجه, و أنما سنتعرض لبعض
المحطات الهامة و هي غيض من فيض.
أطلق على التنظيم
الذي بدء في مصر بعد أنقلاب آذار
باللجنة العسكرية .
فما هي هذه اللجنة ؟
انها تنظيم لضباط
من (الحزبيين) تشكّل في مصر رغم
قرار حل الحزب بنفسه حسب ما تم
الأتفاق مع عبد الناصر.
وهنا لا بد من طرح
تساؤلات عديدة لأن الأجابة
عليها هي التي تفسر غايات
اللجنة و أهدافها و من أهم هذه
الأسئلة من قاد التنظيم؟ و متى
تم التظيم (اي الزمان)؟ وأين (المكان)؟
ولماذا؟. أن السرد التاريخي و
الموضوعي يتطلب أولاً معرفة من
خطط و قاد التنظيم في مصر ثم
تابعه بعد الأنفصال في 28/9/1961 و
عودة الضباط الى سوريه.
لقد تشكلت أول نواة
من التنظيم محمد عمران – صلاح
جديد – حافظ أسد (علويون) – و
عبدالغني عياش – و الأخير ضابط
طيار و كان أول قائد سرب ليلي و
يتمتع بكفاءة و سمعة حسنة و من
كتلة الضباط الأشتراكيين العرب
المحسوب على أكرم الحوراني ولها
وزنها و ثقلها و تماسكها و لهذا
تمّ نقله بعد فترة قصيرة الى
السلك الخارجي بسبب وشاية أحد
أعضاء اللجنة الذي كان ينسق مع
المخابرات المصرية لتبقى
اللجنة بلون واحد، لكي لا يفسد و
يعطل مخطط ثلاثي اللجنة و
نواتها والفاعلين فيها : عمران-جديد-الأسد
(الطائفي) و أستعيض عنه بمنير
الجيرودي و هو كذلك ضابط طيار و
على درجة جيدة من الأخلاق، و لقد
أفاد الأخير بأنه لم يجتمع مع
اللجنة حتى تم أنقلاب آذار 1963
مما يعني أنه كان واجهةً
لأستقطاب أعضاء جدد للتنظيم
بممارسة الغش والخداع و أضيف
الى هذه اللجنة فيما بعد عثمان
كنعان (علوي من الأسكندرون) و
أحمد المير (أسماعيلي) و سليم
حاطوم و حمد عبيد (دروز) و حسين
ملحم و عبدالكريم الجندي و موسى
الزعبي و محمد رباح الطويل ....
و عندما أعلن
الأنفصال في 28/9/1961 وقّع أكرم
الحوراني و صلاح البيطار وهما
من قيادات الحزب على تأييده، و
كانت خطيئة كبرى أدت الى نتائج
خطيرة على الحزب و الوطن ، لكن
ندم صلاح البيطار و تراجعه
،ساهم فيما بعد في خيارات
اللجنة بالأضافة الى عوامل أخرى.
عاد الضباط من مصر,
و قد أصدرت قيادة الأنفصال
قائمة تتضمن إحالة (68) منهم على
التقاعد و الوظائف المدنية .
أستأنف التنظيم
العسكري الذي بدأ في مصر عمله في
سورية منغلقاً على نفسه. و بعد
المؤتمر القومي الخامس الذي عقد
بمدينة حمص في آيار 1962، قررت
القيادة أعادة التنظيم و تجديد
الوحدة مع مصر و أتخذ فيه قراراً
بفصل أكرم الحوراني و مؤيديه
جماعياً مما يعني فصل جسم الحزب
الحقيقي و ثقله الشعبي و ترك
أطرافه سائبة و كان يقف وراء هذا
الفصل نزعات شخصية و عقد
أجتماعية و سياسية تغذيها
تنافسية سلبية بين قيادات الحزب
، تعود جذورها الى ما قبل قيام
الوحدة، فخلى الجو للعناصر
الطائفية والقيادات الضعيفة
التي لا وزن لها, و أضعف الجناح
المدني للحزب فاسحاً المجال
لتسلط العسكر فيما بعد، بينما
أعيد صلاح البيطار و أعطي
أمتيازاً لأصدار جريد البعث.
