ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 03/07/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الحوار

مفهومه وأهدافه وركائزه

في ظل مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني

فاضل بشناق مدير مركز المرشد للدراسات والأبحاث

29/5/2006

مقدمة

يقول الإمام الشافعي في الحوار: ما حاورت أحدًا إلا وتمنيت أن يكون الحق إلى جانبه.

 

إن  حقيقة الأزمة التي نعاني منها في واقعنا الفلسطيني ، تتمثل في الثقافة وما تواجهه من أزمة ، وما يعتريها من انحراف وتشويه والحوار في ثقافتنا أصبح الفضيلة الغائبة في ظل سيطرة ثقافة التفرد والقوة والتسلط والإقصاء والتهميش والاستكبار وعدم الواقعية ورفض الآخر ، ولهذا وإذا كنا نسعى لإنقاذ ذاتنا من مزالق ومخاطر هذه الثقافة ، لا بد من رفع الصوت عالياً والعمل الجاد من أجل تأسيس ، منهجي لثقافة جديدة تعكس سلوكيات حميدة ، لدى الأفراد في المجتمع والتي بدورها تنعكس على يسلوكيات الأطر والفعاليات الناظمة للعمل الحزبي والحركي في فلسطين ، بشكل يؤسس لوعي مفاهيمي حركي فعال حول الحوار متوسلا بالنماذج الإسلامية التاريخية التي تخطت الإشكالات العقائدية والأخلاقية والفقهية والكلامية والفلسفية بمنهج الحوار القرآني.

إن هذه أفرزت وما زالت تفرز نمطاً من التوجه السياسي الخاطئ ، والذي بدوره يحرف بوصلة المجتمع عن الوجهة الصحيحة ، وبالتالي الإنزلاق في مستنقعات التشتت الفكري ، والذي به تنمو شجرة علقمية الطعم ، شوكية ، ليس لها ظل للباحث عنه في صحراء الفتنة ، والفوضى ، ولا يمكن للمسار السياسي وخطابه ، أن يكون مسؤولاً وناظماً للحياة المجتمعية والعمل السياسي الواعي ، والقادر على التطور ، والمواجهة ، والتحدي ، وحوارنا الوطني الفلسطيني يجب أن ينطلق من أرضية ، خصيبة ، قابلة لإحياء ثمار الوحدة ، في الشعار ، والوحدة في التوجه، والوحدة في الطموح ، والوحدة في التطلعات ، والوحدة في القرار ، وليس مثلبةً أن يكون للمفاصل والفعاليات والأطر الحزبية والمجتمعية هامش من التفكير ، ورسم السياسات ، ولكن ذلك لا يعني أن يكون هذا الهامش سبباً في تعكير صفو المنظومة الوحدوية الفلسطينية، بل يجب أن يكون هذا الهامش رافداً لهذه المنظومة الإستراتيجية،  .

نحن شعب يعشق الحرية ويبذل في سبيلها الغالي والرخيص ، ويسعى بكل جهد صادق وعمل مخلص وإرادة صلبة وقوية لتفويت الفرصة على المتربصين والأعداء الذين ما انفكوا يتآمرون على وحدته في الشعار والكلمة والقرار ، وإن مؤتمر الحوار الوطني هذا دليل على هذا السعي وهذه الإرادة.

وفي البداية أقول إذا كان الخلاف بين البشر سنة كونية وواقع غير منقطع، فإن الحوار مطلب شرعي وإنساني ،والإسلام رسخ هذا المبدأ فالله تعالى أمر رسوله الكريم بالحوار في قوله تعالى:((ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)). وهذا نوع من التبليغ.

والحوار حتى يثمر ويكون له أثره في المجتمعات لابد من حوار متطور ، والخطاب فيه يناسب مختلف الطبقات والتوجهات ، كما قرر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (خاطبوا الناس على قدر عقولهم).

وعندما نقول ، أو ننادي بالحوار ، يعني ذلك أن هناك اختلافا ما ، بين الناس ، والحوار هو السبيل لتقريب وجهتا النظر ، والتوصل إلى قواسم مشتركة ، تخرج الناس من مأزق الإختلاف لتخلهم في بوتقة من التوافق إذا أردنا أن لا نقول إجماعاً .

صحيح أن الخلاف والاختلاف واقع بين الناس في مختلف العصور ، وهو سنَّة الله في خلقه ، كما قرر ذلك  القرآن الكريم في قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ } (الروم:22)

وهذا الاختلاف الظاهريّ دالُّ على الاختلاف في الآراء والاتجاهات والأعراض . وهذا ظاهر في قوله سبحانه : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } (هود:119) .

يقول الفخر الرازي : ( والمراد اختلاف الناس في الأديان والأخلاق والأفعال ) .

ومن معنى الآية : لو شاء الله جعل الناس على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة .. لا رأي لهم فيه ولا اختيار ، ولا يقع بينهم اختلاف ولا تنازع .

أما قوله تعالى : { وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } (هود:119) .

فاللام ليست للغاية ؛ بمعنى أنه سبحانه خلقهم ليختلفوا ، بل خلقهم من أجل عبادته وطاعته . ولهذا جاءت اللام للعاقبة والصَّيْرورة ؛ أي لثمرة الاختلاف خلقهم ، وثمرته أن يكونوا فريقين : فريقاً في الجنة ، وفريقاً في السعير .

وقدّ تُحْملُ على التعليل من وجه آخر ، أي خلقهم ليستعدَّ كلٌ منهم لشأنٍ وعمل ، ويختار بطبعه أمراً وصنعة ، مما يَسْتَتِبُّ به نظام العالم ويستقيم به أمر المعاش ، فالناس محامل لأمر الله ، ويتخذ بعضهم يعضاً سخرياً .

خلقوا مستعدين للاختلاف والتفرق في علومهم ومعارفهم وآرائهم ومشاعرهم ، وما يتبع ذلك من إراداتهم واختيارهم في أعمالهم ، ومن ذلك الإيمان ، والطاعة والمعصية .

إنّ الحوار الناجح يجب أن يركز على مواطن الاتفاق لا مواطن الإفتراق ، لأن ذلك :

1-                        يعتبر طريقاً إلى كسب الثقة وإفشاء روح التفاهم .

2-                        يفتح آفاقاً من التلاقي والقبول والإقبال .

3-                        يقلّل الجفوة ويردم الهُوَّة ويجعل فرص الوفاق والنجاح أفضل وأقرب .

4-                        يجعل احتمالات التنازع أقل وأبعد .

5-                        يجعل ميدان الحوار واسعاً وأمده طويلاً .

6-                        يؤلف القلوب ويصفيها ويقضي على كل مظاهر البغض .

7-                        يعمل على تقوية روح التنافس على تحقيق الأهداف ويقضي على ظاهرة التناحر السلبي ، بين المتحاورين.

8-                        يطور برنامج العمل المشترك بشكل تتقلص به بؤر التوتر والخلاف .

 

تعريف الحوار

 

إن الحوار والجدال لهما دلالة واحدة ، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة:1) ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس : مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي .

 

والحوار والمحاورة مصدر حاور يحاور، ومعناه لغة الجواب والمجادلة، قال ابن منظور: "وهم يتحاورون؛ أي يتراجعون الكلام، والمحاورة مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة، والمحورة من المحاورة مصدر كالمشورة من المشاورة".

 

والحوار كلمة تستوعب كل أنواع وأساليب التخاطب، سواء كانت منبعثة من خلاف المتحاورين أو عن غير خلاف؛ لأنها تعني المراجعة في المسألة موضوع التخاطب، وعلى هذا فالحوار يدلل على التقارب والصداقة .

 

الحوار لغةً واصطلاحاً

 

أولاً : الحوار في اللغة :-

 يعني تراجع الكلام ، وفي لسان العرب: (وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام .

 والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة ) .

 

ثانياً: الحوار في الاصطلاح:-

 هو المعنى اللغوي السابق نفسه ، فهو إذاً: مراجعة للكلام بين طرفين أو أكثر دون وجود خصومة بينهم بالضرورة أما الجدل: فهو: ( إظهار المتنازعين مقتضى نظرتهما على التدافع والتنافي بالعبارة أو ما يقوم مقامهما من الإشارة والدلالة ) .

 

الفرق بين الحوار والجدل

 

قال ابن فارس في الجدل: ( الجيم والدال واللام أصل واحد وهو من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام ) .

 ويفرق العلماء بين الحوار والجدل حيث إن الجدل مظنة التعصب والإصرار على نصرة الرأي بالحق وبالباطل والتعسف في إيراد الشبه والظنون حول الحق إذا برز من الاتجاه الآخر .

فيما نجد أن الحوار عنوان من عناوين التقارب ، وقناة من قنوات التواصل المجتمعي ، وركيزة من ركائز بناء الثقة ، وتقريب وجهات النظر .

 

مدلول الحوار

 

مما سبق يتبين أن الحوار هو تبادل المعلومات والأفكار والآراء سواء أكانت تبادلاً رسمياً أم غير رسمي ، مكتوباً أم شفوياً . وينعقد الحوار بمجرد التعرف على وجهات نظر الآخرين وتأملها وتقويمها والتعليق عليها . ومن هذا الفهم يمكن أن يطلق الحوار على تشابك الثقافات بين بعضها الآخر وما يحصل من جراء ذلك من تلاقي المتحاورين وتصويب بعضهم لبعض وتأثير بعضهم في بعض ن بشكل يعزز عرى الوحدة المصيرية، ويقوى سياج المجتمع من الداخل ، ويحصنه ، ويحميه ، من كافة المؤثرات السلبية الخارجية ، وكلما كان الحوار بين الأخوة أصحاب الهم الواحد ، والقضية الواحدة ، والمصير الواحد رغم اختلافاتهم الفكرية ومشاربهم السياسية ، نابعاً من إرادة ذاتية غير موجهة ، أو منحازة لطرف على حساب طرف آخر كلما كانت ثمار هذا الحوار أطيب ، وأصلب .

 

 

الحوار في القرآن الكريم

 

 لقد ورد لفظ الحوار في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:

اثنان منها في صيغة الفعل؛ وهما :

قوله تعالى: { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا}الكهف 34.

وقوله تعالى في نفس السورة: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} [الكهف: 37].

وهنا نجد أن الحوار غايته بيان الحجة وتقديم البرهان على وجوب طاعة المخلوق للخالق .

 أما الثالث في صيغة المصدر في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} المجادلة [5].

 

منهج الحوار في القرآن :

 

   تنطلق رحلة المنهج الحواري في القرآن من بداياته الأولى ، حيث لابد من أن يتكافأ الطرفان من حيث الاستعدادات النفسية ، وامتلاك القدرة على الحوار ، ومن ثَمَّ تُرسم قواعده التي سيسير عليها ، ويلتزم الأطراف بالخضوع لما يكشف عنه الحوار من حقائق ، فإذا تم فإما أن يصل الأطراف إلى نتيجة واحدة فيكون قد نجح ، وإما أن لا يقتنع أحد الفريقين أو أن يعاند فإنه يمارس حقاً اعتُرف به بقبول الحوار ، وعندما ينتهي الحوار إلى هذه النتيجة فللمسلم رسالة يختم بها حواره تتمثل بتذكير الطرف الآخر بأنه مسؤول عما وصل إليه ، تلك هي عناوين لتفاصيل قرآنية حول الحوار نذكر بعضها فيما يلي :

 

1-  امتلاك الحرية الفكرية :

 

  لابد لكي يبدأ الحوار أن يمتلك أطرافه حرية الحركة الفكرية التي يرافقها ثقة الفرد بشخصيته الفكرية المستقلة، فلا يسحق أمام الآخر لما يحس فيه من العظمة والقوة التي يمتلكها الآخر ، فتتضاءل إزاء ذاك ثقته بنفسه وبالتالي بفكره وقابليته لأن يكون طرفاً للحوار فيتجّمد ويتحول إلى صدى للأفكار التي يتلقاها من الآخر.

 

  لذلك أمر الله رسوله أن يحقق ذلك ويوفره لمحاوريه :] قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ "[الكهف:110] ، "قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إلاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [الأعراف:188]  .

 

2- مناقشة منهج التفكير :

 

  فإذا امتلك أطراف الحوار الحرية الكاملة فأول ما يُناقش فيه هو المنهج الفكري - قبل المناقشة في طبيعة الفكر وتفاصيلها - في محاولة لتعريفهم بالحقيقة التي غفلوا عنها ؛ وهي أن القضايا الفكرية لا ترتبط بالقضايا الشخصية ، فلكل مجاله ولكل أصوله التي ينطلق منها ويمتد إليها : "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا ولا يَهْتَدُونَ" [البقرة:170]  ] وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ، قُلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءكم قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ " [ [الزخرف:23-24]   .

 

3-  الابتعاد عن الأجواء الانفعالية :

 

   من عوامل نجاح الحوار أن يتم في الأجواء الهادئة ؛ ليبتعد التفكير فيها عن الأجواء الانفعالية التي تبتعد بالإنسان عن الوقوف مع نفسه وقفة تأمل وتفكير ، فإنَّه قد يخضع للجو الاجتماعي ، ويستسلم لا شعورياً مما يفقده استقلاله الفكري : "قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " [سبأ:46] ، فاعتبر القرآن اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون خاضعاً للجو الانفعالي العدائي لخصومه ؛ لذلك دعاهم إلى الانفصال عن هذا الجو والتفكير بانفراد وهدوء  .

 

4-  التسليم بإمكانية صواب الخصم :

 

 ولا بد لانطلاق الحوار من التسليم الجدلي بأنَّ الخصم قد يكون على حق ، فبعد مناقشة طويلة في الأدلة على وحدانية الله تأتي هذه الآية من سورة سبأ: "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاوَاتِ والأرض قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، [سبأ : 24] ، فطرفا الحوار سواء في الهداية أو الضلال ، ثم يضيف على الفور في تنازل كبير بغية حمل الطرف الآخر على القبول بالحوار: " قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ولا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ". [سبأ : 25] ، فيجعل اختياره هو بمرتبة الإجرام على الرغم من أنه هو الصواب ، ولا يصف اختيار الخصم بغير مجرد العمل ، ليقرر في النهاية  أن الحكم النهائي لله : "قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ(26)" [سبأ : 26] .

 

5-  التعهد والالتزام بإتباع الحق : هذا ولا يكفي مجرد التسليم الجدلي بإمكانية صواب الخصم ، بل لا بد من التعهد والالتزام بإتباع الحق إن ظهر على يديه ، حتى ولو كان التعهد بإتباع ما هو باطل أو خرافة إذا افتُرِض أنه ثبت وتبين أنه حق : "قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ" الزخرف:81 .

 

6-  الانضباط بالقواعد المنطقية في مناقشة موضع الاختلاف :

 

  فإذا تم الالتزام بهذه الأسس فإنَّ الحوار ينطلق معتمداً على قواعد العقل والمنطق والعلم والحجة والبرهان ، والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن: فما أكثر ما يرد في القرآن: "هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ" [البقرة:111 ، الأنبياء:24 ، النمل:64 ، القصص:75] ،  وقال تعالى مرشداً إلى اعتماد العلم والحجة في الحوار : "وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ"  [الحج:8 ، لقمان:20] ، "هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ " ، [آل عمران:66] ، "إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إلاّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ" [غافر:56] ،   "أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ، فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ " [ [الصافات:156-157] .

 

   وفي اتباع اللين والحكمة والموعظة الحسنة يأمر الله موسى عليه السلام:"اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ، اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فقولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ،  [طه:42-44] ، ويأمر بإتباع الحكمة في الدعوة : ] وَمَنْ أَحْسَنُ قولاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، [فصلت:33-34] ؛ وتأكيداً لهذا المنهج ينهى الله المؤمنين عن إتباع أساليب السفهاء ، ومجاراتهم في السبِّ والتسفيه لمعتقدات الآخر: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108]  .

 

7-  ختم الحوار بهدوء مهما كانت النتائج :

 

  إذا سار الحوار جادَّاً وفق هذا المنهج من قبل جميع الأطراف ؛ فلا بد أن يصلوا جميعاً إلى ما التزموا به في بداية الحوار من الرجوع إلى الحق وتأييد الصواب ، فإذا رفض المحاور الحجج العقلية كأن لم يقتنع بها ؛ فإنه بذلك يمارس حقاً أصيلاً كَفِلَه له رب العزة ، وسيكون مسئولاً عن ذلك أمام الله تعالى .

