ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
غرب..
وشرق سياسات
الهيمنة والإقصاء مظاهرها
ـ أبعادها ـ انعكاساتها (1) مظاهرها هدف الدراسة: تطمح هذه الدراسة إلى تتبع موجز
لسياسات العزل والإقصاء التي
مورست وما تزال، في ظل الهيمنة
الغربية (الأوربية والأمريكية)
على الشعوب المسلمة. وبيان أن
هذه السياسات لم تتجسد فقط في
إقامة البنى السياسية القطرية
على أنقاض دولة (الأمة)، وإنما
امتدت عميقاً في سعي مخطط
ومدروس إلى تفتيت البنى
الاجتماعية في الجماعة
البشرية، واستصناع (فريق ولاء)
من حكام ونخب وتمكينهم على حساب
بقية القوى والمكونات الوطنية. كما تهدف هذه الدراسة إلى رصد
الانعكاسات السلبية لهذه
السياسات على المستويين
الداخلي
أو المجتمعي
والخارجي أو العالمي. لقد كان
لهذه السياسات انعكاساتها
السلبية الثقافية والسياسية
والاقتصادية على مشروع نهوض
الأمة، كما كانت لها انعكاساتها
السلبية على مستوى العلاقات
الحضارية والثقافية. على أنقاض دولة
الأمة: تمثل الحالة العراقية، بعد
انهيار الدولة بفعل قوى
الاحتلال الخارجي، الوضع الذي
كان عليه العالم العربي بعد
سقوط دولة الأمة وتفرق تركة
الرجل المريض أيدي سبا في يد
الأعداء الذين كانوا حلفاء
الأمس القريب. ظلت مصر في عهدة ورثة محمد علي
تحت الحماية البريطانية، وكان
الشمال الأفريقي قد خضع بمعظمه
للاستعمار الفرنسي الذي أخذ
طابعاً استيطانياً واستلحاقياً
في الجزائر، امتدت اليد
الإيطالية إلى ليبية، ورأت
إسبانيا في الريف المغربي حصة
لها. وبسطت بريطانيا حمايتها
على مشيخات الخليج العربي بما
فيها مضيق باب المندب وخليج
عدن، وتحولت بلاد الشام إلى
أربع دول. وكادت واحدة من هذه
الدول الأربع (سورية) أن تتحول
هي الأخرى تحت الانتداب الفرنسي
إلى خمس دول. مثّل نظام الاستعمار، والانتداب
والوصاية والحماية، والذي كان
يتم بمعظم الأحيان بتوافقات
دولية ـ عصبة الأمم ـ صيغة
للهيمنة المباشرة على التركة
العثمانية الممزقة والمنهكة.
والتي بولغ لأسباب استعمارية في
تصوير عجزها وتخلفها. وكي لا نستغرق في دراسة ساحة
واسعة للحدث (الهيمنة ـ
والإقصاء) نكتفي في سياق هذه
الدراسة بالوقوف عند سورية
أنموذجاً لهذه السياسات في
تجلياتها المختلفة. بعد انهيار الدولة العثمانية
مباشرة، تقدم الجيش العربي نحو
دمشق، وبادر السوريون في إطار
جغرافي تصوروه لأنفسهم شمل
لبنان وفلسطين وشرقي الأردن
وبعضاً من مناطق العراق إلى
الدعوة إلى ما عرف تاريخياً
وسياسياً باسم (المؤتمر السوري
العام) والذي تم اختيار ممثليه
على أساس من قانون الانتخاب
العثماني الذي كان معمولاً به
قبل سقوط الدولة. ولقد مثل (المؤتمر السوري العام)
المجتمع السوري بكل مكوناته،
وبادر إلى وضع دستور للدولة
الوليدة تحت عنوان (القانون
الأساسي). كانت تجربة، المؤتمر السوري
العام، تجربة ديموقراطية
رائدة، أنجزها أجدادنا في إطار
خبرتهم الذاتية، ولكن الذين
جاؤوا يعلموننا الديموقراطية،
ويتباكون اليوم على أننا غير
مؤهلين لها، لم تعجبهم مخرجات
العملية هذه، ولم يعجبهم أن
يكون في (المؤتمر السوري العام)
نخبة تمثل المجتمع السوري
تمثيلاً حقيقياًَ، وتدافع عن
كينونته وعن مصالحه في وجه
أطماع الطامعين.. فكان الجنرال
غورو وكان المندوب السامي وكان
بعد ذلك ما يعرفه كل سوري من
إصرار على فرض الوصاية،
واستصناع القادة !! وعزل
المخلصين كما يفعل اليوم مع
حركة حماس بالضبط، كان التعيين
أو الاستصناع يتم على أساس (تقريب
الموالين) وتمكينهم. وكان
الاختيار يجري على أسس طائفية
أو ثقافية. حشر هؤلاء الموالين
والمستصنعين في مواقع التأثير،
ومفاصل القرار، وفي مراكز القوة
في بنية الجيش الوليد.