ونشأ تنظيم مدني
أخر لم يعترف بالمؤتمر القومي
الخامس أ’طلق عليه القطريون
بقيادة رياض المالكي و عبدالغني
قنوت و أسماعيل عرفة و يوسف زعين
.... و أستمر أخرون على تأييدهم
لأكرم الحوراني .
لقد وزع التنظيم
العسكري الأدوار بين مؤيديه على
هذه التنظيمات فمنهم من كلف
بالأتصال مع القيادة القومية,
التي كان يشرف على تنظيمها
ثلاثة من القطر العراقي
التابعين لها يقودهم حمدي
عبدالمجيد بالتعاون مع شبلي
العيسمي من القطر السوري، ونسب
أخرون للعمل مع القطريين و
جماعة أكرم الحوراني، ولكن قيام
8 شباط 1963 في العراق تقوده
القيادة القومية رجّح ذراع
الموازنه لصالحها للإستفادة من
قدرات العراق للمساعدة على
تنفيذ الإنقلاب و تحقيق التوازن
داخل الجيش مع الناصريين و
الكتل الأخرى في المرحلة الأولى
ثمّ الإنقضاض على حلفاء الأمس و
تصفيتهم.
مكان و زمان
التنظيم :
كما ذكرنا المكان
القاهرة و الزمان في ظل دولة
الوحدة (1959-1961)التي أشترط رئيسها
حل الأحزاب و تعهد الضباط بعدم
التدخل في السياسة.
اذن كان هذا
التنظيم يشكل أنتهاكاً لمَ أتفق
عليه مع قيادة الحزب التي اعلنت
حله رغم عدم رضا الكثير من
قواعده لقناعتهم بأن وحدة سوريه
و مصر لم تحقق كامل أهدافه و
عليه أن يستمر حتى تتحقق الوحدة
العربية و أهدافه الأجتماعية.
هدف التنظيم :
ان خطر هذا التنظيم
يكمن بأهدافه، فهو ضد جمال عبد
الناصر بل ضد الوحدة و العمل على
الإنقلاب عليها وبما أنه كان
مقتصراً على الضباط السوريين
فقط فهو إذاً يحضّر للإنفصال و
العودة بسوريه الى كيانها
القطري لإن أي عمل في تلك
المرحلة ضد جمال عبد الناصر هو
عمل ضد الوحدة التي أرتبطت به.
إنقلاب الإنفصال في
28 آيلول 1961
توالت على سوريه
بعد الإستقلال خمسة إنقلابات
قبل الوحدة و لكن إنقلاب آيلول
الذي فصل عرى الوحدة بين سوريه
ومصر أجدر بأن يطلق عليه خيانة
قومية من إنقلاب، لأن العمل
السياسي هو عمل لخدمة المصالح
العليا فأذا ادى الى عكس ذلك
بأصرار و تصميم مسبق يدخل تحت
عنوان الخيانة .
إن حكم المخابرات
الذي ساد نظام الوحدة و حل
الأحزاب و ما خلفه من فراغ سياسي
و الهوة بين الشعب و السلطة أدى
لنجاح الإنفصال الذي قام به نفر
صغير من الضباط صباح 28/9/1961
بسهولة كبيرة.
بعد إعتراف عبد
الناصر بالإنفصال عاد الضباط
السوريون الموجودون في مصر الى
سورية و منهم اعضاء اللجنة
العسكرية و الضباط الحزبيين, و
قد أصدرت قيادة الجيش قراراً
بتسريح (68) ضابط منهم. ولم يمض
وقت كبير حتى بدأت ردات الفعل
على حكم الإنفصال الذي قتل
الوليد النواة للمشروع القومي,
و ألغى بعض المكتسبات
الأجتماعية التي تحققت في ظل
الوحدة, فجرت محاولتي إنقلاب
أحدهما فاشلة في حلب بتاريخ
28/3/1962 قادها الناصريون و ساهمت
فيها اللجنة العسكرية و حكم على
بعض ضباطها بأحكام مختلفة حمد
عبيد ، محمد أبراهيم العلي و
وليد حمدون ،.... و الأخرى تم
التراجع عنها في 13/1/1963 بعد ان
تحركت قوات الجبهة الى سعسع قرب
دمشق بقيادة زياد الحريري .