 

   وفي هذه الحالة ينتهي الحوار بهدوء كما بدأ دون حاجة إلى التوتر والانفعال :"أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ" [هود:35] ، وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ  سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55] .

 

8-  التأكيد على استقلالية كل من المتحاورين ومسؤوليته عن فكره :

 

   قبل الانفصال بين المتحاورين يتم التأكيد على استقلالية كل ومسئوليته عن نفسه ومصيره : "إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ، قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ، [الأنعام:134-135] ، وعلى لسان شعيب: "وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ"  [هود:93] ،  "وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ، وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُون " [هود:121-122] ، "قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنْ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ" [سبأ:50]  ، "قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ "  [الزمر:39-40] ؛ إنها مسئولية فردية لا تداخل فيها : "وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ" [ يونس:41] ، ] قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ولا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ، قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ " [سبأ:25-26].

 

9-  الإشهاد على المبدأ وعدم تتبع الأخطاء الناتجة عن الانفعال أثناء الحوار :

 

 وفي آخر الحوار يتم إشهادهم على المبدأ والتمسك به : "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" [آل عمران:64] .

  ولا حاجة في أن يُتَابَعَ الخصم على ما بدر منه من إساءات في الحوار ، وليكن العفو والصبر أساساً وخلقاً في التعامل مع الجاهلين :] خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ" [الأعراف:199] ، "اصبر على ما يقولون" [طه : 130 ، ص:17] ، "فاصبر على ما يقولون" [ق :39] ، "فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ "[السجدة:30] ، "فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلاّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا" [النجم:29] ، "وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً " [المزمل:10].

 

أهداف الحوار ومقاصده

 

إن للحوار أهدافاً ومقاصد يسعى المحاور إليها من وراء حواره مع الآخر ، ويمكن أن نجمل هذه الأهداف فيما يلي:

 

أولاً : الأهداف المباشرة للحوار في نطاقها العام :

1 - إقامة الحجة : الغاية من الحوار إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي . والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق .

2 - الدعوة : الحوار الهادئ مفتاح للقلوب وطريق إلى النفوس قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)النحل  125.

3 - تقريب وجهات النظر : من ثمرات الحوار تضييق هوة الخلاف ، وتقريب وجهات النظر ، وإيجاد حل وسط يرضي الأطراف في زمن كثر فيه التباغض والتناحر .

4 - كشف الشبهات والرد على الأباطيل ، لإظهار الحق وإزهاق الباطل ، كما قال تعالى:  وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ  [الأنعام:55 ] .

 

ثانياً : الأهداف الإستراتيجية للحوار في نطاقه التأسيسي هي :

1ـ هدف عقائدي: وهو تصحيح الصورة التي روجت عن العقيدة والحضارة،

2- هدف سياسي: يتمثل في منع إقصاء الآخر .

3ـ هدف اقتصادي: يتمثل في إثبات ألذات وتحقيق الاستقلال .

4ـ هدف إنساني خلقي يتمثل في السير في الأرض للتعرف على الآخر، والاحتكاك به، والنظر فيما عنده، والإطلاع على ما أنجز ماضياً وحاضراً .

 

 

شرعية الحوار

 

والحوار في الأصل مشروع ؛ بل إن الحوار الذي يفيد الطرف الإسلامي على وجه وتترجح مصلحته على مفسدته؛ على المفكرين والساسة وعلماء الدين تبنيه والخوض فيه.

وقد جاءت نصوص الشريعة الإسلامية تؤكد على شرعية الحوار مع الآخر ـ و مع أهل الكتاب على وجه الخصوص ـ فمن تلك النصوص:

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [64] سورة آل عمران .

وقوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [125] سورة النحل .

فإذا كان الحوار مع الآخرين المخالفين لنا في الفكر والعقيدة مطلوباً ، فهو واجب وملح فيما بين أبناء الشعب الواحد والوطن الواحد والعقيدة الواحدة.

 

3-    ضوابط الحوار:

عدم التنازل على الثوابت والمرتكزات الأساسية: والتي تشمل الأمور الثوابت الدينية والقضايا الإسلامية على حد سواء.

فمن الثوابت الدينية:

1- أن الدين الإسلامي قد جاء ناسخًا للشرائع السماوية التي سبقته فلا يجوز بأي حال القول بأن كل الأديان السماوية عند الله سواء وأن 'وحدة الأديان' ـ بمعنى أن الاتفاق على مبادئ مشتركة  بين الأديان السماوية ـ وربما غير السماوية وأن كل من آمن بها فهو مؤمن ـ أمر مقبول فهذا مما يفرغ الرسالة الإسلامية من مضمونها , قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } [110] سورة آل عمران ,وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } [48] سورة المائدة , وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [143] سورة البقرة .

2- النصوص والأحكام التي لم تترك فيها الشريعة مجالاً للاجتهاد فيها وهي المسائل التي لا تقبل التحريف أو التبديل كحرمة الزنا واللواط وشرب الخمر وفرضية الحجاب وغيرها مما يجب على المؤسسات الإسلامية كمجمع البحوث الإسلامية وغيرها توضيحيه حتى لا يحدث تميع للشريعة.

 

قواعد وأصول وآداب الحوار

 

أولاً : قواعد الحوار:

يرتكز الحوار على عدة قواعد تمثل المنطلقات المشتركة التي تجمع بين المتحاورين ، حتى يكون الحوار منتجاً ، كما لا بد أن يتصف المحاور بصفات تدعم هذه القواعد :

أ-  القواعد:

1ـ الاعتماد على أسس مشتركة للحوار كالإحتكام إلى القرآن الكريم والسنة الشريفة عند المؤمنين بهما، أو إلى قواعد المنطق والقياس عند غيرهم.

2ـ التسليم ببدهيات المعرفة، وبدهيات السلوك، فكيف نتحاور مع من لا يرى في الصدق فضيلة، وفي الكذب رذيلة مثلاً؟!

3ـ اللياقة، واحترام الحوار، وإن لم تحترم خصمك.

4ـ الرغبة في الوصول إلى الصواب والحق؛ لأن التفكير في الوصول إلى الغلبة يلقي بصاحبه في لجاجة الجدل العقيم.

 

ب- صفات المحاور :

أما المحاور فيجب أن يتحلى بصفات أهمها:

1ـ علمه بما يحاور.

2ـ قدرته على التعبير.

3ـ حلمه وسعة صدره.

4ـ سرعة البديهة، واستحضار الشواهد، والذكاء، ويجمعها: [الحكمة]: العلم والفهم والتعبير، ومثال ذلك حكمة نبي الله إبراهيم عليه السلام في حوار النمرود إذ ألزمه الحجة: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258].

 

ثانياً: أصول الحوار :

إن للحوار أصولاً عديدة لا بد أن تراعى حتى يثمر الحوار نتائج مرغوبة للمحاورين، وهذه الأصول هي :

الأصل الأول :

سلوك الطرق العلمية والتزامها ، ومن هذه الطرق :

1- تقديم الأدلة المُثبِتة أو المرجِّحة للدعوى .

2- صحة تقديم النقل في الأمور المنقولة .

وفي هذين الطريقين جاءت القاعدة الحوارية المشهورة : ( إن كنت ناقلاً فالصحة ، وإن كنت مدَّعيّاً فالدليل ) .

وفي التنزيل جاء قوله سبحانه : { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وفي أكثر من سورة :البقرة :111 ، والنمل 64 . { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } (الانبياء:24) . { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (آل عمران:93) .

 

الأصل الثاني :

سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض ؛ فالمتناقض ساقط بداهة .

ومن أمثلة ذلك ما ذكره بعض أهل التفسير من :

1- وصف فرعون لموسى عليه السلام بقوله : { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } (الذاريات:39) .

وهو وصف قاله الكفار – لكثير من الأنبياء بما فيهم كفار الجاهلية – لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وهذان الوصفان السحر والجنون لا يجتمعان ، لأن الشأن في الساحر العقل والفطنة والذكاء ، أما المجنون فلا عقل معه البته ، وهذا منهم تهافت وتناقض بيّن .

2- نعت كفار قريش لآيات محمد صلى الله عليه وسلم بأنها سحر مستمر ، كما في قوله تعالى : { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } (القمر:2) .

وهو تناقض ؛ فالسحر لا يكون مستمراً ، والمستمر لا يكون سحراً .

 

الأصل الثالث :

ألا يكون الدليل هو عين الدعوى ، لأنه إذا كان كذلك لم يكن دليلاً ، ولكنه اعادة للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى . وعند بعض المُحاورين من البراعة في تجميل الألفاظ وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليلاً . وواقع الحال أنه إعادة للدعوى بلفظ مُغاير ، وهذا تحايل في أصول لإطالة النقاش من غير فائدة .

 

الأصل الرابع :

الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مُسَلَّمة . وهذه المُسَلَّمات والثوابت قد يكون مرجعها ؛ أنها عقلية بحتة لا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين ؛ كحُسْنِ الصدق ، وقُبحِ الكذب ، وشُكر المُحسن ، ومعاقبة المُذنب .

أو تكون مُسَلَّمات دينية لا يختلف عليها المعتنقون لهذه الديانة أو تلك .

وبالوقوف عند الثوابت والمُسَلَّمات ، والانطلاق منها يتحدد مُريد الحق ممن لا يريد إلا المراء والجدل والسفسطة .

ففي الإسلام الإيمان بربوبية الله وعبوديَّته ، واتَّصافه بصفات الكمال ، وتنزيهه عن صفات النقص ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم كلام الله ، والحكم بما أنزل الله ، وحجاب المرأة ، وتعدد الزوجات ، وحرمة الربا ، والخمر ، والزنا ؛ كل هذه قضايا مقطوع بها لدى المسلمين ،وإثباتها شرعاً أمر مسلم به .

إذا كان الأمر كذلك ؛ فلا يجوز أن تكون هذه محل حوار أو نقاش مع مؤمن بالإسلام لأنها محسومة .

فقضية الحكم بما أنزل الله منصوص عليها بمثل : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... } (النساء:65) . { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (المائدة:45) .

الأصل الخامس :

التجرُّد ، وقصد الحق ، والبعد عن التعصب ، والالتزام بآداب الحوار :

إن إتباع الحق ، والسعي للوصول إليه ، والحرص على الالتزام ؛ وهو الذي يقود الحوار إلى طريق مستقيم لا عوج فيه ولا التواء ، أو هوى الجمهور ، أو الأتْباع .. والعاقل – فضلاً عن المسلم – الصادق طالبٌ حقٍّ ، باحثٌ عن الحقيقة ، ينشد الصواب ويتجنب الخطأ .

يقول الغزاليّ أبو حامد : ( التعاون على طلب الحق من الدّين ، ولكن له شروط وعلامات ؛ منها أن يكون في طلب الحق كناشد ضالّة ، لا يفرق بين أن تظهر الضالّة على يده أو على يد معاونه . ويرى رفيقه معيناً لا خصماً . ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهره له ) .. الإحياء ج1 .

ومن مقولات الإمام الشافعي المحفوظة : ( ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان ، وتكون عليه رعاية الله وحفظه .

وما ناظرني فبالَيْتُ ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني ) .

وفي ذمّ التعصب ولو كان للحق ، يقول الغزالي :

( إن التعصّب من آفات علماء السوء ، فإنهم يُبالغون في التعصّب للحقّ ، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار ، فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة ، وتتوفر بواعثهم على طلب نُصرة الباطل ، ويقوى غرضهم في التمسك بما نُسبوا إليه . ولو جاؤوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة ، لا في معرض التعصب والتحقير لأنجحوا فيه ، ولكن لمّا كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع ، ولا يستميل الأتْباع مثلُ التعصّب واللعن والتّهم للخصوم ، اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم ) .

والمقصود من كل ذلك أن يكون الحوار بريئاً من التعصّب خالصاً لطلب الحق ، خالياً من العنف والانفعال ، بعيداً عن المشاحنات الأنانية والمغالطات البيانيّة ، مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويُولد النَّفرة ، ويُوغر الصدور ، وينتهي إلى القطيعة .

وهذا الموضوع سوف يزداد بسطاً حين الحديث عن آداب الحوار إن شاء الله .

 

الأصل السادس :

أهلية المحاور :

إذا كان من الحق ألا يمنع صاحب الحق عن حقه ، فمن الحق ألا يعطى هذا الحق لمن لا يستحقه ، كما أن من الحكمة والعقل والأدب في الرجل ألا يعترض على ما ليس له أهلاً ، ولا يدخل فيما ليس هو فيه كفؤاً .

 

من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من كان على الباطل .

من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يعرف الحق .

من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يجيد الدفاع عن الحق .

من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يدرك مسالك الباطل .

إذن ، فليس كل أحد مؤهلاً للدخول في حوار صحي صحيح يؤتي ثماراً يانعة ونتائج طيبة .

والذي يجمع لك كل ذلك : ( العلم ) ؛ فلا بد من التأهيل العلمي للمُحاور ، ويقصد بذلك التأهيل العلمي المختص .

إن الجاهل بالشيء ليس كفؤاً للعالم به ، ومن لا يعلم لا يجوز أن يجادل من يعلم ، وقد قرر هذه الحقيقة إبراهيم عليه السلام في محاجَّته لأبيه حين قال :{ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً}(مريم:43).

وإن من البلاء ؛ أن يقوم غير مختص ليعترض على مختص ؛ فيُخَطِّئه ويُغَلِّطه .

وإن حق من لا يعلم أن يسأل ويتفهم ، لا أن يعترض ويجادل بغير علم ، وقد قال موسى عليه السلام للعبد الصالح :

{ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } (الكهف:66) .

فالمستحسن من غير المختص ؛ أن يسأل ويستفسر ، ويفكر ويتعلم ويتتلمذ ويقف موقف موسى مع العبد الصالح .

وكثير من الحوارات غير المنتجة مردُّها إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين ، ولقد قال الشافعي رحمه الله : ( ما جادلت عالماً إلا وغلبته ، وما جادلني جاهل إلا غلبني ! ) . وهذا التهكم من الشافعي رحمه الله يشير إلى الجدال العقيم ؛ الذي يجري بين غير المتكافئين .

 

الأصل السابع :

قطعية النتائج ونسبيَّتها :

من المهم في هذا الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبيُّ الدلالة على الصواب أو الخطأ ، والذي لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغون عن ربهم سبحانه وتعالى . وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب ) .

وبناء عليه ؛ فليس من شروط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الطرف الآخر . فإن تحقق هذا واتفقنا على رأي واحد فنعم المقصود ، وهو منتهى الغاية . وإن لم يكن فالحوار ناجح . إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كلٍ من منهجيهما ؛ يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه في دائرة الخلاف السائغ . وما تقدم من حديث عن غاية الحوار يزيد هذا الأصل إيضاحاً .

وفي تقرير ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله : ( وكان بعضهم يعذر كل من خالفه في مسائل الاجتهادية ، ولا يكلفه أن يوافقه فهمه ) ا هـ . من المغني .

ولكن يكون الحوار فاشلاً إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة ، وتدابر ومكايدة وتجهيل وتخطئة .

 

الأصل الثامن :

الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون ، والالتزام الجادّ بها ، وبما يترتب عليها .

وإذا لم يتحقق هذا الأصل كانت المناظرة ضرباً من العبث الذي يتنزه عنه العقلاء .

يقول ابن عقيل : ( وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الحجة ؛ فإنه أنبل لقدره ، وأعون على إدراك الحق وسلوك سبيل الصدق .

قال الشافعي رضي الله عنه : ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجَّة إلا عظم في عيني ، ولا ردَّها إلا سقط في عيني )  .

 

آداب الحوار

 

1-                 التزام القول الحسن ، وتجنب منهج التحدي والإفحام :

{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن }(الاسراء :53)

{ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً }(البقرة :83)

إن هذه القاعدة الإلهية توجهنا نحو التزام حسن الكلام وتجنب الفاحش منه ، والقول الحسن يتأتى من خلال :

أ ـ التعبير بلغة بسيطة غير ملتبسة ولا غامضة، ومن أحسن الكلام ما يعبر عن حقيقة ما في قلبك دون ستر للحقيقة وبثوب لفظي لطيف.

ب ـ الرفق في الكلام: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طـه:44].

جـ ـ التأدب في الخطاب: {... وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا...} [الأنعام: 152]، {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا} [البقرة: 83].

د ـ طرح اللغو, واللغو فضل الكلام وما لا طائل تحته، فلا يخوض المحاور فيما لا يثري المحاورة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3]. وفي الحديث الشريف: [[طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه]]. والابتعاد عما لا يفيد في الحوار يحفظ هيبة المحاور، ويحفظ وقته، وأوقات الآخرين.

هـ ـ توضيح المضمون باستخدام ما يفهم من التعابير دون تقعّر أو تكلف، وفي الحديث الصحيح: [[هلك المتنطعون]] وكذلك: [[إن أبغضكم إليّ وأبعدكم عني مجلسًا الثرثارون والمتفيهقون والمتشدقون]].

من هنا نفهم أن المحاور العاقل طالب الحق ، ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية ، وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز .

ومن لطائف التوجيهات الإلهية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، الانصراف عن التعنيف في الردّ على أهل الباطل ، حيث قال الله لنبيه : { وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ) (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } (الحج : 68-69 ) .

وقوله : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ }(سـبأ:24) . مع أن بطلانهم ظاهر ، وحجتهم داحضة .

ويلحق بهذا الأصل : تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث ، ويعتمد إيقاع الخصم في الإحراج ، ولو كانت الحجة بينه والدليل دامغاً .. فإن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف . وقد تُفْحِم الخصم ولكنك لا تقنعه ، وقد تُسْكِته بحجة ولكنك لا تكسب تسليمه وإذعانه ، وأسلوب التحدي يمنع التسليم ، ولو وُجِدَت القناعة العقلية . والحرص على القلوب واستلال السخائم أهم وأولى عند المنصف العاقل من استكثار الأعداء واستكفاء الإناء . وإنك لتعلم أن إغلاظ القول ، ورفع الصوت ، وانتفاخ الأوداج ، لا يولِّد إلا غيظاً وحقداً وحَنَقاً .

ومن أجل هذا فليحرص المحاور ؛ ألا يرفع صوته أكثر من الحاجة فهذا رعونة وإيذاء للنفس وللغير ، ورفع الصوت لا يقوّي حجة ولا يجلب دليلاً ولا يقيم برهاناً ؛ بل إن صاحب الصوت العالي لم يَعْلُ صوته – في الغالب – إلا لضعف حجته وقلة بضاعته ، فيستر عجزه بالصراخ ويواري ضعفه بالعويل . وهدوء الصوت عنوان العقل والاتزان ، والفكر المنظم والنقد الموضوعي ، والثقة الواثقة .

على أن الإنسان قد يحتاج إلى التغيير من نبرات صوته حسب استدعاء المقام ونوع الأسلوب ، لينسجم الصوت مع المقام والأسلوب ، استفهامياً كان ، أو تقريرياً أو إنكارياً أو تعجبياً ، أو غير ذلك . مما يدفع الملل والسآمة ، ويُعين على إيصال الفكرة ، ويجدد التنبيه لدى المشاركين والمتابعين .

على أن هناك بعض الحالات الاستثنائية التي يسوغ فيها اللجوء إلى الإفحام وإسكات الطرف الآخر ؛ وذلك فيما إذا استطال وتجاوز الحد ، وطغى وظلم وعادى الحق ، وكابر مكابرة بيِّنة ، وفي مثل هذا جاءت الآية الكريمة :

{ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } (العنكبوت: 46) .

{ لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِم } (النساء: من الآية148)

 

ففي حالات الظلم والبغي والتجاوز ، قد يُسمح بالهجوم الحادّ المركز على الخصم وإحراجه ، وتسفيه رأيه ؛ لأنه يمثل الباطل ، وحَسَنٌ أن يرى الناس الباطل مهزوماً مدحوراً .

 

2- الالتزام بوقت محدد في الكلام :

ينبغي أن يستقر في ذهن المُحاور ألا يستأثر بالكلام ، ويستطيل في الحديث ، ويسترسل بما يخرج به عن حدود اللباقة والأدب والذوق الرفيع .

يقول ابن عقيل في كتابه فن الجدل : ( وليتناوبا الكلام مناوبة لا مناهبة ، بحيث ينصت المعترض للمُستَدِلّ حتى يفرغ من تقريره للدليل ، ثم المُستدِلُّ للمعترض حتى يُقرر اعتراضه ، ولا يقطع أحد منها على الآخر كلامه وإن فهم مقصوده من بعضه ) .

وقال : ( وبعض الناس يفعل هذا تنبيهاً للحاضرين على فطنته وذكائه وليس في ذلك فضيلة إذ المعاني بعضها مرتبط ببعض وبعضها دليل على بعض ، وليس ذلك علم غيب ، أو زجراً صادقاً ، أو استخراج ضمير حتى يفتخر به ) ( 9 ) .

والطول والاعتدال في الحديث يختلف من ظرف إلى ظرف ومن حال إلى حال ، فالندوات والمؤتمرات تُحدَّد فيها فرص الكلام من قبل رئيس الجلسة ومدير الندوة ، فينبغي الإلتزام بذلك .

والندوات واللقاءات في المعسكرات والمنتزهات قد تقبل الإطالة أكثر من غيرها ، لتهيؤ المستمعين . وقد يختلف ظرف المسجد عن الجامعة أو دور التعليم الأخرى .

 

ومن المفيد أن تعلم ؛ أن أغلب أسباب الإطالة في الكلام ومقاطعة أحاديث الرجال يرجع إلى ما يلي :

1- إعجاب المرء بنفسه .

2- حبّ الشهرة والثناء .

3- ظنّ المتحدث أن ما يأتي به جديد على الناس .

4- قِلَّة المبالاة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم .

والذي يبدوا أن واحداً منها إذا استقر في نفوس السامعين كافٍ في صرفهم ،وصدودهم ، مللهم ، واستثقالهم لمحدِّثهم .

وأنت خبير بأن للسامع حدّاً من القدرة على التركيز والمتابعة إذا تجاوزها أصابه الملل ، وانتابه الشُّرود الذّهني . ويذكر بعضهم أن هذا الحد لا يتجاوز خمس عشرة دقيقة .

ومن الخير للمتحدث أن يُنهي حديثه والناس متشوفة للمتابعة ، مستمتعة بالفائدة . هذا خير له من أن تنتظر الناس انتهاءه وقفل حديثه ، فالله المستعان .

 

3- حسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة :

إن رأس الأدب حُسن الاستماع ، واللباقة في الإصغاء ، وعدم قطع حديث المُحاور . ، وتقول العرب: رأس الأدب كُله الفهم والتفهم والإصغاء إلى المتكلم.

وإنّ من الخطأ أن تحصر همَّك في التفكير فيما ستقوله ، ولا تُلقي بالاً لمُحدثك ومُحاورك ، وقد قال الحسن بن علي لابنه ، رضي الله عنهم أجمعين :

( يا بنيّ إذا جالست العلماء ؛ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلًم حُسْنَ الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ، ولا تقطع على أحد حديثاً – وإن طال – حتى يُمسك ) .

ويقول ابن المقفع :

( تَعلَّمْ حُسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ؛ ومن حسن الاستماع : إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه . وقلة التلفت إلى الجواب . والإقبال بالوجه . والنظر إلى المتكلم . والوعي لما يقول ) .

لا بدّ في الحوار الجيِّد من سماع جيِّد ؛ والحوار بلا حُسْن استماع هو ( حوار طُرْشان ) كما تقول العامة ، كل من طرفيه منعزل عن الآخر .

إن السماع الجيِّد يتيح القاعدة الأساسية لالتقاء الآراء ، وتحديد نقاط الخلاف وأسبابه . حسن الاستماع يقود إلى فتح القلوب ، واحترام الرجال وراحة النفوس ، تسلم فيه الأعصاب من التوتر والتشنج ، كما يُشْعِرُ بجدّية المُحاور ، وتقدير المُخالف ، وأهمية الحوار . ومن ثم يتوجه الجميع إلى تحصيل الفائدة والوصول إلى النتيجة .

ومثل حسن الإستماع  حسن الصمت ، والصمت إجراء إيجابي، ومن فوائده:

أ ـ أنه خطوة نحو الكلمة الصائبة لاختيارها.

ب ـ يزيد العلم ويعلم المرء الحلم.

جـ ـ الصمت بريد السلامة: [[رحم الله امرءًا قال خيرًا فغنم أو سكت فسلم]].

 

4- تقدير الخصم واحترامه :

احترام شخصية المحاور، وملاطفته ، ركيزة قوية من ركائز أدب الحوار، لنتجنب عداوته أو نخفف من حدتها، وألا نستهين به ابتداءً لأن الاستهانة تضعف الحجة وتثير الخصم. كذلك يجب الانتباه له، وعدم الانصراف عنه أثناء حديثه، وأن نفسح المجال له لإبداء رأيه.

وهذا يعني أن يتم في مجلس الحوار التأكد على الاحترام المتبادل من الأطراف ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، والاعتراف بمنزلته ومقامه ، فيخاطب بالعبارات اللائقة ، والألقاب المستحقة ، والأساليب المهذبة .

إن تبادل الاحترام يقود إلى قبول الحق ، والبعد عن الهوى ، والانتصار للنفس . أما انتقاص الرجال وتجهيلها فأمر مَعيب مُحرّم .

وما قيل من ضرورة التقدير والاحترام ، لا ينافي النصح ، وتصحيح الأخطاء بأساليبه الرفيعة وطرقه الوقورة . فالتقدير والاحترام غير المَلَقِ الرخيص ، والنفاق المرذول ، والمدح الكاذب ، والإقرار على الباطل .

ومما يتعلق بهذه الخصلة الأدبية أن يتوجه النظر وينصرف الفكر إلى القضية المطروحة ليتم تناولها بالبحث والتحليل والنقد والإثبات والنَّقص بعيداً عن صاحبها أو قائلها ، كل ذلك حتى لا يتحول الحوار إلى مبارزة كلامية ؛ طابعها الطعن والتجريح والعدول عن مناقشة القضايا والأفكار إلى مناقشات التصرفات ، والأشخاص ، والشهادات ، والمؤهلات والسير الذاتية .

 

5- حصر المناظرات في مكان محدود :

يذكر أهل العلم أن المُحاورات والجدل ينبغي أن يكون في خلوات محدودة الحضور ؛ قالوا : وذلك أجمع للفكر والفهم ، وأقرب لصفاء الذهن ، وأسلم لحسن القصد ، وإن في حضور الجمع الغفير ما يحرك دواعي الرياء ، والحرص على الغلبة بالحق أو بالباطل .

ومما استدل به على ذلك قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } (سبأ:46) .

قالوا : لأن الأجواء الجماهيرية والمجتمعات المتكاثرة تُغطي الحق ، وتُشوِّش الفكر ، والجماهير في الغالب فئات غير مختصة ؛ فهي أقرب إلى الغوغائية والتقليد الأعمى ، فَيَلْتَبسُ الحق .

أما حينما يكون الحديث مثنى وفرادى وأعداداً متقاربة يكون أدعى إلى استجماع الفكر والرأي ، كما أنه أقرب إلى أن يرجع المخطيء إلى الحق ، ويتنازل عما هو فيه من الباطل أو المشتبه .

بخلاف الحال أمام الناس ؛ فقد يعزّ عليه التسليم والاعتراف بالخطأ أما مُؤيِّديه أو مُخالفيه .

ولهذا وُجِّه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يخاطب قومه بهذا ؛ لأن اتهامهم له كانت اتهامات غوغائية ، كما هي حال الملأ المستكبرين مع الأنبياء السابقين .

ومما يوضح ذلك ما ذكرته كتب السير أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام ، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي ، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يصلي بالليل في بيته ، فأخذ كل واحد منهم مجلساً يستمع فيه ، وكلٌ لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، حتى إذا جمعتهم الطريق تلاوموا ؛وقال بعضهم لبعض لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ،ثم انصرفوا .

 

حتى إذا كانت الليلة الثانية ، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة ، ثم انصرفوا . حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود . فتعاهدوا على ذلك . ثم تفرقوا . فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج ، حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : يا أبا ثعلبه ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يُراد بها . قال ألخنس : وأنا والذي حَلَفْتَ به ! . قال : ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه بيته فقال : يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : ماذا سمعت ! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ؛ أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الرُّكَب وكنّا كفرسيّ رهان ، قالوا منّا نبي يأتيه الوحي من السماء ! فمتى نُدرك هذا ؟! والله لا نؤمن به ولا نصدقه . قال : فقام عنه الأخنس وتركه .

6ـ المرونة في الحوار وعدم التشنج، فينبغي مقابلة الفكرة بفكرة تصححها أو تكملها، وقبول الاختلاف، والصبر على فكرة المحاور حتى لو اعتقدنا خطأها منذ البداية، وهذا يؤدي إلى التواضع وعدم الاستعلاء على الخصم وفكرته.

7ـ الموضوعية في الحوار، ونعني بها اتباع المنهج العلمي، والحجة الصحيحة، وقبول الرأي الآخر إذا كان مقنعًا، والاعتراف للخصم بالسبق في بعض الجوانب التي لا يسع العاقل إنكارها، والتحاكم إلى المنطق السليم.

 

 

8 – الإخلاص :

هذه الخصلة من الأدب متمِّمة لما ذكر من أصل التجرد في طلب الحق ، فعلى المُحاور ان يوطِّن نفسه ، ويُروِّضها على الإخلاص لله في كل ما يأتي وما يذر في ميدان الحوار وحلبته .

 

ومن أجلى المظاهر في ذلك : أن يدفع عن نفسه حب الظهور والتميُّز على الأقران ، وإظهار البراعة وعمق الثقافة ، والتعالي على النظراء والأنداد . إن قَصْدَ انتزاع الإعجاب والثناء واستجلاب المديح ، مُفسد للأمر صارف عن الغاية .

 

وسوف يكون فحص النفس دقيقاً وناجحاً لو أن المُحاور توجه لنفسه بهذه الأسئلة :

- هل ثمَّت مصلحة ظاهرة تُرجى من هذا النقاش وهذه المشاركة . ؟

- هل يقصد تحقيق الشهوة أو اشباع الشهوة في الحديث والمشاركة . ؟

- وهل يتوخَّى أن يتمخض هذا الحوار والجدل عن نزاع وفتنة ، وفتح أبواب من هذه الألوان حقهَّا أن تسدّ .؟

ومن التحسس الدقيق والنصح الصادق للنفس أن يحذر بعض التلبيسات النفسية والشيطانية فقد تتوهم بعض النفوس أنها تقصد إحقاق الحق ، وواقع دخيلتها أنها تقف مواقف إنتصارِ ذاتٍ وهوى . ويدخل في باب الاخلاص والتجرد توطين النفس على الرضا والارتياح إذا ظهر الحق على لسان الآخر ورأيه ، ويعينه على ذلك أن يستيقن أن الآراء والأفكار ومسالك الحق ليست ملكاً لواحد أو طائفة ، والصواب ليس حكراً على واحد بعينه . فهمُّ المخلص ومهمته أن ينتشر الحق في كل مكان ، ومن أيّ مكان ، ومن أيّ وعاء ، وعلى أيّ فم .

إن من الخطأ البيِّن في هذا الباب أن تظن أنّ الحق لا يغار عليه إلا أنت ، ولا يحبه إلا أنت ، ولا يدافع عنه إلا أنت ، ولا يتبناه إلا أنت ، ولا يخلص له إلا أنت

 

ميادين الحوار

 

لا بد لكل حوار يراد له النجاح من أن ينطلق من مبدأ أساس يرمي إلى هدف ثابت؛ هو البحث عن الحقيقة من وجهة نظر الطرف الآخر. باعتبار أن إيمان الشخص بصواب رأيه لا يعني أن رأي الطرف الآخر غير صواب، ومتى تحقق هذا المنهج وتلك الرغبة أمكن القول بأن ميدان الحوار واسع:

 

1- فهناك حوار الحياة الذي يعني الاهتمام بالطرف الآخر وبخصوصياته وأفكاره وظروفه الخاصة؛ سعيا لإيجاد قواسم مشتركة معه.

 

2- وهناك حوار العمل: الذي يعني تضافر الجهود لتحقيق كل ما هو في صالح الإنسانية والإصلاح العام من الوجهات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

 

3- وهناك حوار العقل والفكر والعقيدة الذي يعني تفهم أوجه التباين بين مختلف الديانات، واستغلال القواسم المشتركة بينها.

 

4- وهناك حوار التجارب وتبادل المعلومات والخبارات.

 

وإذا تتبعنا حركة الحوار في الإسلام وجدنا أن ميدانه متسع زمانا ومكانا؛ فمن حيث الزمان بدأ الحوار منذ عهد النبوة، وما يزال إلى الآن، وسيظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.

 

ومن حيث المكان: فإن الحوار الإسلامي لا يقف عند حدود معينة، بل إنه يخاطب سائر بني البشر أينما وجدوا، دونما نظر إلى لون أو شكل أو لغة أو دين قال تعالى { مَا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ}.

 

ثم إنه بالنظر إلى شخصية الطرف الذي تقع المحاورة معه وعقيدته نجد أن الحوار يتجه صوب جميع الطوائف والأفراد، وهكذا نجد حوار الرجل مع أهله، وحوار الصديق مع صديقه، وحوار المسلم مع المسلم، وحوار المسلم مع غير المسلم وحوار الإنسان مع نفسه، وحوار الإنسان مع الطبيعة.

 

 

مجالات الحوار

 

تتنوع مجالات الحوار من حيث أطراف الحوار إلى حوار :

1-                 حوار بين الشعوب.

2-                 بين الجماعات.

3-                 بين المذاهب.

4-                  بين الحكومات.

5-                  بين الأديان.

6-                 بين المدنيات والحضارات.

7-                 بين الثقافات والعوائد...

 

إن تحديد مجالات الحوار، وفي ظل السعي الى رسم معالم ساسة  التعايش يقودنا التفصيل فيها إلى جملة من المعاني محملة بمفاهيم تتضارب فيما بينها، ولكن يمكن تصنيفها إلى مستويات ثلاثة:

 

المستوى الأول: سياسي إيديولوجي يحمل معنى الحد من الصراع، أو ترويض الخلاف العقائدي بين المعسكرات الأيدولوجية الكبيرة والرئيسة ، أو العمل على احتوائه، أو التحكم في إدارة هذا الصراع بما يفتح قنوات للاتصال، وللتعامل الذي تقتضيه ضرورات الحياة المدنية والعسكرية.

 

المستوى الثاني:علمي يهدف الى تطوير العلوم لخدمة البشرية لا إلى تدميرها.

 

المستوى الثالث: ديني، ثقافي، حضاري، وهو الأحدث، والمراد به أن تلتقي إرادة أهل الأديان السماوية والحضارات المختلفة في العمل من أجل أن يسود الأمن والسلام العالم، وحتى تعيش الإنسانية في جو من الإخاء والتعاون على ما فيه الخير الذي يعم بني البشر جميعا، من دون استثناء.

 

أنواع الحوار

 

أ ـ الحوار من حيث الشكل قسمان:

ـ حوار هادئ عقلاني مبدئي.

ـ حوار متشنج يعتمد على الصراخ.

ب ـ من حيث المضمون:

1ـ الحوار المتفتح، وعكسه المتزمت وهو القائم على المهاترة لا الرغبة في الفائدة.

2ـ حوار العلماء وحوار طلاب الشهرة، وفرق كبير بينهما. وينتج من حوار العلماء فوائد عظيمة للناس لأنه يقوم على احترام الذات والآخرين وتقبل الرأي الآخر ما دام لا يمس الثوابت في العقيدة، والإدراك أن للحوار هدفًا يراد تحقيقه بعكس حوار طلاب الشهرة الذين يريدون الانتصار للذات.

جـ ـ الحوار من منظور الأشخاص ومنه:

1ـ الحوار بين العاقل والجاهل فلابد من حلم العاقل ليعلّم الجاهل.

2ـ الحوار بين الشيوخ والشباب، فينبغي مراعاة المراحل العمرية، واختلاف الأعراف، والعلاقة بين خبرة الحياة عند الشيوخ، وجدة علم الشباب.

3ـ الحوار بين المتخصصين وغير المتخصصين.

4ـ الحوار بين الحاكم والمحكوم، وينبغي فيه احترام عقول الآخرين، واحترام قدر الحكام دون التنازل عن الموضوعية وإخلاص النصيحة بين الطرفين.

 

درجات الحوار

 

1. الحوار الاستكشافي: للتعرف على أفكار الآخرين والتعرف على خبراتهم ..

2. الحوار التسكيني: والهدف منه تقليل هوة الخلاف ومحاولة تقريب وجهات النظر ..

3. الحوار التعاوني: للوصول لحلول مشاكل من خلال النقاش بين طرفين ..

4. الحوار الحاسم: لحسم الخلاف بين الطرفين في قضية اختلفوا فيها. ينبغي على المحاور أن يكون حواره عزة في تحاور .. وثبات في لين ورفق ..

 

معاول هدم جسور الحوار

 

أما العوامل التي تحول دون تواصل الناس ومد جسور الحوار بينهم فهي:

1ـ التعصب للآراء والمذاهب والأفكار والأشخاص. والتعصب ظاهرة قديمة، موجودة في مختلف المجتمعات البشرية، وفي مختلف مستوياتها، وهي ظاهرة تمثل انحرافًا مرضيًا، حينما لا تكون ذات مضمون أخلاقي، كالانتصار للحق أو لدعاته، والتعصب ينشأ عن اعتقاد باطل بأن المرء يحتكر الحق لنفسه. والمتعصب لا يفكر فيما يتعصب له، بل يقبله كما هو فحسب، لذا فلا يمكن لمتعصب أن يتواصل إلا مع من يردد نفس مقولاته.

2ـ المراء المذموم واللجاجة في الجدل، ومحاولة الانتصار للنفس ولو على ذبح الحقيقة. والجدل خلق مذموم، ينبغي للإنسان أن يبتعد عنه، وإذا اضطر إليه فيجب أن يكون بالتي هي أحسن، {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} [النحل: 125] ومعنى ذلك أن يتجنب الإنسان الجدال العقيم والفاحش والبذيء، وإذا أراد أن يجادل فلابد أن يجادل بالحسنى، وإذا وجد أن النقاش يقود إلى طريق مسدود، فينبغي أن يتوقف عنه لأنه يصير عند ذلك عبثًا لا خير فيه، فكما قال صلى الله عليه وسلم: [[أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا]] رواه أبو داود بسند حسن. [[فما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل]] رواه الترمذي وصححه.

 

وترك الجدل يتبعه أمران:

أولهما: أن نعترف بأخطائنا إن كنا مخطئين، والاعتراف بالخطأ فضيلة.

ثانيهما: أن نحترم آراء الآخرين.

 

3ـ التسرع في إصدار الأحكام، إذ إن التسرع في إصدار الأحكام دون روية، مع عدم وضوح الرؤية، يوقع في أغلاط وأخطاء.

ويدفع إلى التسرع عوامل عدة منها:

ـ الغرور بالنفس، والاعتداد بسرعة البديهة.

ـ الكسل الذهني وعدم الرغبة في إجهاد الفكر للتعرف على الحق.

ـ الانفعال النفسي، كالغضب والخوف والطمع وطيش الهوى.

ـ الحاجة الملحة ومدافعة الضرورة الطبيعية.

 

ولقد انتقد القرآن بشدة لاذعة الذين يقفزون عند السماع الأولي للمشكلة إلى إصدار الأحكام وإشاعتها، دون السماع لها بالمرور بمنطقة السماح الداخلي، والتفاعل مع القدرات العقلية وتبادل التحليل والاستنتاج. ويصف القرآن هذا الأسلوب المتسرع بأنه تلقٍّ للمعلومات الأولية باللسان، دون الصبر عليها حتى تمر بالأذن، وتصل إلى منطقة الوعي، {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15] ويتهدد القرآن الفاعلين لذلك بالعقوبة الإلهية، لما يترتب على هذا الأسلوب في الحكم من أخطاء، {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور:17].

4ـ التفكير السطحي، الذي لا يغوص في أعماق المشكلات، ولا يدرك أثر العلاقات ببعضها، ولا يستوعب تأثير المتغيرات، بل يتوقف عند الأسباب الظاهرة للمشكلة، التي غالبًا ما تكون أعراضًا للمشكلات وليست جواهرها، والتفكير السطحي هو الذي يغيب العقل، ويهمل العلم، ويغفل العمل، ويجافي سنن الله في الآفاق والأنفس.

 

الحوار الفلسطيني

إننا بعد أن بينا مفهوم الحوار ، ومعناه لغةً واصطلاحاً ، وحددنا مدلولاته ، وعددنا أنواعه ، وشرحنا أصوله ، وآدابه ، ومعاول الهدم فيه ، وضرباً على الوتر ، نجد أن من واجبنا إسقاط هذه المفاهيم على الحوار الفلسطيني الشامل ، رغبةً منا في أن يحقق هذا الحوار نتائجه المرجوة ، والتي يتطلع إليها المواطن الفلسطيني قبل المسؤول الفلسطيني ، خاصةً أن الأيام الأخير كان المشهد الفلسطيني ، مأساوياً ، ينذر باشتعال نار مدمرة ، إن لم يتم تدارك ما يحدث ، من خلال التوصل الى صيغ توافق وطنية تجمع عليها كافة الأطر والفصائل والفعاليات الفلسطينية ، ففي الخامس والعشرين من شهر أيار إنطلق مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني الشامل في كل من غزة والضفة الغربية ، وقد قدمت فيها العديد من الأوراق من مختلف الأطر والأحزاب والفعاليات المشاركة ، كما قدمت وثيقة الحركة الأسيرة والتي سميت بوثيقة الوفاق الوطني ، ورشحت من قبل الرئيس أبو مازن لتكون وثيقة الإجماع الوطني ، لكن هذا الترشيح لاقى بعض الإنتقادات من قبل المشاركين ، على اعتبار أن هذا الطرح يقتل روح الحوار من أساسه ، وبفرض سياسة الإملاء المسبق ، خاصةً أن الحوار فرضته معطيات وظروف ومستجدات على الساحة الداخلية والخارجية ، وبالتالي يجب أن يستمع الجميع للجميع لكي يكون هذا المؤتمر الوطني بحق أول تجمع لكافة القوى والحركات والفعاليات الفلسطينية على الأرض الوطنية ، وأول صوت وحدوي يخرج فيه الفلسطينيون على العالم ، مؤكدين من خلاله على وحدة حقيقية في الشعار والقرار ، وقد قسمت الحديث عن الحوار الفلسطيني هذا الى عدة محاور ، من أجل الوصول الى الهدف المرجو من هذا البحث المتواضع ، والذي يتلخص في جملة التوصيات التي ذكرت في نهايته.

 

جذور الحوار

 

  إن الحوار الفلسطيني الفلسطيني ليس وليد ألأزمة الحالية التي يعيشها المجتمع ، وعلى مختلف المستويات ، الرسمية والشعبية ، والحزبية وإن كانت هذه الأزمة قد سرعت في التنادي والدعوة الجادة ، لتوسيع هذا الحوار ، ليكون مظلة للتوافق الوطني ، المنشود ، فمنذ ديسمبر 2002 عقدت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ثلاث حوارات ،ولكنها لم تثمر ما كان يرجوه الشارع الفلسطيني منها ، ومن قبلها كانت هناك (قرابة أربع حوارات بدأت في أوائل الثمانينات بحوار الخرطوم) بين حركتي حماس وفتح فقط .

وجميع هذه الحوارات كانت تعقد تحت شعار ، عظيم يتمثل في أن يتم نوع من توحيد الرؤى والمواقف، وتحقيق قدر أكبر من التقارب بينها في تصورات الحلول المختلفة للقضية الفلسطينية، حتى إن البعض استبشر خيرا عندما تم التوصل لنتائج توحيدية إيجابية في حواري نوفمبر ثم ديسمبر 2002.

ولكن يبدو أن ما تحقق لم يكن سوى المزيد من مظاهر الفوضى والفلتان الأمني، بدليل أنه لم يجر تنسيق واحد على الأرض بين الأطراف المختلفة، ولا بين حماس والجهاد رغم أنه تم النص على ذلك في أول اتفاق في حوار نوفمبر 2002، ثم تصاعد الخلافات مرة أخرى في حواري ديسمبر 2002 وديسمبر 2003 ليس على خلفية الهدنة ووقف القتال مع الصهاينة، ولكن حول توحيد القرار الفلسطيني الداخلي ، الأمر الذي خلق حالة من الإستياء الشعبي ، وزرع جملة من التخوفات ، وجر الشارع ، الى نصارعات ونزاعات حزبية ، ليس لها أي منطلق يمكن أن يفهم منه أن الخلاف نابع من الحرص على المصالح الوطنية العليا بل إن مصلحة الحزب هذا أو التنظيم ذاك هو الذي يحدد الموقف من أي حوار ، وهذا ما لمسه المواطن الفلسطيني ، والمراقب للمشهد الفلسطيني ، وجعله يخرج من صمته ويحذر هذه الأطر والتنظيمات من مغبة إغراق المجتمع في بحر من الفتن المدمرة  .

 

نريد الحوار حتى لا يسيل الدم الفلسطيني بيد فلسطينية

 

إن الدم الفلسطيني على الفلسطيني حرام كحرمة الكعبة ، واللغة بين الأخوة والشركاء في الفرحة والحزن والأرض والأمل والألم والقرار والمصير ، يحب أن تبقى لغة بعيدة عن الإحتكام تحت أي ظرف الى السلاح بل حكمها دوماً العقل والحوار ، ونقول هذا الكلام لأن هناك ما يثير الإستغراب ، ويضع ألف علامة استفهام حول ما جرى ويجري في الشارع الفلسطيني من تجاوزات تعدت حد المعقول والمقبول ، وتخطت الخطوط الحمراء ، فسال الدم الفلسطيني ، وسقط الشهداء برصاص الأخ والصديق ،رغم أن  مواقف كافة الأطراف الفلسطينية نجدها تتغنى وتؤكد التفافها حول الثوابت الفلسطينية والحرص الشديد على تماسك الموقف السياسي الفلسطيني وتفويت أي فرصة للتصادم والتنازع السياسي، وتغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية على كل مصلحة حزبية أو تنظيمية ، والعمل من أجل الاستمرار فى عملية البناء الديموقراطي كأفضل وسيلة لإدارة الخلافات وتوجيه بوصلة البناء توجيهاً سليماً ، والمشاهد لواقع الشارع الفلسطيني في الأيام الأخيرة يجعله يسقط كل التصريحات والبيانات الموكدة على الوحدة وتحريم الإقتتال ن وعدم توجيه السلاح إلا ضد الإحتلال ، وبالتالي يبقى المواطن متخوفاً وغير متفائل في نتائج مؤتمر الحوار الوطني وغيره من اللقاءات التي تجمع هذا الفصيل بذاك ، وهذا ما يحتم علينا رفع صوتنا عالياً للدعوة الى وجوب وضع حد لعمليات الفوضى والفلتان الأمني الذي خلف وسيخلف إن استمر المزيد من الدم والقتل في صفوف الشعب .

نقول هذا الكلام لأن الواقع السياسي السائد عكس ذلك تماما، فالتناقض واضح في لغة الخطاب السياسي، ومظاهر التصادم المسلح والاحتكام للغة السلاح هي المسيطرة والتي تلجأ لها الأطراف لحسم أمورها، والتنازع على الصلاحيات والاختصاصات واضحة بين مؤسسات السلطة، ما بين مؤسسة الرئاسة من ناحية ومؤسسة رئاسة الحكومة من ناحية أخرى.

رغم كل هذه المعطيات السلبية ، يجب أن يبقى الأمل يحدونا ، في أن نتمكن ومن خلال هذا الحوار الوطني الشامل من تأسيس قواعد قوية وواضحة وقابلة للتنفيذ ،تجمع عليها كافة الأطر والتنظيمات والفصائل والحركات والمؤسسات الأهلية والرسمية ، لتكون مرجعية ملزمة لرسم معالم الخطاب السياسي والإجتماعي الفلسطيني الموحد ، خاصًة إذا علمنا أن هنالك قاسماً مشتركاً بين جميع القوى والأحزاب والفصائل. ويتلخص بالمطالب الفلسطينية الواضحة وهي:

أولاً :-  دحر الاحتلال بمختلف الوسائل السياسية والعسكرية المشروعة .

ثانياً :- إقامة الدولة المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني في حدود الرابع من حزيران عام 1967.

ثالثاً :- نشر وإشاعة أجواء الأمن والاطمئنان والوفاق الوطني الشامل.

 

نريد الحوار لأنه مطلب وضرورة شرعية واجتماعية وأخلاقية

 

إذا كان الإسلام كما بينا في مقدمة البحث يدعونا الحوار مع أصحاب الديانات والأفكار الأخرى ، فإنه من باب أولى أن يتجسد هذا المفهوم بننا نحن أبناء الدين الواحد ،خاصةً إذا علمنا أن هذا الحوار بات مطلباً وضرورة شرعية واجتماعية وأخلاقية ، وإن أمام القيادات الفلسطينية العديد من القضايا المتشعبة لكن أبرزها الآن ينحصر في أربع:

 الأولى:-  كيفية التصدي للحصار الاقتصادي المحكم والمطبق على الجميع،كخطوة فورية والعمل على إيجاد سياسة واستراتيجية اقتصادية ، تضمن بناء اقتصاد وطني مستقل وغير مرتبط بالاقتصاد الصهيوني ، وقوي وقادر على الصمود في وجه التحديات والعقبات ،

 والثانية:-  ضرورة التصدي للمخطط الخطير الذي أعلنه رئيس الوزراء الصهيوني الجديد إيهود أولمرت بشأن وضع الحدود النهائية للكيان الإحتلالي بعد إنجاز خطة «تجميع المستوطنات.

 والثالثة:- إيجاد السبل والآليات لتطوير وتفعيل منظمة التحرير التي يجب أن تتسع للجميع بعد ضم حماس والجهاد الإسلامي إليها .

والرابعة:- إعادة هيكلة المؤسسات الرسمية وتنظيمها وتصويب آليات العمل فيها وخاصةً المؤسسة القانونية وما يرتبط بها ويساندها من أجهزة التنفيذ كالشرطة والأمن ، وذلك من أجل إشاعة جو من الأمن والأمان وتعزيز هيبة القانون وسيادته .

 

الحوار كما يراه السياسيون

يكاد يجمع الكل الفلسطيني ، على أن الحوار ضرورة ملحة ومطلب شعبي ورسمي ، وبالتالي يجب العمل على إنجاحه بشتى السبل .

كما أن مفردات صيغة أي بيان تصدره هذه الجهة الرسمية أو الشعبية أو تلك تكاد تكون متطابقة ،وكيف لا والهم الفلسطيني والمشهد العام يعاني منه الجميع ، ويكتوي بناره ، وإن المتتبع لتصريحات المسؤولين الفلسطينيين في الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي ، يجد هذا التطابق ، وإن وجد هناك اختلاف فإنه لا يكون في الجوهر بل بالشكل أو التفصيلات التي تتحدث عن الآليات للتنفيذ .

محمود عباس

 في كلمته أمام مؤتمر الحوار الوطني أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن على الفلسطينيين أن يبتعدوا عن الاقتتال الداخلي في حين يواجهون مشكلات أخرى أكثر خطورة تتمثل في إغلاق إسرائيل للأراضي الفلسطينية وبناء الجدار والاستيطان في الأراضي المحتلة، ولا يجوز الاحتكام للسلاح لان دم الفلسطيني محرم على أخيه فكيف لنا ان نقتتل ونحن نواجه معركة حصار وجدار واستيطان". وقال الرئيس محمود عباس أن الحوار الوطني ذو أهمية بالغة معتبرا أن إنجاح مؤتمر الحوار يستند إلى وجود قواسم مشتركة وليس الحوار من أجل الحوار. والمطلوب من الحوار الوصول الى نتائج تدفع بالقضية قدما وتعمل لبناء دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ،  من خلال صيغة سياسية مشتركة تمثل القرار السياسي الوطني، من أجل القضية وقضايا المرحلة النهائية وفي المقدمة منها قضايا اللاجئين والمستوطنات والحدود وغيرها. 

وأكد عباس أن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية هو أكبرُ إنجازٍ تحقَّق في تاريخ الشعب الفلسطيني خلال الـ50 عامًا الماضية، وقال إن كون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين لا يعني أنها تضم كلَّ الفصائل الفلسطينية؛ ولكنْ يعني وجودَ القابلية لديها لاستيعاب مختلف الفصائل، وعدَّد عباس الإنجازاتِ التي قامت بها المنظمة في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ تأسيسها

وطالب عباس الفلسطينيين بضرورةِ الاستنادِ على "برنامج سياسي" في ممارسةِ المقاومةِ، قائلاً: إن "البندقية الفلسطينية" من دون برنامج سياسي قد تستغل في تحقيق أهداف أخرى، في إشارة إلى عمليات التصفية والاشتباكات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية حاليًا وبخاصة قطاع غزة.

 

إسماعيل هنية

رئيس الحكومة الفلسطينية اكد بدوره في كلمته التي القاها في مؤتمر الحوار في غزة، "رفضه اللجوء الى العنف والسلاح" بين حركتي فتح وحماس "مهما كانت الظروف". وقال هنية ان "الحكومة الفلسطينية عازمة على وضع حد للفلتان الامني"، مؤكدا ان "تشكيل القوة التنفيذية لم يكن استعراضا للقوة بل سخرناها لحفظ الامن للمواطن"، وان حكومته لن تقدم تنازلات حول "حقوق الفلسطينيين" رغم الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة والدول الغربية عليهم، على حد تعبيره. كما أكد هنية أن الحوار الوطني هام جدا خاصة في هذه الظروف ودعا كافة الفصائل الفلسطينية إلى ضرورة إنجاح هذا الحوار، موضحا أن الوصول إلى هذا النجاح يقتضي إما التحضير الجيد له وإما أن يعقب جلسة الافتتاح تشكيل لجان تعنى بدراسة كل ملف على حدة حتى تكون هناك ثمار ملموسة ونتائج واضحة ومباشرة لهذا الحوار أمام الشعب الفلسطيني، مؤكدا على ضرورة أن لا يبقى الحوار يشكل تظاهرة إعلامية يذهب بعدها كل طرف إلى حال سبيله وتبقى قضايا الخلاف عالقة سواء فيما يتعلق بموضوع منظمة التحرير أو ما يتعلق بموضوع الصلاحيات بين الحكومة والرئاسة.

وقال إن هناك جملة من القضايا والتداعيات استدعت منا التعجيل بعقد مثل هذا الحوار، ولعلنا نشير هنا إلى بعض منها:

أولاً: العلاقة المتوترة بين حركتي فتح وحماس.

ثانياً: إشكالية الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة.

ثالثاً: الحصار الذي يتعرض له شعبنا.

رابعاً: بلورة رؤية سياسية موحدة.

خامسا: العلاقة مع محيطنا العربي والإسلامي.

كما أكد هنية أن تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية بات أمرًا ملحًّا في ظل الخطر الذي يهدِّد الشعبَ الفلسطينيَّ بأكملِه والذي يشكِّله الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وفي ظلِّ فرضِ الحصارِ الغربي على الفلسطينيين، موضحًا أن "الصفحاتِ البطوليةَ الخالدةَ التي سجَّلها الفلسطينيون والممتدة على طول مساحات الوطن المحتل تستحق منا وقفةً جادةً للمراجعة".

 

وفيما يتعلَّق بالضغوطاتِ الغربيةِ على الحكومةِ الفلسطينية، قال هنية- إن التآمر الغربي والتواطؤ الإقليمي على إرباك ساحتنا من خلال وسائلَ عديدةٍ أشبه بـ"الشبكة العالمية" التي تطوق الحكومة، وتضغط باتِّجاه تصفيةِ عناصرَ الحياة والاستمرارية فيها، وتدفع الحكومة الفلسطينية لتقديم تنازلات سياسية، مؤكدًا لكلِّ الأطراف أن الحكومة والشعب لن يقدِّما أيَّ تنازلات تمس بالحقوقِ والثوابت الفلسطينية.

 

وانتقد هنية منعَ الولايات المتحدة للأموالِ التي تبرَّعت بها الشعوبُ والدول العربية والإسلامية، وقال: "للأسف فإن دولاً غربيةً وعلى رأسها أمريكا لم يَرُق لها ما قامت به دولٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ بالتبرع للشعب الفلسطيني، وأغلقت منافذ الأموال وهدَّدت دولاً ومؤسساتٍ وبنوكًا عربيةً وإسلامية.

 

وشدَّد هنية على أن هناك نقاطَ التقاء كبيرةً بين فتح وحماس، وبأن لهما تاريخًا طويلاً من مقاومة المحتل الصهيوني، وبأن الحركتين لهما حضورٌ واسعٌ واحترامٌ كبيرٌ داخل الشارع الفلسطيني، وعليه قال: "نحن مصممون أن يبقى صوت العقل هو المسيطرَ والحكمة والحفاظ على الوحدة الداخلية".

 

الوضع السياسي

وفيما يتعلَّق بالوضع السياسي الذي يشهده الشارع الفلسطيني قال رئيس الوزرء الفلسطيني: "بات واضحًا أن الوضع السياسي يشهد تعقيدًا يصب في محصلته في مصالح الكيان الصهيوني الأمنية والسياسية، مشيدًا بالدور المصري في هذا الخصوص والساعي لرأب الصدع الحاصل بين حركتي حماس وفتح.

 

وأوضح أن الكيان الصهيوني يركز وجوده في دولة ذات غالبية يهودية، مستنكرًا الحلول أحادية الجانب، وقال إن الإدارة الامريكية تؤيِّد الأطروحاتِ الصهيونيةَ تحت مبرِّر أنه لا يوجد شريكٌ فلسطينيٌّ، موضحًا أن من شأن المخطط الصهيوني أن يزيدَ الوضع سوءًا خاصةً أن الشعبَ الفلسطينيَّ سيعمل جاهدًا للوقوف أمامها والتصدِّي لها وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

 

الأجهزة الأمنية

وختم هنية كلمته بتأكيد أن حكومته ستمضي قدمًا لاستكمال الإجراءات الخاصة بالقوة التي شكَّلتها وزارة الداخلية الفلسطينية، مؤكدًا أنها جزءٌ من جهاز الشرطة الفلسطينية، وستعمل ضمن القواعد والقوانين التي تحكم عمل الشرطة والأجهزة الأمنية، ونحن ملتزمون بحماية الوحدة الوطنية.

عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي

رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور عزيز دويك أكد أن الدعوة للحوار أطلقها المجلس من حس وطني لطبيعة الوضع المعاش، ومن الأوضاع المقبلة. ورأى أهمية في أن يقود الحوار إلى ترتيب البيت الداخلي الذي اعتبره شرطا لا غنى عنه على الطريق نحو الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ومن أجل نزع فتيل الفتنة والتأكيد على الأخوة الحقيقية بدل الخلاف والنزاع. وتعهد رئيس المجلس بأن تطرح كافة الأوراق والمبادرات على مائدة المؤتمر قبل ان يقترح تشكيل لجان فرعية لمتابعة تنفيذ نتائج الحوار وبما يحقق الأهداف المشتركة.

وقال إن هذا المؤتمر يومٌ مشهودٌ وجاء في لحظةٍ حاسمةٍ ومنعطف خطير تعيشه قضية شعبنا البطل، مشددًا على ضرورة المحافظة على الوحدة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الأرضيةَ الصبة اللازمةَ لبقاءِ شعبنا والإبقاء على قضيته العادلة حيةً ماثلةً في أذهان الجميع، وعلى كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية، كما دعا الى حمايةِ السلطةِ وتعزيز صمود شعبنا وكسرِ الحصار الغاشم، فعدونا يفرض علينا حصارًا وتجويعًا، ويحرِّض قوًى غربيةً وعربيةً لحرمان أطفالنا من الدواء، مما يستعدي موقفِ لكسرِ الحصار المفروض على الفلسطينيين.

وطالب بفضح السياسات الدولية التي تكيل بمكيالين، أحدهما يعطي للكيان الصهيوني الحقَّ فيما يشاء ومتى يشاء، ويُنكر على الشعب الفلسطيني أبسطَ الحقوق كالحياة والكرامة، وطالب أيضًا بإيصال صوت الشعب الفلسطيني إلى المحافل الدولية التي ما زال كثيرٌ منها ينكر علينا مجرد وصف المعاناة تحت جبروت الاحتلال أو أن نقولَ إنها قضية حق وعدل.

ودعا الدويك إلى التركيز على النقاط التالية:

1- ضرورة أن نصلَ إلى قراراتٍ تعزز الوحدة الوطنية من خلال مراعاة قواعد تنهي حالة تنازع السلطات بين الرئاسة والحكومة، متمنيًا على عباس وهنية- وانطلاقًا من قاعدة أن الحكومة هي حكومة الرئيس- أن يواصلا مشاورتهما لأن في ذلك خيرًا للقضية ومحاولةً لإخماد الفتنة.

2- الانطلاق من عظمة تجربتنا الديمقراطية التي شهد العالم بنزاهتها، وبخاصة أنها جاءت تعبيرًا عن إرادةِ شعبٍ هو من بين أكثر شعوب العالم علمًا ووعيًا سياسيًّا تحتاج منا لطريق للتبادل السلمي للسلطة بين مختلف القوى الفاعلة وكأسلوب حضاري ثبت نجاعته في انتشال العديد من دول العالم من التخلف إلى النهوض والارتقاء، إن هذا الأمر يتطلب أن نعمقَ هذه التجربةَ ونحترمَ نتائجها وندعمَ مؤسساتها.

3- ضروة الانطلاق من قاعدة حرمة الدم الفلسطيني- الحرب الأهلية- فالسباب فسوقٌ والقتال كفرٌ، وهنا أنوِّه لا يجوز لمن امتزجت دماؤهم أن يوجِّها سلاحهما إلى بعضهما البعض تحت أي مسمى.

4- تأكيد الثوابت الفلسطينية وحق عودة اللاجئين وحتمية قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة وتأكيد حق أسرى في الحرية وإطلاق سراحهم دون استثناء.

5- اعتبار محافظات الوطن نسيجًا واحدًا ووحدة جغرافية واحدة لا تنتقض منه إجراءات الاحتلال وخرقه لمفاهيم التواصل الجغرافي.

6- اعتبار العمل على إصلاح وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ضرورةٌ نضاليةٌ وسياسيةٌ حتى تحتضنَ كل أبناء شعبنا وفصائله لترسيخ تمثيلها الشعب الوحيد.

 

7- وطالب بصيانة المنابر والمساجد والخطباء والأئمة، داعيًا وسائل الإعلام لعدم التشهير والتجريح بغير أدلة أو براهين والسمو بالخطاب الديني بعيدًا عن التعصب والحزبية ودعاها أيضًا إلى الابتعاد عن التصريحات الإعلامية ذات الإشكالية.

 

الحوار كما يريده المواطن

* القضاء على الفلتان الأمني والمظاهر المسلحة

فقد عبر عدد كبير من المواطنين عن أملهم في أن ينهي الحوار كافة مظاهر الفوضى الأمنية في الشوارع الفلسطينية وتحديدا في قطاع غزة. ووقف حالات العنف مثل تلك التي وقعت مؤخرا ومنها مقتل سائق السفير الأردني وإحراق سيارات قناة الجزيرة وسيارة وزير شؤون الأسرى وعمليات القتل التي تحدث في قطاع غزة ويقول المواطن عمر علي أن هناك ضرورة لوضع النزعه الحزبية جانباً والتفكير بالهم الوطني لأن ذلك من شأنه أن يحقق بالنهاية الهدف الذي يسعى له جميع الفلسطينيين. وأضاف:"من الضرورة أيضا وضع الخطوط الرئيسية لمعرفة صلاحيات كل طرف من الأطراف حول العمل الموكول منه من باب توزيع العمل والمساءلة في تنفيذ الواجب لأن هذا من شانه أيضا أن يجعل من كل طرف تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه".

 أما المواطن أحمد بيكاوي فقال:" آمل أن يسفر الحوار عن نتائج طيبة تعود بالفائدة على شعبنا الفلسطيني ولا نريده حوار ديكوري لمجرد الحوار فقد مللنا من الكلام ونريد أفعالا وتطبيقات وان يجتمع الفرقاء على مائدة واحدة قولا وعملا وان تحيد الحسابات الفصائلية الضيقة وان تغلب المصلحة الوطنية العليا لشعبنا داعيا إلى الابتعاد عن المصالح الشخصية والحزبية واعادة بناء منظمة التحرير في ضوء الانتخابات التشريعية الاخيرة ووضع حد للفلتان الأمني والتعاضد في وجه الحصار واعتبار ان كل من يتساوق مع المخططات الأجنبية خارج عن الصف الوطني.

* محاسبة المارقين

ويقول الشاب وضاح عيد آمل من هذا الحوار أن يضع حلاً عاجلاً لما يحدث في قطاع غزة ثم تقديم ومحاسبة الفئات المارقة التي تعمل على إفساد حالة التوافق التي كانت موجودة، والتوصل إلى أفق معين للاتفاق على ضرورة مواجهة الحصار وتوحيد الجهود لمواجهة خطة أولمرت التي ذهب ليروجها في واشنظن وأضاف:" وذلك والعمل إلى إيجاد مرجعية قيادية موحدة يكون مهمتها إدارة العلاقة ما بين الفصائل الفلسطينية والحكومة الفلسطينية حتى لا تترك الحكومة وحدها لمواجهة التحديات التي تفرضها عليها امريكا" أما المواطن أمين فدعا إلى أن تكون المصلحة الوطنية العليا حاضرة في تفكير المتاحورين ونظرتهم للأمور والابتعاد على التوجهات الفئوية التي يكتوي بنارها المواطن العادي وقال:"المطلوب أن يعمل الجميع لصالح الخيار الفلسطيني الديمقراطي الذي افرزته الانتخابات التشريعية الفلسطينية كون ذلك المؤشر الحقيقي لبداية فلسطينية نحو البناء والازدهار".

* الحصار الدولي

واعتبر المواطن أمجد علي أن إنهاء الحصار الدولي المفروض على الفلسطينيين يجب أن يكون ضرورة حتمية في الحوار ويجب أن يكون هناك صيغة توافقية يمكن من خلالها إنهاء الحصار الدولي المفروض على الفلسطينيين وإنهاء الأزمة المالية بشكل فوري" بينما يقول المواطن محمد قبلان:" على المتحاورين أن يتقوا بهذا الشعب العظيم ، واذا توصلو لقناعة أن ليس لديهم ما يقدمون لصالح هذا الشعب أن يضعوا استقالتهم أمامه، ليقول كلمته، وأن يضعوا امام أعينهم أمرين أنهم أمناء على وصايا الشهداء واعتماد وثيقة الأسرى كأساس والمحافظة على ما تم إنجازة على مدار اربعين عام من النضال".

 

مبادرات سبقت الحوار

 لقد سبق عقد المؤتمر إطلاق العديد من المبادرات الوطنية والسياسية من قطاعات أهلية عدة، وفي مختلف المدن . كما امتدت هذه المبادرات الى داخل سجون الإحتلال  حيث جاءت مبادرة الوفاق الوطني من قبل الأخوة الأسرى في السجون الإسرائيلية. وكذلك المبادرة السياسية لتدعيم الوحدة الوطنية التي طرحها أكاديميون من جامعات فلسطينية بقطاع غزة، وهذه المبادرات والوثائق كما يرى د. خالد محمد صافي تشير إلى أمور عدة أهمها:-

1- الشعور والإدراك الواضح من قبل قطاعات المجتمع بخطورة الوضع الفلسطيني على النطاق الداخلي والخارجي والذي بات يهدد الوحدة الكيانية والمجتمعية الفلسطينية.

2- السعي الجاد من قبل قطاعات المجتمع نحو إجراء حوار وطني جاد يكون على مستوى المسؤولية، ويكون  استراتيجياً وليس تكتيكياً. والعمل على إنجاحه والتأكيد على ضرورة انتهاج الحوار كوسيلة ولغة للتخاطب لحل الإشكالات القائمة.

3- السعي لإبقاء إرادة الناخب وليست إرادة البندقية كأساس للنظام الديمقراطي الفلسطيني، وضرورة وضع مصالح الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار.

4- وعي القطاعات الأهلية بدورها كقوى موجودة وضاغطة على القوى السياسية التي تقود العمل الوطني، والتي أصبحت تتعامل مع القضية الفلسطينية من منطلق مصالح حزبية وشخصية ضيقة تهدد مستقبل القضية، وتدخلها في متاهات وأنفاق مظلمة على الصعد كافة.

5- تعكس المبادرات نوعاً من تململ الشارع الفلسطيني وعدم رضاه عن حالة التنافس و الصراع بين مؤسستي الرئاسة ومؤسسة مجلس الوزراء. وإغراق المجتمع الفلسطيني في واقع معيشي صعب. وتراجع الاهتمام بالقضايا المصيرية للشعب الفلسطيني مقابل التقوقع في تفاصيل الحياة اليومية وهمومها. والخشية من تحول القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية إغاثة إنسانية ليس إلا.

6- تشير المبادرات إلى رغبة ملحة من قبل القطاعات الأهلية في المشاركة في صنع القرار، ورفض التهميش الذي يمارس من قبل القيادات السياسية والعسكرية سواء الرسمية أو الفصائلية لقطاعات مهمة في المجتمع مثل مؤسسات المجتمع المدني، وقطاع رجال الأعمال، والمؤسسات النقابية، والشخصيات الوطنية.

7- ينم ذلك عن حرص الكثير من قطاعات المجتمع على إجراء إصلاحات واسعة في جميع الجوانب وفق برنامج اقتصادي واجتماعي وإعلامي واضح ومتفق عليه. وأن استمرار الوضع الراهن أمراً لا يمكن السكوت عليه شعبياً.

8- الدعوة إلى تعزيز وضع القضية الفلسطينية إقليماً ودولية نظراً للتراجع والترهل الواضح في أداء الدبلوماسية الفلسطينية، واحتكامها إلى لغة إنشائية لا تصلح لإدارة العلاقات الدولية، وخطاب إعلامي يغلب عليه التناقض والافتقار إلى آلية واضحة للترويج له عالمياً.

9- تعكس مبادرة الوفاق الوطني للأسرى الرغبة الواضحة للحركة الأسيرة في تجسيد الوحدة الوطنية على صعيد المجتمع الفلسطيني والأداء السياسي الرسمي، امتداداً لما أنجزته الحركة الأسيرة في توحيد صفوفها في الداخل. وسعيها إلى المبادرة والمشاركة في صياغة الحالة السياسية الفلسطينية، وتأكيد حضورها، وتجاوز النظر إليها كقضية إنسانية.

10- تبلور رؤية مجتمعية نحو ضرورة توصل القوى السياسية إلى برنامج سياسي فلسطيني توافقي ينطلق من الثوابت الوطنية، وضرورة اعتماد إستراتيجية وطنية موحدة لمواجهة السياسية الإسرائيلية أحادية الجانب، والتي تتنكر للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

 

وثيقة الأسرى

أحمد أبو السكر (عميد الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية) تلا وثيقةً وضعها المعتقلون الفلسطينيون في سجن هدوريم كأساس للحوار الوطني الفلسطيني، وقد جاء فيها :

نص وثيقة التوافق الوطني التي طرحها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية

 

انطلاقا من الشعور العالي بالمسؤولية الوطنية والتاريخية ونظرا للمخاطر المحدقة بشعبنا، وفي سبيل تعزيز الجبهة الفلسطينية الداخلية وصيانة وحماية الوحدة الوطنية ووحدة شعبنا في الوطن والمنافي، ومن اجل مواجهة المشروع الاسرائيلي الهادف لفرض الحل الاسرائيلي، ونسف حلم شعبنا وحق شعبنا في اقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، هذا المشروع والمخطط الذي تنوي الحكومة الاسرائيلية تنفيذه خلال المرحلة القادمة تأسيسا على اقامة واستكمال الجدار العنصري وتهويد القدس وتوسيع المستوطنات الاسرائيلية والاستيلاء على الاغوار وضم اجزاء واسعة من الضفة الغربية واغلاق الباب امام شعبنا في ممارسة حقه في العودة ومن اجل المحافظة على منجزات ومكتسبات شعبنا التي حققها من خلال مسيرة كفاحه الطويل ووفاء لشهداء شعبنا العظيم وعذابات اسراه وجرحاه، وانطلاقا من اننا ما زلنا نمر في مرحلة تحرر طابعها الاساسي وطني ديمقراطي مما يفرض استراتيجية سياسية كفاحية متناسبة مع هذا الطابع، ومن اجل انجاح الحوار الوطني الفلسطيني الشامل، واستنادا الى اعلان القاهرة والحاجة الملحة للوحدة والتلاحم فإننا نتقدم بهذه الوثيقة >وثيقة الوفاق الوطني< لشعبنا العظيم الصامد المرابط، والى الرئىس محمود عباس ابو مازن، وقيادة منظمة التحرير الوطني الفلسطيني، والى رئيس الحكومة اسماعيل هنية، ومجلس الوزراء، والى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني واعضائه، ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني واعضائه، والى كافة القوى والفصائل الفلسطينية والى كافة المؤسسات والمنظمات الاهلية والشعبية وقيادة الرأي العام الفلسطيني في الوطن والمنافي آملين اعتبار هذه الوثيقة كلا متكاملا وان تلقى دعم ومساندة وموافقة الجميع وتسهم بشكل اساسي في التوصل الى وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني.

1- ان الشعب الفلسطيني في الوطن والمنافي يسعى من اجل تحرير ارضه وانجاز حقه في الحرية والعودة والاستقلال وفي سبيل حقه في تقرير مصيره بما في ذلك حقه في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على جميع الاراضي المحتلة عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين، وتحرير جميع الاسرى والمعتقلين مستندين في ذلك الى حق شعبنا التاريخي في ارض الاباء والاجداد، والى ميثاق الامم المتحدة، والقانون الدولي، وما كفلته الشرعية الدولية.

2- الاسراع في انجاز ما تم الاتفاق عليه في القاهرة اذار 2005 فيما يتعلق في تطوير وتفعيل منظمة التحرير الوطني الفلسطيني وانضمام حركتي حماس والجهاد الاسلامي اليها بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده وبما يتلاءم مع المتغيرات على الساحة الفلسطينية وفق اسس ديمقراطية ولتكريس حقيقة تمثيل منظمة التحرير الفلسطيني كممثل شرعي ووحيد لشعبنا وبما يعزز قدرة منظمة التحرير في القيام والنهوض بمسؤولياتها في قيادة شعبنا في الوطن والمنافي وفي تعبئته والدفاع عن حقوقه الوطنية والسياسية والانسانية في مختلف الدوائر والمحافل والمجالات الدولية والاقليمية وان المصلحة الوطنية تقتضي تشكيل مجلس وطني جديد قبل نهاية العام 2006بما يضمن تمثيل جميع القوى والفصادل والاحزاب الوطنية والاسلامية وتجمعات شعبنا في كل مكان وكافة القطاعات والمؤسسات والفعاليات والشخصيات على اساس نسبي في التمثيل والحضور والفاعلية النضالية والسياسية والاجتماعية والجماهيرية والحفاظ علي منظمة التحرير الفلسطيني اطارا جبهويا عريضا وائتلافا وطنيا شاملا واطارا وطنيا جامعا للفلسطينيين في الوطن والمنافي، ومرجعية سياسية عليا.

3- حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتمسك في خيار المقاومة بمختلف الوسائل وتركيز المقاومة في الاراضي المحتلة عام 67 الى جانب العمل السياسي والتفاوضي والدبلوماسي والاستمرار في المقاومة الشعبية الجماهيرية ضد الاحتلال بمختلف اشكاله ووجوده وسياساته، والاهتمام بتوسيع مشاركة مختلف الفئات والجهات والقطاعات وجماهير شعبنا في هذه المقاومة الشعبية.

4- وضع خطة فلسطينية للتحرك السياسي الشامل وتوحيد الخطاب السياسي الفلسطيني على اساس برنامج الاجماع الوطني الفلسطيني والشرعية العربية وقرارات الشرعية الدولية المنصفة لشعبنا تمثلها منظمة التحرير والسلطة الوطنية رئىسا وحكومة، والفصائل الوطنية والاسلامية، ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات والفعاليات العامة، من اجل استحضار وتعزيز وحشد الدعم العربي والاسلامي والدولي السياسي والمالي والاقتصادي والانساني لشعبنا وسلطتنا الوطنية ودعما لحق شعبنا في تقرير المصير والحرية والعودة والاستقلال ولمواجهة خطة اسرائيل في فرض الحل الاسرائيلي على شعبنا ولمواجهة الحصار الظالم علينا.

5- حماية وتعزيز السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها نواة الدولة القادمة هذه السلطة التي شيدها شعبنا بكفاحه وتضحياته ودماء وعذابات ابناءه وان المصلحة الوطنية العليا تقتضي احترام الدستور المؤقت للسلطة والقوانين المعمول بها بينهما واحترام مسؤوليات وصلاحيات الرئىس المنتخب لارادة الشعب الفلسطيني بانتخابات حرة ديمقراطية ونزيهة، واحترام مسؤوليات وصلاحيات الحكومة التي منحها المجلس التشريعي الثقة. واهمية وضرورة التعاون الخلاق بين الرئاسة والحكومة والعمل المشترك وعقد الاجتماعات الدورية بينهما لتسوية أية خلافات بالحوار الاخوي استنادا الى الدستور المؤقت والمصلحة الوطنية العليا وضرورة اجراء اصلاح شامل في مؤسسات السلطة الوطنية وخاصة الجهاز القضائي، واحترام القضاء بكافة مستوياته وتنفيذ قراراته وتعزيز وتكريس سيادة القانون.

6- تشكيل حكومة وحدة وطنية على اساس يضمن مشاركة كافة الكتل البرلمانية، وبخاصة حركتا فتح وحماس والقوى السياسية الراغبة على قاعدة هذه الوثيقة وبرنامج مشترك للنهوض بالوضع الفلسطيني محليا وعربيا واقليميا ودوليا ومواجهة التحديات بحكومة وطنية وقوية تحظى بالدعم الشعبي والسياسي الفلسطيني من جميع القوى وكذلك بالدعم العربي والدولي وتتمكن من تنفيذ برنامج الاصلاح ومحاربة الفقر والبطالة وتقديم افضل رعاية ممكنة للفئات التي تحملت اعباء الصمود والمقاومة والانتفاضة وكانت ضحية للعدوان الاجرامي الاسرائيلي وبخاصة اسر الشهداء والاسرى والجرحى واصحاب البيوت والممتلكات التي دمرها الاحتلال وكذلك العاطلون عن العمل والخريجون.

7- ان ادارة المفاوضات هي من صلاحية >م.ت.ف< ورئيس السلطة الوطنية على قاعدة التمسك بالاهداف الوطنية الفلسطينية وتحقيقها على ان يتم عرض أي اتفاق مصيري على المجلس الوطني الفلسطيني الجديد للتصديق عليه او اجراء استفتاء عام حيث ما امكن.

8- تحرير الاسرى والمعتقلين واجب وطني مقدس يجب ان تقوم به وبكافة الوسائل القوى والفصائل الوطنية والاسلامية و>م.ت.ف< والسلطة الوطنية رئيسا وحكومة والتشريعي وكافة التشكيلات المقاومة.

9- ضرورة العمل ومضاعفة الجهد لدعم ومساندة ورعاية اللاجئين والدفاع عن حقوقهم والعمل على عقد مؤتمر شعبي تمثيلي للاجئين ينبثق عن هيئات متابعة وظيفته التأكيد على حق العودة والتمسك به ودعوة المجتمع الدولي لتنفيذ قرار 194 القاضي بحق العودة للاجئىن وتعويضهم.

01- العمل على تشكيل جبهة مقاومة موحدة باسم >جبهة المقاومة الفلسطينية< لقيادة وخوض المقاومة ضد الاحتلال وتوحيد وتنسيق العمل والفعل المقاومة وتشكيل مرجعية سياسية موحدة لها.

11- التمسك بالنهج الديمقراطي وباجراء انتخابات عامة ودورية وحرة ونزيهة وديمقراطية طبقا للقانون، للرئيس والتشريعي وللمجالس المحلية والبلدية واحترام مبدأ التداول السلمي للسلطة والتعهد بحماية التجربة الفلسطينية الديمقراطية واحترام الخيار الديمقراطي ونتائجه واحترام سيادة القانون والحريات الضرورية والعامة وحرية الصحافة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز وحماية مكتسبات المرأة وتطويرها وتعزيزها.

21- رفض وادانة الحصار الظالم على شعبنا الذي تقوده الولايات المتحدة واسرائىل ودعوة العرب شعبيا ورسميا لدعم ومساندة الشعب الفلسطيني و >م.ت.ف< وسلطته الوطنية ودعوة الحكومات العربية لتنفيذ قرارات القمم العربية السياسية والمالية والاقتصادية والاعلامية الداعمة لشعبنا الفلسطيني وصموده وقضيته الوطنية والتأكيد على ان السلطة الوطنية الفلسطينية ملتزمة بالاجماع العربي والعمل العربي المشترك.

31- دعوة الشعب الفلسطيني للوحدة والتلاحم ورص الصفوف ودعم ومساندة >م.ت.ف< والسلطة الوطنية الفلسطينية رئىسا وحكومة وتعزيز الصمود والمقاومة في وجه العدوان والحصار ورفض التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية.

41- نبذ كل مظاهر الفرقة والانقسام وما يقود الى الفتنة وادانة استخدام السلاح مهما كانت المبررات لفض النزاعات الداخلية وتحريم استخدام السلاح بين ابناء الشعب الواحد والتأكيد على حرمة الدم الفلسطيني والالتزام بالحوار اسلوبا وحيدا لحل الخلافات والتعبير عن الرأي بكافة الوسائل بما في ذلك معارضة السلطة وقراراتها على اساس ما يكفله القانون وحق الاحتجاج السلمي وتنظيم المسيرات والتظاهرات والاعتصامات شريطة ان تكون سلمية وخالية من السلاح ولا تعتدي على المواطنين وممتلكاتهم والممتلكات العامة.

51- ان المصلحة الوطنية تقتضي ضرورة البحث عن افضل الاساليب والوسائل المناسبة لاستمرار مشاركة شعبنا وقواه السياسية في قطاع غزة في وضعه الجديد في معركة الحرية والعودة والاستقلال وتحرير الضفة والقدس وبما يجعل من القطاع الصامد رافعة وقوة حقيقية لصمود ومقاومة لشعبنا في الضفة والقدس وان المصلحة الوطنية تقضي باعادة تقييم الوسائل والاساليب النضالية الانجع في مقاومة الاحتلال.

61- ضرورة اصلاح وتطوير المؤسسة الامنية الفلسطينية بكل فروعها على اساس عصري وبما يجعلها اكثر قدرة على القيام بمهمة الدفاع عن الوطن والمواطنين وفي مواجهة العدوان والاحتلال وحفظ الأمن والنظام العام وتنفيذ القوانين وانهاء حالة الفوضى والفلتان الأمني وانهاء المظاهر المسلحة والاستعراضات ومصادرة سلاح الفوضى والفلتان الأمني الذي يلحق ضررا فادحا بالمقاومة ويشوه صورتها ويهدد وحدة المجتمع الفلسطيني وضرورة تنسيق وتنظيم العلاقة مع قوى وتشكيلات المقاومة وتنظيم وحماية سلاحها.

71- دعوة المجلس التشريعي لمواصلة اصدار القوانين المنظمة لعمل المؤسسة الامنية والأجهزة بمختلف فروعها والعمل على اصدار قانون يمنع ممارسة العمل السياسي والحزبي لمنتسبي الاجهزة والالتزام بالمرجعية السياسية المنتخبة التي حددها القانون.

81- العمل من اجل توسيع دور وحضور لجان التضامن الدولية والمجموعات المحبة للسلام لدعم صمود شعبنا ونضاله العادل ضد الاحتلال والاستيطان وجدار الفصل العنصري سياسيا ومحليا ومن اجل تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي والمتعلق بازالة الجدار والاستيطان وعدم مشروعيتها.

 

حركة التحرير الوطني الفلسطيني / فتح النائب مروان البرغوثي أمين سر الحركة

حركة الجهاد الاسلامي / الشيخ بسام السعدي

حركة المقاومة الاسلامية /حماس: الهيئة القيادية العليا/الشيخ عبد الخالق النتشة

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين / عبد الرحيم ملوح نائب الامين العام للجبهة

الجبهة الديمقراطية /مصطفى بدارنة

ملاحظة: حركة الجهاد الاسلامي تحفظت على البند المتعلق بالمفاوضات.

 

ملاحظات حول وثيقة الأسرى

 

 بعد أن تدارست اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، هذه الوثيقة قررت طرحها لتكون وثيقة الوفاق الوطني ، وفي حال عدم الإتفاق على هذا الطرح يتم طرحا لإستفتاء الشعب ، وهذا ما أثار زوبعة من الإنتقادات لهذا الطرح المسبق ، رغم  أن المؤتمرون ثمنوا جميع المبادرات والوثائق التي قدمت إلى المؤتمر وفي مقدمتها وثيقة الوفاق الوطني التي بادر إليها قادة الحركة الأسيرة "والتي نعتبرها أرضية صالحة للحوار الوطني.

 

أسرى حماس

 

فقد أعلن أسرى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في سجون نفحة وعسقلان والسبع (ايشل- اولي كيدار) والنقب وعوفر ومجدو أنهم لم يشاركوا مطلقا في صياغة أو نقاش ما عرف باسم وثيقة الأسرى وأنهم لم يطلعوا عليها سوى في جريدة القدس 11/5/2006، مؤكدين أنها لا تعبر عن الأسرى في السجون كافة ولا تمثل إلا من وقع عليها .

 

وقال الأسرى في بيان لهم ، بتاريخ 27/5/2006 إننا مع كل جهد أو مبادرة من شأنها تدعيم وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وتساعد على الوصول إلى هامش سياسي مشترك وبرنامج وطني مجمع عليه يصون الوحدة ويوحد الجهود ويعزز فرص انجاز الحقوق الفلسطينية الثابتة مع ضرورة أن تكون هذه المبادرات والجهود عوامل إسناد وتدعيم للمواقف المتمسكة بالثوابت الوطنية وجدارا في وجه التنازلات المجانية والبحث عن آليات جديدة لإدارة الصراع مع العدو بعيدا عن الآليات القديمة فاقدة الصدقية والجدوى".

وأكد الأسرى في بيانهم على "أن الوثيقة المشار إليها لا تعبر عن حقيقة موقفنا تجاه القضايا الوطنية الكبرى التي طرحت فيها، بل لدينا اعتراضا ورفضا صريحا لقضايا عدة وردت فيها كما أن لنا تحفظا على البعض الآخر"، موضحاً "أن موقفنا كأسرى لحركة المقاومة الإسلامية حماس في القضايا السياسية والوطنية تصل باستمرار وأولا بأول إلى قيادة الحركة ونحن نشارك في صناعة القرارات والمواقف الحمساوية الهامة والمصيرية على قدم وساق مع مؤسسات الحركة المختلفة مع قطاعاتها التنظيمية على اختلاف أماكن تواجدها".

 

وأشار إلى أن القيادة السياسية للحركة متمثلة في مكتبها السياسي هي المخولة بإعطاء المواقف السياسية النهائية والحوار بشأنها، منوها إلى "أن اعتراضنا على هذه الوثيقة ورفضنا لبعض ما ورد فيها لا ينتقص شيئا من قدر ومكانة الإخوة الذين شاركوا في صياغتها، بل إننا على ثقة بأن دافعهم الوحيد هو الحرص على القضية الفلسطينية ومستقبلها، والعمل على تدعيم الوحدة الوطنية والرغبة الصادقة في البحث عن مخارج للوضع السياسي الراهن وهذا شعور بالمسئولية نقدره عاليا، كما إننا نعتقد أن هذه الوثيقة ممكن أن تشكل أرضية للنقاش والحوار لكنها بل تأكيد بحاجة إلى تطوير وإثراء وتعديل العديد من بنودها". على حد بيان الأسرى.

 

محللون ومفكرون

 

وقد رأى الكثير من المحللين والمفكرين أن  وثيقة الاسرى ملغمة ومتناقضة تعبر عن التناقض السياسي بين فصائل العمل الوطني، وإن جمعت بنودها في وثيقة حملت أسم وثيقة الأسرى  لكنها وثيقة متناقضة مع ذاتها ومع مفاهيمها للمرحلة السياسية والأمنية الحرجة للواقع الفلسطيني ، ويبرز التناقض في أحد وجوهه في أن الوثيقة كما رأى الكاتب سميح خلف جمعت في نقاط غير واضحة وجهتي النظر الأساسيتين بالنسبة لرسم السياسة الفلسطينية بين مؤيد لحق المقاومة وبين مؤيد للاعتراف بالمبادرات العربية والدولية والتي تأتي في مقدمتها الإعتراف بإسرائيل ولم تحدد الفواصل بين الطرحين ، للخروج برأي توافقي خاصةً أن  الفقرة 3 في الميثاق تدعو صراحةً إلى حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتمسك في خيار المقاومة بمختلف الوسائل وتركيز المقاومة في الأراضي المحتلة عام ٦٧ إلى جانب ا لعمل السياسي والتفاوضي والدبلوماسي والاستمرار في المقاومة الشعبية الجماهيرية ضد الاحتلال بمختلف أشكاله ووجوده وسياساته، والاهتمام بتوسيع مشاركة مختلف الفئات والجهات والقطاعات وجماهير شعبنا في هذه المقاومة الشعبية" .

 

فكيف إذن يمكن الربط بين مقاومة الاحتلال واجراء التفاوض المرهون بالاعتراف باسرائيل أولا وكيف يتم التفاوض مع اسرائيل واسرائيل متشبثة بالقدس وأراضي واسعة من الضفة والمستعمرات والأمن .

 

الجهاد الإسلامي

 

ومن جهتها  رفضت حركة الجهاد الإسلامي قرار الرئيس الفلسطيني طرح ووثيقة الأسرى للاستفتاء الشعبي العام في حال عجزت الفصائل الفلسطينية المشاركة في الحوار الوطني التوصل إلى اتفاق خلال عشرة أيام.

وقال القيادي في الحركة الشيخ خالد البطش:" أن قضية إما أن نتفق وإما أن نذهب في استفتاء هذا كلام غير مقبول و لا يمكن للجهاد الإسلامي أن نختصر القضية الفلسطينية في عشرة أيام، وثم نقدم مبادرة مجانية للعدو.

 

وأضاف البطش أن عدة مبادرات قدمت للاعتراف بإسرائيل منذ 1974 وتم تعديل وثيقة الاستقلال في 88 للاعتراف بإسرائيل بالإضافة الى خارطة الطريق وشرم الشيخ وكل هذه المبادرات اعترفت بها السلطة والمنظمة ولم تحترمها إسرائيل ولم تعطنا حقنا فلماذا نحن نضيف انجازا آخر (لاسرائيل) على حساب الجهاد وحماس بالمجان" ونحن في الجهاد الإسلامي نرفض مبدأ وضع الفصائل في ضغط زمني من اجل اتخاذ قرارات" وفكرة الاستفتاء مرفوضة من قبلنا ونرفض أن يختصر القضية الفلسطينية في عشر أيام ويجب نعطي الوقت الكافي وان لا نتحاور تحت رحمة الوقت لا يمكن أن نقبل باستفتاء يمكن أن يؤثر على حق العودة واللاجئين فحق العودة لا نقبل أي مساومة عليه لا استفتاء عليه" و السبب في ذلك بأن وثيقة الأسرى "وقعت من قادة ومعتقلين في السجون وضعوا أساس لنا من أجل النقاش، ومسودة لكي نستكملها نحن في الخارج في وقت مريح. لكن لم يضعونا تحت سيف الوقت وقالوا لنا أما تقبلوها أو لا".

 

حركة حماس

 

أما حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس"فقد أكدت إنّ طرح فكرة الإستفتاء من قبل عباس قبل بدء الحوار هو استباقٌ للأمور، كما يمثّل محاولة لممارسة الضغط بهدف فرض رؤية معينة و شروط مسبقة. عدا عن أنّ طرح هذه الفكرة يعني تحميل الأطراف الأخرى مسؤولية فشل الحوار إذا حدث ذلك لا سمح الله".

وإنّ "التركيز على ورقة الأسرى دون غيرها من الأوراق هو انتقائيّة غير مقبولة، لأنّ الحوار يعني أنْ تكون جميع الأوراق والأفكار متاحة للبحث هذا مع تأكيدنا على اعتزازنا بالأسرى ودورهم".

 

وأشار أبو زهري  إلى أنّ حصر الحوار في عشرة أيام بدعوى حفظ الوقت هو أمرٌ غير مبرّر؛ لأنّ إعلان القاهرة مرّ عليه أكثر من سنةٍ دون تنفيذٍ فيما يخصّ البند المتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينيّة. كما أنّ طرح فكرة الاستفتاء هو التفافٌ على الخيار الشعبي والبرنامج السياسي الذي فازت على أساسه حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية الأخيرة، متسائلاً: "لماذا يجري اليوم القفز على مؤسسة المجلس التشريعي والذهاب مباشرةً إلى الاستفتاء بينما لم يكنْ يجري ذلك في الماضي؟!".

 

وأكّد أبو زهري على حرص حركة "حماس" على إنجاح الحوار بما يخدم مصالح شعبنا، وحرصها على سيادة القانون والحفاظ على النظام الأساسي في أطره الدستورية.

 

وقال المهندس زياد دية، عضو اللجنة التحضيرية للحوار عن حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس": إنّ "الحقوق والثوابت لا يُستَفْتى عليها، وإنما يتم الاستفتاء على أمورٍ اجتهادية وخلافية بين الناس، ولكن بدون المسّ بالثوابت، أمّا حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته وحقّه في أرضه فهي أمورٌ غير خاضعة لاستفتاء، وحتى لو صوّت كلّ الشعب الفلسطيني على التنازل عن شبرٍ واحد من فلسطين فهذا تصويتٌ غير شرعيّ لأنّ فلسطين أرض مقدسة وملك للمسلمين منذ عهد النبوة وحتى يومنا هذا، لا يجوز لنا كشعبٍ فلسطيني أنْ نتنازل عنها بأيّ حال من الأحوال".

 

وأضاف دية أنّ الطريقة التي طرح بها الرئيس مسألة الاستفتاء وتحديد مهلة عشرة أيام للخروج باتفاقٍ بين القوى المتحاورة، مرفوضة وتتنافى مع فكرة الحوار، وإنما هي دعوة للحوار تحت السياط، مؤكّداً أنّ الشعب الفلسطيني لديه الكثير من الإشكاليات التي تحتاج لوقتٍ كافٍ من أجل الخروج بحلولٍ واتفاقٍ على القواسم المشتركة.

 

وفيما يختصّ بتحفّظات حركة حماس على وثيقة الوفاق الوطني التي تبنّتها الحركة الأسيرة، قال دية: "إنّ أية وثيقة تتضمّن إشارة بالاعتراف بالكيان الصهيونيّ والتنازل عن أيّ شبرٍ من فلسطين، ولو ضمْناً، مرفوضة من جانبنا ولا يمكن النقاش فيها".

 

وأضاف أنّ الوثيقة تتضمّن بعض الألفاظ المطاطة مثل "الشرعية الدولية والشرعية العربية وما إلى ذلك" ، مشيراً إلى أن الحركة أبدت تحفّظها عليها بسبب عدم وضوحها.