وبالمقابل كان العزل والإقصاء
لكل الشرفاء والأصلاء على
اختلاف الانتماءات أيضاً طوال
عهد الانتداب. وكان الذين جاؤوا
يعلموننا الديموقراطية يصادرون
مخرجاتها ويفرضون الوصاية على
شعوبنا كما فعلوا في أوئل
التسعينات في الجزائر أو في
أواخر القرن العشرين مع العديد
من الحكومات التركية المنتخبة!! طوال عهد الاستعمار، كانت سياسات
التمكين القائمة على أسس فئوية
أو ثقافية تتجذر في بنية
المجتمع والدولة والنخب
المسيطرة أو الموجهة للمجتمع.
وعندما اضطر المستعمر أخيراً
للرحيل كانت هذه النخب وفية
لعهدها معه، ماضية على سننه
تمسك بأيديها زمام القرار
والسلطة. لم يخرج المستعمر من سورية،
ونضربها في هذا السياق مثلاً،
إلا بعد أن اطمأن أنه استصنع
رجالاً يفكرون بعقله، ويتمسكون
بنهجه، ويرون الخير فيما يرى
فيأتمرون بأمره بشكل مباشر صريح
أو غير مباشر. فكانت جمعيات
وكانت أحزاب، وكانت مؤسسات حلت
جميعها بديلاً للقوة المركزية
التي تمثلت خلال عقود الاستعمار
في (المندوب السامي) وأخذت هذه
القوى على عاتقها أن تظل ممسكة
بمواقع التأثير ومفاصل القرار،
متحالفة دائماً مع السلطة
المادية مهما كان استبدادها أو
قسوتها. وعزز المستعمر حماية سياساته
بقادة الانقلابات العسكرية،
الذين صنعهم على عينه وربطهم
بمشروعه. ولقد كانت هذه
الانقلابات أداة تدخل مباشر
لوضع سورية الوطن والإنسان على
المسار الذي أراده ويريده أصحاب
مشروع التغريب لخدمة أهدافهم
ومآربهم. ظلت سياسات المستعمر في التفتيت
والهيمنة والإقصاء نهجاً
متبعاً سياسياً وثقافياً
واجتماعياً في بنية (الدولة
القطرية) البديل المشوه لدولة
الأمة، والتي هي في أصلها ركيزة
من ركائز التفكير الاستعماري
القائم على التجزئة والتفتيت،
والإقصاء والاستصناع. فعُزلت القوى الأصيلة والمؤثرة
الفاعلة سياسياً وثقافياً
واجتماعياً، واخترعت العناوين
واللافتات التي تحارب هذه القوى
تحتها، وصودرت في مرات كثيرة،
بفعل انقلابي، الإرادة الشعبية
الناتجة عن الخيار الديمقراطي.
وأقصي الشرفاء إقصاء تاماً عن
موقع القرار السياسي، وعن نوافذ
الاتصال أو التأثير، إن تتبع
ملاكات وزارة الخارجية خلال قرن
والممثلين الدبلوماسيين يضعك
أمام حقائق رقمية مذهلة. لم يعد يخفى على أحد القلق الكبير
الذي ينتاب الحكومات الغربية
عموماً، بل والمجتمعات الغربية
أحياناً، عقب أي تقدم يحرزه حزب
أو تجمع إسلامي في أي عملية
انتخاب!! انتخاب تشريعي أو نقابي!!