لقد لمع اسم الأخير
الذي كان قائداً للواء السادس
في القطاع الشمالي من الجبهة و
مركزه مسعده و منه نقل الى قيادة
الجبهة في القنيطرة و أصبح أسمه
تتداوله الأوساط الشعبية كقائد
لإنقلاب محتمل. و كان الحريري من
الضباط المعادين لحكم عبد
الناصر بحجة تسلط المصريين على
سوريه، وفي نفس الوقت كان
معادياً لحكم الإنفصال تدفعه
طموحاته الشخصية بأن يصبح
دكتاتوراً صغيراً، و كانت
الجبهة يوم ذاك منفى للضباط
الرافضين لحكم الإنفصال من
ناصريين و بعثيين من صغار الرتب
لأن عبد الناصر سرّح معظم الرتب
الكبيرة و
أجهزّ الإنفصال على الباقي
فالتف الحزبيون حول قيادة
الحريري.
شعرت قيادة الجيش
بخطورة الوضع في الجبهة فأصدر
قائد الجيش زهر الدين قراراً في
1/3/1963 بتعيين الحريري ملحقاً
عسكرياً في بغداد، وعين مكانه
مسلم الصباغ قائداً للجبهة.
أوعزت اللجنة
لعناصرها الطلب الى الحريري ان
لا يفوت الفرصة و يسرع
بالإنقلاب و ليقطعوا الطريق على
الناصريين الذين طلبوا تأجيل
التحرك بعد ان تم تعيين أحدهم و
هو راشد قطيني مسؤولاً عن
المخابرات.
تحدد يوم 7 آذار
للعملية و لكن زلة لسان من
الضابط محمود الحاج محمود أمام
عبد الرحمن السعدي أحد ضباط
المخابرات دفع الى تأجيل
الأنقلاب الى صباح 8آذار.
إنقلاب 8 آذار 1963 :
يعدّ هذا الإنقلاب
من أخطر ما تعرضت له سوريه منذ
تكوينها كدولة بعد إنفصالها عن
الدولة العثمانية لما تضمنه من
أفراغها للروح الوطنية و
القومية، فأذا كانت مؤامرة
الأنفصال قتلٌ للوليد الوحدوي
فأن إنقلاب
8 آذار هو محاولة إجراء
عملية إستئصال للرحم العربي و
لأجيال قادمة، و زرع مشروع
طائفي في أنابيب أختبار دولية و
إقليمية, و التأسيس لحكم
إستبدادي. و قد ساهم في تنفيذ
الإنقلاب أعضاء اللجنة
العسكرية و ضباط من المسّرحين
الذين ألتحقوا بوحدات عسكرية
بواسطة أعضاء من التنظيم الذين
كانوا في تشكيلات هذه الوحدات .
أعلن
الإنقلابيون حالة الطوارئ في
البلاغ رقم (2) ليوم 8/3 و أصدروا
مرسوماً من مجلس قيادة الثورة
بإعادة الضباط الحزبيين
المسّرحين حيث تم تعينهم بمواقع
عسكريه هامة في العاصمة دمشق
وحولها ، و أستدعي أمين الحافظ
الذي كان ملحقاً عسكرياً في
الأرجنتين و هو من الضباط الذين
ساهموا في صنع الوحدة ثم تحول
معارضاً لعبد الناصر فنقل الى
السلك الخارجي ، و تربط الحافظ
علاقات طيبة مع جماعة أكرم
الحوراني ، و كان هذا ضرورياً
لعملية التوزان داخل المؤسسة
العسكرية، وبعد وصوله الى سوريه
ضمته اللجنة الى صفوفها لتقارب
المنطلقات و التعاون معه للتخلص
من خصومها لؤي الأتاسي و مؤيديه
الناصريين و زياد الحريري و
جماعته . و تشكلت قيادة سياسية و
حكومة من البعثيين و الوحدويين
و الناصريين و القوميين العرب ،
و مجلس لقيادة الثورة برئاسة
لؤي الأتاسي و حكومة برئاسة
صلاح البيطار.
بدأت التصفيات على
الصعيدين السياسي و العسكري,
فعلى الصعيد السياسي صدرت
قرارات العزل للقيادات
السياسية الوطنية و في مقدمتهم
أكرم الحوراني و خالد العظم ....
الخ ، وعلى الصعيد العسكري صدرت
قوائم بتسريح اعداد كبيرة من
الضباط الدمشقيين (الشوام) بحجة
تأييدهم للإنفصال, و تتابع هذا
المسلسل فشمل الناصريين و
الوحدويين و كان يستعاض عنهم
بأعداد كبيرة من معلمي المدارس
ممن يحملون صفات طائفية كضباط
احتياط مما أضعف الجيش و أفقده
خبراته القتالية والتي هيئت
فيما بعد الى هزيمة الخامس من
حزيران, و فتحت دورات أستثنائية
للكلية العسكرية معتمدة على
معايير غير وطنية مما يعني
الترجمة الفعلية لتنفيذ المخطط
الذي رسم في مصر لتحويل الكيان
الطائفي الى سياسي.
بعد نجاح الإنقلاب
جرت محادثات الوحدة في القاهرة
مع وفدين من سوريه و العراق
مؤلفة من الناصريين و البعثيين
توصلوا لأعلان الوحدة الثلاثية
في ميثاق 17 نيسان 1963، وكانت
مناورة من اللجنة لكسب الوقت و
تعزيز ركائزها و تثبيت مواقعها
و ممارسة عملية التدليس و
الخداع أمام الرأي العام و
المناورات لدفع عبد الناصر
للإنسحاب من الميثاق 17 نيسان و
تحميله فشل الوحدة التي لم
يكونوا يوماً جادين في تحقيقها
، وعملوا سابقاً على فصلها ،
فكان هذا الإعلان خطوة تكتيكية
و ليست مبدئية من جانب اللجنة
التي أسلف الذكر انها تشكلت ضد
الوحدة .
و كانت محاولة
الأنقلاب الفاشلة في 18/ تموز
والتي قام بها عدد من ضباط و صف
ضباط الناصريين سبب مباشراً
للقضاء على حلم إعادة الوحدة او
تجديدها ، و كان للجنة ما أرادته
بدفع عبدالناصر لأعلانه
الأنسحاب من ميثاق الوحدة
أحتجاجاً على أحكام السجن
والأعدامات التي جرت للمشتركين
في المحاولة الفاشلة .
و أستقال لؤي
الأتاسي من رئاسة مجلس قيادة
الثورة لإعتراضه على المحاكمات
و الإعدامات التي تعرض لها
القائمون بالمحاولة , و قد خلا
الجو للجنة بعد أستقالته وتصفية
زياد الحريري لتنفيذ مخططها
بتعين أمين الحافظ رئيساً
للمجلس مكانه . كما حدث إنشقاق
داخل الحزب بأستقالة عبد الكريم
زهور و جمال الأتاسي (أحد مؤسسي
الحزب) و هما من القيادات
الأساسية لحزب البعث بسبب
سياسات اللجنة العسكرية
الأنفصالية التي أفشلت إعادة
الوحدة ثم أدخلا السجن.
و بعد الإنتهاء من
تصفية الضباط الناصريين شركاء
الأمس و خلو الساحة من الخصوم
خارج اللجنة أنتقل الصراع الى
داخلها بعد سلسلة التصفيات
لكافة الأتجاهات والحركات.
فأبعد محمد عمران الى أسبانيا
بعد خلاف دبّ مع أعضاء اللجنة
ضمن عملية الصراع على السلطة,
التي تتابعت فصولها بالخلاف بين
أمين الحافظ و صلاح جديد و حافظ
أسد , فرضت إعادة عمران مجدداً
عام 1965 و تسليمه وزارة الدفاع .
بعد نجاح إنقلاب 23
شباط 1966و التي أطيح بها بأمين
الحافظ تمت تصفية أعداد كبيرة
من الضباط من خارج الطائفة
العلوية تحت ذريعة تكتل أمين
الحافظ .
فأذا كان إنقلاب
آذار وضع حجر الأساس لإقامة حكم
طائفي فأن 23 شباط
قطع شوطاً كبيراً في تشييد
هذا البناء .
و بعد نجاح أنقلاب 23
شباط بساعات دبَ الخلاف بين
صلاح جديد و حافظ أسد من جهة و
حلفائه المتأمرين من كتلة
الدروز و على رأسهم حمد عبيد و
سليم حاطوم و طلال ابو عسلة
الذين تزعموا محاولة أنقلاب
فاشلة في 7/9/1966 أذ قاموا بأعتقال
صلاح جديد و نور الدين الأتاسي (الذي
كان يشغل رئيس الجمهورية) في جبل
العرب ولكنهم أضطروا تحت ضغط
حافظ أسد وزير الدفاع و قائد
القوات الجوية و تهديده بتدمير
جبل العرب لأطلاق سراحهم و
الفرار الى الأردن ، و كانت
نتيجة هذه المحاولة تصفية عدد
كبير من ضباط الطائفة الدرزية
مما أتاح الفرصة لأحكام الطوق
الطائفي .
ويروى
عن بعض المطلعين و الذين ما
يزالون على قيد الحياة بأن حافظ
أسد كان على علم و أتفاق بمحاولة
سليم حاطوم في جبل العرب و لكنه
غدر بهم .
و تحت ستار
المزايدات اليسارية الطفولية ،
وسياسة الأرض المحروقة ، و حرب
التحرير الشعبية ، و الحزب
الواحد الذي كان ضعيفاً و لم
يستكمل بناءه التنظيمي حيث أنّ
مجموع أعضائه صباح 8 آذار لم
يتجاوز أكثر من (435) عضوا و هذا ما
أكّده عمران في إجتماع لضباط
قطنة عام 1965 في حوار مع إبراهيم
ماخوس, و غيرها من الشعارات
المتأثرة بثقافة المرحلة
الستالينية، لتحويل الأنظار عن
الوحدة الى بناء دولة قطرية
منغلقة بحكم أقلية ، وسهّل نجاح
الإنقلاب عقلية الأخ والصديق
الفريق محمد أمين الحافظ الذي
لم يكن مؤهلاً لقيادة تلك
المرحلة المليئة بالتدليس و
الخداع و الباطنية و هو بعيد عن
ذلك و تنقصه الخبرة السياسية
رغم وطنيته التي لايشك بها أحد ,
لقد رفض القيام بعمل إجهاضي
لهذا الإنقلاب رغم تحذيرنا له
بأن ساعة الصفر قد أقتربت , تحت
ذريعة الوفاء و عدم الغدر لأن
اللجنة قد إستدعته من الأرجنتين
التي كان يعمل بها ملحقاً
عسكرياً رغم أنه لم يكن عضواً في
تنظيمها فكان يشعر بأنه مدين
لها و هذه نقطة ضعف بالنسبة له
رافقته خلال حكمه بالإضافة
لأخلاقه التي ترفض الغدر و
لشهامته وفروسيته (التي أصابها
كبوة بعد سقوط بغداد في 9/4/2003
وسفره الى الى منطقة القائم على
الحدود السورية – العراقية ثمّ
عودته المشروطة الى سورية و
ربما يكون سبب
ذلك الكبر في السن و المرض و
الوضع الأجتماعي). و مع ذلك فأنه
يتحمل مسؤولية وطنية و أخلاقية
و دستورية لأنه أقسم على حماية
سوريه أرضاً و شعباً و سماءاً
لكنه تقاعس عن واجبه لأعتبارات
أدبية تتناقض مع المبادئ
الوطنيةو التي أوصلت سوريه الى
ما هي عليه الآن .
و بهذا الإنقلاب تم
الإجهاز على البقية الباقية من
الضباط الوطنيين و ذوي الكفاءات
العسكرية فمنهم من أحيل على
التقاعد أو الوظائف المدنية و
أخرون أودعوا السجون و
المعتقلات الى أن تم أحتلال
الجولان و تهديد دمشق من قبل
القوات الأسرائيلية .
أفتتح عهد الإنقلاب
بمزايدات و حملة إعلامية كاذبة
لتحرير قلسطين، ففي صباح 23 شباط
أرسلت القيادة و فداً سرياً الى
مصر برئاسة مصطفى الحاج علي
كانت الغاية منه المزايدة على
عبد الناصر و إحراجه لسحب قوات
الأمم المتحدة من خليج العقبة و
جزر تيران, و هذا ما تحدث به أحمد
سويداني الذي كان رئيساً
للإركان أمام إجتماع ضمّ ضباط
قطنا في نفس يوم الأنقلاب
لإقناعهم به .
أدى
هذا السلوك الصبياني الى حرب 5
حزيزان 1967 و حلت بالأمة العربية
هزيمة نكراء أذ أحتلت الجولان و
سيناء والضفة الغربية و غزة
بدخولهم حرب غير متكافئة بعد
إضعاف الجيش بسبب التصفيات
المتتالية و تم التخلي عن
الجولان دون قتال بأمر من وزير
الدفاع حافظ الأسد و التي ما
تزال ترزح تحت الإحتلال في ظل
هدوء تام و التجديد المستمر
لقوات الأمم المتحدة .
و ما كان لـ 23/ شباط
أن تنجح لولا دعم المعسكرين
الأشتراكي و الراسمالي ( ويوجد
ما يثبت ذلك ) كل ضمن حساباته
الخاصة و لكنهما متفقان على عزل
سوريه عن محيطها العربي و أمتها
بأقامة كيان سياسي طائفي حتى و
لو كان
في أحسن أحواله وطنياً ولكنه لا
يمكن أن يكون الا أنعزالياً و
ضعيفاً يسهل تنفيذ المخططات
الخارجية بسبب بنيته و أعتماده
الطائفية السياسية ، و لا يعني
هذا ان الطائفة مسؤولة عن هذه
الممارسات لأن قرارها مصادراً
من قبل أقلية متعطشة للسلطة ،
فأكثريتها مسحوقة و تعاني كما
يعاني بقية أفراد المجتمع من
فقر وقمع و ظلم و أضطهاد ، مما
يفرض مسؤوليات أضافية على
عناصرها القيادية و الوطنية
ليكونوا في طليعة الأنتفاضة
القريبة لأزالة الظم و التشويه
التي لحق بها من بعض المغامرين و
عشاق السلطة و بشكل خاص العائلة
الأسدية و المرتبطين بها
مصلحياً و وظيفياً .
أن هزيمة حزيران
التي حاول النظام التهرب منها و
أسقاطها عن طريق بث الأشاعات
الكاذبة و الأفتراءات على بعض
الفئات الأجتماعية الوطنية
كتحميل الدروز و أتهامهم
بالعمالة للعدو و انهم كانوا
سبباً بالهزيمة ، و سجن الضباط
الذين عادوا من لبنان و الأردن
للدفاع عن الوطن و أتهامهم
بالتآمر وتشكيل محاكم خاصة و
ميدانية ، تم بنتيجتها أعدام
بدر جمعة و سليم حاطوم و أصدار
أحكام متفاوته على الباقين ،
لفرض الأرهاب على المجتمع و
تخويف المؤسسة العسكرية .
كان من أفرازات هذه
الهزيمة و كمحاولة لتبرأة الذات
و ضمن الصراع على السلطة تبودلت
الأتهامات بين حافظ أسد وزير
الدفاع الذي أصدر البلاغ
بالأنسحاب الكيفي من الجولان
دون قتال و الذي لا مثيل له في
التاريخ العسكري من جهة و صلاح
جديد الأمين القطري و أحمد
سويداني رئيس الأركان و
عبدالكريم الجندي مدير
المخابرات الذي قتل أو أنتحر في
2/3/1969 نتيجة الخلافات ، و لقد جاء
في وصية الجندي التي نشرتها صحف
لبنانية و مصرية بأن حافظ أسد
مشبوه وعميل و أنه ينفذ مخططات
الأعداء بدقة .
أستمرت الأزمة و
تراشق التهم بين رفاق الأمس حتى
وصلت الى أنقلاب 16 تشرين ثاني 1970
(الحركة التصحيحة) وهكذا أنقلب
الأسد كعادته في الغدر (على صلاح
جديد شريكه
في التآمر في شباط 1966 ) .
فأذا كان أنقلاب 8
آذار 1963 هو أخطر ما مر على سوريه
فأن انقلاب 16 تشرين الثاني 1970 هو
الأبن الشرعي له و الحلقة
الأسوء ليس في تاريخ سوريه و حسب
بل في دول العالم الثالث ، حيث
حسم الصراع لصالح حافظ أسد الذي
أكمل بناء نظام أستبدادي أمني
لا مثيل له في القرون الوسطى
معتمداً على الطائفية السياسية
و أثارة الغرائز البدائية و
للتدليل على هذه الخطورة نستعرض
بعض المحطات لهذا الأنقلاب و
الحوادث الدامية والدمار
النفسي و الأجتماعي و الأقتصادي
الذي حل بالبلاد منذ ذلك
التاريخ و حتى الأن . - وفي عام 1973
أشعلت الحرائق و دمرت المباني
لأجل الدستور الذي لم يرى النور
و لم يطبق منذ ذلك التاريخ رغم
أنه مفصلاً على مقاسات النظام .
– دخوله حرب تشرين
التحريكية و التي لم يكن جاداً
بها و لا مستعداً لها و أدت الى
خسارة 29 قرية ، و مؤتمر جنييف
الذي تخلى به عن الثوابت و أباح
و حلل كافة المحرمات الوطنية و
الأعتراف بقراري مجلس الأمن (242)
و (338) و الهاث وراء سراب الصلح و
المفاوضات و الأعتراف .
-
دخول القوات السوريه الى
لبنان الذي عاثت فيه فساداً ،
وتدمير تل الزعتر ، وتحجيم
المقاومة الفلسطينية ، و حوادث
حماة الأولى و القضاء على
ماتبقى من منظمات المجتمع
المدني و النقابات و مجزرة تدمر
عام 1980 ، أغتيال صلاح البيطار في
21/7/1980 و هو أحد مؤسسي الأساسيين
الذي يحكم بأسمه بعد مقاله
الشهير الذي يعتذر فيه تحت
عنوان عفوك شعب سوريه العظيم ، و
رفض نقل جثمان أكرم الحوراني من
الأردن الى مسقط رأسه في حماة ،
ولم يغفر له نضاله الوطني و
السياسي و الأجتماعي بتحرير
الريف و رفع الظلم عنه و منهم
أبناء الطائفة العلوية نفسها ،و
مجازر حلب و سرمدا و جسر الشغور
و حماة الثانية عام 1982 التي راح
ضحيتها عشرات الالوف من
الأبرياء ، التخاذل أمام القوات
الأسرائيلية في لبنان مما أفسح
المجال لأحتلال بيروت .
–
محاصرة ياسر عرفات بالتعاون
مع أسرائيل و أخراجه بوساطات
دولية من طرابلس .
-
المشاركة في حفر الباطن مقابل
صفقة مع أمريكا لدخول بيروت
الغربية و أسقاط حكومة عون .
-
خياره الستراتيجي بما يسمى
السلام .
- بناء نظام
أستبدادي طائفي و تفشي الفساد و
الرشوة و البطالة و افقار
المجتمع و تهريب الأموال و
أضعاف المجتمع الذي أصبح لا هم
له الا الحصول على لقمة العيش و
لا يجدها الا بشق الأنفس .
ان موت حافظ أسد في
10/6/2000 و تعديل الدستور المعلق
بقانون الطوارئ و المادة (153) منه
بدقائق معدودات و أتاحة الفرصة
لأقامة الجمهورية الوراثية
الأولى و توريث السلطة لبشار
الأسد الذي لا يملك أي مؤهلات أو
شرعية سوى كونه أبن لمغتصب
السلطة في سوريه ودكتاتورها .
ان نظام بدائياً
يقوم على مخلفات رواسب الماضي
البعيد و أثارة الغرائز
المتخلفة و البعيد عن روح العصر
و متعطشاً للسلطة ، محطماً
للنسيج الأجتماعي و سقوط كافة
الأقنعة التي حاول التستر بها
تحت ستار الحزب .
يضع
الشعب أفراداً وتنظيمات سياسية
و مجتمع مدني و لجان حقوق
الأنسان أمام تحمل مسؤولياتهم
للقيام بواجباتهم التي تعتبر
فرض عين على كل مكلف لأسقاطه و
أنقاذ سوريه بأقامة نظام تعددي
ديموقراطي تسوده العدالة
والمساواة دون تمييز بين كافة
مكونات المجتمع و لأي سبب كان ،
و ألغاء حالة الطوارئ و أطلاق
الحريات العامة ، ويتحمل أبناء
الطائفة العلوية مسؤولية وطنية
كبرى و التضحية من أجل أنقاذ
البلاد و الحفاظ على الوحدة
أرضاً وشعباً .
الأبحاث
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|