 

 

البيان الختامي للمؤتمر

 

أكد مؤتمر الحوار الوطني على حرمة الدم الفلسطيني، وعلى ضرورة تعزيز سلطة القانون والنظام والقضاء على الفلتان الأمني، وجدد التأكيد على أن المقاومة حق مشروع وأن حق العودة هو حق مقدس للاجئين الفلسطينيين، مطالباً بتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية.

جاء هذا في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني والذي عقد جلساته في مقر الرئاسة في رام الله ومركز رشاد الشوا في غزة يومي 25 و26 أيار/مايو، وقد تلا البيان رئيس المجلس التشريعي د. عزيز الدويك بعد انتهاء الجلسات العلنية للمؤتمر بحضور عدد كبير من أعضاء المجلسين التشريعي والوطني وممثلي القوى الوطنية والإسلامية والفعاليات الشعبية وممثلي القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني من الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

حرمة الدم الفلسطيني

 

وأكد البيان على حرمة الدم الفلسطيني، وقال: إن التعارضات بين أبناء الخندق الوطني "ليست ولا يجب أن تكون تناقضات يستحيل حلها. إن التناقض غير موجود بين أبناء شعبنا وقواه المناضلة. ولهذا يؤكد المؤتمر إن كافة الاجتهادات وقضايا الخلاف لا بد أن تجد حلها الوطني بالحوار الديمقراطي وبالروح الوطنية العالية لدى شعبنا، فلا مكان لاستخدام السلاح بين أبناء القضية والمصير والخندق الواحد، والدم الفلسطيني دم غال ومقدس ومحرم علينا جميعا إراقة نقطة دم واحدة في غير مكانها الصحيح وضد العدو المغتصب الذي يحتل أرضنا ويشرد شعبنا".

وشدد البيان على أن "مؤتمر الحوار الوطني يرفض رفضا قاطعا الدعوات الخبيثة للاقتتال الداخلي الذي لن يستفيد منه غير عدونا المتربص بشعبنا وبوطننا وبمستقبلنا"، ودعا إلى تبني ميثاق شرف وطني بين جميع القوى والفصائل لتحريم الاقتتال الداخلي مهما كانت الأسباب والمبررات والذرائع، مؤكداً أن "الجدل السياسي بين أطراف الصف الوطني يجد حله لمصلحة شعبنا على طاولة الحوار، وبالحوار، وليس بالسلاح وإراقة الدم الفلسطيني".

 

 

 

الحصار السياسي والاقتصادي والمالي المفروض على شعبنا:

 

 وأكد البيان أن رفض مؤتمر الحوار الوطني القاطع للحصار "الذي يتعرض له شعبنا منذ ثلاثة أشهر، وبعد إجراء الانتخابات التشريعية من قبل الولايات المتحدة و(إسرائيل)" واعتبر أن "هذا الحصار هو بمثابة عقوبات جماعية مفروضة على شعبنا الذي يتعرض للاحتلال والعدوان اليومي والاستيطان (الإسرائيلي) وجدار الفصل العنصري، مشدداً على أن "هذا الحصار لن يخدم أبدا الأمن والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط".

وقال: "إن هذا الوضع الخطير يتطلب تحركا عربيا ودوليا لوقف الحصار واستئناف تقديم المساعدات والمعونات الدولية لشعبنا. وكذلك العائدات الجمركية التي تحتجزها حكومة (إسرائيل) للشهر الثالث على التوالي"، وأضاف: "إن مؤتمر الحوار الوطني الذي يدين هذا الحصار الظالم يدعو كافة قوى شعبنا وفصائلنا إلى القيام بتحركات ونشاطات وطنية موحدة في جميع المحافظات الجنوبية والشمالية لإسماع صوت شعبنا المحاصر إلى العالم كله".

 

خطة أولمرت الأحادية والاستيطان والجدار

 

وأعلن البيان أن "مؤتمر الحوار الوطني الذي يمثل كل قوى شعبنا الصامد المرابط، يعلن رفضه القاطع وتصديه ومقاومته لخطة أولمرت لابتلاع أرضنا وتمزيق وطننا إلى غيتوهات وكانتونات معزولة تدور في الفلك الأمني الإسرائيلي، ويرفض كافة المحاولات الاستيطانية (الإسرائيلية) لابتلاع القدس الشريف والأغوار وضم المستوطنات إلى الكيان (الإسرائيلي)، والذي سيؤدي في حال تنفيذه إلى ابتلاع 58 بالمائة من الأرض الفلسطينية".

وأكد البيان على أن "السلام لن يتحقق ما دام الاستيطان والجدار في أرضنا الفلسطينية، فلا سلام ولا أمن في ظل الاستيطان والجدار. ويؤكد المؤتمر على استحالة تحقيق الأمن والسلام بدون الانسحاب (الإسرائيلي) الشامل من أرضنا الفلسطينية والمحتلة في عدوان عام 1967"، داعياً كافة الأطراف العربية والدولية إلى التصدي لخطة أولمرت الاستيطانية والتوسعية.

كما دعا المؤتمر إلى تفعيل الحكم القضائي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي وأعلنت فيه بطلان الاحتلال والاستيطان والجدار العنصري وبخاصة في القدس الشريف.

وشدد البيان على "تمسك شعبنا بأرضه وبحقه في تقرير المصير وفي العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ويرفض رفضا قاطعا خطة أولمرت والدولة ذات الحدود المؤقتة".

 

 

 

تعزيز سلطة القانون والنظام والقضاء على الفلتان الأمني

 

 واعتبر مؤتمر الحوار الوطني أن "تعزيز سلطة القانون والنظام والقضاء المستقل هي من أولى المهام الوطنية الملقاة على عاتقنا جميعا، فلا سلطة في وطننا تعلو فوق سلطة القانون الذي ارتضيناه جميعا لإدارة مجتمعنا ووطننا"، وأكد أن "ظاهرة الفلتان الأمني تشكل تهديدا خطيرا لأمن الوطن والمواطن ولا بد من التصدي لها بكل حزم"، وأضاف: "نؤكد على التمسك الكامل بالقانون الأساسي الذي ينظم عمل كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في السلطة الوطنية".

وشدد البيان على ضرورة "تعزيز الأجهزة الأمنية ومدّها بكافة الإمكانيات سواء بالرجل أو بالسلاح لتكون قادرة على وضع حد للفلتان الأمني الذي يشكل ظاهرة خطيرة تهدد سلطة القانون والنظام العام وأمن الوطن والمواطن"، داعياً إلى "إصلاح جهاز القضاء وتفعيل دوره وتنفيذ أحكامه في ظل استقلال كامل للسلطة القضائية بكل هيئاتها".

 

تفعيل وتطوير منظمة التحرير

 

وأوضح البيان أن المؤتمرين دعوا محمود عباس رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى توجيه دعوة اللجنة العليا المنبثقة عن حوار القاهرة، والمشكلة من رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني والأمناء العامين لجميع الفصائل الفلسطينية وشخصيات وطنية مستقلة بأسرع وقت ممكن وبما لا يتجاوز نهاية حزيران/يونيو "بهدف تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية.

 

المقاومة حق مشروع

 

كما أكد البيان على أن "مقاومة الاحتلال والاستيطان هي حق مشروع لشعبنا كفلته لشعبنا الشرائع السماوية والدولية"، داعياً "كافة قوى شعبنا وقطاعاتنا الجماهيرية الصامدة في وجه العدوان والاستيطان والجدار إلى تشكيل لجان الوحدة الوطنية للدفاع عن الأرض والإنسان في كل قرية ومدينة".

 

حق العودة حق مقدس للاجئين الفلسطينيين

 

وشدد المؤتمر على أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي قضية وطن وهوية ومستقبل، وقال البيان: "يؤكد المؤتمر تمسكه الكامل بالقرار الدولي 194 الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم ووطنهم، ويرفض المؤتمر كافة المحاولات الرامية إلى إسقاط حق عودة اللاجئين وتشريدهم في أقطار الدنيا. ويؤكد أن حق اللاجئين حق مقدس في وطنهم وهو حق جماعي وفردي ولا يمكن لأي قوة في الأرض أن تسقط حق شعبنا وحق لاجئينا في وطنهم وأرضهم وديارهم".

 

وثيقة الوفاق الوطني من الحركة الأسيرة

 

وثمن المؤتمرون جميع المبادرات والوثائق التي قدمت إلى المؤتمر وفي مقدمتها وثيقة الوفاق الوطني التي بادر إليها قادة الحركة الأسيرة "والتي نعتبرها أرضية صالحة للحوار الوطني"، كما جاء في البيان الذي أضاف: "يؤكد المؤتمر أن كافة الهيئات والقوى والطاقات تعمل من دون توقف من أجل إطلاق سراح أسرانا ومعتقلينا" داعياً كافة لجان حقوق الإنسان إلى تعزيز جهدها بهذا الاتجاه.

 

لجنة الحوار الوطني

 

ولفت البيان إلى أن مؤتمر الحوار الوطني "قرر في نهاية أعماله تشكيل لجنة الحوار الوطني برئاسة الأخ الرئيس "أبو" مازن"، والتي تضم في عضويتها ممثلين عن المجلسين الوطني والتشريعي وعن اللجنة التنفيذية والحكومة وكل فصائل العمل الوطني والإسلامي والكتل البرلمانية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، وستباشر اللجنة عملها فورا برئاسة الرئيس للخروج ببرنامج عمل وطني موحد يعزز الصفوف ويعمق وحدتنا الوطنية".

 

خلاصة وتوصيات

بعد أن شخص وسلط الضوء على المشهد الفلسطيني ، حول مؤتمر الحوار ،وقرئ طبيعة الخطاب الذي تجسد منذ اللحظات الأولى من انطلاق المؤتمر ، أجد بأننا ما زلنا بعيدين أن أجواء التفاؤل المبني على أسس ومعطيات ، واضحة وقوية تجعل المواطن الفلسطيني ، ينظر إلى ما يجري من لقاءات وحوارات ومؤتمرات فلسطينية فلسطينية بعين الجدية والرغبة الحقيقية من قبل المؤتمرين أصحاب القرار بانقاذ المجتمع الفلسطيني من مآزقه وأوضاعه الخطيرة وواقعه الصعب ، بل إن الحقيقة المرة التي باتت على لسان كل فلسطيني ، تتمثل في أن أزمتنا ليست بأزمة خارجية ، بل إن أزمتنا داخلية ، لعبت ظروف خارجية في تعميقها  فكما يبدو فإن عقلية نفي الآخر ، وسياسة فرض الأمر الواقع ما زالت هي المسيطرة على الخطاب الفلسطيني ، وقد لاحظنا في خطاب الرئيس عباس هذه العقلية والسياسة ، إذ إن مجرد محاولة فرض وثيقة الأسرى على المشاركين وإن كانت محل تقدير من الجميع ، يعني أن على المشاركين تعطيل عقولهم وحصر نقاشاتهم بوثيقة واحدة ، وهذا أمر بالغ الخطورة .

من هذا المنطلق وحرصاً على لحمة شعبنا ووحدته ومصالحه العليا وتعزيزاً لكل أشكال الصمود في وجه الحصار الذي يمارس على شعبنا ، فإن الواجب يحتم علينا ما يلي :  

1- استمرار الحوار حول مختلف القضايا وعدم الاحتكام إلا إلى لغة الحوار والتفاهم .

 

2- تطوير الأنظمة المساندة لترسيخ ثقافة الحوار بدلاً من ثقافة العنف ولتكن البداية بتطوير الأنظمة التعليمية على كافة المستويات.

 

3- تطوير أداء وتحفيز وسائل الإعلام لتكون رافداً ومنبر توافق وطني لا أبواق فتنة .

 

4- تشجيع مراكز البحث العلمي لتقوم بدورها تجاه الوطن والمواطن ، وحثها على إجراء  الأبحاث،العلمية المتخصصة ، من أجل تمكننا من رسم استراتيجيات عمل ناجحة في مختلف المجالات.

 

5- التنسيق بين مختلف برامج العمل الخدمي للمؤسسات الأهلية ورفع مستوى عمل وأداء هذه المؤسسات بما يعزز دورها في تقاسم الأعباء مع المؤسسات الحكومية.

 

6- استخدام وسائل وأنظمة المعلومات الحديثة لتحقيق مختلف الأهداف ، والإستفادة من خبرات ونجاحات الآخرين ، بما يتفق مع واقعنا وقيمنا .

 

7- تكثيف لقاءات المسئولين السياسيين بالجماهير، وتبادل الرأي، واتخاذ القرارات، وسَن التشريعات، التي تخدم المصالح العليا وذلك كله من أجل :

 

1-                     الخروج من المأزق الذي يعيشه الواقع الفلسطيني على مختلف الصعد والمجالات ، بفعل الحصار الشامل المفروض على الشعب الفلسطيني ومعاقبته على خياره واختيارة الحر والنزيه.

2-                                                           وقف كافة أشكال التوتر في الشارع الفلسطيني ، ووقف كل مظاهر التسلح غير الرسمية .

3-                                                           تفعيل دور الأجهزة الأمنية ، على اعتبار أنها أجهزة للوطن والمواطن وليست لهذا الحزب أو ذاك .

4-                    العمل على وضع سياسة اقتصادية شاملة تعمل على تحقيق استقلال اقتصادي ولو بشكل تدريجي عن الكيان الصهيوني.

5-                    توحيد الموقف السياسي وعدم البقاء في ظل منبرين وموقفين سياسيين متمثلين في الحكومة والرئاسة ، خاصةً أن الشارع الفلسطيني بات يشعر أن القضية قزمت لتصبح مجرد مصالح متنازع عليها بين تنظيمين كبيرين ، هما حماس وفتح ولم تعد القضية التاريخية تهمهم بالقدر الذي يهمهم الحفاظ على مصالحهم في السيطرة والنفوذ .

 

المراجع

1- القرآن الكريم .

2-0 الأحاديث النبوية.

3- موقع الشبكة الإسلامية .

http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?lang=A&id=1375

4- موقع الوحدة الإسلامية.

http://www.alwihdah.com/adab-hewar.asp

5- موقع محمد سعيد البوطي .

6- موقع مفكرة الإسلام.

http://www.islammemo.cc/KASHAF/one_news.asp?IDnews=738 

7- جريدة القدس .

8- جريدة النهار.

9- جريدة الرسالة.

10- جريدة الحياة.

11- موقع صحيفة الحقائق.

12- فلسطين اليوم.        

 http://www.paltoday.com/arabic/news.php?id=30740

13- موقع النور/ محمد صوان.

http://www.an-nour.com/244/politics/politics03.htm

14- صحيفة الوطن القطرية 16/5/2006 / مقالة / أيمن ياغي / مؤتمر الحوار هل يتصدى للتحديات .

15- اسلام أون لاين / محمد جمال عرفة/ الحوار الفلسطيني.. العقدة في "الفصائل :

http://www.islamonline.net/arabic/politics/2003/12/article06.shtml

16- موقع الشبكة الإسلامية:

http://www.islamweb.net/ver2/Archive/readArt.php?id=133483

17- موقع إيلاف.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2006/5/151057.htm

18- موقع اخوان اون لاين.

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ID=20686&SectionID=231

19- المركز الفلسطيني للإعلام / البيان الختامي.

http://www.palestine-info.info/arabic/palestoday/dailynews/2006/may06/27_5/details1.htm#1

20- كلمة رئيس الوزراء :

http://www.palestine-info.info/arabic/hamas/hewar/2006/ismael_haneya/25_5_06.htm

21- مجلة فلسطين الإلكترونية.

http://www.falasteen.com/article.php3?id_article=7197

http://www.minfo.gov.ps/mawqef/arabic/27-05-06a.htm

22- فلسطين اليوم. 

http://www.paltoday.com/arabic/news.php?id=31282

23- دنيا الوطن.

http://www.alwatanvoice.com/articles.php?go=articles&id=45596

24- مفكرة الإسلام.

http://www.islammemo.cc/news/one_news.asp?IDnews=111560

25- العربية نت.

http://www.alarabiya.net/Articles/2006/05/25/24055.htm

25- دنيا الوطن.

http://www.alwatanvoice.com/articles.php?go=articles&id=45592

26- المركز الفلسطيني للإعلام.

http://www.palestine-info.info/arabic/hamas/documents/2006/27_5_06.htm

 

الأبحاث المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