أو بلدي أو طلابي!! الإعراب عن
هذا القلق هو تدخل في الشؤون
الداخلية وعدوان على السيادة،
ولكننا لم نجد أي حكومة عربية
تحتج على مثل هذه التصريحات
القلقة أو تندد بها. جميع هذه
الحكومات وجميع الكتاب
والصحفيين الذين يمثلون الصدى
المباشر للصوت الأول يتماهون مع
هذا القلق، وفي لحظات تتحول
جماهير الناخبين إلى (دهماء)
ويتحول المعبرون عن الرأي العام
إلى (غوغاء)!! ولا تحفى لهجة الاستفزاز
والشماتة التي تصاغ بها أخبار
خسارة الإسلاميين لمقعد في
برلمان أو في نقابة!! لا يخفى على
أحد الدعم الذي تتلقاه الأحزاب
الموالية للغرب، الدعم المعنوي
والإعلامي والتقني والمادي. كما لا تخفى على أحد سياسات
الإطباق الإعلامي على
الانتهاكات الصارخة لحقوق
الإنسان بما فيها حق الحياة
التي تمارس على القوى المعارضة
للمشروع الغربي ولو في بعض
جوانبه!! وبالمقابل التعتيم على
منجزات هذه القوى الإيجابية
ومواقفها البناءة، والإصرار
على تكريس صورة نمطية عنها
مستلة من بين سطور العصور
الوسطى بصراعاتها الدينية
الحادة على طريقة استشهاد باب
الفاتيكان بعبارته الشهيرة ضد
الإسلام. صورة ركبها التعصب والجهل وكرسها
في عصورنا هذه المستفيدون من
تغييب القوى القادرة على كف
أيديهم عن الإمعان في سياسات
التسلط والفساد. ولا يخفى أخيراً على أحد من أبناء
شعبنا كيف يُحتضن في الغرب، أو
كيف يحتفي الغرب/ والغرب دائماً
أوربي وأمريكي وأتباع من هنا
وهناك/ بكل معاد للإسلام، أو
منتقد لشرائعه أو لرجاله وكيف
يصنع أبطال الكرتون أولئك، في
ميادين العلوم والفنون
والآداب، بل وفي ميادين السياسة
والاقتصاد؟! في ظل هذا الإقصاء، وفي ظل هذا
الحصار، ضرب على مجتمعاتنا
العربية والإسلامية ومن بينها
وطننا سورية بسور حديدي حقيقي
حجزت وراءه جميع القوى
الإيجابية الأصيلة الفاعلة
والمؤثرة، وفي مقدمتها بلا شك
القوى الإسلامية بتيارها
الواسع العريض. واعتمد (الاستبداد)
نهجاً بديلاً للخيار الشعبي
الحر، ومكن للمستبدين واستبعدت
الديموقراطية، وسُقي مشروع
الاستبداد بدماء الأحرار، وعرق
الكادحين، فغطي على الجرائم،
وصمت الإعلام الحر عندما حفرت
المقابر الجماعية.. وبكى أو
تباكى عندما نبشت!! فلا بأس بالقتل إذا كان
المقتولون من هؤلاء المعارضين
للمشروع الغربي ولو بقبعة تحمل
على الرأس كما جرى في تركية
الكمالية في يوم من الأيام (لأن
العالم بدون هؤلاء المتطرفين ـ
حسب كاتب أمريكي ـ سيكون أفضل،
أو أقل سوء على الأقل!!). وببساطة
خلف السور الحديدي هذا، سمح
لسياسات (الإقصاء) و(العزل) أن
تتحول إلى سياسات استئصال
مارسها المستبدون، أو باركتها
الحكومات المتحضرة صاحبة مشروع:
الحريات العامة وحقوق الإنسان!! ----------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال
بمدير المركز 00447792232826
/ zuhair@asharqalarabi.org.uk 31/7/2007
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |